في حبّ الحمير... مزرعةٌ نموذجيّة تغيّر النظرة إلى الحيوان المظلوم

مشروعٌ متكامل في جبل لبنان يحيي السياحة البيئية ويقرّب الأطفال من الطبيعة

في «مزرعة المعاصر للحمير» الاهتمام بالغ بحيوان معذّب ونادر الوجود (الشرق الأوسط)
في «مزرعة المعاصر للحمير» الاهتمام بالغ بحيوان معذّب ونادر الوجود (الشرق الأوسط)
TT

في حبّ الحمير... مزرعةٌ نموذجيّة تغيّر النظرة إلى الحيوان المظلوم

في «مزرعة المعاصر للحمير» الاهتمام بالغ بحيوان معذّب ونادر الوجود (الشرق الأوسط)
في «مزرعة المعاصر للحمير» الاهتمام بالغ بحيوان معذّب ونادر الوجود (الشرق الأوسط)

لا فرحةَ تضاهي فرحةَ «فَيْ» وهو يتنقّل بين رفاقه في المزرعة. يناوله طفلٌ بعض الطعام من هنا، ويحتضنه آخر بحبّ، فيما تقترب سيدة لالتقاط صورة معه. «فَي» حمارٌ صغير وُلد قبل شهر في «مزرعة معاصر الشوف للحمير». يمكن القول إنه موعودٌ بحياةٍ مثالية بمجرّد أنه أبصر النور في هذا المكان. فهُنا لا أحمال ثقيلة ستُلقى على ظهره، ولن تلمس وبرَه الأسود لسعةُ السوط، ولن يهينَه أحدٌ بالقول: «يا حمار».

«فَي» أصغر حمار في المزرعة ولد قبل شهر (إنستغرام)

ينظر شبلي أبو عاصي برِضا إلى الحمير العشرين المصطفّة، بانتظار أطفالٍ يزورون المزرعة ويذهبون في جولة على ظهرها. «وصلنا إلى عدد لا بأس به من الحمير بعد 5 سنوات على افتتاح المكان»، يخبر مؤسِّس المزرعة «الشرق الأوسط». اعتمد أبو عاصي، المتخصص في الهندسة الزراعية وعلوم الحيوان، على المزاوجة للحصول على هذا العدد. يوضح أنه «على عكس ما يظنّ الناس، فإنّ الحمير باتت نادرة الوجود، أما إذا عثرنا عليها، فتكون بمعظمها في حالٍ يُرثى لها لفرط ما تعرّضت له من أحمالٍ ثقيلة وتعنيف». لذلك، فإنّ ركوبها في مزرعة معاصر الشوف يقتصر على الأطفال، خوفاً من أن تحمل أكثر من طاقتها.

شبلي أبو عاصي صاحب المشروع والمتخصص في علوم الحيوان والهندسة الزراعية (الشرق الأوسط)

في ماضٍ قريبٍ، لم تكن الشاشة الإلكترونية تملك فيه حصريّة تسلية الصغار، اختبر أبو عاصي طفولةً نموذجية في قريته القابعة على ارتفاع 1300 متر في جبل لبنان. «كل ما عشتُه طفلاً هنا خلال عطلة نهاية الأسبوع والإجازات الصيفيّة، أردتُ أن يختبره زوّار المزرعة»؛ من تذوّق المتّة مع أعشاب الموسم كالخزامى وإكليل الجبل، مروراً بتكسير الجوز واللوز والصنوبر وتقشيرها، وصولاً إلى ملاعبة الحيوانات وإطعامها، وليس انتهاءً بالجولة على الحمير، نجوم المزرعة من دون منازع. يمكن كذلك قضاء ليلة أو أكثر في المزرعة، فالمكان مجهّز بغرف المنامة التي تستقبل الزوّار صيفاً وشتاءً.

تضمّ المزرعة غرفاً لاستضافة الزوار الراغبين بقضاء ليلة فيها (الشرق الأوسط)

هنا «ياسمينا» تجلس أرضاً محتضنةً أرنباً، فيما يعدو شقيقها «جورج» خلف الإوزّ. يلهوان إلى حين حلول اللحظة المنتظرة. تطلّ «سلطانة» ليتناوب الطفلان على التجوّل عليها، بمواكبةٍ من أحد عمّال المزرعة. «لا خطر إطلاقاً على الأطفال»، يطمئن أبو عاصي مضيفاً أن الحمار بطبيعته حيوان لطيف جداً ويُغدق حناناً وعاطفة على كل من يدنو منه. يذهب إلى حدّ القول إنّ «مجاورة الحمير والاهتمام بها هي بحدّ ذاتها علاج يريح النفوس ويمنحها السعادة».

نادراً ما يقوم الحمار بردّ فعلٍ عنيف، فإذا عوملَ جيداً فمن المستحيل أن يؤذي. يوضح أبو عاصي أنّ الحالات النادرة التي من الممكن أن يرفس أو يعضّ فيها، هي المبالغة في الضرب، أو إذا أصيب بلسعة نحلة أو أفعى، وهذه تكون ردود فعل وليس بقصد الإيذاء.

لا يُسمح سوى للأطفال بركوب الحمير تفادياً لتحميلها أكثر من طاقتها (الشرق الأوسط)

يربّت «جورج» على ظهر «سلطانة» شاكراً إياها على الجولة الجميلة. مَن يرى المشهد يصعب عليه التصديق أنه، وخلال سنواتٍ من الآن، ربما يستخدم الطفل كلمة «حمار» بهدف إهانة أحدٍ ما، على غرار ما يفعل كثيرون حول العالم وبكل اللغات.

«وحدَهم مَن لا يدركون قيمة الحمار يستخدمون اسمَه بهدف التنمّر أو التحقير»، يقول أبو عاصي. وفق خبرة الشاب وما هو مثبت علمياً، فإنّ الحمير ذكية جداً. «هنا، كلما نادينا واحداً منها باسمِه التفتَ إلينا أو اتّجه صوبنا. كما أنها تحفظ الناس بمجرّد رؤيتها مرةً واحدة».

يحفظ الحمار كذلك كل طريقٍ يسلكها، مهما كانت وعرة وشائكة، كما أنه يستشعر المخاطر. «يعتقد الناس أن رفضه سلوك طريقٍ معيّن ينمّ عن غباء أو عناد، لكنهم لا يعرفون أن الأمر نابع من الحذر والحرص على السلامة»، يقول أبو عاصي.

إضافةً إلى الذكاء، يتّسم الحمار بهدوئه وصبره. «مهما حُمّل من أثقال، فإنه لا يتذمّر ويتابع السير، وهذا أيضاً يدفع بالبشر إلى استغبائه والاستخفاف به»، وفق أبو عاصي.

يتّسم الحمار بذكائه ولطفه وقربه من الناس (الشرق الأوسط)

خلال رحلة البحث عن حمير للمزرعة، عاين الشاب حالاتٍ يُرثى لها؛ من تشوّهات بسبب الضرب المبرح، إلى انخساف في الظهر بسبب الأوزان الزائدة التي يُرغم على نقلها لمسافات طويلة. هذا عدا عن الأثر النفسي الذي يتركه التعنيف على الحمار، ما ينعكس عزلةً وعدم رغبة في الاختلاط.

وإذا كانت المزرعة تقدّم نموذجاً في السياحة البيئية والقروية وتتيح أمام زوّارها التخلّص من سموم التكنولوجيا والضجيج والتلوّث على أنواعه، فإنها تقدّم كذلك ملجأً مثالياً بالنسبة إلى حيوانٍ على طريق الانقراض. مثلما نرفّه عن ضيوفنا، كذلك نرفّه عن الحمير وسائر الحيوانات بأن نمنحها مساحات للجري والتعرّض للشمس، إضافةً إلى الاهتمام بطعامها ونظافة مساكنها»، يخبر أبو عاصي.

حليب الحمير مفيد جداً للصحة كما يُصنع منه الصابون المفيد للبشرة (الشرق الأوسط)

في المقابل، لا تبخل الحمير بحليبها على المزرعة. ومن المعروف عن هذا الحليب أنه مفيد جداً للصحة، تحديداً لتحصين المناعة ومحاربة الحساسية، كما يُصنع منه صابون مفيد جداً للبشرة.

عملية صناعة الصابون من حليب الحمير هي جزءٌ من تجربة زوّار المزرعة صغاراً وكباراً. باستطاعتهم كذلك اكتشاف تقنيّة تقطير الخزامى لاستخراج الزيت والماء العطري ذات المنافع الكثيرة. ومن بين الأنشطة التي نقلها شبلي أبو عاصي من زمن طفولته إلى المشروع، تحضير المونة البلديّة، ورحلات قطف الفاكهة على ظهر الحمار، وتناول الغداء ذات المكوّنات الطبيعية العضويّة في الحقل بين الأشجار وفي ظلّ محميّة أرز الشوف.

لا تكتمل التجربة من دون تذوّق الأطباق ذات المكوّنات العضويّة (إنستغرام)

لم يحقق شبلي أبو عاصي حلم الطفولة فحسب بإنشاء هذا المشروع، إنما أكمل ما أسّس والده الدكتور عادل يوم وضع اللُبنة الأولى، طامحاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ من خزّان تجميع مياه الأمطار، إلى حديقة المزروعات العضويّة فوق سطح المنزل، والأراضي المزروعة بأشجار الفاكهة، وليس انتهاءً بحيوانات المزرعة. أما الزوّار فيعيشون بدورهم جزءاً من الحلم، لمجرّد إمضاء بعض الوقت وسط حيواناتٍ تُغدق حباً مجانياً وطبيعة صامتة رغم جمالها الصاخب.


مقالات ذات صلة

ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

يوميات الشرق فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)

ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

جددت أنباء عن ظهور تمساح في محافظة الشرقية (دلتا مصر) التساؤل حول كيفية وصوله إلى هذه المنطقة، مما أثار الذعر بين السكان.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق صورة لكنغر من الدراسة مع علامات لفريق البحث تظهر ملامح الحركة ثلاثية الأبعاد (كريغ ماكجوان - جامعة صن شاين كوست)

ما السر وراء قفزات الكنغر المميزة؟

تتميز حيوانات الكنغر بشكلها الفريد وأسلوب حركتها المميز. عند السرعات المنخفضة، تستخدم هذه الحيوانات مشية خماسية الأرجل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)

حتى الدلافين تشيخ ببطء مع الأصدقاء!

بيَّنت دراسة علمية جديدة أنّ ذكور الدلافين قارورية الأنف التي تنسج صداقات قوية وطويلة الأمد تتقدَّم في العمر بوتيرة أبطأ مقارنة بأقرانها الأكثر عزلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)

هل تنجح الدببة القطبية في خداع الاحترار؟

دراسة تكشف تغيّرات جينية لدى دببة جنوب شرقي غرينلاند قد تساعدها على التكيّف مع الاحترار المناخي رغم تهديد فقدان الجليد ونقص الغذاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

أظهرت دراسة حديثة أن الدببة القطبية في إحدى أسرع مناطق القطب الشمالي ارتفاعاً في درجات الحرارة تُظهر تغيرات واضحة في سلوك حمضها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».