رفع ماركوس ليوناردو راية الزاوية من جذورها ولوّح بها عالياً نحو سماء أورلاندو السوداء. كانت تلك اللحظة بمثابة الشعلة الأولمبية للهلال، وللكرة السعودية، التي أعلنت وصولهم المنتظر إلى المسرح العالمي. اللحظة التي جلس فيها نادٍ سعودي أخيراً على طاولة الكبار.
بحسب شبكة The Athletic، كان فوز الهلال الدرامي 4 - 3 بعد التمديد على مانشستر سيتي في ثمن نهائي كأس العالم للأندية مساء الاثنين كفيلاً بتحويل الكوفيات مناديل دموع. على بُعد أمتار من رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو ورئيس مانشستر سيتي خلدون المبارك، في حين خفض رئيس الهلال فهد بن نافل رأسه بين يديه وهو يبكي.
وقبيل منتصف الليل بقليل، وقف فهد بن نافل عند مدخل النفق المؤدي لغرف الملابس، يعانق كل لاعب وعضو من الطاقم الفني، بعدما قادوا بطل دوري أبطال آسيا 2021 لإقصاء أنجح نادٍ إنجليزي خلال آخر 15 عاماً، وضمان مقعد في ربع النهائي أمام فلوميننسي البرازيلي.

قليل هي الاحتفالات التي تنفجر بهذه الفوضوية العارمة، لكنها كانت تليق بمباراة شهدت لحظات غير مسبوقة، بينها توقف الهلال عن اللعب لأكثر من دقيقتين لإجبار الحكم على مراجعة لقطة عبر تقنية الفيديو.
وبعد أن غادر اللاعبون والطاقم الفني الملعب، اندفع جمهور الهلال في ممرات الملعب كالإعصار، مردّدين «أولي، أولي، أولي». بعضهم كان يلوّح بالأعلام، وآخرون على أكتاف رفاقهم، وواحد يرتدي قميص مانشستر يونايتد يرقص بفرح ساخر.
كانت هذه المباراة، التي وُصفت بأنها الأفضل في البطولة حتى الآن، بمثابة لحظة مجد جاءت أبكر من المتوقع. فقبل عامين فقط، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على أربعة أندية في دوري المحترفين، بينها الهلال، وبدأت خطة شرسة لاستقطاب أفضل المواهب العالمية.
وقد اتُهم الأوروبيون الذين انتقلوا للدوري السعودي بأنهم فضّلوا المال على المسيرة، لكن الهلال، رغم غياب نجميه ألكسندر ميتروفيتش وسالم الدوسري، ضرب مانشستر سيتي بهجمات مرتدة خاطفة تكررت مراراً.
لقد كانت تلك الليلة تأكيداً على أن ما يحدث في السعودية ليس مثل التجربة الصينية قبل عقد مضى. فالهلال ليس مجموعة من الأسماء اللامعة فحسب، بل فريق متماسك يملك هدفاً واضحاً: كسر هيمنة أوروبا، وتقديم الدوري السعودي منافساً مباشراً لها.

قال لاعب الوسط سيرغي ميلينكوفيتش - سافيتش، البالغ من العمر 30 عاماً والذي انتقل من لاتسيو قبل عامين: «فلنرَ إن كانوا سينتقدوننا بعد هذه المباراة. أظهرنا لهم أن الأمر ليس كما يظنونه. الدوري ليس كما يتحدثون عنه. كثير من التصورات عن السعودية غير صحيحة. أنا أركض هناك أكثر مما كنت أفعل في الدوري الإيطالي».
فهل كانت مجرد مباراة استثنائية لا تعني شيئاً، أم أنها محطة إضافية في الصعود السعودي الحتمي؟... إذا ساهمت في إقناع اللاعبين في سن الذروة بقوة الدوري السعودي، فستكون بداية التحوّل الكبير.
هناك منظور بسيط وهو الفرح الذي جلبته لجماهير أحد أكثر الأندية شعبية في البطولة. وقد يفترض البعض في أوروبا أن السعودية لم تكن تملك ثقافة كروية قبل الاستثمار، لكن الحقيقة أن كرة القدم كانت دوماً شغفاً متجذراً فيها.
قال إستيفي كالزادا، الرئيس التنفيذي للهلال قبل المباراة: «أعرف أن النصر لديه كريستيانو رونالدو، لكننا أكبر نادٍ في السعودية نحو 40 في المائة من السعوديين يشجعون الهلال. مبارياتنا هنا كانت حدثاً ضخماً في السعودية. الجميع يشاهد. وقد سافر الآلاف إلى الولايات المتحدة لمتابعتنا، سواء من داخل المملكة أو من السعوديين المقيمين هنا. كان هناك نحو 15 ألف مشجع في مباراتنا ضد باتشوكا في ناشفيل، وثلثاهم على الأقل كانوا يشجعون الهلال».
رغم عدم وجود «ألتراس» رسمي، شكّل جمهور الهلال كتلة كبيرة مزينة بالأزرق الملكي والأعلام، تسيّدت المدرجات. حتى بعض الجماهير من مدرجات أخرى توافدت إليهم لتشارك الهتافات، وهناك من مشجعي السيتي من قلب قميصه وبدأ يغني مع الباقين.
وبالنسبة للهلال، كانت هذه البطولة المنصة العالمية التي انتظرها طويلاً. فقبل عامين، حين بدأ التعاقد مع الطواقم الأوروبية، كانت البطولة ضمن أولويات الحديث.
في أبريل (نيسان) الماضي، زار «فيفا» الرياض ضمن جولة كأس البطولة. وقد فوجئ البعض حينها من جدية الهلال في التفكير بالفوز باللقب.
لكن لحظة الإنجاز هذه لم تأتِ فجأة، بل كانت ثمرة سنوات من العمل. منذ 2016، أعلنت السعودية عن «رؤية 2030» الهادفة إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز حضورها السياحي والرياضي عالمياً. وضمن طريقها لاستضافة مونديال 2034، راكمت الإنجازات.
لقد أصبحت مقراً دائماً لسباقات «فورمولا 1»، وموطناً رئيسياً لأكبر نزالات الملاكمة، وأطلقت «ليف غولف» لمنافسة جولة «بي جي إيه»، وأنشأت بطولة «6 كينغز سلام» في التنس، واستضافت نهائيات «دبليو تي إيه».
وكانت الضربة الأكبر حين وقّع كريستيانو رونالدو للنصر في يناير (كانون الثاني) 2023. وبعدها بستة أشهر، استحوذ الصندوق على أربعة أندية: الهلال، النصر، الاتحاد، والأهلي.
ودُفع أكثر من مليار دولار في الانتقالات، لضم نجوم مثل كريم بنزيمة، ونيمار ونغولو كانتي.
وفي العام ذاته، استضافت السعودية نسخة 2023 من كأس العالم للأندية، التي فاز بها مانشستر سيتي على فلوميننسي برباعية. كما نظمت كأسَي السوبر الإيطالي والإسباني.
لكن الجائزة الأضخم جاءت حين فازت باستضافة مونديال 2034، بعد أن اعتمد مجلس «فيفا» مبدأ التناوب القاري؛ ما سمح للسعودية بأن تكون المرشّح الوحيد.
يمتلك الصندوق 75 في المائة من ملكية الأندية الأربعة، في حين تعود نسبة 25 في المائة للهلال إلى «مؤسسة الهلال غير الربحية» التابعة للأمير الوليد بن طلال وبعضها لوزارة الرياضة. وهناك خطط لخصخصة مزيد من الأندية لاحقاً.

