هجمات المستوطنين على مصادر المياه في الضفة تصيب صنابير الفلسطينيين بالجفاف

امرأة فلسطينية تملأ حاويات المياه من نقطة مياه عامة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)
امرأة فلسطينية تملأ حاويات المياه من نقطة مياه عامة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)
TT

هجمات المستوطنين على مصادر المياه في الضفة تصيب صنابير الفلسطينيين بالجفاف

امرأة فلسطينية تملأ حاويات المياه من نقطة مياه عامة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)
امرأة فلسطينية تملأ حاويات المياه من نقطة مياه عامة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة نقصاً حاداً في المياه، وهو أمر يرجعونه إلى تصاعد هجمات المستوطنين اليهود المتطرفين على مصادر المياه النادرة.

وفي مختلف أنحاء الضفة الغربية، يشكو السكان من نقص المياه الذي أدى إلى جفاف الصنابير في المنازل وعدم توافر المياه اللازمة لأنشطة الري في الحقول.

وفي رام الله، إحدى كبرى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والعاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، أصبح السكان الذين يواجهون نقصاً في المياه يعتمدون الآن على الصنابير العامة.

يدفق الماء من أنبوب فيما يملأ الفلسطينيون حاويات من نقطة مياه عامة في رام الله (رويترز)

تقول أم زياد، فيما كانت تملأ عبوات بلاستيكية بالماء إلى جانب سكان آخرين من رام الله: «طبعاً الماء أساس الحياة. وعندنا المياه صار فيها ضغط بسبب المستوطنين، قطعوا المياه عن كفر مالك، وهي التي توزع على الضفة».

ورصدت الأمم المتحدة 62 واقعة تخريب نفذها مستوطنون يهود لآبار مياه وخطوط أنابيب وشبكات ري وغيرها من البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية، خلال الأشهر الستة الأولى من العام.

واعترف الجيش الإسرائيلي بأنه تلقى تقارير متعددة عن قيام مدنيين إسرائيليين بالتسبب عمداً في أضرار بالبنية التحتية للمياه، دون تحديد أي مشتبه بهم.

ومن بين مصادر المياه التي استُهدفت؛ نبع مياه عذبة ومحطة توزيع مياه في عين سامية على بعد 16 كيلومتراً تقريباً إلى الشمال الشرقي من رام الله، التي تخدم نحو 20 قرية فلسطينية قريبة وبعض الأحياء.

وسيطر مستوطنون على نبع الماء الذي يستخدمه عدد من الفلسطينيين منذ أجيال لترطيب أجسامهم في أشهر الصيف الحارة.

طفلة فلسطينية تملأ زجاجة ماء من نقطة مياه عامة في رام الله (رويترز)

وقالت مصلحة مياه القدس إن محطة توزيع المياه في عين سامية أصبحت هدفاً متكرراً لأعمال التخريب التي ينفذها مستوطنون.

وقال عبد الله بعيرات (60 عاماً)، وهو من سكان قرية كفر مالك المجاورة، فيما كان واقفاً على قمة تل يطل على النبع، إن أعمال العنف التي يمارسها المستوطنون تصاعدت بشدة.

وأضافت: «يدخلون على المحطات (المياه الموجودة على النبع) يكسرونها... ويخلعون الكاميرات، ويقطعون المياه لساعات.. هذه المياه تسقي 70 ألف فرد».

وتزداد المستوطنات الإسرائيلية اليهودية التي تحيط بنبع عين سامية وقرية كفر مالك. وتَعد الأمم المتحدة ومعظم حكومات العالم المستوطنات القائمة في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة أمام قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

ويشير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى أن المستوطنين نفذوا هجمات متعددة استهدفت ينابيع المياه والبنية التحتية الحيوية للمياه في رام الله وسلفيت ونابلس في الفترة من أول يونيو (حزيران) حتى 14 يوليو (تموز). وذكر المكتب في تقرير صدر في يوليو أن نبع عين سامية تعرض لهجمات متكررة.

فلسطيني يقف بالقرب من مجمع آبار شركة المياه الإسرائيلية في بردلة في وادي الأردن بالضفة الغربية (رويترز)

وقال الجيش الإسرائيلي رداً على أسئلة من «رويترز» عن هذا التقرير إن قوات الأمن الإسرائيلية تَعد أي ضرر يَلحق بالبنية التحتية انتهاكاً خطيراً، وإنها تنفّذ عمليات سرّية وعلنية لمنع مزيد من الضرر. وأضاف أن (سلطة المياه الفلسطينية) مُنحت حق الوصول لإجراء الإصلاحات.

وقال كريم جبران، مدير الأبحاث الميدانية في بتسيلم (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، لـ«رويترز» إن المستوطنين سيطروا على معظم الينابيع الطبيعية في الضفة الغربية في السنوات القليلة الماضية ومنعوا الفلسطينيين من الوصول إليها».

عنف المستوطنين

يواجه الفلسطينيون منذ فترة طويلة حملة ترهيب ومضايقات وعنف جسدي يشنها مستوطنون متطرفون يمثلون أقلية من المستوطنين اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية.

ويقول الفلسطينيون إن وتيرة عنف المستوطنين في الضفة الغربية زادت منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وعبروا عن مخاوفهم من أن يكون تصاعد عنف المستوطنين جزءاً من حملة لطردهم من الأرض. وسجلت الأمم المتحدة 925 واقعة من هذا النوع في أول 7 أشهر من العام بزيادة 16 في المائة على أساس سنوي.

ويدعو عدد من السياسيين الإسرائيليين منذ هجوم «حماس» إلى ضم الضفة الغربية.

ونقلت «رويترز»، الأحد، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الحكومة تدرس الآن ضم الضفة الغربية بعدما قالت فرنسا ودول غربية أخرى إنها ستعترف بدولة فلسطينية هذا الشهر.

ويريد الفلسطينيون إقامة دولتهم المستقبلية على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.

ويجد الفلسطينيون في الضفة الغربية صعوبات منذ فترة طويلة في الحصول على المياه. وتمارس السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب حكماً مدنياً محدوداً في مناطق من الضفة، ولا بد أن تحصل على موافقة إسرائيل على تطوير البنية التحتية للمياه أو توسيعها.

ويقول مسؤولون فلسطينيون وجماعات حقوقية إن إسرائيل نادراً ما توافق.

جرافات عسكرية إسرائيلية تهدم منزلاً فلسطينياً في قرية شقبا غرب رام الله بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

وقالت منظمة «بتسيلم»، في تقرير أصدرته في أبريل (نيسان) 2023، إن الفلسطينيين يواجهون أزمة مياه مزمنة، فيما يتمتع المستوطنون بوفرة في المياه.

وجاء في التقرير: «نقص المياه في الضفة الغربية نتيجة مقصودة لسياسة تنطوي على تمييز تنتهجها إسرائيل التي تعد المياه وسيلة أخرى للسيطرة على الفلسطينيين».

* إمدادات مكلِّفة

في أنحاء الضفة الغربية، تنتشر خزانات المياه في منازل الفلسطينيين، حيث تُخزَّن مياه الأمطار أو المياه التي تصل بالشاحنات بسبب شبكة مياه لا يمكن الاعتماد عليها بالفعل، زادتها هجمات المستوطنين سوءاً.

وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على السياسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، رداً على أسئلة «رويترز»، إن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن تزويد الفلسطينيين في الضفة الغربية بالمياه. وقالت الوحدة إن إسرائيل تنقل 90 مليون متر مكعب من المياه إلى السلطة الفلسطينية كل عام، ملقيةً باللوم في أي نقص في المياه على سرقة الفلسطينيين للمياه.

صورة التقطتها طائرة مسيَّرة تُظهر فلسطينيين يملؤون المياه من صهريج في الخليل بالضفة (رويترز)

وإلى جانب قطع مسافات طويلة لجلب المياه، أصبح الفلسطينيون يعتمدون على شحنات المياه المكلفة لإدارة أزمة المياه المزمنة التي يخشون أن تتفاقم.

وقال وفيق سليم، الذي كان يحصل على المياه من صنبور عام خارج رام الله: «إذا كان المستوطنون سيستمرون، فنحن سنضيع بالطبع... سيصير نزاع أكبر من الاحتلال. أهم شيء الماء».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

إصابة 3 فلسطينيين برصاص إسرائيلي واعتقال العشرات في الضفة

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال دورية في رام الله (أ.ف.ب)

إصابة 3 فلسطينيين برصاص إسرائيلي واعتقال العشرات في الضفة

أصيب 3 مواطنين فلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية بمدينة نابلس، فجر الثلاثاء، فيما شهدت مناطق متفرقة من الضفة الغربية حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الفلسطينيين

«الشرق الأوسط» (رام الله )
شؤون إقليمية من داخل بيت ريان محمد أبو معلا (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: نحقق في مقتل فتى فلسطيني بالضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في واقعة مقتل فتى فلسطيني (16 عاماً) بالضفة الغربية برصاص جنود قالوا إنه ألقى ​حجراً عليهم.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي والدة أحمد زيود خلال تشييع جثمانه خلال جنازته قرب جنين في الضفة الغربية اليوم (أ.ب)

مقتل 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على شرق مدينة غزة

قُتل ثلاثة فلسطينيين، صباح اليوم الأحد، في قصف إسرائيلي استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فيما قتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين بالضفة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

ملعب يعدّ متنفساً لأطفال مخيم بالضفة الغربية يهدده قرار هدم إسرائيلي

في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة، كان أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم غير مكترثين بالإسمنت الشاهق.

«الشرق الأوسط» (مخيم عايدة)
المشرق العربي فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

سكان مخيم نور شمس جمعوا صوراً وألعاباً وأثاثاً قبل هدم إسرائيل منازلهم

عاد العشرات من سكان مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة بعد تهجيرهم منه قسراً، لاستعادة متعلّقاتهم الشخصية الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

«ممنوع استقبال الرجال»... الإيجارات في غزة مكبلةٌ بشروط معقدة وأسعار مرتفعة

لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

«ممنوع استقبال الرجال»... الإيجارات في غزة مكبلةٌ بشروط معقدة وأسعار مرتفعة

لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

قضى نافذ الغوراني، من سكان حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، والنازح حالياً في خان يونس بجنوب القطاع، ساعات طويلة وأياماً عسيرة بحثاً عن شقة سكنية يستأجرها، أملاً في مأوى يضمه وأسرته قبل أن يتمكن من العودة إلى مدينته، لكنه اصطدم بواقع مرير... فالدمار طال غالبية المساكن والمنازل.

لم تكن عملية البحث عن الشقة هي الصعوبة الوحيدة التي واجهت الغوراني، وتواجه مئات غيره يومياً، فما هو أصعب منها الشروط المعقدة التي يضعها أصحاب الشقق حين يحالف أحدهم الحظ ويجد واحدة.

يقول الغوراني، الذي يعيش حالياً في خيمة بخان يونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنه كلما وجد شقة تصلح للإيجار، يطلب أصحابها صورة من بطاقته الشخصية للتحري والسؤال عنه إما في منطقة سكنه الرئيسية قبل أن يفقد منزله، أو لدى جهات أخرى، قبل الموافقة على التأجير. ويضيف أن طلبه رُفض مرات عديدة لأسباب لم تكن له مفهومة.

عمال فلسطينيون يُصلحون طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم الاثنين (أ.ف.ب)

في إحدى المرات، وبعد أن اتفق مع صاحب شقة على الإيجار، فوجئ بشرط يمنعه من استقبال أي رجال في البيت، حتى وإن كانوا أشقاءه، خشية انتماء أحدهم لأي فصيل فلسطيني، مما قد يُعرّض المكان لهجوم إسرائيلي، ما أثار استغراب الغوراني الذي رفض هذا الشرط، فرفض صاحب الشقة التأجير.

يقول الغوراني إن العثور على شقة للإيجار، حتى ولو بسعر باهظ، بات مهمة شبه مستحيلة في ظل التعقيدات التي يفرضها أصحاب البيوت الذين يخشون على منازلهم وحياتهم. وعلى الرغم من أنه يعتبر ذلك حقاً من حقوقهم، فإنه يشير إلى «المبالغة» في الشروط وفي التعقيدات لأسباب غير مقنعة أحياناً، مثل تلك التي حالت دون تمكنه من استئجار شقة مع إنه لا ينتمي لأي فصيل، لا هو ولا أي من أبنائه الخمسة.

«المضطر»

في ظل المتبقي القليل من المنازل والشقق السكنية في قطاع غزة، بعد عملية التدمير الشاملة التي طالت مناطق شاسعة من القطاع، يتخوف السكان من أن يستهدفهم قصف إسرائيلي في ظل استمرار الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي تقرير نُشر في بداية العام الحالي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 92 في المائة من الوحدات السكنية في غزة مدمرة أو متضررة. وقال المكتب إن 436 ألف وحدة سكنية تأثرت بالحرب، حيث تهدمت 160 ألف وحدة كلياً وتضررت 276 ألفاً جزئياً، بعضها على نحو خطير.

وجاء في التقرير أن أكثر من 1.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مأوى طارئ ومستلزمات منزلية أساسية.

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة يوم 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

ويقول فضل الشنطي، الذي يمتلك مبنى سكنياً من ستة طوابق في غرب مدينة غزة، إنه لا يستطيع التأجير لأي شخص قبل أن يسأل عنه، معتبراً ذلك حقاً أصيلاً للحفاظ على سلامة بنايته وحياة عائلته التي تقطن في إحدى شقق المبنى.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الاحتلال الإسرائيلي لا ينتظر إذناً من أحد حين ينوي قصف ناشط ما، وقد ارتكب عشرات المجازر بحق عوائل كاملة وبنايات كي يقتل شخصاً واحداً».

واستطرد: «حياة عائلتي ومن يعيش في البناية هي أمانة أحملها ضمن مسؤولياتي».

وتابع: «أنا كمالك لبناية سكنية، لست ضد ابن شعبي، سواء كان من فصيل فلسطيني أو غيره، لكن هناك ظروفاً قاهرة وأوضاعاً قاسية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، ولا أستطيع أن أضحي بحياة عدة عائلات من أجل شخص واحد يمكنه أن يجد مكاناً بديلاً».

ولا ينفي الشنطي أن بعض المالكين رفعوا أسعار الإيجارات بشدة، ومع هذا ظل إقبال «المضطرين» كبيراً. وعن نفسه، قال إنه رفع السعر عما كان عليه قبل الحرب، إلى نحو 800 دولار بدلاً من 500 سابقاً، في حين أن الغالبية تطلب ما بين 1000 و1500 دولار للشقة التي تتراوح مساحتها بين 130 و170 متراً.

وقبيل الحرب كانت أسعار الإيجارات من 200 إلى 500 دولار، فيما يصل إيجار المفروش منها إلى 700 دولار.

مواطن «بلا وطن»

لا تقف الشروط التي يضعها أصحاب الشقق السكنية عند هذا الحد، بل يمتد بعضها لمنع الإيجار عن أسرة يزيد عدد أفرادها عن ستة، أو وضع شروط تتعلق بالمياه، مثل مشاركة المستأجر في حصة المياه الخاصة به بسبب شحها الشديد.

كما لوحظ أن غالبية مُلاك الشقق يرفضون التأجير للعاملين في مجالات معينة مثل الصحافة، والطواقم الطبية، وأساتذة الجامعات، بسبب استهدافهم المتكرر من قبل إسرائيل خلال الحرب.

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية بمدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

يقول هيثم عمر، الذي كان يبحث عن شقة للإيجار، إنه فوجئ برفع الأسعار المبالغ فيه وبالشروط التعجيزية، ناهيك عن دفع مبالغ للسماسرة والوسطاء الذين يعملون على الترويج لتلك الشقق.

ويضيف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه فوجئ بأن صاحب شقة مكونة من غرفتين ومطبخ وصالة طلب منه 1300 دولار شهرياً، وقال: «أنا مواطن بسيط أعمل في شركة قطاع خاص، وكل ما أتحصل عليه شهرياً 550 دولاراً».

حتى الوحدات المتضررة لم تسلم من علو الإيجارات، وأشار عمر إلى أن صاحب شقة متضررة طلب منه نحو 600 دولار، رغم أن بعضها مغطى بالشوادر، واصفاً ما يجري بأنه «ظلم».

وأضاف بحسرة طغت على نبرته: «صدق من قال إن المنزل هو الوطن، ونحن الآن بلا وطن».

حتى النساء ممنوعات من الزيارة

تقول إيمان العطار، وهي شابة تعمل في الوساطة عبر الإنترنت بين المؤجر والمستأجر، إن بعض الشروط يراها كثيرون «طبيعية»، مشيرةً إلى أن أصحاب الشقق يخشون أن يستضيف المستأجرون أقاربهم النازحين في الشقة نفسها، مما يؤثر على الخدمات داخل البناية.

نازحون يسيرون وسط الخيام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم الاثنين (أ.ف.ب)

وروت واقعة فرض فيها المؤجر على المستأجر عدم استقبال أي ضيوف، رجالاً كانوا أو نساءً، بدعوى أن إسرائيل قصفت نساء لأن أزواجهن نشطاء في فصائل. وقالت إن المستأجر رفض هذا الشرط جملةً وتفصيلاً.

أما منع المستأجر من استقبال الرجال، فبات حالة متكررة، حسبما قالت، وأصبح يوضع ضمن شروط العقد.

ولا تنكر إيمان العطار أن غالبية أصحاب الشقق يستغلون الوضع القائم حالياً، حيث لا توجد رؤية واضحة بشأن إعادة الإعمار أو توقف الحرب نهائياً، لوضع شروطهم ورفع أسعار الإيجارات بشكل مبالغ فيه.


تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
TT

تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

كشف مصدر قضائي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط» أن التحقيقات في اختفاء ضابط متقاعد في الأمن العام قبل أسبوع، ترجح اختطافه من قبل إسرائيل، بعد «عملية استدراج ذات طابع استخباراتي»، على خلفية الاشتباه بعلاقته بملف اختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

وأشار المصدر إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي «تكثّف تحرياتها منذ تسجيل فقدان النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد شكر قبل نحو أسبوع في منطقة البقاع». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن فرع التحقيق «عمل على تتبع حركة كاميرات المراقبة وتحليل بيانات الاتصالات، وتوصل إلى خيوط أولية تشير إلى أن شكر تعرّض لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة، حيث ينصب الجهد الأمني هناك لكشف مصيره».

استدراج استخباراتي

ومع تضارب الروايات حول أسباب وملابسات اختفاء شكر، بدأت تتقدّم فرضية وقوف إسرائيل خلف عملية اختطافه على سواها، مستندة إلى معطيات أولية كشفتها التحقيقات الجارية.

ما يعزز العامل الأمني - الاستخباراتي، وجود شبهات عن أشخاص غير لبنانيين مرتبطين بالحادثة. ويوضح المصدر القضائي أن المعلومات المستقاة من التحقيقات الأولية وعمليات الرصد والاستقصاء تفيد بأن «عملية الاستدراج نُفّذت من قبل شخصين سويديين، أحدهما من أصل لبناني، وصلا إلى لبنان قبل يومين فقط من وقوع الحادثة عبر مطار رفيق الحريري الدولي. وغادر الأول عبر المطار في اليوم نفسه الذي اختفى فيه شكر، ما يثير علامات استفهام كبيرة حول دوره المحتمل في العملية».

أما الشخص الثاني الذي تعود أصوله إلى لبنان، فيُرجّح المصدر أنه «شارك في عملية الاستدراج، ولا يزال موجوداً داخل لبنان، إذ أثبتت كشوفات الأمن العام في المطار وعبر المعابر البرية والبحرية أنه لم يغادر البلاد، إلّا إذا كان غادر بطريقة غير شرعية». ولا يسقط المصدر نفسه إمكانية «مشاركة أشخاص آخرين في لبنان في عملية مراقبة أحمد شكر، وتهيئة الأجواء لاستدراجه وخطفه».

تصفية أم اختطاف؟

تتعدد السيناريوهات المطروحة حول مصير الضابط المتقاعد، بين احتمال تصفيته، على غرار ما نُسب إلى جهاز «الموساد» في قضية اغتيال الصراف أحمد سرور المرتبط بـ«حزب الله» العام الماضي، وبين فرضية أكثر خطورة لكنها الأكثر واقعية، وهي نقله إلى خارج لبنان، أي إلى إسرائيل.

عناصر من «حزب الله» خلال محاكاة لاختطاف جندي إسرائيلي في جنوب لبنان عام 2023 (د.ب.أ)

وفي هذا السياق، يشير المصدر القضائي المشرف على التحقيق الأولي إلى أن شعبة المعلومات «لم تعثر حتى الساعة على أي أثر مادي أو تقني يدل على وجود شكر داخل الأراضي اللبنانية، ما يعزز فرضية تخديره وخطفه إلى إسرائيل، إما جواً في عملية معقّدة، أو بحراً بواسطة زورق انطلق من السواحل اللبنانية، كما حصل في عملية اختطاف القبطان البحري عماد أمهز من على شاطئ مدينة البترون (شمال لبنان) في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي».

صلات بملف رون آراد

لا تقف القضية عند حدود حادثة اختفاء فردية، بل تتقاطع مع ملف أمني تاريخي بالغ الحساسية بين لبنان وإسرائيل. إذ كشفت مصادر مقرّبة من عائلة شكر لـ«الشرق الأوسط» أن الضابط المفقود هو شقيق حسن شكر الذي قُتل مع ثمانية آخرين في معركة ميدون (البقاع الغربي) التي وقعت بين مقاتلي «المقاومة الإسلامية» ومجموعات مسلحة أخرى، وقوات الاحتلال الإسرائيلي في 22 أيار (مايو) 1988.

وترجّح المعلومات أن حسن شكر «كان مقاتلاً ضمن المجموعة التي كان يقودها مصطفى الديراني (كان يتبع لحركة «أمل» يومذاك قبل أن ينتقل إلى صفوف «حزب الله» لاحقاً)، والتي شاركت في أسر الطيار الإسرائيلي رون آراد إثر إسقاط طائرته في جنوب لبنان في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1986، وأن المجموعة المسلحة التي أسرته نقلته إلى منزل أحد أنسباء شكر في بلدة النبي شيت البقاعية، قبل نقله إلى مكان مجهول واختفاء أثره كلياً».

الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي فُقد عام 1986 في جنوب لبنان (سلاح الجو الإسرائيلي)

وشكر هو من عائلة الرجل الثاني في «حزب الله» فؤاد شكر الذي سبق ان اغتالته في 30 يوليو (تموز) 2024 في غارة جوية على مبنى في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.

ويعيد هذا العمل الأمني الخطير فتح سجل طويل من العمليات الإسرائيلية التي استهدفت أشخاصاً على صلة مباشرة أو غير مباشرة بملف رون آراد، سواء عبر الاغتيال أو الاختطاف أو محاولات التجنيد. وفي ضوء ذلك، يبدي المصدر القضائي تخوفه من أن يكون اختفاء أحمد شكر «حلقة جديدة في هذا المسار من العبث الإسرائيلي بالساحة اللبنانية».


حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
TT

حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)

مع عودة الهدوء الحذر إلى أحياء مدينة حلب بعد ليلة عنيفة، تخللها تعطيل للمدارس والدوائر العامة وسط المدينة، عقدت وزارة الدفاع اجتماعاً عسكرياً موسعاً في منطقة «نبع السلام» شمال سوريا، لبحث الجاهزية العسكرية على ضوء التطورات الجارية، فيما قالت وسائل إعلام سورية رسمية إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تشهد حالات نزوح، رغم اتفاق وقف تبادل النيران وخفض التصعيد.

وارتفعت حصيلة استهداف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لأحياء سكنية في مدينة حلب، إلى 4 ضحايا، و9 جرحى. وحسب تلفزيون سوريا نقلاً عن مديرية صحة حلب، فإنّ الضحايا الـ4 من المدنيين، هم: فاتن هندي، ومحمد شريفة، وعفاف إبراهيم، ومحمد الدرويش.

من اجتماع القيادة العسكرية في الشمال السوري (سانا)

وشهدت منطقة «نبع السلام» شمال سوريا، اجتماعاً عسكرياً موسعاً، عقده معاون وزير الدفاع للمنطقة الشمالية العميد فهيم عيسى وحضره قائد الفرقة 72 في الجيش العربي السوري، العميد عقيل عامر، وعدد من الضباط القادة.

وقالت وزارة الدفاع إن الاجتماع بحث آخر التطورات الميدانية، وجاهزية وانتشار التشكيلات العسكرية في المنطقة، حسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا). وذكرت وزارة الدفاع في منشور عبر قناتها على «تلغرام»، أنه جرى بحث آخر التطورات الميدانية، وجاهزية وانتشار التشكيلات العسكرية في المنطقة.

وفي الـ22 من أغسطس (آب) الماضي، أجرى العميد فهيم عيسى، زيارة تفقدية إلى قيادة الفرقة 60 للاطلاع على واقع عملها والجاهزية العسكرية والإدارية فيها، كما أجرى في الـ13 من مايو (أيار) الماضي جولة تفقدية للقوات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في مناطق شرق الفرات.

وتندرج هذه الاجتماعات والزيارات ضمن جولات ميدانية تهدف إلى متابعة مستوى الاستعداد القتالي والإداري في تشكيلات الجيش العربي السوري.

يقوم مسعفون بوضع جريح على نقالة داخل مستشفى في مدينة حلب شمال سوريا (رويترز)

وأعلنت وزارة الصحة السورية، الثلاثاء، ارتفاع حصيلة اشتباكات حلب إلى 4 قتلى و9 جرحى. بينهم طفلان وعاملان في الدفاع المدني، وذلك جراء القصف على أحياء سكنية في المدينة.

وأعلن محافظ حلب تعليق الدراسة مؤقتاً في جميع المدارس والجامعات الحكومية والخاصة، الثلاثاء، وإغلاق المكاتب الحكومية في وسط المدينة، بعد اتفاق «قسد» ووزارة الدفاع السورية على التهدئة وخفض التصعيد، حيث أعلنت وزارة الدفاع السورية «إصدار القيادة العامة للجيش أمراً بوقف استهداف مصادر نيران قوات «قسد» بعد تحييد عدد منها.

ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى سقطت عليه قذيفة من «قسد» بعد اندلاع اشتباكات في حلب الاثنين (رويترز)

وبدورها قالت قوات «قسد»، في بيان لاحق، إنها أصدرت تعليمات بوقف تبادل الهجمات مع القوات الحكومية عقب اتصالات خفض التصعيد. وفي بيان آخر الثلاثاء، اتهمت «قسد» الحكومة في دمشق، بالتعمد إلى «فبركة وترويج خبر كاذب ومختلق عن قصف مزعوم لمشفى الرازي في مدينة حلب، في محاولة مكشوفة للتضليل وقلب الحقائق». ونفى بيان «قسد» الذي نشرته على معرفاتها الرسمية بشكل قاطع «أن مستشفى الرازي لم يكن مستهدفاً بأي استهداف، وأن ما حدث هو تحريض صارخ ومنهجي يهدف إلى التستر على الجرائم الحقيقية».

ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى سقطت عليه قذيفة من «قسد» بعد اندلاع اشتباكات في حلب الاثنين (رويترز)

وكانت وسائل إعلام محلية في حلب أفادت بسقوط قذائف في محيط مشفى الرازي في حلب حيث تم إسعاف المصابين وضحايا الاشتباكات، وقالت قناة «الإخبارية السورية» الرسمية إن حالة هدوء تسود منطقة مشفى الرازي في حلب الذي تعرض للاستهداف، وحالة ترقب للساعات المقبلة.

كما أفادت القناة الرسمية بفرض قوى الأمن الداخلي طوقاً أمنياً في المنطقة المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود لحماية المدنيين من الاستهدافات وتأمين مغادرتهم. وقالت إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب تشهد حالات نزوح، وذلك رغم وقف تبادل النيران.

سكان بعض أحياء مدينة حلب يتفقدون سيارات متضررة الثلاثاء عقب موجة هجمات في اليوم السابق (رويترز)

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، مساء الاثنين، أن «القيادة السورية حريصة على إنجاح اتفاق آذار»، مشيراً إلى أن «الحكومة السورية تغلب أي اتفاق يجنب المدنيين الفوضى».

وأشار البابا، في تصريحات إعلامية، إلى أن «قسد» حاولت «إفشال اتفاق العاشر من آذار»، مضيفاً أنها «تحاول تعطيل اتفاق آذار الذي ينتهي برأس السنة»، ونفى أن تنجر الحكومة لاستفزازات قد تعطل الاتفاق المعلن عنه مع «قوات سوريا الديمقراطية». وأوضح المتحدث أن موقف الحكومة يقوم على «تغليب» خيار الاتفاق الذي يحفظ المدنيين من الفوضى، لكن بعد الرد على أي استفزازات.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي مشترك في دمشق (إ.ب.أ)

وجاء التصعيد العسكري المفاجئ في حلب متزامناً مع زيارة وفد تركي كبير إلى دمشق وبحث ملف تنفيذ اتفاق 10 آذار (مارس) مع اقتراب انتهاء مهلة تنفيذه.

وصرح وزير الخارجية التركي بأن «قوات سوريا الديمقراطية» لا تعتزم فيما يبدو الوفاء بالتزامها بالاندماج في القوات المسلحة للدولة بحلول الموعد النهائي المتفق عليه بنهاية العام، مع التأكيد مع الجانب السوري على ضرورة تنفيذ الاتفاق، حيث تأمل دمشق أن ينهي دمج «قسد» أكبر انقسام في سوريا بين مناطق سيطرة الإدارة الذاتية (الكردية) شمال شرقي سوريا ومناطق سيطرة الحكومة السورية، وهو يمثل عاملاً رئيسياً في منع تثبيت الاستقرار وتحقيق الأمان.