ما مدى معرفتك حقاً بالمدير الفني بيب غوارديولا؟ هل بالقدر الكافي لتدعوه باسمه الأول؟ انغماسنا في متابعةِ الشخصيات العامة عبر وسائل التواصل والأخبارِ المتواصلة على مدار الساعة، يجعلنا أحياناً نتصرف كأننا نعرفهم من قرب. ساعات من المشاهدة على الشاشات وعلى الخطوط الجانبية للمباريات تدفعنا إلى الاعتقاد أننا قادرون على قراءة أفكارهم، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
غوارديولا يدرب منذ 20 عاماً، أشرف على 3 أندية في 3 دول، وخاض مئات المباريات، وتحدث لساعات طويلة في المؤتمرات الصحافية.
حتى السير الذاتية مثل «بيب كونفيدينشال» ادّعت أنها كشفت عن أسرار فلسفته وأساليبه. ومع ذلك، يبقى الرجل غامضاً؛ صعبَ التصنيف... لا يمكنك حصره في قالب محدد. يكره مصطلح «تيكي تاكا» الذي ارتبط باسمه، وينكر أنه لعبه يوماً. أحياناً يترك انطباعاً بأنه يريد فريقاً كاملاً من لاعبي الوسط، ثم يفوز بثلاثية ثانية مع 4 قلوب دفاع.
في الهجوم، بدا أنه يفضّل «المهاجم الوهمي»، أو اللعب من دون مهاجم، أو مهاجم بارع في التمرير... أي شيء عدا المهاجم التقليدي. هل ما زلت تظن أنك فهمت غوارديولا؟ كما في شعار برنامج قديم على قناة «إم تي في»: «تظن أنك تعرف... لكنك في الحقيقة لا تعرف شيئاً».
عندما تعاقد مانشستر سيتي مع إيرلينغ هالاند، لم يكن يُنظر إليه على أنه «لاعب بيب» نموذجي. تحليلات كثيرة، منها مقال لزميل سابق، عارضَتِ التوقيع، متذرعة بفارق المستوى بين «البوندسليغا» و«الدوري الإنجليزي»، وبأن أسلوب دورتموند مختلف عن سيتي، وبأن هالاند لا يجيد التمرير والربط بالمعايير نفسها لغوارديولا.
لكن تلك التحليلات تجاهلت الصورة الأوسع: قدرة هالاند التهديفية الفذة؛ فقد أصبح الأسرع وصولاً إلى 50 هدفاً في تاريخ الدوري الإنجليزي، ونال «الحذاء الذهبي» مرتين في أول 3 مواسم، ويُتوقع أن يحطم رقم ألان شيرر التاريخي مبكراً.
إذا كان تسجيل الأهداف هو أصعب ما في كرة القدم، فإن التركيز على عيوب هالاند الأخرى بدا أمراً غريباً. وهنا نصل إلى الطرف الآخر من الملعب، وزميله الجديد: الحارس العملاق جيانلويجي دوناروما.
ظهر دوناروما أول مرة مع ميلان وهو في الـ16، وحمل قميص منتخب إيطاليا في الـ17. اللعب في «سان سيرو» تحت الضغط الإعلامي الهائل كان كفيلاً بتحطيم لاعبين أعلى خبرة، لكنه لم يتأثر. لا يزال عمره 26 عاماً ويقترب من مباراته الـ500 في كرة القدم الاحترافية.
تحمّل لقب «بوفون الجديد» وأنه أعلى اللاعبين أجراً في إيطاليا وهو مراهق مع ميلان وباريس سان جيرمان. فرض نفسه على حساب حراس كبار جاءوا من ريال مدريد. نال جائزة «أفضل لاعب» في «يورو 2020» عندما قاد إيطاليا إلى اللقب، ثم جائزة «ياشين» من «فرنس فوتبول» عام 2021، وهو مرشح قوي لنيلها مجدداً بعد دوره في تتويج سان جيرمان بدوري الأبطال. وفقاً لإحصاءات «أوبتا»، لم يتفوق على دوناروما في منع الأهداف المتوقعة سوى حارسين فقط في الدوريات الخمسة الكبرى خلال العقد الأخير.
ومع ذلك، تبقى إنجازاته في الظل، يُنظر إليها على أنها أمور ثانوية. يعود ذلك جزئياً إلى دراما المفاوضات التي يقودها «فريق رايولا»، والتي جعلته يغادر ميلان ثم باريس وسط أجواء مشحونة. ميلان فاز بالدوري في أول موسم بعد رحيله، مع تألق مايك مينيان الذي أصبح جزءاً أساسياً من اللقب. لكن مينيان نفسه تراجع لاحقاً، وصار جمهوره ينتقد هشاشته.
في باريس، جاء لوكاس شوفالييه بوصفه «بديلاً مختلف الملف»، في صفقة لم تُعزل عن تجاذبات تجديد عقد دوناروما حتى «كأس العالم للأندية». ومع ذلك، سُلطت الأضواء أكثر على عيوب دوناروما بالكرة، رغم أن شوفالييه نفسه أقل دقة في التمرير، وأضعف في البناء من الخلف، وفق الإحصاءات. صحيح أن طول دوناروما (196 سنتيمتراً) يجعله يبدو ثقيل الحركة بالكرة، لكنه ليس سيئاً كما يُشاع. والسؤال هو: هل هو جيد بما يكفي لمتطلبات غوارديولا؟

لو كان انتقل إلى ريال مدريد أو أتلتيكو، ربما لم تكن لتثار هذه الضجة، فكارلو أنشيلوتي (مدرب الريال سابقاً) ودييغو سيميوني يطلبان من حارسيهما كورتوا وأوبلاك التصدي أولاً، أما صناعة اللعب فهي ثانوية، لكن غوارديولا صنع توقعاً آخر منذ أن استغنى عن جو هارت وجلب كلاوديو برافو. ثم رفع إيدرسون وأليسون المعايير، وأصبح الحراس «لاعبين ميدانيين بالقفازات».
ومع ذلك، إذا تأملنا آخر بطلين لدوري الأبطال، ريال مدريد وسان جيرمان، فسنجد كورتوا ودوناروما حسما المباريات بتصديات خارقة. ربما غوارديولا، في ظل فريق أقل سيطرة ودون دي بروين لفترات، يرى أن سيتي بحاجة إلى دوناروما لمواجهة الفوضى الجديدة.
قال دوناروما بعد انتقاله مقابل 25.9 مليون جنيه إسترليني (35 مليون دولار): «حين يريدك نادٍ مثل مانشستر سيتي بهذه القوة، فهذا يعني أنك قدّمت عملاً عظيماً. أن تكون مطلوباً من أحد أفضل المدربين في العالم؛ شعورٌ لا يوصف».
إذا كان هذا هو التطور الجديد لسيتي، فقد يكون التوازن بين التوزيع والتصدي مربحاً في النهاية. نجاح مدريد وباريس مؤخراً يذكّر بمقولة بانتاليو كورفينو التي استشهد بها أنطونيو كونتي: «قد تتزوج المرأة الخطأ، لكن لا يمكنك التعاقد مع الحارس أو المهاجم الخطأ».
دوناروما، بشكل ما، هو «هالاند حراس المرمى»... تُضخَّم عيوبُه، بينما يُستهان بموهبته الاستثنائية في أهم أساسيات مركزه: التصدي.
