كيف عبَّرت الرواية الإماراتية عن الهوية الثقافية للمجتمع؟

الأكاديمية مريم الهاشمي ترصد تحولاتها ومراحلها التاريخية

كيف عبَّرت الرواية الإماراتية عن الهوية الثقافية للمجتمع؟
TT

كيف عبَّرت الرواية الإماراتية عن الهوية الثقافية للمجتمع؟

كيف عبَّرت الرواية الإماراتية عن الهوية الثقافية للمجتمع؟

في كتابها «التحولات السردية في الأدب الإماراتي: الرواية الإماراتية الجديدة أنموذجاً - دراسة فنية» الصادر عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، تقدّم الكاتبة والناقدة الإماراتية الدكتورة مريم الهاشمي قراءة لبعض الروايات الإماراتية الجديدة، تكشف من خلالها عن التحولات السردية في الأدب الإماراتي.

في مقدمة الكتاب، تعرض الباحثة القضايا التي تثيرها الرواية، مثل مكان ظهورها وزمانها ومراحلها التاريخية. حيث تشير إلى أن العلاقة بين الجنس والنص هي علاقة معقدة ومتحولة، وأن الرواية نوع من الأجناس الأدبية المتشعبة والمتنوعة، لها خصوصيتها وجذورها الضاربة في الملحمة والشعر الغنائي والأدب الشفوي. كما تشير إلى أن الرواية اقترنت في بدايتها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر بوظيفة التسلية والفكاهة، ثم تطورت للتعليم والوعظ والإرشاد، وفي بداية القرن العشرين اتخذت بشيء من التعميم أحد الاتجاهات الثلاثة: الاتجاه الرومنطيقي، والاتجاه التاريخي، والاتجاه الواقعي. وأن تعبير الرواية الجديدة حمل إشكالية اصطلاحية لدى البعض، وأن المصطلح تمت استعارته من بيئات أخرى، مثل الرواية الفرنسية الجديدة.

وترى أن الإمارات، تُعدُّ من المجتمعات سريعة التغير والأكثر انفتاحاً على الآخر، وأن ذلك أثَّر على التعبير عن الواقع والذات وعلى اللغوية الإبداعية؛ لتزدهر الرواية وتتعدد أنواعها، وتتسع أغراضها، وتتنوع مصادرها، وتتسارع في تطورها، وتمردها على القوالب واستيعابها كثيراً من عناصر الفنون وانتشارها في كل الآداب المعاصرة.

وتقول إن الرواية الإماراتية، هي نص تخييلي سردي يدور حول شخصيات متورطة في حدث، وهي كذلك تمثيل للحياة والتجربة واكتساب المعرفة.

ومن خلال قراءة بعض الروايات الإماراتية؛ عرضت المؤلفة في الفصل الأول، اتجاهات الخطاب السردي في الرواية الإماراتية الجديدة، ومنها: الاتجاه التاريخي، والواقعي، والعجائبي. أما في الفصل الثاني «تطور التقنيات الفنية السردية في الرواية الإماراتية الجديدة»، فقد عرضت لكثير من التقنيات الفنية الخاصة بكتابة الرواية الإماراتية، ومنها: تقنية السارد، والتقنية الزمانية، والتقنية المكانية، والتقنية الحوارية، وتقنية الشخصية، وتقنية اللغة.

الرواية الإماراتية

ترصد الهاشمي مسيرة الرواية الإماراتية، والتنوع الذي تتميز به، وتعبيرها عن الهوية الثقافية للمجتمع الإماراتي. حيث تعرض لرواية «ثلاثية الدال» لنادية النجار، التي تناولت فترة الستينات في الإمارات، وحادثة احتراق سفينة «دارا»، والتي عرضت من خلالها تراث المنطقة بانسيابية سردية للأحداث. ثم عرضت لرواية «رحلة غريسة» للكاتبة فاطمة حمد بوعيسى الشامسي، التي تداخل فيها التاريخ مع السيرة في توليفة تراثية ثرية، يمكن أن تكون مرجعاً للعادات القديمة والتراث، والألعاب الشعبية، واللهجة، والحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ فهي تقف على الحياة في الإمارات قبل مائة عام، بخاصة منطقتا عجمان ورأس الخيمة. ثم عرضت لرواية «يوميات روز» للكاتبة ريم الكمالي، التي تناولت قضية تعليم المرأة وتمكينها، والتي ارتبط فيها التاريخ بالحياة الاجتماعية.

وعرضت لرواية «رياح من طشقند» لمنى التميمي، التي تسقط التاريخ على الحاضر، والاعتبار من أخطاء الماضي برؤية وعظية. ثم عرضت لرواية «في فمي لؤلؤة» للكاتبة ميسون القاسمي، التي اعتمدت على المعطيات التاريخية في خطابها السردي.

وتوضح الكاتب أنه على رغم أن الرواية والتاريخ ينتميان إلى حقلين متباعدين، فالتاريخ يستند إلى المادة الواقعية، والرواية تعتمد في بنائها المادة التخييلية، لكنهما ينتميان إلى مملكة السرد، وصارت أشكال التبادل بينهما ميسورة نسقياً. كما أن نظرة الفن إلى سياق الواقع بصفة عامة تقوم على تخييله، فنكون أمام ذاكرتين: الأولى: تاريخية تسجيلية تنتمي إلى حقل التاريخ، والأخرى: جمالية تعتمد على لعبة الخيال.

الاتجاه الواقعي

وعن الاتجاه الواقعي للرواية الإماراتية، ذكرت المؤلفة أنه في العمل الروائي يوجد تكامل بين الفن والوعي، وبين الذات والموضوع، وبين بنية شكلية فنية وبنية موضوعية اجتماعية، وأن الرواية استطاعت أن تتمثل الواقع وتعكس صورته. كما أن الذات المتلقية هذا الفن سوف تنظر إليه من خلال عين أخرى، هي عين المبدع الذي اختار أن يمنح تجربته مع هذا الواقع قدراً من البقاء عبر التواصل مع فضاءات أخرى؛ ليتحول الواقع المرئي عبر هذه العين المبدعة إلى ما يشبه المرآة، التي يمكن للقارئ أن يرى فيها ذاته الفردية، وجماعته والظرف الزمني الذي يحتويه. والرواية الواقعية هي من أكثر الأنواع الروائية التي تحتمل تداخل الأجناس الأدبية في رحمها، وتعيد إحياءها في خطابها السردي؛ كالتراث، والأسطورة، والشعر، والقصة الشعبية، والملحمة والأرجوزة.

كما عرضت لبعض الروايات الواقعية الإماراتية، مثل رواية «رحلة غريسة» للكاتبة فاطمة الشامسي، التي تعكس واقع أمة وحضارتها وواقع إنسان عاش فترة ناضل فيها من أجل لقمة العيش. ثم عرضت لرواية «كولاج» للكاتبة فتحية النمر، التي تحكي عن القضايا الاجتماعية في المجتمع الإماراتي، والتي طرأت بفعل الانفتاح الحضاري، والتغير القيمي، والاحتكاك الثقافي مع الآخر، ثم عرضت لرواية «الهائمون» للكاتبة نجيبة الرفاعي، ورواية «ريتاج» للكاتب حمد الحمادي، ورواية «سين تريد ولداً» للكاتبة لطيفة الحاج، التي تطرح قضية الزواج في مجتمع منفتح ومتطور اقتصادياً وثقافياً، ونظرة الرجل للمرأة في المجتمع الحديث.

وتضيف الكاتبة أن الرواية في طرحها قضايا مجتمعية وواقعية – تُعدُّ توثيقاً للمجتمع وقضاياه خلال زمن كتابة الرواية أو زمن الخطاب السردي؛ فالمجتمع دائم التغير والتبدل، ليأتي دور الخطاب السردي في الأعمال الروائية كالراصد المستمر لتلك التحولات كونها من أكثر الأجناس الأدبية الحاملة لهم القضايا المجتمعية والكاشفة عن أسرارها وخباياها بواسطة اللغة والتقنيات السردية.

الاتجاه العجائبي

وعرجت الباحثة على الاتجاه العجائبي في الرواية الإماراتية، لافتة إلى أنه يعتمد على ثقافة الأديب ورؤيته للآداب الأخرى، عن طريق الخروج من الواقع إلى أشياء غير مألوفة تتعدى مخيلة الإنسان. وأن هذا النوع من الخطاب السردي في دولة الإمارات قائم على السحر والتحول واستحضار الجن، والغرائبية التخييلية، والتنقل عبر فضاءات غيبية غامضة ومخيفة.

ثم قدمت قراءة لبعض الروايات الإماراتية التي تعتمد هذا الاتجاه، ومنها: رواية «ثنايئة مجبل بن شهوان»، ورواية «زينة الملكة» للكاتب علي أبوالريش، ورواية «عذراء وولي وساحر» للكاتبة سارة الجروان الكعبي، ورواية «ربيع الغابة» لجمال مطر، ورواية «ك – ص: ثلاثية الحب والماء والتراب» لعلي أبو الريش ورواية «غرفة واحدة لا تكفي» لسلطان العميمي.

التقنية الزمنية والمكانية

وعن التقنية الزمنية في الرواية، تذكر المؤلفة أن الزمن يُعدّ أحد مكونات العمل الأدبي؛ فالزمن في الأدب هو الزمن الإنساني، وهو مكونً للنص الأدبي، له ارتباطه بعناصر أخرى مهمة للعمل منها المكان؛ فالزمن حركة لا تتم إلا في مكان. وله ارتباط كذلك بشخصيات العمل الأدبي وأحداثه ولغته، بل هو صانع الأحداث ومؤثر في صيرورتها.

وعرضت المؤلفة للتقنية الزمنية في رواية «الهائمون» للكاتبة نجيبة الرفاعي، وكذلك في رواية «يوميات روز» للكاتبة ريم الكمالي، وفي رواية «رياح من طشقند» للكاتبة منى التميمي. وفي رواية «دائرة التوابل» لصالحة عبيد.

وذكرت أن الرواية الإماراتية الجديدة، اتجهت إلى تفعيل البنية الزمانية بشكل أكبر؛ ما شكَّل نقلة نوعية في توظيفها تقنيةً فنيةً واضحة الحضور في النص السردي. ولم يعد الزمن هو الزمن الآني أو الماضي؛ بل أصبح الجمع بين زمانين مختلفين في البعد الحضاري والمكاني واللغوي والقيمي. ثم عرضت لتقنية الاسترجاع أو الفلاش باك، ومدى ارتباطها بالتناص الأدبي بكل أنواعه.

وبخصوص التقنية المكانية في الرواية الإماراتية، ذكرت المؤلفة أن وظيفة المكان في العمل الروائي لا يمكن أن تكون مجرد وظيفة تزيينية أو منفصلة عن باقي عناصر الرواية، أو زائدة عليها، إنما يقدم المكان دلالات رمزية متعددة حسب رؤية مؤلف الرواية واستجابة القارئ وما يراه من تأويلات قد تختلف من متلقٍ إلى آخر بوصفه عنصراً متداخلاً ومتحداً مع باقي مكونات العمل الروائي. وعرضت المؤلفة قراءة لبعض الروايات الإماراتية التي وظفت تقنية المكان. وتحدثت عن التعددية المكانية والفضاء المكاني، ودور المكان في خيال المتلقي، ورمزية المكان، ودور المكان في الكشف عن التاريخ وتفاصيل الحياة، ودوره في تفعيل الحواس وتحريك البصر لدى المتلقي، ليصبح جزءاً من المكان.

الحوار في الرواية

ثم عرضت المؤلفة للتقنية الحوارية في الرواية الإماراتية، مشيرة إلى أن الحوارية تعمل أحياناً على تقديم صوت الشخصية مستقلة عن صانعها، وأحياناً لا يمكن الفصل بين الصوتين، وقد يتماهى الصوت الداخلي للشخصية مع الصوت الخارجي؛ وهو ما يحيلنا إلى التناص الأدبي. ثم عرضت لأنواع التقنية الحوارية وطرق توظيفها بما يخدم رؤية الكاتب الإبداعية في بعض الروايات الإماراتية ومنها: رواية «كمائن العتمة» للكاتبة فاطمة المزروعي، التي استطاعت أن تدخل القارئ في أعماق الشخصيات، من خلال تقنية الحوارية؛ ما يسهم في الحفاظ على الإثارة في العمل الحكائي فيما يتعلق بتطور الشخصيات ودورها في المشاهد اللاحقة. كما عرضت لرواية «ليلة مجنونة» لمحمد بن جرش، وكيف أتت الحوارية في روايته ملائمة لمستوى وعي الشخصيات وطبيعة أدوارها، كما كشف عن الفوضى الداخلية التي تعتري كوامنها الشخصية. أيضاً الخلفية المجتمعية التي ينتمي إليها العمل الأدبي، كما في رواية «رحلة غريسة» لفاطمة الشامسي.


مقالات ذات صلة

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

ثقافة وفنون بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

تشكل «الحزام» مفخرة ليس فقط لأحمد أبو دهمان وإنما للأدب السعودي الحديث كله بل وللآداب العربية بأسرها لقد أتاح لي الحظ أن أتعرف على أحمد أبو دهمان لأول مرة

هاشم صالح
ثقافة وفنون التحليل النفسي للنار

التحليل النفسي للنار

عاد الشتاء وعاد التحديق الموسمي في النار. النار ليست مادة، بل لغز. تاريخياً، لم يكن طهي الطعام والدفء هما الغرضان الوحيدان،

خالد الغنامي
ثقافة وفنون «سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني

«سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني

عن مركز أبو ظبي للغة العربية صدرت رواية «سنوات المغر» للكاتبة والشاعرة الإماراتية مريم الزرعوني، وذلك ضمن مشروع «قلم»، الذي «يدعم رعاية الأصوات السردية الإمارات

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان
TT

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

بعض ذكريات مع أحمد أبو دهمان

تشكل «الحزام» مفخرة ليس فقط لأحمد أبو دهمان وإنما للأدب السعودي الحديث كله بل وللآداب العربية بأسرها لقد أتاح لي الحظ أن أتعرف على أحمد أبو دهمان لأول مرة في ذلك الدرس الأسبوعي الكبير للبروفسور محمد أركون في السوربون. كان دائماً برفقة شخص آخر هو معجب الزهراني. وكنا نرى فيهما الوجه المشرق والمتألق للمملكة العربية السعودية. وما كنا نعرف آنذاك أن معجب سيصبح لاحقاً أحد أشهر المثقفين العرب. وسوف يتبوأ أعلى المناصب في العاصمة الفرنسية: مديراً عاماً لمعهد العالم العربي. كان طالباً عادياً مثلنا لا أكثر ولا أقل. وقد شعرنا بالفخر آنذاك لأن أحد أبناء جيلنا وصل إلى هذا المنصب الرفيع. هذا ناهيك بكونه ناقداً أدبياً وأستاذاً جامعياً لامعاً. وأعتقد أن أحمد أبو دهمان كان فخوراً به إلى أقصى الحدود. كنا مجموعة من الطلاب العرب نحضر تلك الدروس الشهيرة في ثمانينات القرن الماضي وربما تسعيناته. وهي الدروس التي جددت الفكر العربي الإسلامي بشكل غير مسبوق. إنها دروس دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بل ودشنت التاريخ العربي ما بعد الأصولي. وقد أصبح بعض طلابه من المشاهير لاحقاً. فبالإضافة إلى الدكتور معجب الزهراني يخطر على بالي الآن شخص آخر نال شهرة واسعة هو الدكتور التونسي محمد الحداد. وهناك حتماً آخرون في مشرق العالم العربي ومغربه ممن خرجهم ذلك الدرس الأكاديمي العبقري الخالد.

فيما بعد توطدت علاقتي بأحمد أبو دهمان عندما تفضل علي واستكتبني في جريدة «الرياض» الغراء. ولم أكن معروفاً آنذاك كثيراً. ولكنها ساهمت في التعريف بي عندما نشرت مقالاتي على صفحاتها الثقافية تحت إشراف الشاعر سعد الحميدين. وكنت أشعر بمتعة كبيرة في تدبيج تلك المقالات وتسليمها له باليد كل أسبوع لكي يرسلها إلى الجريدة. كان يعطيني عادة موعداً في مقاهي باريس القريبة من منزله في الدائرة الخامسة عشرة. وهي منطقة اليونيسكو وبرج إيفل في الواقع: أي من أرقى المناطق الباريسية وأحلاها. وكنا نتحادث كثيراً في المقهى ويجر الحديث الحديث. وما أمتع الحديث مع أحمد أبو دهمان. ما أمتع تلك الأحاديث الباريسية أيام زمان. كم أصبحت الآن بعيداً عنها وعني. وفي عهده الميمون بصفته مسؤولاً عن جريدة الرياض في باريس لم يكتف بنشر مقالاتي المتفرقة على صفحات الجريدة السعودية الكبيرة وإنما كلفني أيضاً بنشر كتابين لا كتاب واحد في سلسلة «كتاب الرياض». وهي سلسلة مشهورة ولها وزنها. وقد كان الكتاب الأول بعنوان: «قراءة في الفكر الأوروبي الحديث»، والثاني بعنوان: «العلم والإيمان في الغرب الحديث». وهما أول كتابين أنشرهما في حياتي. ومن ثمّ فجريدة الرياض لها فضل كبير علي.

ثم ابتدأت في السنوات اللاحقة أنشر أكثر فأكثر على صفحات «الشرق الأوسط» وانقطعت علاقتي مع الرياض تدريجياً. وقد تزامن ذلك مع عودتي إلى المغرب وعودته هو إلى السعودية.

كنا نعرف أحمد أبو دهمان كاتباً حساساً وصحافياً لامعاً لاذع الأسلوب أحياناً. ولكن ما كنا نعرف أنه روائي يستطيع السيطرة على فن القصة من أولها إلى آخرها. وهنا تكمن المفاجأة الأولى لكل من يعرفونه من كثب. يحصل ذلك كما لو أنه خبأ سره أو لعبته زمناً طويلاً حتى انفجرت في آخر لحظة كالقنبلة الموقوتة. ولكن هل كان هو ذاته يعرف أنه قادر على فن السرد الروائي إلى مثل هذا الحد. ألم يكن يحسب نفسه شاعراً، وشاعراً فقط. وقد كان شاعراً بالفعل. وروايته تضج بالشعر. هذا لا يمنع ذاك. في الواقع أن الكاتب (أي كاتب) لا يعرف من هو بالضبط قبل أن يجرب نفسه. من المعلوم أن نجيب محفوظ كان يعتقد في البداية أنه سيصبح مفكراً أو فيلسوفاً على طريقة طه حسين. ولذلك راح يدبج المقالات الفكرية أو الاجتماعية قبل أن يكتشف في حناياه موهبته الضخمة بوصفه روائياً عبقرياً.

أما المفاجأة الثانية في حالة أحمد أبو دهمان فهي أنه يكتب روايته الأولى بالفرنسية وينجح نجاحاً باهراً. ولعله المشرقي الوحيد الذي حقق هذا الاختراق في الساحة الفرنسية إذا ما استثنينا أمين معلوف بالطبع. ولكن أمين معلوف لبناني تعلم الفرنسية منذ نعومة أظفاره وليس على كبر كما هي حالة أبو دهمان وحالتنا جميعاً. وأما المفاجأة الثالثة فهي أن الرواية (رواية الحزام) حظيت بالطبع في أشهر دور النشر الباريسية: غاليمار. ومعلوم كم هو من الصعب الوصول إلى هذه الدار التي لا تنشر عادة إلا لكبار الكتاب المكرسين سابقاً. ثلاث مفاجآت دفعة واحدة كانت كافية لكي تجعل من هذه الرواية السعودية حدثاً ثقافياً على كلا المستويين العربي والفرنسي. ولكن عن أي شيء نتحدث بالضبط؟ ما مضمون هذه الرواية؟

لنقل باختصار شديد إنها سيرة ذاتية مقنعة. بالطبع فإن الكاتب يستطيع أن يختبئ خلف الروائي بطل القصة ويقول: لا تصدقوا ما أقول. هذا كله خيال في خيال. لا تأخذوا الكلام على حرفيته فهناك دائماً مسافة بين الكتابة الروائية والواقع الحقيقي. وهذا صحيح. ولكن لا أحد يستطيع أن يمنعنا من الاعتقاد بأن الكاتب استوحى أحداث الرواية من حياته الشخصية خاصةً. فهناك توازٍ (إن لم يكن تطابقاً) بين حياة البطل وحياة أحمد أبو دهمان ذاته. ويتجلى هذا التطابق عندما يقول الراوي إنه سيصبح صحافياً لاحقاً، أو عندما يتحدث باستمرار باسم ضمير الشخص الأول، أو عندما يصف مساره من القرية إلى مدينة «أبها» عاصمة الإقليم، إلخ. وهو مسار كلاسيكي معهود لجميع أبناء الريف الفقراء الذين يريدون أن يتعلموا ويخرجوا من هامشيتهم ويصعدوا في المراتب الاجتماعية ويصلوا... وفي هذا الصعود إلى القمة تتجلى لنا ضخامة الصعوبات والعراقيل التي تعترض طريقهم. ينبغي أن يخترقوا عدة حواجز قبل أن يصلوا. ولا يصل في نهاية المطاف إلا النجباء منهم والذين عانوا الأمرّين وصبروا حتى النهاية. وهكذا تنطبق عليهم كلمة نيتشه الشهيرة: «وحدها الشخصيات الاستثنائية تخترق الظروف».

هناك إذن ثلاث بيئات في الرواية: بيئة القرية الأولى، وبيئة مدينة أبها عاصمة الإقليم، وبيئة العاصمة المركزية الكبرى: الرياض. وقد توقف الكاتب طويلاً عند تصوير البيئة الأولى بكل حجرها وشجرها وبشرها وطبيعتها. وقدم لنا لوحات أخاذة لا تقل جاذبية عن أجمل اللوحات الفنية ورسوم المدرسة الانطباعية الفرنسية. ويبدو أن الكاتب كان يجد متعة كبيرة في استعادتها واستذكارها وهو بعيد عنها في باريس. فهل الرواية عبارة عن تصفية حسابات مع الذات والطفولة بالمعنى الإيجابي للكلمة وليس السلبي؟ دون شك. لنقل إنها مراجعة للذات واستكشاف لهوية الذات وأعماقها على كبر. إنها بحث عن الجذور وحنين جارف إلى الأصول لشخص أراد تخليد قريته وطفولته في عمل أدبي رفيع. وربما لهذا السبب نشرتها غاليمار في سلسلة «الطفولة الأولى». بعد أن كتب هذه الرواية يستطيع أحمد أبو دهمان أن يتنفس الصعداء ويقول: لقد أديت واجبي وسددت ديوني. لقد تصالحت مع نفسي.

هناك مشاهد سينمائية أو شبه سينمائية في الرواية حتى لكأنك تحسها وتراها بأم عينيك. ومنها مشهد ذهاب أمه في منتصف الليل لجمع الحطب مع نساء القرية كما كانت تفعل أمي أنا أيضاً. إنه مشهد يصعب عليك أن تمر عليه مرور الكرام دون أن ترتجف. بالمختصر المفيد ما يلي: كل النساء العائدات وأكوام الحطب على رؤوسهن يمضغن بعض الخبز لتخفيف العناء والتعب والجوع ما عدا أمه التي تعض على الحبل بنواجذها موهمة بأنها تأكل شيئاً مثلهن. لقد قتلني هذا المقطع قتلاً، دمرني تدميراً. ولكنه أحياني وأنعشني في الوقت نفسه لأنه أعادني إلى طفولتي العميقة، طفولتي السحيقة. شكراً أحمد أبو دهمان. ألف شكر. إنه الفقر المدقع، الفقر الأسود، ولكنه الممزوج بالشرف وعزة النفس.

هذه قراءة سريعة وناقصة جداً لرواية أحمد أبو دهمان، التي دخلت التاريخ الآن. وهي تشكل مفخرة ليس فقط له، وإنما للأدب السعودي الحديث كله، بل وللآداب العربية بأسرها. تحية لك يا أحمد. تحية لك كاتباً مبدعاً وفارساً عربياً ترجل. كنا نتمنى لو بقيت معنا فترة أطول.


التحليل النفسي للنار

التحليل النفسي للنار
TT

التحليل النفسي للنار

التحليل النفسي للنار

عاد الشتاء وعاد التحديق الموسمي في النار. النار ليست مادة، بل لغز. تاريخياً، لم يكن طهي الطعام والدفء هما الغرضان الوحيدان، بل كان الإنسان يصف صلي عظامه وجروحه بالنار علاجاً لكل أوجاعه التي يعرفها والتي لا يعرفها، كقوة تطهير. من الصداع وأوجاع الظهر إلى عضّات الحيوانات ولسع العقارب والحيّات، كان يعالج كل ذلك بالاصطلاء والكي.

لكن التحديق في النار وفي حركتها الأفعوانية التي لا تستقر على شكل ثابت ولا تعيد نفسها مرتين، يشعر بأن هذا المشهد ليس مجرد رؤية عابرة، بل انجذاب صامت يعلق بالفكر. ثمة شيء في النار يدعو إلى السكون أمام شيء ذي قداسة وهيبة. كأنها تخاطب طبقة أقدم من العقل، طبقة لا تستجيب بسهولة للتفسير. في لحظة التحديق يأبى الذهن بغريزته الأولى، كل محاولة لاختزالها إلى شيء محدد. النار لا تحضر أمامي كجسم، بل كفعل وحركة خالصة. إنها صيرورة تُرى ولا تُمسك. ولهذا يبدو أي تعريف مادي لها ناقصاً منذ البداية، مهما بدا مطمئناً أو دقيقاً.

تقول الفيزياء والكيمياء الحديثة إن اللهب ليس مادة صلبة ولا سائلة، بل مزيج من غازات متوهجة وبلازما ضعيفة ناتجة عن الاحتراق. هذا توصيف دقيق من حيث القياس والتحليل، لكنه لا يلامس جوهر تجربتنا الحية بالنار. إنه يشرح شروط الظهور، لا معنى الحضور. العلم هنا يتعقب الظاهرة، ويفككها إلى عمليات وجسيمات وانتقالات طاقة، لكنه لا يجيب عن السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا تكون النار في ذاتها؟ بل لعل هذا الوصف العلمي، بدل أن يحسم المسألة، يزيدها تعقيداً، لأنه يعترف ضمنياً بأن النار ليست شيئاً قائماً بذاته. ما يظهر كمادة ليس إلا وسيطاً تمر عبره النار، لا النار نفسها، ولهذا لا يمكن تثبيتها في مفهوم واحد.

من هذا التوتر بين ما يُعاش وما يُفسَّر، نعود إلى البدايات الأولى للفلسفة، إلى الفلاسفة الأيونيين الذين جرى تصويرهم طويلاً بوصفهم ماديين بدائيين. غير أن هذا التصوير يخفي أكثر مما يكشف. فطاليس حين قال إن الماء هو المبدأ الأول لم يكن يتكلم عن سائل محسوس، بل عن مبدأ حيّ قادر على التحول والتولد. وأنكسيمانس حين جعل الهواء أصلاً لم يكن يقصد هواء التنفس، بل قوة لطيفة تتكاثف وتتخلخل فتنتج الكثرة. أما أنكسيمندر، حين تحدث عن غير المتعين، فقد تجاوز أصلاً فكرة المادة المحددة، ووضع مبدأ لا يُرى ولا يُمسك. سؤالهم لم يكن مما صُنع العالم كجسم، بل كيف يصير، وكيف يتحول، وكيف يمكن للعقل أن يفهم الحركة نفسها.

في هذا السياق تُظهر نار هيراقليطس معناها الحقيقي. فهي ليست عنصر الموقد، ولا مادة فيزيائية، بل صورة فلسفية للصيرورة الدائمة. النار عنده تعبير مكثف عن عالم يقوم على التوتر والصراع والتحول المستمر. إنها تقول إن الوجود لا يُفهم من خلال الثبات، بل من خلال التغير، وإن الحقيقة ليست ما يستقر، بل ما يتبدل. ولهذا لا تكون نار هيراقليطس مبدأً مادياً بالمعنى الحرفي، كما يروج الماديّون، بل لغة فكرية تشير إلى أن العالم فعل وحركة لا جوهر، وأن العقل نفسه لا يستطيع أن يفهم الكون إلا إذا تخلى عن وهم السكون.

هذا الحدس القديم يجد امتداده المعاصر عند غاستون باشلار. ففي كتابه «التحليل النفسي للنار» لا يسعى إلى تقديم نظرية علمية جديدة، بل إلى قلب زاوية النظر رأساً على عقب. إنه يعيد النار من المختبر إلى المخيلة، ويقول إن الخطأ لم يكن في اختيار النار موضوعاً للتفكير، بل في اختزالها إلى مادة. النار، في نظره، صورة نفسية عميقة، تسكن الإنسان قبل أن يفكر فيها علمياً، وتسبق المفهوم والتجربة المعملية معاً. إنها ترتبط بالرغبة والمعرفة والعدوان والألفة في آن واحد، ولهذا تملك هذه القدرة الغريبة على لفت النظر وإيقاف الزمن، فننظر إليها في صمت وإجلال.

يرى باشلار أن التحديق في النار فعل تأملي بدائي، يكشف عن أحلام السيطرة والتحول والتطهير. في النار نحلم بالقوة، لكننا نستحضر الخطر أيضاً، وننجذب إليها بقدر ما نخشاها. إنها تجمع الأضداد النفسية، الدفء والدمار والسكينة والتهديد، ولهذا كانت حاضرة في الأساطير والطقوس وتاريخ السحر وذاكرة الشعر، لا بوصفها عنصراً طبيعياً فقط، بل بوصفها تجربة داخلية كثيفة. والعلم، بحسب باشلار، لم يتقدم إلا حين قطع مع هذه الخيالات النارية الأولى، لكنه حين فعل ذلك ربح الدقة وخسر المعنى، ربح السيطرة وخسر الدهشة.

وهنا لا يدعو باشلار إلى رفض العلم، بل إلى وضعه في موضعه. العلم يفسر الظواهر، لكنه لا يستنفد دلالتها. النار، حتى بعد كل التفكيك الفيزيائي، تظل تجربة تُعاش قبل أن تُحلل، وتظل قادرة على إرباك العقل الذي يريد تحويل كل شيء إلى موضوع يمسك به ويهيمن عليه. ولهذا يحوّل باشلار السؤال مِن: ما النار؟ إلى ماذا تفعل النار في النفس؟ سؤال لا يبحث عن جوهر ثابت، بل عن أثر وعلاقة وصدى داخلي.

عند هذه النقطة يكتمل المسار النظري. تنتقل النار من كونها ظاهرة تُوصَف مادياً إلى كونها مبدأً دلالياً للصيرورة عند الفلاسفة الأيونيين، وتبلغ ذروتها الفلسفية عند هيراقليطس بوصفها لغة للتغير الدائم لا عنصراً فيزيائياً. ثم يأتي باشلار ليعيد توجيه السؤال، فلا يجعل النار موضوعاً للعلم ولا مبدأً كونياً، بل يجعلها مفتاحاً لفهم المخيلة الإنسانية ذاتها. عند هذا الحد تتكشف حدود المادية، لا بعدها خطأ، بل بوصفها أفقاً جزئياً ابتدائياً من أفق الفهم، وتظهر إمكانية تفكير آخر لا يُلغي العلم ولا يناقضه، بل يضعه في موضعه، ويذكّر بأن بعض الظواهر لا تُستنفد حقيقتها بما تتكوّن منه، بل بما تُحدثه في الوعي والخيال.

* كاتب سعودي.


«سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني

«سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني
TT

«سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني

«سنوات المَغَر» للإماراتية مريم الزرعوني

عن مركز أبو ظبي للغة العربية صدرت رواية «سنوات المغر» للكاتبة والشاعرة الإماراتية مريم الزرعوني، وذلك ضمن مشروع «قلم»، الذي «يدعم رعاية الأصوات السردية الإماراتية، لتأخذ فرصتها في منظومة السرد العربي المعاصر».

تقع الرواية في 223 صفحة من القطع المتوسط، وتتناول سيرة شخصية (غريب) المولود في الشارقة في زمن شكل مفترقاً تاريخياً حاسماً في الخليج العربي، حين كانت الهويات تتشكل والحدود ترسم ملامحها الراهنة. وتستعرض رحلة هذا البطل القلق في بحثه عن إثبات ذاته وإنسانيته، بينما تضعه الظروف في مواجهة عالم لا يعترف بالفرد إلا عبر الوثيقة، فتبدو مساراته وكأنها محاولة دائمة لانتزاع الاعتراف بوجوده.

وتنشغل بفكرة العبور بين الأمكنة والهويات، إذ يتحول الزمن إلى مادة قابلة للتأمل، بعيداً عن السيرة أو الشهادة المباشرة. تدخلنا الرواية عالم (غريب) بثقة، ولا ترفع صوتها، إنّما تهمس في وعي القارئ المحبّ، للدخول في حوارٍ إبداعي مع الرواية، بينما تتشكل الشخصية الرئيسة داخل فضاء خليجي متغير، محمّل بأسئلة الانتماء والذاكرة والحدود التي ترسمها التحولات الاجتماعية والسياسية. وتتميز بنبرة هادئة تتجنب الاستعراض، معتمدة على بناء داخلي متماسك، يسمح للشخصيات أن تنمو عبر التفاصيل الصغيرة بعيداً عن المنعطفات الصاخبة، واللغة فيها تتعدّى التوسّل بالحكي؛ لتخلق آليات تسهم في تركيب جديد للمعنى، وتتقدم بحذر، كما تسمح بظهور أشكال سردية محسوبة ومختلفة داخل الفضاء الطباعي، تزجّ بالقارئ في النصّ السيري المتخيّل، فاتحًة آفاقه أمام بناء التجربة الإنسانية من الداخل.

تسعى «سنوات المَغَر» إلى تقديم إجابة محتملة على سؤال الهويّة، ثم تترك الباب موارباً للتأمل في معنى العيش داخل تحولات كبرى. فدون ادعاء تمثيل جماعي، تنحاز الرواية إلى العمق الإنساني الغامض، وتسبر مسؤولية الفرد في تكوّن الهويّة، ومغبّات القرارات التي عليها سيتجلى المصير.

تستنطق الجمادات لتصبح شريكة في رواية الحكاية؛ فتروي شجرة وصخرة ومرآة وأطياف حلمية مقاطع من سيرة (غريب)، مانحة الرواية تعددية صوتية تعكس التوتر بين زمن الشظف وزمن الطفرة، وبين انكسارات الذات وتحولاتها داخل فضاءات الخليج الممتدة، وتنسج الكاتبة عبر هذا التمازج توازياً بين تحول المكان وتحولات الإنسان، في بناء سردي محكم يوثِّق الذاكرة ويستعيد طبقاتها المتراكمة.

تعد «سنوات المغر» العمل الروائي الأول لمريم الزرعوني الموجه للكبار، بعد أن قدمت رواية اليافعين «رسالة من هارفارد».

من أجواء الرواية نقرأ: «مّد يده وأطبقها على الغيمة وابتسم، شعر بدفء يسري من النافذة إلى جسده، أخذ يمرر سبابته على ملامحها ويرسمها حتى اكتملت، تحدّرت من عينيه دمعتان صارتا خيطين شفيفين يتصلان عند ذقنه مشكّلتين قطرة ضخمة تهوي بحرارتها على صدره، نادته المضيفة لتقديم وجبة الغداء، فلم يلتفت... كررت نداءها لكنّه لم يشعر، كان ملتصقاً بالنافذة مغموراً في حِجر سهيلة، يفتح فمه ثم يلوك النبق من يدها، غارقاً في حلاوته».