«دي مينيمس» الأميركي للطرود الصغيرة خارج الخدمة اعتباراً من الجمعة

نهاية الإعفاء الجمركي للشحنات منخفضة القيمة تُغيِّر قواعد التجارة العالمية

طرود بانتظار المعالجة في هونغ كونغ بعد تعليق بعض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بسبب قواعد جمركية جديدة (رويترز)
طرود بانتظار المعالجة في هونغ كونغ بعد تعليق بعض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بسبب قواعد جمركية جديدة (رويترز)
TT

«دي مينيمس» الأميركي للطرود الصغيرة خارج الخدمة اعتباراً من الجمعة

طرود بانتظار المعالجة في هونغ كونغ بعد تعليق بعض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بسبب قواعد جمركية جديدة (رويترز)
طرود بانتظار المعالجة في هونغ كونغ بعد تعليق بعض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بسبب قواعد جمركية جديدة (رويترز)

تُنهي الإدارة الأميركية، بدءاً من الجمعة 29 أغسطس (آب)، ميزة إعفاء الشحنات منخفضة القيمة من المرور دون رسوم جمركية، وهو ما كان معمول به منذ أكثر من 90 عاماً، مما يمثل ضربةً لملايين المتسوقين عبر الإنترنت، والشركات الصغيرة على المنصات، وخدمات البريد حول العالم -التي أُوقف كثير منها بالفعل شحنات الطرود الصغيرة إلى الولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب كان قد أصدر أمراً تنفيذياً بإلغاء قاعدة «الحد الأدنى» أو ما تُعرف بـ«دي مينيمس (de minimis)»، والتي كانت تسمح لشحنات البضائع التي تبلغ قيمتها 800 دولار أو أقل بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية.

و«دي مينيمس» هو مصطلح لاتيني يعني «الافتقار إلى الأهمية»، بدأ تطبيقه عام 1938 وسيلةً لتوفير الوقت والجهد على الحكومة الفيدرالية في تحصيل الرسوم الجمركية على السلع المستوردة التي تبلغ قيمتها السوقية دولاراً واحداً أو أقل. وفي نهاية المطاف، رفع المشرعون الأميركيون حد الأهلية إلى 5 دولارات عام 1990، ثم إلى 200 دولار عام 1993، ثم إلى 800 دولار عام 2015، وفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس.

هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ يوم الجمعة، قبل عامين تقريباً من الموعد النهائي المحدد في قانون التخفيضات الضريبية والإنفاق الذي أقره الكونغرس، يعد أكبر تعديل في السياسة التجارية الأميركية منذ عقود، وينذر بإحداث تغييرات واسعة في سلوك المستهلكين، واستراتيجيات التجار، وسلاسل التوريد العالمية.

وعلى الرغم من أن ترمب أنهى سابقاً قاعدة «الحد الأدنى» للسلع الرخيصة المرسلة من الصين وهونغ كونغ، فإن فرض ضرائب الاستيراد على الطرود الصغيرة من أي مكان آخر سيُشكّل على الأرجح تغييراً كبيراً لبعض الشركات الصغيرة والمتسوقين عبر الإنترنت.

وأشار البيت الأبيض في الأمر التنفيذي الصادر أواخر يوليو (تموز)، إلى أنّ الهدف من القرار هو سد الثغرات وحماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الأمن القومي. وأوضح أن التغيير سيُطبّق على جميع الدول والموردين، بحيث تُعامل كل الطرود -مهما صغرت قيمتها- على أنها واردات كاملة تخضع للرسوم الجمركية والضرائب المقررة على بلد المنشأ.

أهمية «دي مينيمس»

كان لهذا النظام أثر مزدوج: فمن جهة، سهّل على المستهلكين الأميركيين شراء منتجات متنوعة مباشرة من الخارج -من الحقائب الإيطالية الفاخرة، إلى أدوات المطبخ اليابانية، أو المكملات الغذائية الكندية- من دون مواجهة رسوم غير متوقعة أو أعباء استيراد إضافية. ومن جهة أخرى، أسهم في تنمية التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، خصوصاً عبر منصات صينية مثل «شي إن» و«تيمو» و«علي إكسبرس»، التي اعتمدت على نموذج «الشحن المباشر من المصنع إلى باب المستهلك» لتقليل التكاليف.

شعار «تيمو» يظهر أمام علم الولايات المتحدة (رويترز)

لماذا ألغت الإدارة الأميركية الإعفاء؟

أوضح البيت الأبيض أنّ هذه الخطوة تهدف إلى سد الثغرات التي استغلها بعض التجار للتهرب من الرسوم الجمركية وتحقيق أرباح على حساب المنافسين المحليين، إضافةً إلى مكافحة تهريب المخدرات والمنتجات غير القانونية.

وحسب بيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، ارتفع عدد الشحنات الخاضعة لإعفاء «الحد الأدنى» من 636 مليون طرد في السنة المالية 2020 إلى 1.36 مليار طرد في السنة المالية 2024، بمعدل يومي بلغ 3.7 مليون طرد، مما يعكس النمو الهائل لهذه التجارة منخفضة القيمة.

غير أنّ هذا النمو لم يخلُ من تكاليف باهظة؛ فقد كشفت التحقيقات عن تزوير بعض الشركات بلد المنشأ على الفواتير أو تقسيم البضائع إلى طرود صغيرة للتهرب من الرسوم، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الإيرادات الأميركية وتهديد للصناعات المحلية، خصوصاً في قطاعي الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية منخفضة السعر.

ويرى خبراء الاقتصاد أنّ القرار يمثل عودة الولايات المتحدة إلى نهج أكثر صرامة في تطبيق السياسات التجارية، عبر تعزيز الرقابة على جميع الواردات مهما صغرت قيمتها. ويؤكد الرئيس ترمب أنّ الغاية هي حماية الاقتصاد الوطني، وزيادة الإيرادات الضريبية، وتشجيع المستهلكين على شراء المنتجات المحلية.

التأثير المباشر على المستهلكين

مع إلغاء الإعفاء، ستُعامل كل عملية شراء دولية معاملة الواردات الكاملة، لتخضع بالتالي للتخليص الجمركي الكامل والرسوم المقررة على بلد المنشأ، مهما بلغت ضآلة قيمتها. وهذا يعني ارتفاع الأسعار النهائية للسلع، إلى جانب تأخيرات محتملة في أوقات التسليم نتيجة تضاعف حجم الإجراءات الورقية. وإلى جانب ذلك، ستزداد تعقيدات عمليات الإرجاع، الأمر الذي قد يغيّر أنماط التسوّق العالمية ويدفع إلى إعادة توزيع السلع والأنشطة التجارية نحو مراكز تخزين داخلية أو دول مجاورة للولايات المتحدة لتفادي الرسوم.

فعلى سبيل المثال، قد يقفز سعر منتج بسيط بقيمة 50 دولاراً إلى أكثر من 70 دولاراً بعد احتساب الرسوم والضرائب. أما عملية إرجاع البضائع، فستصبح أكثر تكلفة وتعقيداً؛ إذ يمكن أن يُطلب من المستهلك دفع الرسوم مرتين، مرة عند الشحن الأصلي ومرة عند الإرجاع، فضلاً عن متطلبات إضافية خاصة بالأوراق الجمركية.

التداعيات على الشركات والتجار

الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الشحنات منخفضة القيمة لتقليل التكاليف ستكون الأكثر تأثراً، لا سيما الكندية منها، إذ إن 85 في المائة من صادرات كندا تتجه إلى السوق الأميركية.

أما المنصات الصينية مثل «شي إن» و«تيمو» و«علي إكسبرس»، فمن المتوقع أن تواجه تراجعاً حاداً في الطلب الأميركي، مما قد يدفعها إلى إعادة توجيه سلاسل التوريد إلى مخازن محلية داخل الولايات المتحدة أو إلى مراكز توزيع في المكسيك وكندا لتقليل الأثر المالي واللوجيستي.

وحسب تقرير لمجلة «بارونز»، تراجعت تنزيلات تطبيق «تيمو» بنسبة 77 في المائة و«شي إن» بنسبة 51 في المائة خلال أسابيع قليلة بعد الإعلان، في مؤشر واضح على سرعة انعكاس القرار على السوق.

في المقابل، قد تستفيد شركات التجزئة الأميركية الكبرى مثل «أمازون» و«وولمارت»، حيث يمنحها القرار فرصة لاستعادة حصصها في سوق السلع منخفضة السعر، مع تقليص المنافسة على الطرود الصغيرة المستوردة.

التأثير على التجارة الدولية

إلغاء إعفاء «دي مينيمس» لا يقتصر أثره على السوق الأميركية وحدها، بل يمتد إلى أسواق أوروبا وآسيا. فقد أعلنت خدمات البريد في ألمانيا والدنمارك والسويد وإيطاليا وسويسرا وأستراليا تعليق معظم الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة، بسبب ضبابية القواعد الجديدة وغياب نظام تحصيل واضح للرسوم. ومن المتوقع أن تحذو دول أوروبية أخرى مثل فرنسا والنمسا النهج نفسه، مما قد يعوق تدفق السلع ويرفع تكلفة النقل الدولي.

كما تأتي هذه الخطوة في سياق أوسع من القيود والرسوم الجمركية الأميركية على الواردات، بالتوازي مع إجراءات أوروبية تستهدف سلعاً مثل الأخشاب والسيارات الكهربائية، في دلالة على توجه عالمي متزايد نحو تشديد الرقابة على التجارة الدولية والحد من التهرب الجمركي.

طرود شحن داخل المركز الجديد لشركة «دي إتش إل» في مطار شارل ديغول قرب باريس (رويترز)

التاريخ الطويل لإعفاء «دي مينيمس»

تعود جذور مفهوم «الحد الأدنى» في الولايات المتحدة إلى عام 1938، حين أُدرج لأول مرة ضمن المادة 321 من قانون التعريفة لعام 1930، وكان الحد الأقصى للإعفاء حينها لا يتجاوز دولاراً واحداً فقط. وكان الهدف واضحاً: تجنّب فرض رسوم جمركية تتجاوز قيمتها عائد الشحنات الصغيرة جداً.

ومع مرور العقود، تطورت هذه السياسة لتصبح أداة محورية في تسهيل التجارة. ففي عام 1978، رُفع الحد إلى 5 دولارات بموجب قانون إصلاح الإجراءات الجمركية، ثم ارتفع إلى 200 دولار عام 1993 كجزء من قانون تحديث الجمارك المرتبط باتفاقية «نافتا». وأخيراً، جرى رفعه إلى 800 دولار عام 2015 ضمن قانون تيسير وإنفاذ التجارة، وهو السقف الذي ظل معمولاً به حتى صدور القرار الأخير.

هذه التعديلات المتتالية أسهمت في ازدهار التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، خصوصاً من آسيا إلى السوق الأميركية، لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى قناة واسعة للتهرب من الرسوم الجمركية. ومع كل زيادة في سقف الإعفاء، ازدادت فرص التحايل، حيث لجأ التجار إلى شحن البضائع الصغيرة عبر دول وسيطة لتغيير بلد منشأها، وهو ما ألحق أضراراً مباشرة بالصناعات الأميركية.

عربة تسوق تظهر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين (رويترز)

الأثر الاقتصادي الكلي

يشير خبراء الاقتصاد إلى أن إلغاء إعفاء «دي مينيمس» قد يشكل عاملاً مثبطاً للنمو التجاري الأميركي في عام 2025، خصوصاً إذا تواصلت موجة الرسوم والقيود الدولية. فهذا الإجراء من شأنه زيادة تكاليف المستهلكين، ورفع معدلات التضخم، والضغط على منصات التجارة الإلكترونية العالمية.

في المقابل، يعزز القرار قدرة الحكومة الأميركية على تحصيل الإيرادات، ويوفر حماية كبرى للصناعات المحلية من المنافسة غير العادلة، ويحد من تهريب المخدرات والسلع غير الآمنة. أما بالنسبة للعمال والشركات الأميركية، فيُنظر إليه على أنه خطوة لإعادة التوازن إلى السوق المحلية، وإغلاق ثغرات سمحت لسنوات طويلة بمرور البضائع منخفضة القيمة خارج نطاق الرقابة الجمركية.

وعلى صعيد المستهلكين، سيعني ذلك أسعاراً أعلى وإجراءات أكثر تعقيداً عند التسوق عبر الحدود. وبالنسبة إلى التجار، سيترتب عليهم تحمل تكاليف إضافية، والالتزام بمتطلبات أكثر صرامة فيما يتعلق بأوراق المنشأ والفواتير التفصيلية، مع تحمّل مسؤوليات قانونية أوسع. أما الحكومة الأميركية، فترى في القرار انتصاراً لسلطتها الرقابية والضريبية ولأمنها القومي، من خلال إغلاق ثغرة تاريخية لطالما جرى استغلالها.


مقالات ذات صلة

عام مخيّب للدولار… وتوقعات بضعف أطول في 2026

الاقتصاد امرأة تعد أوراق الدولار الأميركي في منزلها في بوينس آيرس بالأرجنتين (رويترز)

عام مخيّب للدولار… وتوقعات بضعف أطول في 2026

ينتهي العام مخيباً للآمال بالنسبة للدولار الأميركي، مع ظهور علامات على استقرار العملة، إلا أن العديد من المستثمرين يتوقعون أن يستمر انخفاضها في العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد متداول يراقب شاشات تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (إ.ب.أ)

العقود الآجلة الأميركية تصعد مع تجدد الحماس للذكاء الاصطناعي

افتتحت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية أسبوع التداول القصير بسبب عطلة عيد الميلاد على ارتفاع مدفوعة بصعود أسهم التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد بيث هاماك تتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في مدينة نيويورك 24 أبريل 2025 (رويترز)

هاماك من «الفيدرالي»: لا حاجة إلى تغيير الفائدة لأشهر عدة مقبلة

قالت بيث هاماك، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، إنها لا ترى حاجة إلى تغيير أسعار الفائدة الأميركية لأشهر عدة مقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد كيفن هاسيت يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج البيت الأبيض في واشنطن - 16 ديسمبر 2025 (رويترز)

هاسيت... المرشح المحتمل لرئاسة «الفيدرالي»: ترمب مُحقّ بشأن التضخم

قال كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض وأحد المرشحين المحتملين لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إن ترمب مُحقّ في قوله إن التضخم منخفض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

«وول ستريت» ترتفع بعد تقرير التضخم الأميركي المشجع

ارتفعت الأسهم الأميركية يوم الخميس بعد صدور تقرير مُشجع بشأن التضخم، ما قد يتيح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي مزيداً من المرونة في خفض أسعار الفائدة العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

صندوق النقد يتوصل لاتفاق بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر

شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)
شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)
TT

صندوق النقد يتوصل لاتفاق بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر

شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)
شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

قال صندوق النقد الدولي اليوم الاثنين إنه توصل ‌إلى ‌اتفاق ‌على ⁠مستوى الخبراء ​بشأن ‌المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر ضمن تسهيل الصندوق ⁠الممدد.

وأضاف ‌الصندوق في ‍بيان ‍أنه ‍توصل أيضا إلى اتفاق على مستوى الخبراء ​بشأن المراجعة الأولى لبرنامج ⁠تمويلي آخر قائم، هو تسهيل الصلابة والاستدامة.


البنك المركزي السعودي يعتمد اللائحة التنفيذية المحدثة لمراقبة شركات التمويل

البنك المركزي السعودي (ساما) (الشرق الأوسط)
البنك المركزي السعودي (ساما) (الشرق الأوسط)
TT

البنك المركزي السعودي يعتمد اللائحة التنفيذية المحدثة لمراقبة شركات التمويل

البنك المركزي السعودي (ساما) (الشرق الأوسط)
البنك المركزي السعودي (ساما) (الشرق الأوسط)

أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) اعتماد اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل المحدثة، في خطوة تستهدف تعزيز الإطار الرقابي والإشرافي على قطاع التمويل، ودعم استقراره ونموه.

وأوضح «ساما» أن التحديثات شملت تنظيم متطلبات مزاولة مختلف الأنشطة التمويلية، وتعديل سقف إجمالي التمويل الذي يمكن للشركة تقديمه، إلى جانب دعم الشركات المتقدمة بطلبات الترخيص عبر تعديل مبلغ الضمان البنكي المطلوب عند التقدم للحصول على الترخيص.

كما تضمنت اللائحة مراجعة الأحكام المتعلقة بالأطراف ذوي العلاقة، وتوضيح الحالات التي ينتهي فيها ترخيص شركات التمويل، بما يعزز وضوح المتطلبات والالتزامات التنظيمية.

بصدور اللائحة المحدثة، ألغى البنك المركزي قواعد تنظيم شركات التمويل الاستهلاكي المصغر، وقواعد ممارسة نشاط التمويل متناهي الصغر، إضافة إلى تعديل قواعد الترخيص للأنشطة المساندة لنشاط التمويل.

وأشار «ساما» إلى أن اعتماد اللائحة جاء بعد طرح مشروع التحديث في وقت سابق لاستطلاع مرئيات وملاحظات العموم والمختصين، حيث تمت دراسة الملاحظات وأخذها في الاعتبار ضمن الصيغة النهائية.

وفي سياق تعزيز دوره الرقابي وحماية العملاء، وجّه البنك المركزي السعودي، المؤسسات المالية الخاضعة لإشرافه، إلى الالتزام بـ«دليل تعرفة خدمات المؤسسات المالية» عند فرض الرسوم على الخدمات والمنتجات المقدمة للعملاء، مؤكداً أن الدليل يُلغي ما يتعارض معه من أحكام.

وأوضح «ساما» أن الخطوة تستند إلى صلاحياته بموجب نظام البنك المركزي السعودي والأنظمة ذات العلاقة، وإلى التعرفة البنكية المحدثة، وضوابط التمويل الاستهلاكي، ومبادئ وقواعد حماية عملاء المؤسسات المالية، والصيغة النموذجية لعقد التمويل الاستهلاكي للأفراد.


«الملاحة الجوية السعودية»: أبراج افتراضية لرفع الكفاءة وتمكين سعوديات من المراقبة والصيانة

مركز عمليات البرج الافتراضي - الملاحة الجوية (الشرق الأوسط)
مركز عمليات البرج الافتراضي - الملاحة الجوية (الشرق الأوسط)
TT

«الملاحة الجوية السعودية»: أبراج افتراضية لرفع الكفاءة وتمكين سعوديات من المراقبة والصيانة

مركز عمليات البرج الافتراضي - الملاحة الجوية (الشرق الأوسط)
مركز عمليات البرج الافتراضي - الملاحة الجوية (الشرق الأوسط)

تواصل السعودية تسريع وتيرة التحول الرقمي في قطاع الطيران، مع دخول تقنية أبراج المراقبة الافتراضية حيز التشغيل الفعلي، في خطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط.

وأكدت شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية أن هذه التقنية تمثّل إحدى أبرز مبادراتها الرقمية الهادفة إلى رفع كفاءة المراقبة الجوية، وتعزيز جاهزية المجال الجوي السعودي لمواكبة النمو المتسارع في الحركة الجوية.

كما نجحت الشركة في تمكين سعوديات من العمل في مهنتي المراقبة الجوية وصيانة الأنظمة الملاحية، بعد اجتيازهن برامج تأهيل متخصصة.

وقال الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والاستدامة في شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية، المهندس أحمد الزهراني، إن الشركة تبنّت عدداً من المبادرات الرقمية ضمن مسار التحول والتطوير، من أبرزها أبراج المراقبة الافتراضية التي تُعد تقنية حديثة على مستوى قطاع الملاحة الجوية عالمياً.

كاميرات عالية الدقة

وأوضح الزهراني، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن برج المراقبة الافتراضي يقوم على إحلال برج افتراضي يعتمد على كاميرات عالية الدقة مدعومة بتقنيات متقدمة لتحديد الأهداف في المطار محل البرج التقليدي. وتمكّن هذه الكاميرات المراقب الجوي من أداء مهامه دون الاعتماد على الرؤية المباشرة، كما تتيح خاصية التكبير وعرض تفاصيل دقيقة لم تكن متاحة في البرج التقليدي، بما في ذلك رقم الرحلة، وعدد الركاب، ومصدر الرحلة، ووجهتها.

ولفت إلى أن هذه التقنية لم تعد مجرد مشروع نظري؛ إذ شغّلت الشركة أول برج مراقبة افتراضي في مطار العُلا الدولي عن بُعد، وتُدار عملياته من مطار الملك عبد العزيز الدولي في مدينة جدة. ويُعد المشروع الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط. كما حاز جائزة وزارة النقل والخدمات اللوجيستية للابتكار.

تعزيز الكفاءة

وشدد الزهراني على أن أبراج المراقبة الافتراضية ترفع كفاءة المراقبين عبر مراقبة عدة مطارات من مركز واحد، وتعزز السلامة والكفاءة التشغيلية بتوفير صورة أوضح وبيانات أكثر تفصيلاً من البرج التقليدي.

وبشأن جاهزية المجال الجوي، أكد أن الحركة الجوية في المملكة تشهد نمواً مستمراً بدعم القيادة، وأن الشركة تعمل بنهج استباقي من خلال دراسات سنوية لتقدير الحركة المتوقعة وتحديد المستهدفات عبر مبادرات ومشاريع بنية تحتية تستوعب النمو وتعزز الجاهزية.

الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والاستدامة في خدمات الملاحة الجوية السعودية المهندس أحمد الزهراني

مركزان للمراقبة

ولا تقتصر الجاهزية على التقنية وحدها، وفقاً للزهراني الذي أكد أنها تقوم على منظومة عمل مستمرة لا تحتمل الانقطاع. ففي الوقت الراهن تمتلك الشركة مركزَين أساسيين للمراقبة الجوية في الرياض وجدة، وإذا وقع خلل في أحدهما يتولى المركز الآخر إدارة المجال الجوي السعودي بالكامل دون تأثر الخدمة.

وأضاف أنه منذ انطلاقة شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية في يونيو (حزيران) 2016، وُضع هدف واضح يتمثل في أن تكون الشركة ضمن القيادات الإقليمية في إدارة الحركة الجوية، واليوم تُعد من أبرز مقدمي خدمات الملاحة الجوية على مستوى المنطقة، وتسعى بخطى ثابتة إلى تحقيق الريادة العالمية وفق طموحاتها المستقبلية.

المحاور الثلاثة

وتُعد شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية ركيزة أساسية في منظومة الطيران المدني. وقال الزهراني إن الشركة تسعى للإسهام في تحقيق مستهدفات برنامج الطيران المنبثق عن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، عبر ثلاثة محاور رئيسية: زيادة عدد المسافرين، وتوسيع الوجهات الدولية المباشرة، ورفع حجم الشحن الجوي، موضحاً أن جميع هذه المستهدفات محورية في استراتيجية الشركة.

نمو الحركة الجوية

وفي هذا السياق، قال الزهراني إن إحصاءات الحركة الجوية لهذا العام بلغت، حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، 921095 رحلة، بمعدل نمو 5.7 في المائة مقارنة بالسنة الماضية. كما سُجل أعلى رقم قياسي يوم 19 يونيو 2025، حيث بلغ عدد الرحلات 3673 رحلة، بمعدل 153 رحلة في الساعة.

الشراكات

أوضح الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والاستدامة في شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية أن شراكات الشركة تقوم على مسارَين: الأول مع شركات الطيران عبر لقاءات سنوية لتحديث المشاريع وفق متطلباتها، والآخر مع المُصنّعين الدوليين للأجهزة الملاحية من خلال تواصل مستمر داخل الشركة والمحافل الدولية. وأشار إلى توقيع اتفاقية أخيراً مع شركة «مايتر»، مع شراكات أخرى قيد الإعداد، مؤكداً أن الهدف هو تطوير مستوى الخدمات.

المراقبات السعوديات

وحول دور المرأة، أكد الزهراني أن الشركة نفذت عدداً من المبادرات لتأهيل وتمكين المرأة للعمل في القطاع، وأطلقت برامج من بينها برنامج المراقبة الجوية للمراقبات الجويات، وكذلك برنامج صيانة الأنظمة الملاحية. وقال إن الخريجات باشرن أعمالهن في المراكز وأبراج المراقبة بصفتهن مراقبات جويات، وكذلك في صيانة الأنظمة الملاحية، وقد أثبتن كفاءتهن وقدرتهن على أداء واجباتهن الوظيفية بكل احتراف وإتقان.

وقال إن «العنصر البشري يبقى محور العمل»، موضحاً أن «عدد موظفي شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية يقارب 2000 موظف، أكثر من 97 في المائة منهم سعوديون، فيما تصل النسبة إلى 100 في المائة في مهنة المراقبة الجوية».

الاستدامة

وفي جانب الاستدامة، أكد الزهراني أنها ركيزة أساسية في الشركة، وتُنفّذ عبر مبادرات ترتكز على ثلاثة محاور: البيئة برفع كفاءة الطاقة وخفض الانبعاثات، والمجتمع بتمكين الكفاءات الوطنية وتعزيز الوعي والمسؤولية الاجتماعية، والحوكمة بترسيخ النزاهة والشفافية وتعزيز الامتثال والرقابة.

حماية الأصول

وعن حماية الأصول الحيوية والرقمية وإدارة المخاطر السيبرانية، قال الزهراني إن الشركة ملتزمة بحماية الأصول الرقمية وفق أعلى المعايير وأفضل الممارسات الدولية، عبر مواءمة الأمن السيبراني مع أفضل الممارسات العالمية، ورفع جاهزية الكشف عن التهديدات المحتملة والاستجابة السريعة لها.

وأضاف: «حصلنا مؤخراً على اعتماد (SOC-CMM) العالمي»، وهو إطار يقيس جاهزية مراكز العمليات عبر 5 مجالات متكاملة: الأفراد، والعمليات، والتقنية، والخدمات، وتكامل الأعمال.