قال المدير الفني لكريستال بالاس، أوليفر غلاسنر، مبتسماً: «أنا ومارك غويهي، مصيرنا واحد». كان ذلك عشية مباراة كريستال بالاس وليفربول في كأس الدرع الخيرية، عندما طُرح على غلاسنر سؤال عن مستقبل قائد الفريق، وهو السؤال الذي تردد كثيراً خلال الأسابيع القليلة التالية بعد إعراب بطل الدوري الإنجليزي عن نيته ضم اللاعب.
كانت تصريحات غلاسنر بمثابة إنذار لناديه الذي باع أبرز عناصره في سوق الانتقالات الصيفية بأن التخلي عن قائده يعني أنه لن يستمر مع الفريق، وبالفعل تعثرت صفقة انتقال المدافع الإنجليزي الدولي غويهي إلى ليفربول مقابل 35 مليون جنيه إسترليني في الساعات الأخيرة من سوق الانتقالات الصيفية.

وكان غويهي قد خضع بالفعل للفحوصات الطبية في ليفربول، وكان على أعتاب الانتقال لحامل لقب الدوري الإنجليزي، لكن كريستال بالاس خضع لضغوط مدربه برفض بيعه، خصوصاً بعد فشل النادي في ضم إيغور جوليو ليكون بديلاً له. وأبرم ليفربول عدة صفقات نارية، في مقدمتها المهاجم السويدي ألكسندر إيزاك الآتي من صفوف نيوكاسل يونايتد في صفقة قياسية بريطانية بلغت قيمتها 125 مليون جنيه إسترليني. كما تعاقد ليفربول مع هوجو إيكيتيكي وفلوريان فيرتز وميلوس كيركيز وجيريمي فريمبونغ بمبالغ وصلت لنحو 400 مليون جنيه إسترليني.
ينتهي عقد مارك غويهي مع كريستال بالاس بنهاية الموسم الحالي، وبالتالي كان الجميع يعلم أنه يتعين على النادي أن يتوصل إلى حل لهذا الأمر في أسرع وقت ممكن. وقال غلاسنر، الذي أوقف مفاوضات تمديد عقده بعد أن قاد كريستال بالاس إلى الحصول على أول بطولة كبرى في تاريخه بفوزه بكأس الاتحاد الإنجليزي قبل بضعة أسابيع: «بالطبع، يريد الجميع أن يوقع مارك عقداً جديداً. القرار يعود له، لكننا لا نعرف أبداً ما يخفيه المستقبل، سوق الانتقالات تتسم بالجنون في بعض الأحيان».
ومع ذلك، لم يكن أحد يتخيل أن يصل الأمر إلى هذا القدر من الدراما والتشويق. فبعد فوز كريستال بالاس على ليفربول، بقيادة المدير الفني الهولندي أرني سلوت بركلات الترجيح على ملعب ويمبلي في مباراة الدرع الخيرية قبل افتتاح الموسم، قال ستيف باريش، رئيس النادي: «رحيل لاعبين بهذا المستوى مجاناً يُمثل مشكلة لنا للأسف»، لكنه تراجع ورفض السماح لغويهي بالرحيل، وهو الأمر الذي نجح في جذب الأضواء حتى عن انتقال ألكسندر إيزاك إلى ليفربول مقابل مبلغ قياسي في تاريخ كرة القدم البريطانية في اليوم الأخير من فترة الانتقالات.

لقد كان ذلك بمثابة انتصار مذهل لغلاسنر، الذي أكد مراراً وتكراراً على رفضه بيع غويهي في وقت متأخر من فترة الانتقالات دون التعاقد مع بديل مناسب له. وبعد الفوز على أستون فيلا بثلاثية نظيفة مساء الأحد الماضي بعد أداء رائع آخر وتحقيق رقم قياسي في تاريخ النادي بخوض 14 مباراة دون هزيمة في جميع المسابقات كناد يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، أكد المدير الفني النمساوي مرة أخرى على أن كريستال بالاس لم يفِ بوعده الذي قطعه له في مارس (آذار) الماضي خلال اجتماع بشأن خطط النادي المتعلقة بتدعيم صفوف الفريق هذا الصيف.
لكن الرحيل المفاجئ للمدير الرياضي دوغي فريدمان إلى المملكة العربية السعودية بعد أيام قليلة من ذلك الاجتماع - إلى جانب عدم اليقين بشأن البطولة الأوروبية التي سيشارك فيها كريستال بالاس بعد الفوز على مانشستر سيتي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي - أضفى حالة من الفوضى والاضطراب على خطط النادي المتعلقة بتدعيم صفوفه.
وأشار ليفربول طوال هذا الصيف إلى أنه على استعداد لدفع ما لا يزيد على 35 مليون جنيه إسترليني مقابل التعاقد مع غويهي، على الرغم من رفض كريستال بالاس عرضاً بقيمة 70 مليون جنيه إسترليني من توتنهام لضم اللاعب الإنجليزي الدولي في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث أوضح اللاعب البالغ من العمر 25 عاماً أنه يريد الانضمام إلى حامل لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، ولن يوقع عقداً جديداً مع كريستال بالاس. ونظراً لأن تشيلسي سيحصل على 20 في المائة من قيمة بيع غويهي الذي كان قد باعه في عام 2021 مقابل نحو 18 مليون جنيه إسترليني، فإن باريش كان يريد 40 مليون جنيه إسترليني على الأقل، وكان يخطط للتعاقد مع عثمان ديوماندي من سبورتينغ لشبونة ليكون بديلاً لغويهي.
وأدت إصابة المدافع الإيفواري إلى بحث كريستال بالاس عن خيارات أخرى إلا أنها انتهت بالفشل قبل دقائق من الموعد النهائي لغلق فترة الانتقالات الصيفية. وكان مانويل أكانجي، لاعب مانشستر سيتي، ولويد كيلي لاعب يوفنتوس، وستراهينيا بافلوفيتش من ميلان، ومحمد ساليسو لاعب موناكو، مجرد أمثلة على المدافعين الذين كان كريستال بالاس يسعى إلى التعاقد مع أي منهم، على الرغم من أن كريستال بالاس تمكّن من ضم اللاعب الشاب الواعد جايدي كانفوت من تولوز مقابل 21 مليون جنيه إسترليني. ويُقال إن غلاسنر ينظر إلى لاعب منتخب فرنسا تحت 20 عاماً على أنه لاعب واعد للغاية للمستقبل، لكن نظراً لأنه لم يلعب سوى 14 مباراة فقط في الدوري الفرنسي الممتاز، فإنه لن يكون قادراً على أن يحل محل غويهي على الفور.

وفي الوقت الذي دافع فيه ريو فرديناند مدافع منتخب إنجلترا ومانشستر يونايتد السابق عن حق اللاعبين في المطالبة بالانتقال وتغيير فرقهم في إشارة إلى ما حدث مع إيزاك وغويهي، وقال إنه لا ينبغي التشهير باللاعبين الذين يفرضون على ناديهم التخلي عنهم.
بات إيزاك العدو رقم واحد بالنسبة إلى أنصار نيوكاسل يونايتد، بعد أن أوضح أنه لا يريد اللعب للنادي مرة أخرى في محاولته لتمهيد انتقاله إلى ليفربول، قبل أن ينجح في مسعاه في اليوم الأخير لسوق الانتقالات، في المقابل، تلقت جماهير كريستال بالاس خبر فشل صفقة انتقال مدافعها غويهي بارتياح.
وقال فرديناند على هامش قمة كرة القدم العالمية في هونغ كونغ: «الأشخاص الطيبون لا يفوزون. تفلت الأندية من العقاب في مثل هذه الحالات. كم من اللاعبين على مر السنين حُرموا من الانتقال».
وأضاف: «لكنّ اللاعبين يتعرضون للانتقاد عندما يقولون... إنه عرض رائع، إنه مبلغ ضخم، لماذا لا تسمحون لي بالرحيل؟ أريد الذهاب إلى نادٍ يفوز بالبطولات».
وتابع فرديناند الذي انتقل من ليدز إلى مانشستر يونايتد عام 2002 مقابل مبلغ قياسي بريطاني آنذاك: «لم يتمكن مارك غويهي من الرحيل، والجميع يقول: رائع، رائع. لكن ماذا لو لم يشتره ليفربول بعد الآن؟ أو تعرّض لإصابة في موسمه الأخير، ولم يصل إلى تلك المرحلة، ولم يحصل على فرصة للفوز بالبطولات؟ لا ينبغي التشهير باللاعبين إذا أعلنوا رغبتهم في الانتقال لفرق أخرى».
كان يُعتقد أن باريش لم يحسم أمره حتى الساعة الثانية ظهراً من اليوم الأخيرة من فترة الانتقالات بشأن العرض المقدم من ليفربول لغويهي قبل أن يرفضه في نهاية المطاف. أبلغ غلاسنر بهذا الخبر، وأوضح مرة أخرى أنه غير سعيد للغاية، حيث هدد المدير الفني البالغ من العمر 51 عاماً، الذي لم يتردد أبداً في التحدث علناً عن خطط تدعيم الفريق خلال فترات قيادته لكل من فولفسبورغ وآينتراخت فرنكفورت، بالاستقالة قبل أن ينجح باريش في إقناعه بتغيير رأيه.
في هذه الأثناء، كان غويهي قد أكمل بالفعل الجزء الأول من فحصه الطبي في لندن، وقد صُدم عندما أُبلغ بأن كريستال بالاس قد ألغى صفقة انتقاله. وعلى عكس إيزاك الذي رفض اللعب لنيوكاسل منذ بداية الموسم حتى وقت انضمامه لليفربول، فقد واصل غويهي اللعب مع بالاس طوال فترة التكهنات بشأن مستقبله، ويُعتقد أن ما حدث سيصيبه بخيبة أمل كبيرة. ومع ذلك، ليس هناك شك في أنه لا يزال ملتزماً تماما تجاه ناديه وسط تأكيدات بأن ليفربول سيعود لمحاولة التعاقد معه مرة أخرى في يناير (كانون الثاني) المقبل. وتشير تقارير إلى أن اللاعب أصبح محط اهتمام أندية أخرى، بما في ذلك برشلونة وبايرن ميونيخ ويوفنتوس.

وبالنسبة لباريش، الذي تعرّض لانتقادات شديدة من بعض مشجعي كريستال بالاس بسبب ما وصفه غلاسنر بأنه نهج «سلبي» في فترة الانتقالات، فإن بقاء غويهي قد حل مشكلة واحدة لكنه تسبب في كثير من المشكلات الأخرى. كان من المفترض أن يبدأ العمل هذا الصيف على بناء مدرج رئيسي جديد في ملعب «سيلهيرست بارك»، وتتوقع مصادر الآن أن تصل تكلفة ذلك إلى 250 مليون جنيه إسترليني. لكن مع تركيز الاهتمام على أمور أخرى مثل المشاركة في البطولات الأوروبية، والقصص المتعلقة بسوق الانتقالات، فهناك توقع بمزيد من التأخير في هذا المشروع، على الرغم من الحصول على تصريح التخطيط في عام 2018.
إن بيع إيبيريتشي إيزي القياسي لآرسنال مقابل مبلغ قد يصل إلى 67.5 مليون جنيه إسترليني يعني أن كريستال بالاس حقق ربحاً قدره 16 مليون جنيه إسترليني في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة بعد أن تعاقد مع خمسة لاعبين جدد، وإن كان خيتافي سيحصل على 17 مليون جنيه إسترليني في جزء من صفقة تحويل عقد إعارة كريستانتوس أوتشي إلى عقد دائم العام المقبل. وبالنظر إلى ذلك، فإن خسارة الـ35 مليون جنيه إسترليني التي كان سيحصل عليها كريستال بالاس من بيع غويهي قد لا تكون كارثة مالية كبيرة، خصوصاً إذا تمكن النادي من استرداد بعض الأموال عن طريق بيعه إلى ليفربول في يناير المقبل، في الوقت الذي سيكون لدى النادي متسع من الوقت للبحث عن بديل مناسب.
لكن مستقبل غلاسنر هو ما سيكون بمثابة مصدر قلق كبير لمجلس إدارة كريستال بالاس. ولم تكن هناك أي علامة على أي استثمار إضافي من أكبر مساهم جديد، وهو الملياردير الأميركي وودي جونسون الذي يملك فريق «نيويورك جيتس»، في فترة الانتقالات، حيث فشل كريستال بالاس في إقناع كلوب بروج بالتخلي عن، كريستوس تزوليس الخيار الأول لغلاسنر لتدعيم خط الهجوم. وما لم يتغير ذلك في يناير، فإن الحفاظ على المدير الفني الطموح للغاية بعد هذا الموسم سيكون ربما التحدي الأكبر الذي يواجهه باريش منذ إنقاذ النادي من الإفلاس في عام 2010.
*خدمة «الغارديان»
