متحف «اللوفر» مُعطَّل... والموناليزا «مُحاصَرة»

إضراب غير مسبوق يشلُّه... والضغوط تُهدِّد تراث فرنسا الفنّي

عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
TT

متحف «اللوفر» مُعطَّل... والموناليزا «مُحاصَرة»

عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)
عالقون عند «بوابة الفنّ»... (أ.ب)

صمد متحف «اللوفر»، الأكثر زيارة في العالم والرمز العالمي للفن والجمال والديمومة، في وجه الحروب والإرهاب والوباء، لكنه توقّف عن العمل، الاثنين، بسبب إضراب موظفيه الذين يقولون إنّ المؤسسة تنهار تحت وطأة «السياحة الجماعية».

كان مشهداً لا يمكن تصوّره: موطن أعمال ليوناردو دافنشي وأعظم كنوز الحضارة على مدى آلاف السنين، بدا مشلولاً من قبل الأشخاص أنفسهم المكلَّفين الترحيب بالعالم في صالات العرض.

واحتشد آلاف الزوّار العالقين والمُربَكين، حاملين تذاكرهم، في طوابير لا تتحرَّك بجوار «الهرم الزجاجي» الذي صمّمه المعماري الأميركي من أصل صيني آي إم باي.

وفي هذا السياق، نقلت «أسوشييتد برس» عن كيفن وارد (62 عاماً) من ميلووكي بالولايات المتحدة، قوله: «إنه أنين (الموناليزا) هنا. آلاف الناس ينتظرون، بلا اتصال وبلا تفسير. أعتقد أنها حتى هي تحتاج إلى يوم عطلة».

وأصبح متحف «اللوفر» رمزاً للسياحة التي وصلت إلى أقصى حدودها. وفي الوقت الذي تسعى فيه الوجهات السياحية الشهيرة من البندقية إلى الأكروبوليس إلى الحدّ من الازدحام، يصل المتحف الأوسع شهرة في العالم، الذي يزوره الملايين، إلى نقطة الانهيار.

قبل يوم واحد فقط، اجتاحت احتجاجات منسّقة ضدّ السياحة جنوب أوروبا، فتجمَّع الآلاف في مايوركا والبندقية ولشبونة... وغيرها، مندّدين بنموذج اقتصادي يقولون إنه يُرهق السكان المحلّيين ويؤدّي إلى تآكل الحياة في المدن. وفي برشلونة، رشَّ النشطاءُ السياحَ بمسدسات مائية، في محاولة مسرحية تهدف إلى «تهدئة» السياحة الجامحة.

صراعات لا تُرى خلف الجدران (رويترز)

كما اندلع الإضراب العفوي في متحف «اللوفر» خلال اجتماع داخلي روتيني، حيث رفض موظّفو المعرض وموظّفو التذاكر وأفراد الأمن تولّي مَهامهم؛ احتجاجاً على الحشود التي لا يمكن السيطرة عليها، والنقص المزمن في الموظّفين، وما وصفته إحدى النقابات بظروف العمل «غير المُحتملة».

من النادر أن يُغلِق «اللوفر» أبوابه. وقد حدث ذلك خلال الحرب، وفي أثناء الجائحة، وعدد قليل من الإضرابات، بما فيها الإضرابات العفوية بسبب الازدحام عام 2019، والمخاوف الأمنية عام 2013. ولكن نادراً ما حدث ذلك بشكل مفاجئ، من دون سابق إنذار، وعلى مرأى من الحشود.

علاوة على ذلك، تأتي هذه الاضطرابات بعد أشهر قليلة من كشف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن خطّة شاملة مدّتها 10 سنوات لإنقاذ المتحف من المشكلات التي تتفاقم الآن؛ وهي تسرب المياه، والتقلّبات الخطيرة في درجات الحرارة، والبنية التحتية القديمة، وحركة المشاة التي تتجاوز بكثير ما يمكنه تحمّله.

لكن بالنسبة إلى العاملين في الميدان، «يبدو المستقبل الموعود بعيد المنال»؛ قالت موظّفة الاستقبال في المتحف ومسؤولة خدمة الزوّار، سارة سيفيان: «لا يمكننا الانتظار 6 أعوام للحصول على المساعدة. فرقنا تتعرَّض لضغوط الآن. الأمر لا يتعلَّق بالفن فحسب، وإنما بالناس الذين يحمونه».

حشود «الموناليزا» اليومية

رمز الجمال في مأزق (أ.ب)

تقع «الموناليزا» في قلب كل ذلك. لوحة من القرن الـ16 تجذب حشوداً معاصرة تُشبه حشود حفلات استقبال المشاهير أكثرَ منها تجربة فنّية.

يحتشد نحو 20 ألف شخص يومياً في قاعة «Salle des États» الكبرى في المتحف، فقط لالتقاط صورة «سيلفي» مع المرأة الغامضة التي رسمها ليوناردو دافنشي، والموجودة خلف زجاج واقٍ. غالباً ما يكون المشهد صاخباً ومزدحماً ومكتظّاً حدَّ أنّ كثيرين بالكاد يُلقون نظرة على التحف الفنّية المحيطة بها؛ منها أعمال «تيتيان» و«فيرونيز» التي تُتجاهل غالباً.

وقال جي هيون بارك (28 عاماً) الذي سافر من سيول إلى باريس: «أنت لا ترى لوحة. أنت ترى هواتف. أنت ترى أكتافاً. تشعر بالحرارة. ثم تُدفع إلى الخارج».

يَعِدُ مشروع ماكرون لتجديد المتحف، الذي أُطلق عليه اسم «نهضة اللوفر الجديدة»، بحلّ لهذه المشكلة. ستحصل «الموناليزا» أخيراً على غرفة مخصّصة لها، يمكن الوصول إليها من خلال تذكرة دخول محدّدة الوقت. ومن المقرَّر أيضاً إنشاء مدخل جديد بالقرب من نهر السين بحلول عام 2031 لتخفيف الضغط عن مركز «الهرم» المزدحم.

وقال ماكرون في يناير (كانون الثاني) الماضي: «ستكون ظروف العرض والشرح والتقديم على مستوى ما تستحقه (الموناليزا)».

لكن عمال «اللوفر» يصفون تصريحات ماكرون بالنفاق، ويقولون إنّ خطة التجديد التي تتراوح تكلفتها بين 700 و800 مليون يورو (730 إلى 834 مليون دولار) تُخفي أزمة أعمق. فبينما يستثمر ماكرون في مداخل جديدة ومساحات عرض، فقد تقلّصت الإعانات التشغيلية السنوية التي يتلقّاها «اللوفر» من الدولة الفرنسية بأكثر من 20 في المائة خلال العقد الماضي، رغم ارتفاع أعداد الزوّار.

وعلَّقت سيفيان: «إلقاء الرئيس خطاباته هنا في متحفنا أمر سيئ جداً... وعندما ننظر إلى ما وراء السطح، نجد أن الاستثمار المالي للدولة يزداد سوءاً عاماً بعد عام».

آلاف الزوّار ينتظرون تحت شمس باريس (أ.ب)

وبينما يخطّط عدد من الموظّفين المُضربين للبقاء خارج الخدمة طوال اليوم، قالت سيفيان إنّ بعض العمال قد يعودون مؤقتاً لفتح «مسار التحف الفنّية» المحدود لساعات؛ مما يسمح بالوصول إلى بعض المعالم البارزة، بما فيها «الموناليزا» و«فينوس دي ميلو». وربما يُعاد فتح المتحف بالكامل كالمعتاد، الأربعاء، وقد يُسمح لبعض السيّاح الذين لديهم تذاكر صالحة ليوم الاثنين بإعادة استخدامها في ذلك اليوم.

متحف في حالة من عدم اليقين

وقد استقبل متحف «اللوفر» 8.7 مليون زائر العام الماضي؛ وهو عدد أكثر من ضعف ما صُمِّمت بنيته التحتية لاستيعابه. حتى مع وجود حدّ أقصى يوميّ يبلغ 30 ألف زائر، فإن الموظفين يقولون إنّ التجربة أصبحت اختباراً يومياً للقدرة على التحمُّل، مع قلّة أماكن الراحة، ومحدودية الحمّامات، وحرارة الصيف التي تُضخّمها تأثيرات الاحتباس الحراري لـ«الهرم».

وفي مذكرة مسرَّبة، حذَّرت رئيسة المتحف، لورانس دي كار، بأنّ أجزاء من المبنى «لم تعُد مانعة لتسرُّب المياه... وتقلّبات درجات الحرارة تُعرّض الأعمال الفنّية التي لا تقدَّر بثمن للخطر، وحتى الحاجات الأساسية للزوار (الطعام والحمّامات واللافتات) أقل بكثير من المعايير الدولية». ووصفت التجربة ببساطة بأنها «محنة جسدية».

بدورها، علَّقت سيفيان: «ما بدأ جلسةً إعلاميةً شهريةً مجدولةً تحوَّل إلى تعبير جماعي عن السخط». بدأت المحادثات بين العمال والإدارة عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً واستمرَّت حتى بعد الظهر.

ومن المتوقَّع تمويل خطة التجديد الكاملة من خلال عائدات التذاكر، والتبرّعات الخاصة، والأموال الحكومية، ورسوم الترخيص من فرع متحف «اللوفر» في أبوظبي؛ وأيضاً أن ترتفع أسعار التذاكر للسيّاح من خارج «الاتحاد الأوروبي» في وقت لاحق من هذا العام.

لكن العمال يقولون إنّ حاجاتهم أشد إلحاحاً من أي خطة مدّتها 10 سنوات.

وعلى عكس المواقع الرئيسية الأخرى في باريس، مثل «كاتدرائية نوتردام» أو «متحف مركز بومبيدو»، اللذين يخضعان لعمليات ترميم مدعومة من الحكومة، لا يزال متحف «اللوفر» عالقاً في مأزق، فهو لا يتمتَّع بتمويل كامل ولا يعمل بكامل طاقته.

وقد وعد الرئيس ماكرون، الذي ألقى خطاب فوزه في انتخابات 2017 من المتحف وعرضه خلال «دورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024)»، بمتحف أعلى أماناً وحداثة بحلول نهاية العقد.

وحتى ذلك الحين، يظلّ أعظم كنز ثقافي لفرنسا، بالملايين الذين يتدفّقون لرؤيته، عالقاً بين الأزمات.


مقالات ذات صلة

توجيه اتهامات إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بسرقة متحف اللوفر

أوروبا جنود فرنسيون يقومون بدورية أمام متحف اللوفر (أ.ب) play-circle

توجيه اتهامات إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بسرقة متحف اللوفر

وُجهت اتهامات في قضية سرقة متحف اللوفر إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته بعملية السطو، ومثُل أمام قاضٍ في باريس، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق استضاف حفل الافتتاح نخبة من جامعي الأعمال الفنية وخبراء الفن من مختلف أنحاء العالم (متاحف قطر)

إطلاق متحف الفنان الهندي مقبول فدا حسين في الدوحة

افتتح في الدوحة، أمس، «لوح وقلم: متحف مقبول فدا حسين»، وهو معلم ثقافي فريد يُخلّد الإرث الإبداعي لأحد أبرز أعمدة الفن الحديث في العالم، مقبول فدا حسين. …

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق المتحف المصري بالتحرير (صفحة المتحف على «فيسبوك»)

مصر لتطوير «متحف التحرير» ليعكس «روح الحضارة»

تسعى مصر لتطوير متحفها الأقدم «المتحف المصري بميدان التحرير»، لتعزيز دوره باعتباره أحد أهم المتاحف العالمية، ورمزاً لتاريخ الفن المصري القديم.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا أفراد من الشرطة الفرنسية يقفون بجوار مصعد استخدمه اللصوص لدخول متحف اللوفر على رصيف فرنسوا ميتران في باريس... 19 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

الادعاء الفرنسي يوقف 4 أشخاص على صلة بسرقة متحف اللوفر

أوقفت السلطات الفرنسية، الثلاثاء، 4 أشخاص آخرين، على خلفية التحقيق بشأن سرقة مجوهرات من التاج الملكي الفرنسي من متحف اللوفر الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تطوير العرض المتحفي لـ«قاعة الخبيئة» بمتحف الأقصر للفن المصري القديم (وزارة السياحة والآثار)

مصر لتطوير سيناريو العرض المتحفي لـ«خبيئة الأقصر»

تسعى مصر لإبراز «خبيئة الأقصر» في متحف الأقصر للفن المصري القديم؛ إذ أعلن المجلس الأعلى للآثار مواصلة أعمال تطوير سيناريو العرض المتحفي لها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».


معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».


المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
TT

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

أعلنت مجلة «فارايتي» الأميركية اختيار المخرجة المصرية سارة جوهر ضمن قائمة «أفضل 10 مخرجين واعدين»، وهي أبرز قائمة سنوية تُسلَّط فيها الأضواء على المواهب الإخراجية الجديدة. ويأتي هذا الاختيار في ظل النجاح الذي يحقّقه فيلمها الروائي الطويل الأول «عيد ميلاد سعيد»، الممثّل لمصر في منافسات الأوسكار.

وذكرت «فارايتي» أن المخرجين العشرة الواعدين سينضمون بذلك إلى أسماء لامعة سبق أن اختارتهم المجلة بوصفهم مواهب جديرة بالمتابعة، مثل كريستوفر نولان، وروبن أوستلوند، وويس أندرسون، وألفونسو كوارون، وستيف ماكوين، وبين زيتلين، وذلك قبل سنوات من حصولهم على ترشيحات لجائزة أفضل مخرج في جوائز «الأوسكار».

وضمّت القائمة كلاً من: أكينولا ديفز عن فيلم «ظلّ أبي»، وبث دي أراجو عن فيلم «جوزفين»، وجان-أولي جيرستر عن فيلم «آيسلندا»، وسارة جوهر عن فيلم «Happy Birthday»، وديف غرين عن فيلم «Coyote vs. Acme»، وشاندلر ليفاك عن فيلم «Mile End Kicks»، وهاري لايتون عن فيلم «Pillion»، وإن. بي. ماجر عن فيلم «Run Amok»، وكريستين ستيوارت عن فيلم «The Chronology of Water»، وولتر سيمبسون هيرنانديز عن فيلم «If I Go Will They Miss Me».

وأعربت سارة جوهر عن سعادتها الكبيرة بهذا الاختيار غير المتوقع، لتكون المخرجة العربية الوحيدة ضمن قائمة أفضل 10 مخرجين واعدين خلال العام الحالي. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تفاجأت بهذا الاختيار المذهل، فقد كنت أدرك منذ دراستي للسينما في الولايات المتحدة أهمية هذه القائمة. بعض المخرجين الذين حصدوا جوائز (الأوسكار)، مثل روبن أوستلوند، كانوا ضمنها قبل سنوات. لذلك لا أزال غير مستوعبة تماماً هذا التكريم، وأنا ممتنّة وفخورة بما يحقّقه فيلمي الأول».

سارة جوهر هي رابع مخرجة عربية تُدرج في هذه القائمة، بعد 3 مخرجات سبقتها إليها، وهنّ السعودية هيفاء المنصور، واللبنانية نادين لبكي، والفلسطينية شيرين دعيبس.

وأضافت سارة، الموجودة حالياً في لوس أنجليس لمتابعة عروض «الأوسكار» الخاصة بفيلمها، أنها دعت أعضاء الأكاديمية لمشاهدته في سانتا باربارا ونيويورك وكاليفورنيا، معربةً عن سعادتها بردود فعلهم الإيجابية وتأثرهم أثناء مشاهدة الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول الطفلة «توحة»، التي تعمل خادمة في منزل أسرة ثرية وترتبط بصداقة مع ابنة صاحبة المنزل، حيث تسعى إلى إعداد حفل عيد ميلاد استثنائي لصديقتها، وهي تُخفي في داخلها أمنية بأن تختبر هي أيضاً الاحتفال بعيد ميلادها.

الفيلم من بطولة نيللي كريم، وشريف سلامة، والطفلة ضحى رمضان. وقد عُرض للمرة الأولى في مهرجان «تريبيكا السينمائي» في الولايات المتحدة، وحصد 3 جوائز: أفضل فيلم دولي، وأفضل سيناريو، وجائزة «نورا إيفرون» لأفضل مخرجة.

كتبت سارة جوهر قصة الفيلم بالاشتراك مع زوجها المخرج محمد دياب، في حين شارك في إنتاجه الممثل والمنتج الأميركي جيمي فوكس.

فريق عمل الفيلم في مهرجان تريبيكا (الشرق الأوسط)

وتقول سارة: «حين كنت أعمل على الفيلم لم أفكّر إلى أين سيصل، بل ركّزت على إيجاد أفضل طريقة للتعبير عن مشاعر أبطاله. كان كلّ تركيزي على الأداء وعناصر الفيلم ليترك أثراً قوياً في كل من يشاهده. فالفيلم الجيد، في رأيي، يكمن في قدرته على التأثير وإحداث التغيير لدى المتلقي. وقد أسعدني أن من شاهدوا الفيلم في (صندانس) أو (الجونة) أو في أميركا خرجوا بانطباعات تؤكد هذا التأثير».

ولفتت سارة إلى أن الأيام العشرة المتبقية قبل إعلان نتائج التصفية الأولية لمسابقة «أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنجليزية»، في 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تُعدّ الأكثر أهمية، إذ تشهد حضور معظم أعضاء الأكاديمية لعروض الأفلام المرشّحة. ولذلك تُكثّف جهودها في دعوتهم لمشاهدة الفيلم، الذي تُقام له في الوقت نفسه عروض في مدن أوروبية عدّة، من بينها باريس وبرشلونة وبرلين، لوجود أعضاء للأوسكار فيها. بيد أنها تشير إلى أن الجزء الأكبر من الحملة يجري في الولايات المتحدة، حيث تعقب العروض جلسات نقاش يطرح خلالها أعضاء الأكاديمية أسئلتهم على المخرجة حول الفيلم.

وتشير سارة إلى أن فيلم «عيد ميلاد سعيد» تم اختياره في مهرجان «بالم سبرينغز» ضمن قسم الأوسكار، لافتةً إلى أن أكثر من 90 في المائة من الأفلام التي تُرشَّح للجائزة تكون ضمن برمجة هذا المهرجان، وهو ما تعدّه إنجازاً كبيراً، رغم أن رحلة الفيلم لم تبدأ من المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«برلين» و«فينيسيا»، بحسب تعبيرها.

وتشهد مسابقة أفضل فيلم دولي في النسخة الـ98 من جوائز «الأوسكار» منافسة قوية مع مشاركة 86 فيلماً، إضافة إلى حضور عربي لافت تسيطر عليه المخرجات بشكل ملحوظ. إذ تشارك 8 دول عربية هي: السعودية بفيلم «هجرة» لشهد أمين، وتونس بفيلم «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية، والمغرب بفيلم «شارع مالقة» لمريم توزاني، ولبنان بفيلم «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، وفلسطين بفيلم «فلسطين 36» لآن ماري جاسر، والعراق بفيلم «مملكة القصب» لحسن هادي، والأردن بفيلم «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، إضافة إلى الفيلم المصري «عيد ميلاد سعيد» لسارة جوهر.