«الترويكا» الأوروبية تفعّل آلية فرض العقوبات الدولية على إيران

طهران تصف القرار الأوروبي بـ«التصعيدي والاستفزازي»

أرشيفية لمنشأة نووية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية (أ.ب)
أرشيفية لمنشأة نووية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية (أ.ب)
TT

«الترويكا» الأوروبية تفعّل آلية فرض العقوبات الدولية على إيران

أرشيفية لمنشأة نووية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية (أ.ب)
أرشيفية لمنشأة نووية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية (أ.ب)

فعّلت «الترويكا الأوروبية» (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) «آلية سناب باك» لإعادة فرض عقوبات أممية على إيران بشأن ملفها النووي، ما يعيد فرض ست مجموعات من العقوبات الدولية على طهران، تم تعليقها بعد التوقيع على الاتفاق النووي في عام 2015.

وعمدت «الترويكا» إلى توجيه رسالة رسمية لمجلس الأمن، جاء فيها أن الدول الثلاث «ترغب في إبلاغ مجلس الأمن أنه، استناداً إلى أدلة عملية، ترى مجموعة (الترويكا) أن إيران لا تحترم التزاماتها» بموجب اتفاق 2015 حول برنامجها النووي. وفي الرسالة نفسها إلى مجلس الأمن طلبت «الترويكا» تفعيل «آلية سناب باك».

بيد أن إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران لن تكون فورية، إذ إنها تحتاج لشهر كامل قبل أن تصبح فعلية، ويمكن أن تتوصل «الترويكا» مع طهران خلال هذه الفترة إلى اتفاق يزيل الخلافات بينهما، ما يسمح لـ«الترويكا» بتأجيل فرض العقوبات لمدة 6 أشهر إضافية. أما إذا لم يتم مثل هذا الاتفاق فيبدأ تطبيق العقوبات في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو موعد توقيع الاتفاق النووي قبل 10 سنوات.

وجاء في البيان المشترك لـ«ترويكا» أيضاً أن «برنامج إيران النووي لا يزال يشكل تهديداً واضحاً للسلم والأمن الدوليين».

النووي الإيراني بيد مجلس الأمن

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن قضية البرنامج النووي الإيراني أصبحت الآن بيد مجلس الأمن الدولي، بعد تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات ضد طهران.
وأضافت كالاس في بيان أنها ستبذل قصارى جهدها بمزيد من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل تفاوضي للقضية النووية الإيرانية، مطالبة كافة الأطراف المعنية ببذل الجهود اللازمة على وجه السرعة في هذا الصدد.

التمسك بالدبلوماسية

صورة من رسالة بعثت بها الترويكا الأوروبية إلى مجلس الأمن بشأن طلب إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران

ومنذ مساء الأربعاء، تواترت التسريبات التي أكدت أن «الترويكا» ستعمد إلى تنفيذ تهديداتها بتفعيل الآلية المذكورة، وأنها سوف تحترم المهلة التي أعطتها لإيران حتى نهاية أغسطس (آب) الحالي، قبل الإقدام على ذلك. لكن فشل اجتماع جنيف بين الطرفين الأوروبي والإيراني يوم الثلاثاء الماضي دفع الأوروبيين إلى اختصار الوقت.

فـ«الترويكا» رأت أن طهران لم تتجاوب لا مع المهلة الأصلية التي أعطيت لها ولا مع اقتراح التمديد المشروط للقرار الدولي رقم 2231، الذي وفر الغطاء الدولي للاتفاق النووي وتأجيل تفعيل الآلية المذكورة لستة أشهر، مقابل تعاون طهران في مجالين: الأول، إفساح المجال لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للعودة إلى إيران وتمكينهم من القيام بعملهم.

بيد أن «الترويكا» الأوروبية التي تعمل بالتنسيق مع واشنطن، لا تريد رمي الديبلوماسية جانباً. فقد جاء في الرسالة المشتركة أن الدول الثلاث سوف تسعى لاستغلال مهلة الثلاثين يوماً التي تفصل عن بدء تطبيق العقوبات من أجل «حل القضايا العالقة» مع إيران التي دعوها للانخراط في دبلوماسية بناءة من أجل «تبديد المخاوف» المرتبطة ببرنامجها النووي.

كذلك، لم تتخل الترويكا، رغم تفعيل «سناب باك»، عن محاولة إقناع طهران بقبول تمديد العمل بالقرار الدولي رقم 2231 وهو ما واظبت على رفضه حتى اليوم وساهمت في تحفيز موسكو وبكين على طرح اقتراح منافس لا يفرض عليها شروطاً قاسية.

ما جاء في رسالة «الترويكا» كرره وزراء خارجيتها مع الحرص على تأكيد أن باب الدبلوماسية لم يغلق. وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إن عملية تفعيل «سناب باك» قد تمثل «بداية مرحلة جديدة» في المفاوضات مع إيران التي دعاها إلى «التعاون الكامل» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والانخراط «بوضوح» في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وهما الشرطان اللذان تفرضهما «الترويكا» لتمديد العمل بالقرار 2231.

وفي السياق نفسه، كتب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في تغريدة على منصة «إكس» أن التفعيل «لا يعني انتهاء الدبلوماسية، نحن مصممون على الاستفادة من فترة الثلاثين يوماً التي تفتح الباب للحوار مع إيران». وفسر بارو اللجوء إلى الآلية المذكورة بقوله إنه يعكس الالتزام بـ«عدم حصول إيران على أسلحة نووية، ولا ينبغي المضي قدماً في التصعيد النووي».

الرد الإيراني

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال مشاركته في اجتماع الحكومة الأحد الماضي (الرئاسة الإيرانية)

لم تتأخر ردة الفعل الإيرانية على المبادرة الأوروبية، إذ سارعت وزارة الخارجية إلى عدّ ما قامت به «الترويكا» «باطلاً وليس له أثر قانوني». وأشار بيان الوزارة إلى أن القرار الأوروبي «من شأنه أن يقوّض التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية»، واصفة الإجراء بأنه «تصعيد استفزازي وغير ضروري».

ومن جانب آخر، نقلت صحيفة «طهران تايمز» عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قوله إن بلاده سوف ترد على الإجراءات «غير القانونية والظالمة» المترتبة على بادرة «الترويكا». ودعا عراقجي الدول الأوروبية الثلاث إلى تصحيح الخطأ الذي ارتكبته بتفعيل آلية «سناب باك».

وسبق للوزير الإيراني أن عدّ أن القوى الأوروبية لا تملك أي صلاحية من الناحية القانونية والسياسية والفنية لتفعيل آلية «سناب باك»، وأنها مستعدة فقط لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي «ومن موقع الندية».

لكن ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤول إيراني وصفته بـ«الكبير»، يعكس نوعاً من التذبذب في المواقف. فالمصدر المشار إليه يرى أن باب الدبلوماسية لم يغلق، وأن طهران ستواصله وسوف تقرر الإجراءات الإيرانية «المتبادلة». لكن المدهش أنه قال في الوقت ذاته إن الخطوة الأوروبية تعد «ضد الدبلوماسية وليست فرصة لها» وفق ما يدعيه الأوروبيون. وأكد أن بلاده لن تتنازل عن حقوقها تحت الضغوط.

وسبق لعراقجي، أن أعلن مراراً أنه لا يحق لـ«الترويكا» تفعيل آلية «سناب باك» لكونها لم تحترم الاتفاق النووي. ولوح المصدر الإيراني إلى بعض الخيارات المتوافرة لبلاده للرد على البادرة الأوروبية.

أكثر من مرة، هددت إيران بـ«رد قاس» على أوروبا إذا أقدمت على تفعيل «سناب باك». ولم يتأخر كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الذي ترأس وفد بلاده إلى جنيف، في التحذير من التبعات. ففي حديث إلى التلفزيون الإيراني مساء الأربعاء، نبه آبادي إلى أن التفعيل «سيؤثر بالكامل على تفاعلنا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحيث سيتوقف تماماً».

وأضاف: «لقد أبلغنا الدول الأوروبية الثلاث أنه إذا حدث ذلك فإن أوروبا ستكون عملياً قد أخرجت نفسها من الساحة الدبلوماسية والحوار مع إيران»، مشيراً إلى أن طهران ستجري بعد ذلك أي نقاش فقط في إطار مجلس الأمن الدولي.

وسبق لمسؤولين إيرانيين كبار أن أكدوا أن طهران سوف تطرد المفتشين الدوليين من غير تردد، ولوحوا بإمكانية الانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي التي وقعتها إيران أواخر خمسينات القرن الماضي، زمن حكم الشاه.

ولوح آخرون بإمكانية أن تعمد بلادهم إلى «تغيير» عقيدتها النووية التي تحرم تطوير أسلحة نووية بحيث تتحول إلى قوة نووية. وما يثير قلق الغرب أن إيران تمتلك ما لا يقل عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60 في المائة، وهي قادرة على الارتقاء به إلى نسبة نقاء تمكنها من استخدامه لتصنيع ما بين 4 و6 قنابل نووية. بيد أن هذا لا يعني أنها ستتحول إلى قوة نووية، إذ ستحتاج، وفق الخبراء، إلى نحو عامين لبلوغ هذا الهدف.

6 مجموعات عقابية

جلسة لمجلس الأمن عقدت لبحث الضربات الأميركية على إيران يوم 22 يونيو (رويترز)

يمثل القرار 1696 الصادر في عام 2006، نقطة الانطلاق لسلسلة القرارات اللاحقة التي تضمنت المجموعات العقابية. وأهميته أنه يطلب من إيران وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وأنه يضع العقوبات تحت الفصل السابع ما يعني إلزامية تنفيذها.

وأقر القرار الثاني رقم 1737 للعام نفسه، منع نقل التكنولوجيا العسكرية إلى إيران وتجميد أصول الكيانات الضالعة في البرنامج النووي وإيجاد «لجنة العقوبات» في مجلس الأمن، ليتبعه القرار 1747 في بداية عام 2007، الذي يوسع مروحة تجميد الأصول ويمنع الضالعين في البرنامج النووي من السفر، فضلاً عن حرمان طهران من استيراد أو تصدير السلاح.

وبعد مضي عام كامل، صدر القرار 1803 الذي يفرض رقابة مشددة على المؤسسات المالية الإيرانية، خصوصاً على السفن الداخلة إلى المواني الإيرانية أو الخارجة منها، فضلاً عن حرمان العديد من الأشخاص من التأشيرات التي تتيح لهم السفر إلى الخارج. وفي سبتمبر (أيلول) 2008، صدر القرار رقم 1835 الذي يشدد العقوبات المتضمنة في القرار السابق، ويتضمن إدانة إيران بسبب مواصلة تخصيب اليورانيوم ويمنعها من تطوير الأسلحة الباليستية.

وآخر قرار، رقم 1929، صدر في يونيو (حزيران) 2010 ونص مجدداً على منع تصدير السلاح إلى إيران وتشديد الرقابة المالية ومعها الرقابة المفروضة على السفن وتوسيع لائحة الأشخاص والكيانات المفروضة عليها العقوبات.

وجميع هذه العقوبات «جمدت» بفضل القرار 2231 الصادر في 20 يوليو (تموز ) 2015، الذي نص على ثلاثة أمور رئيسية: المصادقة على الاتفاق النووي، والرفع التدريجي للعقوبات في حال احترمت إيران تعهداتها، وأخيراً إدخال آلية «سناب باك» في حال انتهكت إيران الاتفاق بشكل جلي.

تراجع العملة الإيرانية

الريال الإيراني تدهورت قيمته أمام العملات الأجنبية (أ.ب)

 

يتضح مما سبق أن إعادة العمل بهذه العقوبات ستكون شديدة الوطأة على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً أنها ستضعها في حالة من العزلة وستمنعها من تسويق نفطها رسمياً، وهو المصدر الأول لعائداتها المالية. وتشتري الصين، وحدها، من إيران نحو 1.5 مليون برميل يومياً.

وهذا هو مصدر القلق الإيراني الأساسي من هذه الآلية التي تعيدها عشر سنوات إلى الوراء. وصدرت عن «مركز صوفان» ومقره في نيويورك، يوم الخميس، دراسة جاء فيها ما يلي: «ترى الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون في تفعيل آلية العودة التلقائية وسيلة لإبقاء إيران ضعيفة استراتيجياً وغير قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي الذي تضرر من الضربات الأميركية والإسرائيلية» في يونيو الماضي.

و«يعدّ القادة الإيرانيون إعادة فرض العقوبات محاولة غربية لإضعاف الاقتصاد الإيراني إلى أجل غير مسمى، وربما لإثارة اضطرابات شعبية كافية للإطاحة بالنظام الإيراني».

وبدا أول المؤشرات مع انخفاض قيمة الريال الإيراني إزاء العملات الأجنبية، حيث بلغت قيمة الدولار الأميركي الواحد ما يزيد على مليون ريال إيراني.

واقترب الريال الإيراني من أدنى مستوياته على الإطلاق، يوم الخميس، في ظل تزايد المخاوف من عواقب إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، مما سيضغط بصورة أكبر على الاقتصاد المتعثر أصلاً. ويذكر أنه في أثناء التوصل لاتفاق 2015 النووي بلغت قيمة الريال 32 ألفاً أمام الدولار، مما يظهر الانهيار الحاد للعملة منذ ذلك الحين. ويشار إلى أن قيمة الريال بلغت أدنى مستوياتها في أبريل (نيسان) الماضي عندما سجل مليوناً و43 ألفاً أمام الدولار الأميركي.


مقالات ذات صلة

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

شؤون إقليمية صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو على هامش مؤتمر صحافي مشترك في منتجع مار-إيه-لاغو بولاية فلوريدا (أ.ف.ب)

الرئيس الإيراني يرد على ترمب: رد قاسٍ ورادع على أي هجوم

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الثلاثاء، إن رد بلاده على أي هجوم سيكون «قاسياً ورادعاً»، فيما بدا أنه رد مباشر على تحذير أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية طفل يجلس فوق رأس حربي لصاروخ باليستي في المعرض الدائم التابع لـ«الحرس الثوري» بضواحي طهران نوفمبر الماضي (أ.ب)

مستشار خامنئي: أي اعتداء سيقابَل برد قاسٍ وفوري

قال علي شمخاني المستشار السياسي للمرشد الإيراني إن القدرة الصاروخية والدفاعية لإيران لا يمكن احتواؤها، ولا تحتاج إلى إذن من أحد لتطويرها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع ثنائي في مقر إقامة ترمب مارالاغو في بالم بيتش بفلوريدا 29 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ترمب: سأدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي

أكد الرئيس الأميركي ترمب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الاثنين، أنه سيدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)

احتجاجات في بازار طهران... واستبدال محافظ «المركزي»

شهدت طهران احتجاجات، لليوم الثاني، للتجار وأصحاب المحال بعد هبوط الريال الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
TT

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى، في وقت تزامن فيه الحراك مع إجراءات أمنية وتحذيرات رسمية، وخطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل مؤسسات عامة.

وبينما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الإنصات للمحتجين عبر الحوار، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال التطورات، وسط تفاعلات داخلية وخارجية رافقت أحدث موجة من الاحتجاجات، عكست حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.

وفي تطور لافت، برز انضمام طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بأن مظاهرات طلابية نُظّمت في عدد من الجامعات بطهران، إضافة إلى مدينة أصفهان وسط البلاد. وحسب الوكالة، شملت التحركات جامعات «بهشتي، وخواجة نصير، وشريف، وأمير كبير، وجامعة العلوم والثقافة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا» في طهران، إلى جانب جامعة التكنولوجيا في أصفهان.

كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات على الغلاء والأزمة الاقتصادية، فيما رددت شعارات احتجاجية مناهضة لنظام الحكم، في بعض الجامعات، وفق ما نقلته قنوات طلابية على تطبيق «تلغرام». وفي مقطع فيديو نُشر من تجمع احتجاجي في شارع ملاصدرا بطهران، يظهر محتجون يرددون شعار: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».

طهران تستعد للذكرى السادسة لمقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية يناير 2020 في بغداد (إ.ب.أ)

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد، صباح الثلاثاء، على امتداد جادة ولي عصر، التي تمتد لمسافة 18 كيلومتراً من شمال العاصمة إلى جنوبها، رغم استمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى. وأضافت الوكالة أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، من دون الإشارة إلى مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.

في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، من بينها ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين، إضافة إلى دخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم.

إلى جانب طهران وأصفهان، أفادت تقارير إعلامية بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، من بينها كرمانشاه، وشيراز، ويزد، وهمدان وأراك، فضلاً عن كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وفي سياق امتداد التحركات إلى مدن أخرى، أظهرت الصور وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب في مشهد، ثاني كبريات المدن في البلاد، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات اجتماعية.

بالتزامن مع الاحتجاجات، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن مدارس ومصارف ومؤسسات عامة ستغلق في طهران و19 محافظة أخرى، الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، مشيرة إلى أن المراكز الطبية والإغاثية، والوحدات الأمنية، وفروع البنوك المناوبة، مستثناة من التعطيل.

حسب مصادر محلية، جاءت الاحتجاجات رداً على الغلاء المتزايد، والتضخم المرتفع، وتراجع القدرة المعيشية. وسجل الريال الإيراني، وفق سعر السوق السوداء غير الرسمي، مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، الأحد، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إيرانية تمر من دار صرافة بينما تظهر أسعار العملة الثلاثاء (رويترز)

ورغم تسجيل تحسُّن طفيف في قيمة العملة، الاثنين، فإن تقلبات سعر الصرف المستمرة أدت إلى تضخم مرتفع وتقلبات حادة في الأسعار، حيث ترتفع بعض أسعار السلع من يوم لآخر.

انطلقت التحركات، الأحد الماضي، من أكبر أسواق الهواتف المحمولة في طهران، حيث أغلق تجار محالهم بشكل عفوي احتجاجاً على الركود الاقتصادي وتدهور القدرة الشرائية، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وتوسعت الاحتجاجات لتشمل مناطق أوسع من وسط العاصمة، حيث واصل التجار إغلاق محالهم ونظموا تجمعات محدودة، تعبيراً عن استيائهم من الانخفاض السريع لقيمة الريال تحت وطأة العقوبات الغربية.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن عدداً من التجار فضلوا تعليق أنشطتهم «لتجنب خسائر محتملة»، في وقت ترددت فيه شعارات احتجاجية داخل بعض الأسواق.

وفق مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) نحو 52 في المائة على أساس سنوي. غير أن وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة «اعتماد»، أشارت إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: «لم يدعمنا أي مسؤول أو يسعَ لفهم كيف يؤثر سعر صرف الدولار على حياتنا»، مضيفاً: «كان يجب أن نظهر استياءنا».

الحكومة وخيار الحوار

في وقت متأخر الاثنين، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين. وقال بزشكيان، في منشور على منصة «إكس» نقلته وكالة «إرنا»: «طلبت من وزير الداخلية الاستماع إلى مطالب المحتجين المشروعة من خلال الحوار مع ممثليهم، حتى تتمكن الحكومة من التصرف بمسؤولية وبكل ما أوتيت من قوة لحل المشاكل والاستجابة لها».

كما أشار إلى أن «معيشة الناس» تشكل هاجسه اليومي، مؤكداً أن الحكومة تضع «إجراءات أساسية لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية» على جدول أعمالها.

وقالت المتحدثة باسم ‌الحكومة، ⁠فاطمة ​مهاجراني، إنه ‌سيتم إطلاق آلية حوار تشمل إجراء محادثات مع قادة الاحتجاجات.

وحسب وكالة «مهر» شبه الرسمية، التقى بزشكيان، الثلاثاء، مسؤولين نقابيين، واقترح عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

ولم تورد الوكالة تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه الإجراءات أو آلية تنفيذها.

وقالت مهاجراني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، إن الحكومة «ستستمع بصبر حتى لو واجهت أصواتاً حادة». ونقلت «رويترز» قولها في هذا الصدد: «نتفهم الاحتجاجات... نسمع أصواتهم وندرك أن هذا نابع من الضغط الطبيعي الناجم عن الضغوط المعيشية على الناس». وأضافت أن الحكومة «تعترف بالاحتجاجات»، وتؤكد «حق التجمعات السلمية المعترف به في دستور الجمهورية الإسلامية».

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» من ثاني أيام احتجاجات البازار (أ.ب)

وكانت إيران قد شهدت خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة لأسباب اقتصادية واجتماعية، من بينها موجة 2022 التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، وتعاملت معها السلطات بإجراءات أمنية مشددة.

وأشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تعمل على «إعداد برنامج للظروف الطارئة»، موضحة أن اجتماعاً للفريق الاقتصادي عُقد لوضع برنامج لإدارة الوضع الاقتصادي على المدى القصير، ضمن إطار زمني يقارب 15 شهراً، بهدف تحقيق الاستقرار.

وكانت الحكومة قد أعلنت، الاثنين، استبدال حاكم البنك المركزي. وقال مهدي طباطبائي، مسؤول الإعلام في الرئاسة الإيرانية، في منشور على منصة «إكس»: «بقرار من الرئيس، سيتم تعيين عبد الناصر همتي حاكماً للبنك المركزي».

ويعود همتي إلى هذا المنصب بعد أن كان البرلمان قد عزله في مارس (آذار) الماضي من منصبه كوزير للاقتصاد، بسبب فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية في ظل الانخفاض الحاد لقيمة الريال، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متراكمة جراء عقود من العقوبات الغربية، التي ازدادت وطأتها بعد إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب انهيار الترتيبات المرتبطة بالاتفاق النووي. وحسب تقارير اقتصادية، ساهمت هذه العقوبات في تقييد التجارة الخارجية، والضغط على العملة الوطنية، ورفع معدلات التضخم.

تحذيرات البرلمان

في المقابل، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من مخاطر «استغلال التظاهرات لبث الفوضى والاضطرابات».

وأعلن قاليباف أن النواب عقدوا اجتماعاً مغلقاً لبحث التطورات الأخيرة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول جدول الأعمال أو مخرجات الجلسة.

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

وقال قاليباف، في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن «الأعداء» يسعون إلى جر مطالب الناس إلى الفوضى، مضيفاً أن الشعب «سيمنع انحراف الاحتجاجات».

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا» إن تقلبات سوق العملة والذهب ترتبط أساساً بالأجواء السياسية وتصريحات قادة دوليين ومحليين، لا بتطورات اقتصادية فعلية، مؤكدة أن تصاعد الحديث عن الحرب أو صدور خبر واحد كفيل بدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأضافت مقصودي: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعال نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة. إذا تحدث نتنياهو بكلمة واحدة، فترتفع الأسعار».

في الداخل، أفاد عدد من مستخدمي الهواتف المحمولة بتلقي رسائل نصية تحذيرية من جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، تحذرهم من المشاركة في تجمعات وصفت بأنها «غير قانونية»، حسبما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي.

ردود داخلية وخارجية

على الصعيد السياسي، أصدر حزب «نهضت آزادى (حركة الحرية)» رسالة مفتوحة انتقد فيها أداء الحكومة، معتبرة أن «تجاوز التحديات من دون إصلاح بنيوي لن يكون سوى وهم». وقالت الحركة إن سجل الحكومة خلال العام ونصف العام الماضيين «غير قابل للدفاع عنه إلى حد كبير، ولا ينسجم مع مطالب الشعب».

كما وصف مصطفى تاج زاده، السجين السياسي ونائب وزير الداخلية السابق، الاحتجاجات بأنها «حق» للمواطنين، معتبراً أن جذور الأزمة تعود إلى «البنية السياسية الحاكمة»، حسبما نقلت منصات إعلامية معارضة.

في الخارج، عبّر رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، عن دعمه العلني للاحتجاجات، معتبراً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيستمر «ما دام هذا النظام في السلطة». وفي رسالة نشرها على منصة «إكس»، دعا بهلوي مختلف فئات المجتمع إلى الانضمام للاحتجاجات، كما وجه نداءً إلى القوات الأمنية والعسكرية بعدم الوقوف في وجه المحتجين، لصالح «نظام في طور الانهيار».

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها الناطق بالفارسية على منصة «إكس»، دعمها لما وصفته بـ«صوت الشعب الإيراني»، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس حالة السخط الواسع من «السياسات الفاشلة وسوء الإدارة الاقتصادية».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب. وفي منشورات لاحقة، نشرت الخارجية الأميركية مقاطع مصورة من مدن إيرانية عدة، مشددة على أن موقف واشنطن ينسجم مع دعمها المعلن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقال مايك والتز، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن الشعب الإيراني يريد الحرية وقد عانى سنوات من حكم رجال الدين.

في إسرائيل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الاحتجاجات الجارية في إيران عبر رسالة مصوّرة نشرها على منصة «إكس»، قال فيها إن المتظاهرين الإيرانيين يستحقون «مستقبلاً أفضل» و«شرق أوسط أكثر استقراراً». واعتبر بينيت أن ما يجري يعكس، على حد تعبيره، فشل السياسات الاقتصادية والسياسية في طهران، موجهاً حديثه مباشرة إلى المحتجين.


إردوغان: قرار إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال غير مقبول وغير مشروع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
TT

إردوغان: قرار إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال غير مقبول وغير مشروع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)

كشف ​الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الثلاثاء، أن قرار إسرائيل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض ‌الصومال المعلَنة ‌من ‌جانب ⁠واحد ​خطوة ‌غير مشروعة وغير مقبولة، مضيفاً أنها تسعى إلى جرّ منطقة القرن الأفريقي إلى ⁠حالة من عدم ‌الاستقرار.

وفي مؤتمر صحافي ‍مع ‍نظيره الصومالي ‍حسن شيخ محمود في إسطنبول، قال إردوغان أيضاً إن ​تركيا تخطط لبدء عمليات تنقيب عن ⁠مصادر الطاقة في البحر قبالة سواحل الصومال عام 2026، بموجب اتفاقية ثنائية، مضيفاً أنها تعتزم إضافة سفينتيْ حفر جديدتين ‌إلى أسطولها.


صحيفة: إسرائيل ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية بدعوى «صلتها بالإرهاب»

موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
TT

صحيفة: إسرائيل ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية بدعوى «صلتها بالإرهاب»

موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)
موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)

نقلت صحيفة «هآرتس» عن الحكومة الإسرائيلية قولها، الثلاثاء، إنها تعتزم سحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد» و«أوكسفام» بدعوى «صلتها بالإرهاب».

وقالت وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية في بيان نشرته الصحيفة إن الحكومة ستسحب تراخيص هذه المنظمات الإنسانية بسبب ما وصفتها بأنها «انتهاكات لمعايير الأمن والشفافية». وأضاف البيان: «التحريات الأمنية كشفت عن تورط موظفين ببعض المنظمات في أنشطة إرهابية... لا سيما منظمة (أطباء بلا حدود)».