السودان: مواطنون يأكلون أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة في الفاشر

حاكم شمال دارفور: الوضع «بات لا يطاق»

أطفال يتناولون وجبة مشتركة (فيس بوك)
أطفال يتناولون وجبة مشتركة (فيس بوك)
TT

السودان: مواطنون يأكلون أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة في الفاشر

أطفال يتناولون وجبة مشتركة (فيس بوك)
أطفال يتناولون وجبة مشتركة (فيس بوك)

لجأ الآلاف من سكان مدينة الفاشر في غرب السودان، والمحاصرة من قبل «قوات الدعم السريع»، إلى طحن أعلاف الحيوانات، لاستخدامه بديلاً لحبوب الدخن والذرة، لسد الرمق والبقاء على قيد الحياة.

وأصبحت الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، أشبه بمدينة أشباح وسط أنقاض الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، وبدأت المجاعة الطاحنة تلوح في الأفق مع نفاد المواد الغذائية الأساسية الصالحة للأكل، مثل الذرة بمختلف أنواعها من (الدخن والعيش)، وانعدام مياه الشرب النظيفة.

سودانيون في مخيم «أبو شوك» على مشارف الفاشر بشمال إقليم دارفور هرباً من الحرب (أ.ب)

وقال سكان في الفاشر لــ«الشرق الأوسط» عبر خدمة الاتصالات الهاتفية التي توفرها أجهزة «ستار لينك» التي تعمل بالأقمار الاصطناعية: «لا نجد ما نأكله، وهو حال معظم سكان الفاشر. لجأنا إلى شراء الأعلاف الحيوانية (الأمباز) لطحنها وطبخها على أنها عصيدة».

وأضافوا: «نبحث الآن عن طرق للهروب من المدينة، لأنه لم يعد يلوح في الأفق من ينقذنا من هذه الأوضاع».

وقال أحد السكان إنه يقضي يومه في البحث عن شراء القليل من دقيق الدخن أو ذرة العيش، وعندما لا يجده أو يتمكن من ابتياعه بسبب الغلاء الفاحش، يُضطر لشراء الأعلاف، وجمع الحطب لطبخ قدح من «العصيدة» لأسرته، وأضاف: «لولا أننا مضطرون لما صنعناه أصلاً، لأن سعر الحبوب مرتفع، هذا لو كانت موجودة».

نزوح من مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

و«الأمباز» هي مخلفات ما تبقى من بذور الفول السوداني والسمسم، بعد عصرها واستخراج الزيت منها، وتستخدم علفاً للماشية... وهي غير صالحة للاستخدام الآدمي.

وأقر حاكم ولاية شمال دارفور، الحافظ بخيت، بأن «الوضع الإنساني في العاصمة الفاشر أصبح لا يطاق، وتفاقم أكثر مما يجب». وقال في تسجيل مصور بثه إعلام الحكومة المحلية: «إن فك الحصار عن المدينة ضرورة قصوى اليوم قبل الغد».

وأضاف بخيت أن ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن أن المواطنين في مدينة الفاشر يأكلون أعلاف البهائم (الأمباز) «حقيقي وقد نفدت من الأسواق».

وقال: «إن هناك ندرة وغلاء كبيراً في الحبوب الغذائية، وسعر ربع دقيق الدخن نحو 500 ألف جنيه سوداني (الدولار نحو 2900 جنيه)، وفي كثير من الأحيان لا يتوفر».

طفلة تعاني من الجوع الشديد في الفاشر (فيس بوك)

وتكافح الأسر المحاصرة هناك للبقاء على قيد الحياة، رغم عدم تمكنها من شراء القليل جداً من الذرة لطبخ وجبة واحدة في اليوم، إذ بلغ سعر جوال الدخن نحو 4 مليارات ونصف مليار جنيه سوداني، ما يعادل نحو (1500 دولار أميركي).

وقال المتحدث باسم «المنسقية العامة للاجئين والنازحين في دارفور»، آدم رجال: «ما يتعرض له المدنيون في الفاشر من حصار وتجويع يُعد جريمة بشعة، وإن غض النظر عن هذه المأساة وتجاهلها وصمة عار في جبين الإنسانية».

وطالب «بتحرك دولي فوري لوقف الكارثة الإنسانية المستمرة، والضغط على أطراف الصراع الذين لا يهمهم إنقاذ المواطنين، ووقف الموت المجاني في الفاشر».

تكية في الفاشر (فيس بوك)

وأشار إلى أن تجار الأزمات مجردون من الأخلاق الإنسانية، وأن المواطنين باتوا يشعرون بأن «حلول الأرض انتهت، والأمر متروك للسماء»، ويحتاجون لمن يقف معهم في ظل غياب أي مبادرة جادة من الداخل والخارج لإنقاذهم من الموت جوعاً.

وبحسب إفادات مواطنين من الفاشر، فإن معظم التكايا، وهي مراكز تطوعية خيرية توزع وجبات مجانية للمواطنين، توقفت، أو على وشك التوقف تماماً، بسبب عجز القائمين عليها عن شراء المواد الغذائية بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار.

وقالوا: «إن الآلاف الذين فضلوا البقاء في المدينة لأكثر من عام، رغم الظروف الأمنية المتدهورة والقصف المدفعي، لم يعد باستطاعتهم الصمود أكثر من ذلك، ويبحثون الآن عن فرص لمغادرتها، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم».

بدورها أطلقت «المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور» نداء استغاثة عاجلاً إلى الحكومة والمنظمات «لإنقاذ المواطنين الذين يموتون جوعاً، وسط صمت دولي، وتجاهل لمعاناة آلاف الأبرياء من المدنيين العزل في الفاشر».

أطفال ينتظرون العون في الفاشر (فيس بوك)

وقالت في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «إن انعدام الغذاء والدواء أصاب الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن بسوء التغذية الحاد، نتيجة للحصار، ومنع دخول المساعدات الإنسانية». وطالبت «بفتح ممرات إنسانية آمنة، تحت إشراف ورقابة دولية للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة».

ودفعت «قوات الدعم السريع» منذ اندلاع القتال في أبريل (نيسان) 2023 بقوات كبيرة طوّقت الفاشر من الجهات كلها، وبدأت عمليات عسكرية في محاولة منها للسيطرة عليها، وتحوّلت المواجهات إلى «حرب استنزاف» طويلة الأمد، مع تصاعد غير مسبوق في الهجمات، وبوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة.


مقالات ذات صلة

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا نازحون سودانيون يقضون ليلة في مدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

«أطباء السودان»: «الدعم السريع» قتلت 200 شخص على أساس عرقي بشمال دارفور

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء على أساس عرقي من قبل «الدعم السريع» بمناطق أمبرو، وسربا، وأبوقمرة بولاية شمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي.

رياضة عربية مشجع سوداني يساند منتخب بلاده خلال مباراته أمام الجزائر (أ.ب)

محمد عبد الرحمن لاعب السودان: سنقدم ما علينا رغم ظروف الحرب

يطبق محمد الغربال سياسة «الأمر الواقع» للتعامل مع الظروف المحيطة بمنتخب السودان لكي يتمكن من النجاح رغم ظروف الحرب التي أثرت على نشاط كرة القدم

«الشرق الأوسط» (الرباط)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
TT

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار، اليوم الأحد، إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن الوزيرة أطلعت خلال زيارة إلى العاصمة الخرطوم على «ترتيبات انتقال الوزارات إلى المقار التي تم تحديدها لاستئناف أعمالها مع بداية العام الجديد»، مؤكدة «تقديم الدعم الكامل لحكومة الولاية لاستكمال منظومة الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه».

وأوضحت الوكالة الرسمية أن والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، أطلع الوزيرة على «مجمل الأوضاع بالولاية ومدى الاستعداد لعودة الحكومة للخرطوم»، مشدداً على «استمرار العمل لمزيد من التهيئة في كافة النواحي من أجل العودة الكاملة للمواطنين والحكومة».

وأشارت الوكالة إلى أن وزيرة شؤون مجلس الوزراء ووالي الخرطوم تفقدا مطار الخرطوم ومنشآت أخرى استعداداً لعودة الحكومة للعمل من العاصمة.

وانتقلت الحكومة للعمل من مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر بشرق البلاد عقب اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع في أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.