أثار التوتر العسكري في العاصمة الليبية تساؤلات بشأن مستقبل «خريطة الطريق» التي طرحتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي في 16 أغسطس (آب) الماضي، خاصة أن البعض يرى أنه «يضرب العملية السياسية، وعلى رأسها الخريطة الأممية».
وبعيداً عما يجري في طرابلس من تحشيد عسكري، أفاد مصدر سياسي مطّلع في العاصمة الليبية بأن البعثة بدأت بالفعل مفاوضاتها مع أطراف الأزمة عقب الإحاطة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن بعض اللقاءات والاجتماعات التي عقدها المبعوثة ونائبتها، ستيفاني خوري، الأسبوع الماضي تأتي ضمن «خطوات تحريك الأمور للبدء في تنفيذ الخريطة».
وكانت تيتيه قد أعلنت أمام مجلس الأمن أن الإطار القانوني للانتخابات العامة يتطلب تعديلات بالتشاور بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»؛ وهو ما دفع البعثة لعقد لقاء مع رئيس «النواب» عقيلة صالح، بعد مقابلة سابقة أجرتها خوري مع محمد تكالة رئيس «الأعلى للدولة».
وسبق والتقت خوري في إطار مساعي البعثة لكسر الجمود السياسي كلاً من رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور مراجع نوح، وممثلين لقبائل التبو من الجنوب الليبي؛ في حين لم تغب واشنطن عن المشهد التفاوضي من خلال مباحثات مع القائم بالأعمال الأميركي في ليبيا جيريمي برنت.

أمنياً، ومن منظور سياسيين ليبيين، فإن التحشيدات لتشكيلات مسلحة موالية لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة ضد خصومها في ميليشيا «جهاز الردع» بدت وكأنها ورقة تفاوض لرئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة على مسار خريطة الطريق الأممية.
ويعتقد عضو المجلس الأعلى للدولة منصور الحصادي أن «الهدف الأساسي من التحشيد العسكري في طرابلس هو ضرب العملية السياسية، وعلى رأسها الخريطة الأممية».
وقال الحصادي عبر حسابه على منصة «إكس»: «أي عملية سياسية جديدة سيكون من أهم مخرجاتها حكومة جديدة موحدة لكل ليبيا؛ وبالتالي فإن المستفيدين من الانقسام والفساد والفوضى يريدون بقاء الأمر على ما هو عليه».
وسبق أن وصفت البعثة الأممية مطلع الأسبوع الحالي استمرار حشد القوات والأسلحة الثقيلة حول طرابلس بأنه «تطور خطير»، مخاطبة جميع الأطراف بضرورة «مواصلة الحوار لحل المسائل محل الخلاف في أقرب وقت ممكن».
وتستند «خريطة تيتيه» إلى ثلاث ركائز أساسية، هي: تنفيذ إطار انتخابي سليم من الناحية الفنية بهدف إجراء انتخابات عامة، وتوحيد المؤسسات من خلال «حكومة جديدة موحدة»، وحوار ليبي واسع، وهذا كله تحت سقف زمني يتراوح بين 12 و18 شهراً.

ويبدي المحلل السياسي محمد محفوظ تفاؤلاً بشأن «خريطة الطريق»، مستنداً إلى حديث تيتيه «عن آجال زمنية لإنجاز قوانين الانتخابات واستكمال تشكيل المفوضية خلال شهرين».
ويقرأ محفوظ مهلة الشهرين التي منحتها تيتيه لتوافق مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» بصفتها «مهلة لبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت تدعو إلى الحوار الشامل كي تضغط على وكلائها المحليين». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تحديد الآجال بهذا التفصيل لم يحدث من قبل، حتى في اتفاقي (الصخيرات) بالمغرب و(جنيف) بسويسرا».
ويستبعد محفوظ أن يتوقف المسار السياسي، قائلاً إنه «سيستمر وربما يمضي إلى الأمام، خصوصاً في ملف الحكومة».
أما الباحثة السياسية بجامعة طرابلس، أمل العلوي، فلم تستبعد أن يكون «مآل هذه الخريطة مثل مبادرات سابقة لمبعوثين دوليين تعاقبوا على المشهد الليبي».
وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التحديات الأمنية كانت ولا تزال «عائقاً أمام أي حل ناجع لهذه الأزمة الليبية».
وقد يبدو الموقفان الدولي والإقليمي وتعارض المصالح هي ما تعرقل الحل في ليبيا، كما يرى رئيس حزب «التجديد» الليبي سليمان البيوضي، الذي قال إن «مسار خريطة الطريق يتطلب إجماعاً دولياً وإقليمياً للدفع به، وكان ذلك طلباً واضحاً من تيتيه أمام مجلس الأمن».
ويعيد البيوضي التذكير بالإجماع المحلي على ضرورة توحيد السلطة التنفيذية، والمضي نحو الانتخابات؛ وهو ما خلصت إليه البعثة الأممية بعد مشاوراتها مع الفاعلين الرئيسيين والمجتمعات المحلية التي تحدثت معها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة منذ إعلان نتائج اللجنة الاستشارية.


