يتواصل رصد نتائج التصويت في المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية في ليبيا، التي أُجريت في 26 بلدية ليبية، السبت الماضي، وسط مؤشرات على هزيمة ثقيلة لقوائم ومرشحين محسوبين على جماعة «الإخوان» في زليتن وطرابلس وبلديات بالمنطقة الغربية.
هذه الهزيمة التي تُوصف بـ«الثقيلة» لجماعة «الإخوان»، المحظورة من قبل برلمان شرق ليبيا، عدَّها محللون سياسيون تأكيداً جديداً على «رفض ليبي شعبي» لمشروعهم السياسي، اتصالاً مع سوابق فشلهم في تجربتين انتخابيَّتين برلمانيَّتين سابقتين، بعد «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011.

وكان التجسيد الأوضح للهزيمة الإخوانية في بلدية زليتن (150 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس)، إذ مني مرشحون محسوبون عليهم في قائمة «الرسالة» بهزيمة أمام قائمة لمرشحين مستقلين باسم «البصمة».
ويقرُّ عميد بلدية زليتن السابق، مفتاح حمادي، بالحضور «الإخواني» في انتخابات زليتن، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يكن بتلك القوة التي كانت متوقعة»، مبرزاً أن كل أصواتهم كانت «بروح الانحياز القبلي أكثر من الانحياز الفكري».
وتعيش جماعة «الإخوان» تحت وطأة تراجع واضح في المشهد السياسي الليبي، إذ سبق أن صوَّت البرلمان الليبي في مايو (أيار) 2019 على حظرها بوصفها «جماعة إرهابية»، كما أن رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، أدرجها العام الماضي من بين 4 كيانات تعوق تقدم العملية السياسية
تنظيماً، ضربت انقسامات واسعة صفوف الذراع السياسية لـ«الإخوان»، الممثَّلة في حزب «العدالة والبناء» قبل 4 سنوات، ودفعت رئيسه محمد صوان إلى تأسيس حزب جديد باسم «الديمقراطي»، تزامناً مع إعلان الجماعة تحولها إلى «جمعية» تحمل اسم «الإحياء والتجديد».
وفي المشهد الانتخابي الليبي الأخير أيضاً، رصدت تقارير إعلامية ومتابعون خسائر ثقيلة مُني بها تيار الإسلام السياسي داخل معاقل نفوذه التقليدي في العاصمة طرابلس، وهو ما عدّه الناشط الليبي، أسامة الشحومي، «إشارة على تراجع واضح في شعبيته».

ووفق هذا التقدير، فإن الشحومي يرى أن «الناخب الليبي اختار في معظم البلديات قوائم مدنية ومستقلة، ترفع شعارات (الخدمات والإصلاح) بعيداً عن الاستقطاب الآيديولوجي»، مستخلصاً دلالات على أن الشارع الليبي «يتجه أكثر نحو الاستقلالية، ورفض المشروعات الحزبية أو عودة الماضي».
وأعادت النتائج الأولية للانتخابات البلدية تذكير متابعين بخسائر «الإخوان» وحلفائها في انتخابات «المؤتمر الوطني العام» في 2012، ومجلس النواب في 2014، علماً بأن الأخيرة أعقبها انقسام سياسي وعسكري كبير في البلاد.
في هذا السياق يتوقع المحلل السياسي، حسين المسلاتي، أن «يتكرر سيناريو هزيمة الإسلاميين في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية مقبلة، وأن ينتخب الليبيون مَن يقدم لهم الأمن والتنمية والإعمار»، وعزا تصوره إلى ما يراه «نضوجاً شعبياً» أدى إلى إقصاء مرشحي الإخوان وبعض المحسوبين على النظام السابق.
وينطلق المسلاتي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» بالاعتقاد أن «التيارات الدينية، بما فيها جماعة الإخوان، لم تكن تمتلك شعبية طاغية في أي فترة من فترات الأزمة الليبية منذ عام 2011». ويعيد التذكير في هذا السياق «بسيطرة تحالف القوى الوطنية على المشهد في انتخابات 2012»، عاداً «طريقة إجراء الانتخابات والقوائم النسبية، التي مارستها السلطات التنفيذية والتشريعية وقتذاك، هي التي سمحت لهذه التيارات الدينية بالوجود».
ويعتقد المحلل السياسي أن «الوعي ساد بين الناخبين، بعد أن كانوا ينخدعون بالدعاية الدينية من جانب الإخوان، وحتى أنصار النظام السابق الذين لا تعترف أدبياتهم بالانتخابات».
ومن زاوية أخرى في المشهد السياسي، يلحظ الباحث القانوني، هشام الحاراتي، أن جانباً كبيراً من «التشكيلة العامة للقوائم المتنافسة اتسمت بالتنوع، وابتعدت إلى حد كبير عن الطابع الحزبي الصريح، ما يدل على أن الناخبين فضَّلوا خيارات تجمع أطيافاً متعددة، بدلاً من التمركز حول تيار بعينه».
وعدَّ الحاراتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» هذا التوجه «انعكاساً لرغبة مجتمعية متزايدة في تجديد المشهد المحلي، وإعطاء الفرصة لوجوه قادرة على تلبية الاحتياجات اليومية، بعيداً عن الاصطفافات التقليدية».
يشار إلى أن المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية أُجريت في 26 بلدية فقط، وذلك من بين 63 بلدية كان مقرراً إجراء الانتخابات فيها. وحظيت بنسبة اقتراع بلغت 71 في المائة، وسط مطالب باستكمال الاستحقاق «المُعطّل» في باقي البلديات.
وتقرَّر تأجيل الاقتراع داخل 7 بلديات في غرب ليبيا إلى السبت المقبل، وذلك على خلفية أعمال عنف وحرائق استهدفت مراكز انتخابية. بينما تعطَّلت العملية الانتخابية في 27 بلدية بشرق البلاد بتعليمات من الحكومة المكلفة من البرلمان.
بينما لا يزال مصير العملية الانتخابية مجهولاً في بلديات خاضعة للحكومة المكلفة من البرلمان في شرق ليبيا، رغم دعوة بعثة الأمم المتحدة إلى الإسراع بإجراء الانتخابات فيها.
وعبَّرت بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد في ليبيا عن قلقها إزاء «تعليق العملية الانتخابية في بلديات كبرى عدة، مثل بنغازي وطبرق وسبها وسرت»، وأكدت، في بيان شديد اللهجة، رفض «أي ترهيب يهدف إلى عرقلة العملية الانتخابية».







