تواصل الخلاف حول ميزانية «صندوق الإعمار» الليبي، الذي يترأسه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني في شرق البلاد، بعدما أعلن 113 نائباً من أعضاء مجلس النواب «عدم الاعتراف قانونياً بجلسة المجلس الأخيرة التي اعتمدت الميزانية»، فيما اتهم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، المجلس بصناعة «كارثة مالية»، من خلال تمرير ما وصفها بـ«الميزانية المجحفة».

واعتبر أعضاء مجلس النواب أن جلسة اعتماد ميزانية «صندوق الإعمار» انعقدت دون نصاب قانوني، وبحضور 25 نائباً فقط، وشددوا في بيان مشترك، مساء الثلاثاء، على أن الجلسة رفعت رسمياً في اليوم السابق، بعد إقرار تشكيل لجنة لمراجعة المقترح، وطالبوا بعدم تنفيذ أي قرارات صادرة عن الجلسة محل الاعتراض، داعين إلى تفعيل اللجنة، وتحديد موعد جديد لجلسة قانونية تعتمد الميزانية، وفق ضوابط فنية وتنموية سليمة.
واتهم الدبيبة خلال ترؤسه جلسة للحكومة بمقرها في العاصمة طرابلس، مساء الثلاثاء، مجلس النواب، بقيادة عقيلة صالح، بـ«صرف ميزانية لصالح جهاز واحد، وتجاهل مؤسسات الدولة»، وحذر من أن «الإنفاق خارج الميزانية سيدفع الدولار للارتفاع، ويزيد من معاناة المواطن»، معتبراً أن هناك محاولة صريحة للتعدي على إيرادات النفط، وتسييلها خارج أطر الدولة، كما جدد حديثه عن إنفاق موازٍ تجاوز 100 مليار دينار خلال عامين، دون رقابة، داعياً النائب العام والأجهزة الرقابية لكشف الحقائق.

وفي محاولة لتجديد شرعية سلطته، دون الاستجابة الفعلية لمطالب التغيير، أعلن الدبيبة عن مبادرة سياسية من ثلاثة مسارات: إعادة هيكلة الحكومة على أساس الكفاءة، وإطلاق مشروع الاستعلام الوطني، ووضع آلية لتأمين الانتخابات وإنهاء ذريعة الحكومات الموازية، وأكد أنه «لا سبيل للاستقرار إلا بانتخابات حرة»، متهماً الطبقة السياسية بـ«تعطيل القوانين لتمديد بقائها».
كما دافع الدبيبة مجدداً عن العملية الأمنية، التي تم تنفيذها في طرابلس أخيراً ضد جهاز دعم الاستقرار، الذي وصفه بـ«مجموعة خارجة عن القانون»، ووصف العملية بأنها «كانت دقيقة ومنضبطة، ونجحت بأقل الخسائر»، معتبراً أن ما حدث في اليوم التالي للعملية «لم يكن ارتباكاً طبيعياً، بل محاولات مقصودة لتشويه المشهد».
وقال الدبيبة إن هذه العملية تمثل بداية فعلية لما وصفه ببسط سلطة الدولة داخل العاصمة، دون شراكة مع أي قوة موازية، موضحاً أن «الجيش والشرطة فقط هما اللذان يملكان حق تنفيذ القانون»، مشيراً إلى توفير الحماية الشاملة لكل من اختار التظاهر السلمي، دون تمييز أو تدخل، كما كشف الدبيبة عن تلقيه دعماً دولياً واسعاً لخطوات بسط الأمن، وترحيباً بالتحركات الجادة لإنهاء الفوضى المسلحة، مؤكداً أن المجتمع الدولي «أدرك أن ما نقوم به ليس صراع نفوذ، بل هو فرض لسلطة القانون».

وتعليقاً على إعلان وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة، عماد الطرابلسي، قدرته على حل كل الأجهزة الأمنية، بما في ذلك جهاز الأمن العام، وقوة دعم المديريات خلال نصف ساعة، مشترطاً حل التشكيلات الأخرى غير الشرعية التي تتبع المجلس الرئاسي والحكومة، وعد الدبيبة بحل أي جهاز أمني خارج وزارتي الداخلية والدفاع، ومنع أي جهاز أمني أو عسكري بالتدخل في حل مشكلات المواطنين.
وأوضح الدبيبة أنه جاهز لتوقيع قرار حل الميليشيات، مشيراً إلى أنه بصدد توجيه مذكرة للمجلس الرئاسي لحل الأجهزة التي تتبعه.
وبينما لم يصدر أي رد فعل من رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، نفى نائباه عبد الله اللافي وموسى الكوني، في بيان مشترك، علمهما بما صرح به الدبيبة عن مشاورات بينه وبين المجلس بشأن «مقترحه السياسي». وقالا إنه «لم يتم إبلاغنا كمجلس رئاسي بمضمون هذا المقترح، لا بشكل رسمي أو غير رسمي، ولم نكن طرفاً في أي مشاورات بشأنه».
وبعدما أكدا التزامهما بمبدأ الشراكة الوطنية، والتنسيق المسؤول بين مؤسسات الدولة، بعيداً عن الاجتهادات الفردية أو الإشارات، التي قد تفسر على نحو غير دقيق، اعتبرا أن المرحلة التي تمر بها البلاد «تتطلب وضوحاً في الطرح، وصدقاً في التوصيف، وتنسيقاً حقيقياً بين الأطراف الوطنية، لا الاكتفاء بإطلاق مبادرات لا تمر عبر قنوات الحوار المؤسسي».
وأكد البيان انفتاح المجلس الرئاسي على أي مسعى في إطار التوافق الوطني، ومناخ الثقة والتنسيق، بدلاً من خلق «تصورات قد تربك المشهد وتعطي انطباعات لا تعكس الواقع».

واستغل المنفي لقاءه برئيس أركان القوات الموالية لحكومة الوحدة، محمد الحداد، الأربعاء، لمطالبته مجدداً بـ«ضرورة استتباب الأمن، وتحقيق الاستقرار والسلام في العاصمة طرابلس، والعمل على استمرار تثبيت وقف النار». وأوضح المنفي أن الحداد أحاطه بآخر أعمال اللجنة المكلفة من قبل المجلس الرئاسي بشأن تثبيت وقف إطلاق النار، وتفعيل الترتيبات الأمنية بالعاصمة.
