شرارة «ترسيم الدوائر» في تكساس تُشعل حرباً بين الجمهوريين والديمقراطيين

ترمب يستعجل التغيير... وولايات أخرى تدخل المعركة قبل أشهر من الانتخابات النصفية

عنصر أمن يتناقش مع متظاهرتين خارج مقرّ «كابيتول تكساس» في أوستن يوم 19 أغسطس الحالي (رويترز)
عنصر أمن يتناقش مع متظاهرتين خارج مقرّ «كابيتول تكساس» في أوستن يوم 19 أغسطس الحالي (رويترز)
TT

شرارة «ترسيم الدوائر» في تكساس تُشعل حرباً بين الجمهوريين والديمقراطيين

عنصر أمن يتناقش مع متظاهرتين خارج مقرّ «كابيتول تكساس» في أوستن يوم 19 أغسطس الحالي (رويترز)
عنصر أمن يتناقش مع متظاهرتين خارج مقرّ «كابيتول تكساس» في أوستن يوم 19 أغسطس الحالي (رويترز)

في ظلّ تراجع متواصل لمؤيدي الحزب الديمقراطي حتى داخل الولايات الأميركية المُصنّفة زرقاء تاريخياً، تأهّب الجمهوريون في مجلس نواب تكساس للموافقة على خطة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، بعدما تجاوزوا احتجاجات الديمقراطيين على خطط الرئيس دونالد ترمب للحفاظ على غالبية مؤيدة لسياساته داخل مجلسَي النواب والشيوخ في الكونغرس.

ويُرجّح أن تكون إعادة ترسيم الخرائط الانتخابية في تكساس، التي تهدف إلى تمكين الجمهوريين من الفوز بـ5 مقاعد إضافية في مجلس النواب على المستوى الفيدرالي، مجرد شرارة يمكن أن تؤجج حرباً سياسية بين الولايات الجمهورية والديمقراطية تستمر على مدى المدة المتبقية قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي المتوقّعة بحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2026، ويمكن أن تحدد نتائجها من يسيطر خصوصاً على مجلس النواب، الذي يحظى فيه الجمهوريون حالياً بأكثرية ضئيلة.

ويعدّ الضغط لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في تكساس جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً اعتمدها ترمب ومستشاروه للحفاظ على سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب الأميركي. ولطالما فضّلت الانتخابات النصفية للكونغرس الحزب الموجود خارج السلطة. ولكن ترمب حريص على منع الديمقراطيين من الفوز بأكثرية في مجلس النواب قد تُعوق أجندته. وأكّد ترمب أن تكساس ستكون «الجائزة الكبرى للجمهوريين».

تراجع شعبية الديمقراطيين

مبنى «الكابيتول» بمدينة ساكرامنتو بكاليفورنيا حيث رفع المشرعون الجمهوريون دعوى قضائية لعرقلة خطة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية (أ.ف.ب)

يتزامن ذلك مع معاناة الحزب الديمقراطي من نزف كبير في عدد الناخبين المؤيدين له. فمن نحو 30 ولاية تتابع تسجيل الناخبين وفق الحزب السياسي، خسر الديمقراطيون أمام الجمهوريين كثيراً من مؤيديهم بين انتخابات 2020 و2024 في كل هذه الولايات. وتشير التقديرات إلى خسارة الديمقراطيين نحو 4.5 مليون ناخب تحولوا نحو الجمهوريين خلال 4 سنوات، في ما تمثل فجوة سياسية عميقة تحتاج إلى سنوات لتعويضها.

ويتطلع الرئيس ترمب إلى ما بعد تكساس، في جهد للقيام بعمل مماثل بولايات مصنفة جمهورية، مثل إنديانا وميسوري وأوهايو، واضعاً إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في الحسبان.

حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم خلال مناسبة في لوس أنجلس يوم 14 أغسطس 2025 (رويترز)

وفي ردّ على إجراءات الجمهوريين هذه، تعهّد زعماء الولايات المصنفة ديمقراطية، مثل إيلينوي ونيويورك وكاليفورنيا، الشروع في جهود خاصة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إذا نجحت تكساس في مساعيها. ودفع حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، والمشرعون الديمقراطيون بمشروع قانون لإعادة رسم خريطة الكونغرس في الولاية، بهدف قلب 5 مقاعد جمهورية فيها.

غير أن جهود كاليفورنيا، التي يُتوقّع أن يوافق عليها المجلس التشريعي الخميس، أثبتت أنها أصعب بكثير من الوضع في تكساس؛ لأن العملية تستوجب الالتفاف على قواعد مكرسة في الولاية تتطلب لجنة مستقلة لمعالجة إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. ويتعين أن يوافق الناخبون على الإجراء المقترح في انتخابات خاصة خلال نوفمبر المقبل.

إقرار متوقع

يأتي التصويت على الخريطة الجديدة في تكساس بعدما أُجّل أكثر من أسبوعين؛ بسبب انسحاب عشرات النواب الديمقراطيين وخروجهم من الولاية لحرمان الجمهوريين من النصاب، وبالتالي منعهم من إقرار خططهم. غير أن ذلك أشعل معركة لإقصاء الديمقراطيين المتغيبين بصورة نهائية من المجلس التشريعي؛ مما اضطر الديمقراطيين إلى التخلي عن هذه المقاطعة والعودة منذ الاثنين إلى المجلس التشريعي.

متظاهرتان بعد إخلاء مبنى «الكابيتول» في أوستن بسبب وجود تهديد يوم 19 أغسطس 2025 (رويترز)

وعلى الأثر، سارع الجمهوريون إلى إصدار نسخة محدثة من لجنتين في تتابع سريع، وضمان عدم تمكن الديمقراطيين من الانسحاب مرة أخرى من خلال تعيين حارس شرطة لكل منهما.

وأُخضعت الخريطة الانتخابية لمراجعة من الجمهوريين منذ طرحها أول مرة الشهر الماضي. وستظل تُغير المقاعد الـ5 التي دعا إليها ترمب علناً، ولكن أُعيدت صياغتها بشكل طفيف لوضع ناخبين جمهوريين إضافيين في الدوائر التي يشغل فيها الجمهوريون بالفعل مقاعد في مجلس النواب؛ مما يجعلها أكبر أماناً للنواب الحاليين. ويشغل الجمهوريون حالياً 25 من أصل المقاعد الـ38 المخصصة للولاية.

وفي منشور على منصته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي، حضّ ترمب على تمرير الخريطة الجديدة، قائلاً لنواب تكساس: «أرجوكم مرروا هذه الخريطة في أسرع وقت ممكن. شكراً لك يا تكساس!».

النائبة الديمقراطية ميهايلا بليسا تُمزّق تصريحها في المجلس يوم 19 أغسطس 2025 (رويترز)

وبعد الموافقة عليها في مجلس النواب، ستُنقل الخريطة إلى مجلس شيوخ الولاية، حيث يتمتع الجمهوريون بنفوذ أكبر. ومن المقرر إجراء تصويت هناك الخميس. ويتوقع أن يوقع عليها الحاكم الجمهوري، غريغ أبوت، على الفور. وأمام ذلك، أعلن الديمقراطيون وجماعات الحقوق المدنية أنهم سيطعنون في الخرائط أمام المحكمة فور اعتمادها، علماً بأن الخرائط السياسية الحالية للولاية، التي صممها الجمهوريون قبل 4 سنوات، لا تزال موضع دعوى قضائية. ويتوقع صدور الحكم في الخريف المقبل.

وتصاعدت التوترات في «كابيتول» تكساس هذا الأسبوع. وليل الثلاثاء، أخلت شرطة الولاية المبنى من عشرات المتظاهرين، وأغلقت الساحة؛ بسبب توجيه تهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مع حلول الليل، تجمّع حشد يزيد على مائة شخص خارج البوابات يهتفون قبل التوجه إلى مقرّ إقامة الحاكم أبوت.

احتجاج المشرّعين

وداخل «الكابيتول»، أمضى كثير من المشرعين الديمقراطيين ليلتهم في قاعة مجلس النواب احتجاجاً على أساليب الجمهوريين لتمرير مشروع القانون.

النائبة الديمقراطية في تكساس نيكول كولير نائمة داخل قاعة مجلس النواب في أوستن احتجاجاً على خطط الجمهوريين لإعادة رسم الدوائر الانتخابية بالولاية (رويترز)

وجاء ذلك بعدما استخدم رئيس مجلس النواب الجمهوري قواعد المجلس لإجبار الديمقراطيين الذين انسحبوا على توقيع تصاريح يتعهدون فيها العودة إلى الاجتماع المقبل للمجلس، ويوافقون على أن يتبعهم ضباط من شرطة الولاية. ولم يُسمح للديمقراطيين بمغادرة قاعة مجلس النواب إلا بهذه التصاريح.

ولكن النائبة نيكول كولير رفضت التوقيع على التصريح الخاص بها. ونامت على كرسي في مكتبها التشريعي ليل الاثنين - الثلاثاء، برفقة اثنين آخرين انضما إليها. وبحلول ليل الثلاثاء، ازداد عدد المجموعة إلى 6 ديمقراطيين، ومزق كثير منهم تصاريحهم الموقعة.

وحظي احتجاجهم باهتمام على المستوى الوطني، كما فعل إضراب الديمقراطيين الذي استمر أسبوعين هذا الشهر. لكن أياً من الإجراءين لم يُلغِ الواقع السياسي المتمثل في أن الجمهوريين يفوقون الديمقراطيين عدداً بكثير في مجلس نواب تكساس، بنسبة 88 إلى 62، وأن الخريطة الجديدة هناك يمكن إقرارها من خلال تصويت حزبي.


مقالات ذات صلة

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

الرئيس الأوكراني: اتفقنا مع الجانب الأميركي على عقد اجتماع مع ترمب قريباً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الجمعة إن وفد بلاده المفاوض اتفق مع الجانب الأميركي على عقد اجتماع مع نظيره دونالد ترمب في المستقبل القريب.

«الشرق الأوسط» (كييف)
يوميات الشرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

طرد مُعلم بريطاني من مدرسة لعرضه مقاطع فيديو لترمب على الطلاب

اتُّهم مُدرّس في مدرسة بريطانية بتعريض الأطفال للخطر، وأُحيل إلى برنامج مكافحة الإرهاب الحكومي بعد عرضه مقاطع فيديو للرئيس الأميركي دونالد ترمب على طلابه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تصعيد في الخطاب الإسرائيلي - التركي... هل المراد صفقة متبادلة؟

تصاعدت لهجة الخطاب السياسي بين إسرائيل وتركيا، وحملت تلميحات متبادلة تزامناً مع حراك سياسي وعسكري في بحر إيجه، فيما اعتبره البعض جزءاً من ضغوط لإبرام «صفقة».

نظير مجلي (تل أبيب) سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية صاروخ باليستي إيراني يُعرض في شارع وسط طهران بجوار لافتة تحمل صورة المسؤول السابق للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني ومسؤول البرنامج الصاروخي أمير علي حاجي زادة الذي قُتل بضربة إسرائيلية في يونيو الماضي (رويترز) play-circle

نتنياهو سيعرض معلومات استخباراتية على ترمب

قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الهجوم على إيران «لا مفر منه» إذا لم يتوصل الأميركيون إلى اتفاق يقيد برنامج طهران للصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (لندن-تل أبيب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية. ففريقه الذي انتقاه بعناية هذه المرة، على خلاف ولايته الأولى، يتألف بشكل أساسي من وجوه خارجة عن المألوف وبعيدة عن السياسة، خاصة فيما يتعلق بالدبلوماسية الخارجية التي باستثناء وزير خارجيته روبيو الذي يمثل قاعدة الحزب التقليدية، تعتمد على مجموعة من المبعوثين الخاصين وأفراد العائلة المقربين.

ويتكوف وكوشنر وماركو روبيو في لقاء مع الوفد الأوكراني في فلوريدا في 30 نوفمبر 2025 (رويترز)

هؤلاء، من «مبعوث كل شيء» ستيف ويتكوف، إلى توم باراك، المبعوث الخاص لسوريا، ومارك سافايا، المبعوث الخاص للعراق، ومسعد بولس، كبير المستشارين للشؤون الأفريقية والعربية، وصولاً إلى جاريد كوشنر، الذي عاد للواجهة مع اتفاق غزة، يشكّلون واجهة جهود إدارته الدبلوماسية في حلّ النزاعات الدولية، ولعلّ القاسم المشترك بينهم هو غياب خبراتهم الدبلوماسية، ما ولّد شكوكاً حيال فاعليتهم على مسرح السياسات الدولية، التي تتحدى أبرز السياسيين المخضرمين وتحبطهم.

ويتكوف «مبعوث كل شيء»

لكن تحدي الأعراف التقليدية هو ما ميّز إدارة ترمب في عهدها الثاني، فأتى وجه كستيف ويتكوف، رجل الأعمال البارز وصديق ترمب المقرب الذي يرافقه في ممارسة رياضته المفضلة، الغولف، ليفاجئ المشككين ويثبت لهم أن السياسات التقليدية لا تحمل دوماً في طياتها الحلول المفقودة. ويتكوف الذي كان في واجهة المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، خرج عن الإطار المألوف، فتحدث مباشرة مع حركة «حماس» المصنفة إرهابية، وتواصل بشكل شخصي مع وجوه مثيرة للجدل، وأدلى بتصريحات غير مألوفة، أبرزها عندما تعاطف بشكل علني مع ممثل «حماس» خليل الحية لدى مقتل ابنه في غارة إسرائيلية في قطر، قائلاً إثر لقاء الرجلين: «قدّمنا ​​له التعازي في فقدان ابنه، وأخبرته أنني فقدت ابناً، وأننا بتنا أعضاء في نادٍ قاسٍ للغاية: آباء دفنوا أبناءهم». وذلك في إشارة إلى ابن ويتكوف، الذي قضى جراء جرعة زائدة من المخدرات. تصريح مفاجئ في الشكل والمضمون، ولا يتناسب مع المواقف الأميركية المدروسة بعناية، لكن كثيرين يقولون إن هذا بالضبط ما أدى إلى انفراجة في المفاوضات بين «حماس» وإسرائيل واتفاق هدنة بين الطرفين. اليوم يسعى ويتكوف جاهداً إلى التوصل إلى اتفاق مماثل بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء حرب مستمرة منذ أكثر من 3 أعوام، ويعقد لقاءات مكثفة مع الرئيسين؛ الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فلودومير زيلينسكي، على أمل أن يتمكن من تسليم الرئيس الأميركي نصراً سياسياً، وعد به في حملته الانتخابية، ويقلده وسام رئيس السلام.

مسعد بولس «والد الصهر»

ولا ينصب اهتمام إدارة ترمب على هذين النزاعين فحسب، بل تسعى أيضاً لحلّ النزاعات التاريخية في القارة الأفريقية، وهو ملف تسلمه والد صهر الرئيس مسعد بولس، الذي بدأ مشواره السياسي بتعيينه مستشاراً للشؤون العربية، لكن اهتمام ويتكوف بالملف دفع إلى تسليمه ملف أفريقيا، رغم غياب خبرته الدبلوماسية، على غرار ويتكوف. فبولس اللبناني الأصل، وهو تاجر سيارات سابق في نيجيريا، ساهم بشكل كبير في فوز ترمب في ولاية ميشيغان، وقد أدّت روابطه العائلية بالرئيس الأميركي إلى تعيينه في منصبه، الذي كما هو منصب المبعوث الخاص، لا يحتاج لمصادقة مجلس الشيوخ.

مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون العربية والأفريقية (نيويورك تايمز)

وفيما يعمل بولس بشكل أساسي في وزارة الخارجية، إلا أن بعضاً من مهامه ترتبط بالبيت الأبيض، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى ارتباك في المؤسستين المعتادتين على نظام البيروقراطية الروتيني، بسبب غياب التنسيق الإداري. ويقول البعض إن سبب هذا الارتباك يعود أيضاً إلى كون وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مستشار الأمن القومي بالوكالة، لا يوزع مهامه ومهام فريقه بين الخارجية والمكتب البيضاوي. ورغم غياب الخبرة الدبلوماسية، سعى بولس إلى تحدي المنتقدين، فساهم في التوصل إلى اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، وهو اتفاق تغنى به ترمب، الذي ترأس حفل التوقيع عليه في واشنطن الشهر الحالي. ورغم هذا الاتفاق، لا تزال الأوضاع الميدانية متقلبة مع استمرار الأعمال القتالية. لكن هذا لم يمنع بولس من الانتقال إلى ملف آخر، وهو ملف السودان. فهذه الحرب التي تعهد بالتوصل إلى حلّ لها، لا تزال مستعصية عليه. وقد أعلن ترمب مؤخراً خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن عن نيته التدخل شخصياً لإنهاء الحرب، ليقول وزير خارجيته ماركو روبيو بعد ذلك إن ترمب يهتم شخصياً بالملف «ولا يرسل مندوبين عنه»، ما قرأه البعض على أنه رسالة مبطنة لبولس. لكن التصريحات وراء أبواب مغلقة في واشنطن من قبل مسؤولين حاليين وسابقين، غالباً ما تحذر من الانجرار إلى تفسيرات من هذا النوع، وعدم الاستهانة بأي فرد من أفراد عائلة ترمب، نظراً لاحتكاكهم الدائم به، وسمعة الرئيس المعروف بالاستماع إلى تعليقات المقربين منه.

كوشنر و«تضارب المصالح»

كوشنر في البيت الأبيض في 6 مايو 2025 (رويترز)

ولعل خير دليل على ذلك عودة جاريد كوشنر، صهر ترمب، إلى الواجهة بعد غياب، مع ضلوعه بشكل مباشر في المفاوضات بين إسرائيل و«حماس». ورغم عدم تعيين كوشنر في أي منصب رسمي فإنه يساهم علنياً في ملفات عدة، منها ملف الحرب الروسية الأوكرانية. وفيما يواجه كوشنر، وغيره من المبعوثين والمستشارين الخارجين عن السرب، انتقادات بتضارب المصالح، يقول صهر ترمب: «ما يصفه البعض بتضارب المصالح، يصفه ستيف (ويتكوف) وأنا بالخبرة والعلاقات الموثوقة التي نتمتع بها في مختلف أنحاء العالم».

توم باراك و«سلاطة» اللسان

توم بارام بمنتدى الدوحة في قطر في 6 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ولماذا الاستغراب؟ فترمب هو نفسه رجل أعمال لم تكن له خلفية سياسية ولا دبلوماسية قبل عهده الأول، وهو يثق بالأشخاص الذين يتماشون مع مساره أكثر من السياسيين المخضرمين الذين أعلن الحرب عليهم وعلى البيروقراطية وما يصفه بـ«الدولة العميقة». تصريحاته غالباً ما تصدم الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وهذه «ميزة» يشاركها معه مبعوثه الخاص لسوريا، توم باراك، الذي على خلاف بقية المبعوثين الخاصين، خضع لمساءلة «الشيوخ» ومصادقته، نظراً لمنصبه الآخر كسفير لتركيا. فباراك، الذي تجمعه علاقة صداقة وشراكة قديمة مع ترمب، أثار الدهشة والغضب في تصريحات اتهم بها الصحافيين اللبنانيين بتصرفات «حيوانية»، وبينما اعتذر لاحقاً، إلا أن تصريحات من هذا النوع تكررت لتثبت أن الرجل بعيد كل البعد عن الدبلوماسية. ورغم ذلك، تمكن حتى الساعة من السيطرة على الأوضاع في سوريا بعد سقوط الأسد، وترأس جهود رفع العقوبات عن نظام الشرع، بالتنسيق مع ترمب ودول المنطقة.

سافايا تاجر الماريغوانا

مسك الختام مع آخر المبعوثين المعينين؛ المبعوث الخاص إلى العراق مارك سافايا، وهو رجل أعمال أميركي من أصل عراقي - كلداني، من ولاية ميشيغان، ساعد ترمب في استقطاب أصوات الناخبين في الولاية. ترمب عيّن سافايا في أكتوبر (تشرين الأول) في هذا المنصب، ليصدم الداخل والخارج، فالرجل يعمل في تجارة الماريغوانا الشرعية في ميشيغان، ولا يملك ما يكفي من الخبرة السياسية لإدارة ملفات العراق الشائكة، لكن من جانب آخر يقول كثيرون إن سافايا قد ينجح في تحقيق ما فشل فيه السياسيون في السابق، خارج الأطر الدبلوماسية والرسمية المعتادة، ويستشهدون بما قالته المختطفة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي أطلقت «كتائب حزب الله» سراحها في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقد كتبت تسوركوف منشوراً على منصة «إكس» هنّأت فيه سافايا على تعيينه في هذا المنصب، قائلة: «لقد لعب مارك دوراً محورياً في إطلاق سراحي بعد 903 أيام من الاحتجاز لدى (كتائب حزب الله)، وهي ميليشيا عراقية تعمل لخدمة إيران، من دون تقديم أي شيء بالمقابل. هذا خبر سيئ جداً لكل من يخدم مصالح إيران في العراق، ويسعى إلى تقويض سيادة الدولة العراقية».

فهل ينجح رجال الأعمال في تحقيق ما عجز عنه السياسيون، أم أنهم سيصطدمون بحائط البيروقراطية لدى محاولة تطبيق إنجازاتهم؟


«الاستبداد يزدهر في أميركا»... رسالة «عيد الميلاد البديلة» من جيمي كيميل إلى البريطانيين

جيمي كيميل مقدم برنامج «جيمي كيميل لايف» (رويترز)
جيمي كيميل مقدم برنامج «جيمي كيميل لايف» (رويترز)
TT

«الاستبداد يزدهر في أميركا»... رسالة «عيد الميلاد البديلة» من جيمي كيميل إلى البريطانيين

جيمي كيميل مقدم برنامج «جيمي كيميل لايف» (رويترز)
جيمي كيميل مقدم برنامج «جيمي كيميل لايف» (رويترز)

اختار الكوميدي الأميركي جيمي كيميل أن يقول للبريطانيين، الخميس، في رسالة عيد الميلاد البديلة التي يبثها التلفزيون البريطاني، إن «الاستبداد يزدهر» في الولايات المتحدة.

ورسالة عيد الميلاد البديلة تبثها القناة الرابعة البريطانية منذ عام 1993 بوصفها بديلاً فكاهياً أحياناً، وجاداً أحياناً أخرى عن رسالة عيد الميلاد الملكية التقليدية.

واعتبر كيميل في رسالته «أنه من منظور الفاشية، كان هذا عاماً رائعاً حقاً. الاستبداد يزدهر هنا».

وتطرق كيميل أيضاً إلى تعليق بث برنامجه الفكاهي على شبكة «إيه بي سي» الأميركية لمدة أسبوع في سبتمبر (أيلول)، بعد إدلائه بتعليقات اتهمت اليمين الأميركي باستغلال مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك.

وقال: «ربما قرأتم في صحفكم الملونة أن رئيس بلادي يرغب في إسكاتي، لأنني لا أعشقه بالطريقة التي يحب أن يُعشق بها». لقد وجهت الحكومة الأميركية تهديداً لي وللشركة التي أعمل بها، وفجأة توقفنا عن البث. ولكن بعد ذلك، هل تعرفون ما الذي حدث؟ حدثت معجزة عيد الميلاد».

وأضاف كيميل أن «ملايين» الأشخاص اعترضوا على ضغوط إدارة الرئيس دونالد ترمب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

وتابع: «أنا أخبركم بهذه القصة لأنكم ربما تعتقدون أن حكومة تسكت منتقديها أمر يحدث في أماكن مثل روسيا أو كوريا الشمالية (...) وليس المملكة المتحدة. حسناً، هذا ما اعتقدناه. والآن لدينا الملك دوني الثامن يدعو إلى تنفيذ أحكام الإعدام».

وقال كيميل إن عرضه عاد «أقوى من أي وقت مضى» وهو انتصر في المواجهة، حيث تم تمديد عقده حتى منتصف عام 2027.

وناشد كيميل البريطانيين عدم التخلي عن الأميركيين: «نحن نمر ببعض الاهتزاز الآن، لكننا سنتجاوزه. قد لا يبدو الأمر كذلك، لكننا نحبكم يا رفاق».

وجاءت رسالة كيميل الميلادية البديلة بعد انتهاء الملك تشارلز الثالث من إلقاء رسالة الميلاد السنوية من كنيسة وستمنستر، التي دعا فيها إلى «التعاطف والمصالحة» في زمن يسوده «الانقسام» في أنحاء العالم.


قاض أميركي يمنع إدارة ترمب من احتجاز ناشط بريطاني مناهض للتضليل الإعلامي

قاعة محكمة فارغة في ولاية نيويورك الأميركية (رويترز)
قاعة محكمة فارغة في ولاية نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

قاض أميركي يمنع إدارة ترمب من احتجاز ناشط بريطاني مناهض للتضليل الإعلامي

قاعة محكمة فارغة في ولاية نيويورك الأميركية (رويترز)
قاعة محكمة فارغة في ولاية نيويورك الأميركية (رويترز)

منع قاض أميركي، الخميس، إدارة الرئيس دونالد ترمب، بشكل مؤقت، من احتجاز الناشط البريطاني المناهض للتضليل الإعلامي عمران أحمد، بعد أن رفع ​المقيم الدائم في الولايات المتحدة دعوى قضائية ضد مسؤولين على خلفية حظر دخوله لدوره فيما تقول واشنطن إنه رقابة على الإنترنت.

وفرضت واشنطن يوم الثلاثاء حظراً على منح تأشيرات دخول لأحمد وأربعة أوروبيين، من بينهم المفوض الفرنسي السابق في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون. واتهمتهم بالعمل على فرض رقابة على حرية التعبير أو استهداف عمالقة التكنولوجيا الأميركية بشكل غير ‌عادل من خلال فرض ‌لوائح تنظيمية مجحفة. ويعيش أحمد ‌في ⁠نيويورك ​ويُعتقد ‌أنه الوحيد من بين الخمسة الموجود حالياً في البلاد.

وأثارت هذه الخطوة احتجاجاً من الحكومات الأوروبية التي ترى أن اللوائح التنظيمية وعمل الجماعات التي تركز على المراقبة تجعل الإنترنت أكثر أماناً من خلال تسليط الضوء على المعلومات المضللة وإجبار عمالقة التكنولوجيا على بذل المزيد من الجهد للتصدي للمحتوى غير القانوني بما في ذلك خطاب ⁠الكراهية والمواد التي تحض على الاعتداء الجنسي على الأطفال.

وبالنسبة لأحمد، الرئيس التنفيذي ‌لمركز مكافحة الكراهية الرقمية ومقره الولايات المتحدة ‍والبالغ من العمر 47 عاماً، ‍فقد أثار الحظر مخاوف من الترحيل الوشيك الذي سيفصله ‍عن زوجته وطفله، وكلاهما مواطنان أميركيان، وفقاً لدعوى قضائية رفعها يوم الأربعاء في المنطقة الجنوبية بنيويورك.

وقال وزير الخارجية ماركو روبيو عند إعلانه عن قيود التأشيرات، إنه قرر أن وجود الخمسة في الولايات المتحدة ​له عواقب وخيمة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وبالتالي يمكن ترحيلهم.

وذكر أحمد في دعواه أسماء روبيو ⁠ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم ومسؤولين آخرين من إدارة ترمب، وقال إن هؤلاء المسؤولين ينتهكون حقوقه في حرية التعبير والتمتع بالإجراءات القانونية المكفولة، وذلك بتهديدهم له بالترحيل.

وأصدر قاضي المحكمة الجزئية الأميركية فيرنون برودريك، أمراً تقييدياً مؤقتاً يوم الخميس يمنع المسؤولين من احتجاز أحمد أو إلقاء القبض عليه أو نقله قبل أن تتاح له فرصة نظر قضيته، وحدد موعداً لجمع الأطراف في 29 ديسمبر (كانون الأول).

وردًا على أسئلة حول القضية، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية «لقد أوضحت المحكمة العليا والكونغرس مراراً وتكراراً: الولايات ‌المتحدة ليست ملزمة بالسماح للأجانب بالقدوم إلى بلادنا أو الإقامة هنا».