قصة الشيف نوال ضاهر نويدر لا تشبه غيرها من حكايات زملائها في المهنة. شغفها بالطبخ بدأ منذ الثانية عشرة من عمرها. كانت والدتها تطردها من المطبخ لملازمتها الدائمة له. تشتهر بلقب «طبّاخة رؤساء الجمهورية». فكان الراحل إلياس الهراوي يطلبها بالاسم كي تحضر له وليمة فاخرة لزواره. أما الرئيس السابق ميشال عون فتمسك بأطباقها حتى وهو في منفاه الباريسي. فكانت إحدى بناته تتولى مهمة إرسالها له إلى هناك. ومن ناحية الشخصيات السياسية التي أغرمت بلقمة الشيف نوال فحدث ولا حرج. من بينهم الوزير الراحل شوقي فاخوري. كان وهو على سرير المرض لا تفتح شهيته إلا لأطباقها. وكذلك الأمر بالنسبة لنجوم الفن وفي مقدمهم إليسا. فهي كانت طباختها الأقرب إلى قلبها. تحضّر لها الأكلات الـ«لايت» واللبنانية بامتياز. فالشيف نوال اختصاصية بالمطبخ اللبناني العريق. ومن لم يتذوّق «الكبة بالصينية» و«المغربية» و«الصيادية» و«الملوخية» كما المجدرة من يديها، فلا بدّ أنه فوّت عليه الكثير.

ومن الأطباق المرتبطة باسمها ارتباطاً كاملاً «كبة الباذنجان». فهي اخترعتها مع مكونات دبس الرمان وحبوب الجوز والرمان. صار طبقاً لذيذاً تتميز به.
اليوم تعيش الشيف نوال استراحة محارب بعد 55 عاماً من العمل المستدام. ابنتها ميرنا أخذت عنها موهبتها في الطبخ. وحالياً تدير مطعم «نوال بيروت» في منطقة الضبية. ابن نوال إيلي رغب في تكريمها على طريقته، فافتتح هذا المكان تيمناً باسمها. وقال لها: «لا بد من إبقاء اسمك متوهجاً حتى وأنت في فترة التقاعد. وأرجو أن أفيك حقّك كونك طبّاخة استثنائية من لبنان».

تقول نوال نويدر في لقائها مع «الشرق الأوسط» إنها لم تشعر يوماً بالتعب ولا بالملل من مهنتها. فحبها للطبخ يفوق الخيال. ومن خلاله كانت تشعر بالسعادة وتترجمها في أكلات ذاع صيتها بين السياسيين والفنانين. وعن سر نجاحها تروي في سياق حديثها: «يقولون إنني أتمتع بنفس على الطعام لا يشبه غيره. كما أنني كريمة في تحضير الأكل. لا أعرف صناعة أطباق بكميات صغيرة ولو لأعداد قليلة من الناس. ولذلك اشتهرت الموائد التي أنظمها بالصحون الكبيرة وتعرف بـ(الجات). وعندما كان الناس يرونها على المائدة يعرفون مسبقاً بأني من وقعها».

55 عاماً أمضتها نوال في عملها، تعتبرها أجمل أيام حياتها. بداياتها انطلقت من تجارب متراكمة. «لم أترك منطقة لم أزرها وأطلعت على أنواع الأكلات فيها. جميع أولادي شغوفون بالطعام مثلي، إلا جوزف لم يجذبه الأمر، فعمل في مجال الهندسة».
في حديقة مطعم «نوال بيروت» حضرت ابنتها ميرنا اللقاء. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أني ورثت شغف أمي بالطبخ، تعلّمته منها كنسخة طبق الأصل، ولكن سبحان الله فأمي تملك نفساً على الطعام يميزها عن غيرها. فمهما اجتهدت لتحضير طبق، لا يمكنه أن يقارب بطعمه ما تحضره بنفسها».

لا تفاخر نوال بالتحدث عن أطباقها، فثقتها بنفسها كبيرة. وتعلق: «قد يستطيع غيري تحضير الأكل بصورة أفضل مني، ولكن لدي الثقة الكاملة بنفسي وبأنني أتمتع بالمهارة».
تروي لـ«الشرق الأوسط» قصصها مع الرئيسين الهراوي وعون. «كانا متناقضين في خياراتهما للأطباق التي يحبونها. الأول كان يحب الطعام الدسم. ويقدم الكبة على غيرها من الأطباق اللبنانية. فيما الرئيس ميشال عون كان يحب (القواطع)، وأعني تلك الخالية من أصناف اللحوم. يفضل تناول (الهندباء بالزيت) والـ(برغل بالبندورة) و(المجدرة)».

نواب ووزراء وإعلاميون وفنانون تعاونت معهم الشيف نوال. وعنوان موائدها واحد «المطبخ اللبناني الأصيل». تقول إنها لم تسأل يوماً عن الأجر الذي ستتقاضاه مقابل تحضير الطعام لأحدهم. «كان همي الوحيد تحضير ألذ الأطباق التي أصنعها بحب من قلبي. والأهم هي المكونات التي يجب أن تكون طازجة وعلى المستوى المطلوب. فعندما يعمل الشيف بكرم ومن قلبه لا بد أن ينجح».
تعطي رأيها بصراحة بتحديث المطبخ اللبناني اليوم. «أفضل الأطباق النابعة من قلب وروح مطبخنا الأصيل. لا يجب أن نضيع هويتنا الغذائية لأن الطعام ثقافة من نوع آخر. قد تكون هناك أنواع طعام حديثة من مطبخنا، ولكنني لا أتذوقها».
تعترف بأن أطباقاً لبنانية كثيرة باتت نادرة بسبب عدم معرفة كيفية تحضيرها من قبل جيل فتي. «الفوارغ مثلاً قلة من نساء اليوم تعرف تحضيرها، وهو أمر مؤسف. نساء اليوم يفضلن تحضير الأكلات السهلة. فضيق وقتهن والتزامهن بدوام عمل طويل يفرض عليهن ذلك».
الصبر مطلوب جداً في تحضير الطعام، كما تقول الشيف نوال. وتتابع: «التركيز جيد والتمتع بالصبر مطلوبان ممن يحضّر الطعام. وعلى ربة المنزل ألا تتبع السرعة في إنضاج الطبخة. فتعمل على نار هادئة كما جداتنا وأمهاتنا».
وعن النصيحة التي تقدمها لجيل الشباب من الفتيات المقدمات على الزواج، تقول: «أتمنى عليهن تحضير الطعام اللبناني لأزواجهن وأفراد عائلاتهن. فعلينا التمسك بهويتنا حتى آخر نفس. وأن تتألف طبخة العيد من الأطباق اللذيذة التي نشتهر فيها بلبنان كالأرز على الدجاج واللحم مع الفريكة».
ومن ناحية ثانية، تفرح الشيف نوال لعودة مكونات لبنانية إلى واجهة المطبخ اللبناني. «الفريكة والعدس عادا بقوة اليوم إلى مطبخنا. وصار هذان المكونان يستخدمان بتحضير السلطات إضافة إلى الأطباق الساخنة».
تحضر الابنة ميرنا ألبوم صور الشيف نوال مع الشخصيات المعروفة. بعضها معلقة على جدران المطعم تشير إلى شبكة علاقات عامة قوية تتمتع بها والدتها. ومن بين هؤلاء النائب مروان حمادة، والوزير السابق أشرف ريفي، والمطران إلياس عودة، والإعلامية مي شدياق. وتعلق: «جميعهم أحبهم من دون استثناء، وتركوا عندي ذكريات جميلة. كانوا يثنون على طبخي ويرددون باستمرار عبارة (تسلم إيديك يا نونو)».










