في ظل الدمار: التمييز الجنسي يُعمّق مأساة الناجيات من زلزال أفغانستان

كثير من رجال الإنقاذ ساعدوا الرجال دون النساء

قالت إحدى المتطوعات بعد أن شهدت جهود الإنقاذ في شرق أفغانستان: «شعرتُ وكأن النساء غير مرئيات» (أ.ف.ب)
قالت إحدى المتطوعات بعد أن شهدت جهود الإنقاذ في شرق أفغانستان: «شعرتُ وكأن النساء غير مرئيات» (أ.ف.ب)
TT

في ظل الدمار: التمييز الجنسي يُعمّق مأساة الناجيات من زلزال أفغانستان

قالت إحدى المتطوعات بعد أن شهدت جهود الإنقاذ في شرق أفغانستان: «شعرتُ وكأن النساء غير مرئيات» (أ.ف.ب)
قالت إحدى المتطوعات بعد أن شهدت جهود الإنقاذ في شرق أفغانستان: «شعرتُ وكأن النساء غير مرئيات» (أ.ف.ب)

تحت أنقاض الزلزال المدمر الذي ضرب شرق أفغانستان، تروي الحجارة قصةً مزدوجةً: قصة الدمار الذي خلفته الهزة الأرضية، وقصة التمييز الذي كشفته استجابة الإنقاذ. فبينما انهمك رجال الإنقاذ في إنقاذ الرجال والأطفال، تُركت النساء والفتيات يتألمن في صمت، محاصرات بين براثن الألم وقيود التقاليد.

ففي قرى «كونار» المنكوبة، لم تمنع الصخور والجدران المنهارة وحسب من إنقاذ الضحايا بل حالَتْ أيضاً قيودٌ اجتماعيةٌ صارمةٌ دون وصول المساعدة للنساء. تقول عائشة (19 عاماً) من قرية أندارلكك: «جمعونا في زاوية ونسونا»، في إشارة إلى كيف أُبعِدت النساء المصابات ولم يقترب منهن أحد بينما تُركّزت جهود الإنقاذ على الرجال.

لقطة متداولة من زلزال سابق (أرشيفية)

طاهزيب الله محازب، متطوع سافر إلى «مازار دارا» في «كونار» أيضاً، قال إن أعضاء الفريق الطبي المؤلف من رجال فقط ترددوا في إخراج النساء من تحت أنقاض المباني المنهارة. تُركت النساء المصابات والعالقات تحت الحجارة بانتظار أن تصل نساء من قرى أخرى لينتشلنهن، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الجمعة.

ويصف طاهزيب الله محازب (33 عاماً)، أحد المتطوعين، المشهد، بقوله: «شعرت أن النساء غير مرئيات»، مبرزاً كيف أن الأعراف الثقافية التي تمنع الاختلاط بين الجنسين حوّلت كارثة طبيعية إلى مأساة إنسانية طبقية. حتى في التعامل مع الجثث، كان رجال الإنقاذ يجرّونها من ملابسها تجنباً للمس المباشر.

حسب أرقام الحكومة الأفغانية، لقي أكثر من 2200 شخص حتفهم وأصيب 3600 آخرين في الزلزال الذي بلغت قوته 6 درجات وسوّى عدداً لا يحصى من القرى بالأرض.

 

المعايير المزدوجة

تقول منظمات الإغاثة الإنسانية إن الاستجابة للزلزال تجسّد المعايير المزدوجة التي تواجهها النساء والفتيات في أفغانستان، إذ وجدن أنفسهن محاصرات تحت الأنقاض وأيضاً تحت وطأة التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

نساء وأطفال في مزار دارا، ولاية كونار، يوم الاثنين، حيث رفض رجال الإنقاذ انتشال النساء من تحت الأنقاض أو معالجة جروحهن، بحسب شهود عيان (أ.ف.ب)

وقالت سوزان فيرغسون، الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في أفغانستان: «ستتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر من هذه الكارثة، لذا يجب أن نضع احتياجاتهن في صميم جهود الاستجابة والتعافي».

رغم أن «طالبان» لم تصدر تفصيلاً حول عدد الضحايا، حسب الجنس، فقد واجهت النساء محنة قاسية بشكل خاص، فاقمها الإهمال والعزلة، حسب شهادات أكثر من ستة أطباء وعمال إنقاذ ونساء من المناطق المنكوبة، حيث تعاني أفغانستان من نقص حاد في العاملين في مجال الرعاية الصحية، خصوصاً النساء.

العام الماضي، فرضت «طالبان» حظراً على التحاق النساء بالتعليم الطبي. وقد بدا نقص الطبيبات والعاملات في مجال الإنقاذ واضحاً بعد الزلزال. وتخضع النساء والفتيات في أفغانستان لبعض أشد القيود في العالم تحت حكم «طالبان»، الذين استولوا على السلطة قبل أربع سنوات ولم يتزحزحوا عن مواقفهم رغم تحذيرات معظم دول العالم الإسلامي ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية مثل البنك الدولي من آثار تلك السياسات طويلة المدى على النسيج الاجتماعي والاقتصاد.

الفتيات محرومات من الدراسة بعد الصف السادس. النساء لا يمكنهن السفر لمسافات طويلة دون مرافق ذكر، وممنوعات من معظم الوظائف، بما في ذلك العمل في المنظمات غير الحكومية والإنسانية. موظفات الأمم المتحدة الأفغانيات واجهن مضايقات متكررة، بلغت هذا العام حدّ تهديدات خطيرة أجبرت الوكالات على توجيههن للعمل من المنزل مؤقتاً.

في «مازار دارا بكونار»، قال شهود إن رجال الإنقاذ لم يسحبوا النساء من تحت الأنقاض ولم يعالجوا جروحهن.

في أفغانستان، تُطبّق أعراف ثقافية ودينية صارمة، حيث لا يُسمح بلمس المرأة إلا من قِبل قريبها الذكر (الأب، الأخ، الزوج أو الابن). والعكس صحيح: لا يجوز للمرأة لمس رجل ليس من محارمها. وفي مناطق الكوارث، لا يُسمح للمنقذات بمساعدة الرجال، لكن يمكن للنساء إنقاذ نساء أخريات.

مراسل «نيويورك تايمز»، الذي وصل إلى المنطقة بعد يوم من الزلزال، لم ير أي نساء بين الفرق الطبية أو فرق الإنقاذ أو فرق المساعدات. وفي أحد المستشفيات، لم يكن هناك أي موظفات.

وعندما بدأت فرق من الممرضين والعاملين الإنسانيين تصل يوم الثلاثاء، كان بينهم عدد قليل جداً من النساء. وتبعهم جنود منعوا الصحافيين من طرح الأسئلة أو تصويرهن. واعترف المتحدث باسم وزارة الصحة التابعة لـ«طالبان» بوجود نقص في العاملات الصحيات في المناطق المنكوبة. لكنه قال: «في مستشفيات كونار وننغرهار ولغمان، يعمل أكبر عدد من الطبيبات والممرضات، خصوصاً لعلاج ضحايا الزلزال»، حسب المتحدث شرفات زمان.

لا تزال أفغانستان تتعرض لهزات ارتدادية، آخرها يوم الخميس بقوة 5.6 درجات.

في قرية عائشة، لم تصل أي عاملة إغاثة حتى يوم الخميس، أي بعد نحو أربعة أيام من الزلزال، كما قالت. هي وابنها البالغ ثلاث سنوات قضيا ثلاث ليالٍ في العراء، إذ منعتها الأمطار من الوصول إلى مأوى أو المدينة، حيث يعمل زوجها، قالت: «الله أنقذني أنا وابني، لكن بعد تلك الليلة فهمت - أن أكون امرأة هنا يعني أننا دائماً آخر من يُلتفت إليه».


مقالات ذات صلة

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تايوان

آسيا العاصمة التايوانية تايبيه (أرشيفية - إ.ب.أ)

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تايوان

ضرب زلزال بقوة 6.1 درجة جنوب شرقي تايوان اليوم (الأربعاء)، من دون ورود أي تقارير بعد عن وقوع أضرار.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
شؤون إقليمية زلزال مرمرة المدمر في 1999 خلّف 17 ألف قتيل بينهم ألف في إسطنبول إلى جانب دمار واسع (أرشيفية - إعلام تركي)

شيء مريب يحدث في أعماق بحر مرمرة... إسطنبول مهدَّدة بكارثة

هناك شيء مريب يحدث في أعماق بحر مرمرة في تركيا. الصدع الموجود تحت هذا الحوض المائي الداخلي يشهد زلازل تتزايد في القوة، تتحرك تدريجياً نحو الشرق.

روبن جورج أندروز
آسيا هيئة الأرصاد الجوية اليابانية تحذر من موجات تسونامي يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار (أ.ب)

اليابان: زلزال بقوة 7.6 قبالة الساحل الشمالي للبلاد... يتسبب بموجتي «تسونامي»

ضرب زلزال كبير الساحل الشمالي لليابان الاثنين سجّلت في أعقابه هيئة الأرصاد الجوية الوطنية موجتي تسونامي بلغ ارتفاعهما 40 سنتيمتراً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
آسيا جانب من الأضرار جراء زلزال ضرب إندونيسيا عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 6.6 درجة جزيرة صغيرة شمال غربي سومطرة في غرب إندونيسيا الخميس.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)

تايلاند وكمبوديا تعلنان الاتفاق على وقف «فوري» لإطلاق النار

أرشيفية لآليات عسكرية تايلاندية تتوجه نحو الحدود مع كمبوديا (إ.ب.أ)
أرشيفية لآليات عسكرية تايلاندية تتوجه نحو الحدود مع كمبوديا (إ.ب.أ)
TT

تايلاند وكمبوديا تعلنان الاتفاق على وقف «فوري» لإطلاق النار

أرشيفية لآليات عسكرية تايلاندية تتوجه نحو الحدود مع كمبوديا (إ.ب.أ)
أرشيفية لآليات عسكرية تايلاندية تتوجه نحو الحدود مع كمبوديا (إ.ب.أ)

أعلنت تايلاند وكمبوديا في بيان مشترك، اليوم (السبت)، اتفاقهما على وقف «فوري» لإطلاق النار، متعهدتين بإنهاء أسابيع من الاشتباكات الحدودية الدامية.

وأفاد البيان الصادر عن اللجنة العامة المختصة بالحدود بين البلدين والذي نشره الجانب الكمبودي: «يتفق الطرفان على وقف فوري لإطلاق النار فور توقيع هذا البيان المشترك، ويصبح ساريا اعتبارا من الساعة 12,00 ظهرا (بالتوقيت المحلي) في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2025.

وأضاف البيان أن وقف النار يشمل جميع أنواع الأسلحة والأهداف المدنية والعسكرية لكلا الجانبين وفي جميع الحالات وجميع المناطق.


«الخارجية» الباكستانية تستدعي دبلوماسياً بريطانياً بسبب تهديد لقائد الجيش خلال تجمع

قائد الجيش الباكستاني عاصم منير يتحدث في الميكروفون خلال زيارته أحد التمارين العسكرية (رويترز)
قائد الجيش الباكستاني عاصم منير يتحدث في الميكروفون خلال زيارته أحد التمارين العسكرية (رويترز)
TT

«الخارجية» الباكستانية تستدعي دبلوماسياً بريطانياً بسبب تهديد لقائد الجيش خلال تجمع

قائد الجيش الباكستاني عاصم منير يتحدث في الميكروفون خلال زيارته أحد التمارين العسكرية (رويترز)
قائد الجيش الباكستاني عاصم منير يتحدث في الميكروفون خلال زيارته أحد التمارين العسكرية (رويترز)

استدعت وزارة الخارجية الباكستانية، اليوم الجمعة، نائب المفوض السامي البريطاني في باكستان، مات كانيل، بعد أن أظهر مقطع فيديو متداول امرأةً، خلال تجمع في مدينة برادفورد البريطانية، وهي تردد أن قائد الجيش الباكستاني سيموت في هجوم محتمل.

وقال مسؤولون ووسائل إعلام محلية إن وزارة الخارجية الباكستانية استدعت مات كانيل، للمطالبة بإجراء تحقيق حول المرأة التي تحدثت عن احتمال اغتيال قائد قوات الدفاع رئيس أركان الجيش الباكستاني، عاصم منير، في هجوم بسيارة مفخخة.

ووفق ما ذكرته وكالة «أسوشييتد برس»، كانت المرأة تشارك في تجمع، بمدينة برادفورد الواقعة شمال بريطانيا، دعماً لرئيس الوزراء الباكستاني السابق المعتقل عمران خان.

ويقضي خان، الذي جرت الإطاحة به في تصويتٍ بحجب الثقة خلال أبريل (نيسان) 2022، عامه الثاني في السجن بعد إدانته بالفساد. ولا يزال خان يحظى بشعبية لدى عدد من أنصاره.

وجاء تجمُّع برادفورد بعد أيام من إصدار محكمة باكستانية حكماً على خان وزوجته بشرى بيبي بالسجن لمدة 17 عاماً لكل منهما بتهمة الاحتفاظ بهدايا مقدَّمة للدولة، وبيعها بأسعار أقل من قيمتها السوقية أثناء فترة تولي خان منصبه.

وجرى نشر مقطع الفيديو بواسطة الفرع البريطاني لحزب حركة الإنصاف الباكستانية، الذي يقوده خان، على منصة «إكس»، وحُذف لاحقاً.

وقال نائب وزير الداخلية الباكستاني، طلال شودري، لقناة «جيو» التلفزيونية الباكستانية، اليوم الجمعة، إنه رغم تحريض حزب خان أنصاره ضد الجيش، فإن «تهديد السيارة المفخخة» في تجمع برادفورد «تجاوز كل الحدود».

وأضاف: «هذا لا يندرج ضمن حرية التعبير»، داعياً الحكومة البريطانية إلى التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية.

في غضون ذلك، قالت المفوضية السامية البريطانية بإسلام آباد، في بيان موجز: «عندما تعتقد حكومة أجنبية أن جريمة ارتُكبت، يجب عليها تزويد ضابط الاتصال في الشرطة البريطانية بجميع الأدلة ذات الصلة. وأي دليل يبدو أنه ينتهك القانون البريطاني سيخضع لمراجعة الشرطة، وقد يؤدي إلى فتح تحقيق جنائي».

كانت التوترات قد تفاقمت مؤخراً بين حزب حركة الإنصاف الباكستانية والجيش. ووصف المتحدث باسم الجيش أحمد شريف شودري، خلال مؤتمر صحافي في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، خان بأنه «مريض عقلياً»، وذلك بعد ظهور منشورات على الحساب الرسمي لخان على منصة «إكس»، اتهم فيها منير بأنه «مضطرب عقلياً».

ويوجّه عدد من أنصار خان اتهاماً لمنير بأنه وراء سجن قائدهم.


ما هو تنظيم «داعش» الذي استهدفته ضربة أميركية في نيجيريا؟

تُعرض الصفحات الأولى من الصحف التي تُغطي الغارات الجوية الأميركية على مقاتلي «داعش» في نيجيريا وفقاً لتصريحات الرئيس دونالد ترمب والجيش الأميركي بكشك لبيع الصحف في لاغوس 26 ديسمبر 2025 (رويترز)
تُعرض الصفحات الأولى من الصحف التي تُغطي الغارات الجوية الأميركية على مقاتلي «داعش» في نيجيريا وفقاً لتصريحات الرئيس دونالد ترمب والجيش الأميركي بكشك لبيع الصحف في لاغوس 26 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

ما هو تنظيم «داعش» الذي استهدفته ضربة أميركية في نيجيريا؟

تُعرض الصفحات الأولى من الصحف التي تُغطي الغارات الجوية الأميركية على مقاتلي «داعش» في نيجيريا وفقاً لتصريحات الرئيس دونالد ترمب والجيش الأميركي بكشك لبيع الصحف في لاغوس 26 ديسمبر 2025 (رويترز)
تُعرض الصفحات الأولى من الصحف التي تُغطي الغارات الجوية الأميركية على مقاتلي «داعش» في نيجيريا وفقاً لتصريحات الرئيس دونالد ترمب والجيش الأميركي بكشك لبيع الصحف في لاغوس 26 ديسمبر 2025 (رويترز)

سلَّطت الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة لمسلحي تنظيم «داعش» في نيجيريا؛ بناءً على طلب من حكومة البلاد، الضوء على التنظيم، وسط مخاوف من عودته من جديد بعد هزيمته على يد تحالف بقيادة واشنطن في الشرق الأوسط.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في منشور على موقع «تروث سوشيال» إن التنظيم يستهدف المسيحيين ​في نيجيريا بشكل أساسي «بمستويات لم نشهدها منذ سنوات عدة».

يقرأ الناس الصحف التي تنشر تقارير عن الغارات الجوية الأميركية على مقاتلي تنظيم «داعش» بنيجيريا وفقاً لما ذكره الرئيس دونالد ترمب والجيش الأميركي في لاغوس 26 ديسمبر 2025 (رويترز)

ما هو تنظيم «داعش»؟

ظهر التنظيم في العراق وسوريا، وسرعان ما أسس ما أُطلق عليها دولة «خلافة» وحلّ إلى حد كبير محل تنظيم «القاعدة» المتشدد.

وفي أوج قوته بين عامي 2014 و2017، سيطر التنظيم على مساحات شاسعة من البلدين وفرض حكمه على ملايين. ولم يكن معقله يبعد سوى 30 دقيقة بالسيارة عن بغداد، كما سيطر لفترة على مدينة سرت على ساحل ليبيا.

وسعى تنظيم «داعش » إلى الحكم في المناطق التي سيطر عليها بأسلوب حكومة مركزية وفرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، واستخدم أساليب وحشية مروعة تشمل تنفيذ عمليات إعدام علنية إضافة إلى التعذيب.

ووقعت هجمات في عشرات المدن حول العالم نفذها التنظيم بشكل مباشر أو ألهم من نفذوها.

وفي نهاية المطاف أسفرت حملة عسكرية شنها تحالف تقوده الولايات المتحدة عن انهيار ما يسمى «الخلافة» التي أسسها التنظيم في العراق وسوريا.

من ​أين يعمل التنظيم الآن؟

بعد طرده من معقليه الرئيسيين في الرقة السورية والموصل العراقية، لجأ التنظيم إلى المناطق النائية في البلدين.

ولا يزال لعناصر من التنظيم وجود في سوريا والعراق، وأجزاء من أفريقيا بما في ذلك منطقة الساحل، وفي أفغانستان وباكستان.

ويتفرق المسلحون المتشددون التابعون للتنظيم في خلايا مستقلة، وتتسم قيادته بالسرية ويصعب تقدير حجمه الإجمالي. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد أعضاء التنظيم يبلغ نحو 10 آلاف في مواقعه الأساسية.

وانضم الكثير من الأجانب إلى تنظيم «داعش - ولاية خراسان»، في إشارة لاسم قديم لمنطقة كانت تضم أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان.

ولا تزال جماعات مرتبطة بتنظيم «داعش» نشطة في مناطق بجنوب الفلبين، خاصة في مينداناو، حيث سيطر مسلحون موالون ⁠للتنظيم على مدينة ماراوي في 2017.

الأهداف والأساليب

يسعى تنظيم «داعش» إلى نشر نسخته المتطرفة من الشريعة، لكنه تبنى أساليب جديدة منذ انهيار قواته وبعد أن مُني بسلسلة من الانتكاسات الأخرى في الشرق الأوسط.

وأصبح التنظيم الآن جماعة مختلفة ومتفرقة تعمل من خلال مجموعات أخرى تابعة أو من خلال من يستلهمون أفكاره.

لكنه احتفظ بقدرة على تنفيذ هجمات مؤثرة وواسعة النطاق يعلن مسؤوليته عنها على قنواته على تطبيق «تلغرام»، وعادة ما ينشر مع تلك الإعلانات صوراً في سعي لبث الرعب.

ورغم تشارك مقاتلي التنظيم الذين يعملون في مناطق عدة في الآيديولوجية نفسها، لا توجد أي دلائل على أنهم يتبادلون الأسلحة أو التمويل.

ويعتقد الجيش الأميركي أن الزعيم الحالي للتنظيم هو عبد القادر مؤمن، الذي يقود فرع الصومال.

هجمات نفذها «داعش» في الآونة الأخيرة

أثار هجوم إطلاق النار في حفل بمناسبة عيد الأنوار اليهودي (حانوكا) في شاطئ ​بونداي في سيدني تساؤلات حول ما إذا هناك أفراد يستلهمون مجدداً فكر التنظيم في شن هجمات.

وقالت الشرطة إن التنظيم ألهم على ما يبدو المسلحيَن اللذين قتلا 15 شخصاً. وقضى المتهمان بتنفيذ أسوأ إطلاق ⁠نار عشوائي في أستراليا منذ ما يقرب من 30 عاماً بعض الوقت في الفلبين، حيث من المعروف أن هناك شبكات مرتبطة بتنظيم «داعش» تعمل هناك.

شوهدت شباشب تعود للمصلين في أعقاب انفجار مميت بمسجد في شمال شرقي مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو - نيجيريا الخميس 25 ديسمبر 2025 (أ.ب)

ويواصل تنظيم «داعش» التآمر وشن الهجمات في سوريا، حيث أعلنت الحكومة الشهر الماضي أنها وقَّعت اتفاقية تعاون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم.

وفي هذا الشهر، قُتل جنديان ومترجم مدني جميعهم أميركيون في سوريا على يد أحد أفراد قوات الأمن السورية يشتبه في أنه تابع لتنظيم «داعش». وشن الجيش الأميركي ضربات واسعة النطاق على عشرات الأهداف التابعة لتنظيم «داعش» في سوريا، بعد تعهد ترمب بالرد في أعقاب الهجوم. وعبر التنظيم عن كراهيته للرئيس السوري أحمد الشرع، ووصفه بأنه «فتى ترمب»، وذلك قبل يومين من مقتل الجنديين والمترجم الأميركيين في سوريا.

ونفذ تنظيم «داعش» هجمات أيضاً في أفريقيا؛ ما يظهر أنه لا يزال موجوداً في مناطق مختلفة من العالم.

فقد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) مسؤوليته عن هجوم قالت بعثة تابعة للأمم المتحدة إنه أسفر عن مقتل 43 على الأقل خلال قداس ليلي في كنيسة بشرق الكونغو.

وفي فبراير (شباط)، قال مسؤول عسكري إن تنظيم «داعش» هاجم قواعد عسكرية في ولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال بسيارة ودرَّاجات نارية مفخخة؛ ما أدى إلى شن غارات جوية أسفرت عن مقتل 70 مسلحاً.