كانت الأبواب والشبابيك - ولا تزال- أكثر من مجرد تفاصيل معمارية بالنسبة للفنانة التشكيلية المصرية، أميمة السيسي، فهي تحمل في طياتها سحراً خاصاً أسرها منذ الصغر، وجعلها ترى فيها رمزاً للحكايات والتاريخ، لذا ترسمها بشغف كبير، وفق رؤية فنية تتعدى مجرد الخطوط والألوان، فلا تقدم مجرد لوحات فنية، بل تفتح للمتلقي «أبواباً» على الحياة المصرية، و«نوافذ» على الروح الشعبية، أو تأخذه في إطلاله عبر «المشربيات» على مشاعر إنسانية عميقة، تحكي بها أحياناً مشاهد صامتة، وأحياناً أخرى تفاصيل ناطقة من تاريخ مصر الشعبي.
في مجموعة فنية سابقة حملت عنوان «أبواب بهية»، استكشفت أميمة السيسي الأبواب العتيقة والتراثية المنتشرة في أنحاء مصر، وما تخفيه خلفها من ذكريات وحكايات لا تنتهي. في حين واصلت عبر مجموعتها الفنية الأحدث «طَـلّة من الشباك»، التي احتضنتها دار الأوبرا المصرية، قبل أيام، رحلتها الفنية مع العمارة المصرية، حيث تأملت في جماليات النوافذ المصرية القديمة، وما تحمله من دلالات تتجاوز كونها مجرد فتحات في الجدران.

تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: «الأبواب والنوافذ ليست فقط حدوداً بين الداخل والخارج، إنها أفق مفتوح على الأمل، على العالم، وعلى الهوية المصرية، وعلى الحكايات التي لم تُروَ بعد، من خلالها نراقب الحياة، فهذه الفتحات المعمارية، تختزن خلفها - سواء كانت مفتوحة أو مغلقة- قصصاً وحكايات لا نهاية لها، ومن خلال لوحاتي أترجم شغفي بها إلى أعمال فنية تحكي قصة هذه العناصر المعمارية الفريدة، بكل ما تمثله من معانٍ ودلالات في الوجدان الشعبي المصري، إلى جانب استكشاف تراثها وجمالياتها، مُقدِّمة دعوة للتأمل في القيم الجمالية الصامتة لهذه التفاصيل المعمارية البسيطة، التي تحمل في طياتها الكثير».
منذ سنوات عمرها الأولى انجذبت الفنانة المصرية إلى العمارة في القاهرة الفاطمية، فالأبواب والنوافذ والمشربيات «دقيقة الصنع» التي تصادفها في جولاتها بشارع المعز وحارات مصر القديمة «تدهشها وتستوقفها»، ويحفّزها جمالها الحرفي على نقلها تشكيلياً بأشكالها الأصلية عبر إظهار مفرداتها وإبراز تفاصيلها، على سبيل التوثيق لجزء يعبر عن الهوية والتراث المصري، مؤكدة مسؤولية الفنان التشكيلي في توثيق هذا التراث غير المادي.
تنسج أميمة لوحاتها بروح مستوحاة من نبض الحياة المصرية وتقاليدها، وتطلق العنان لخيالها أيضاً في تتبع الحكايات التي كانت تدور وراء هذه النوافذ والأبواب، ومن بين هذه الحكايات؛ لوحة لأطفال وهم يحاولون من وراء النافذة اقتناص نظرات من احتفال السيدات، وأخرى لمرأة تطل من نافذتها حالمة في ليل القاهرة، ومجموعة نساء يتجاورن في إطلالة من النوافذ والمشربيات الخشبية على القاهرة التاريخية، بما تمتلئ به من نشاط وحركة دائمة، إلى جانب لوحات أخرى تطل بها الفنانة من خلال «نوافذها» على الحياة التقليدية التي يحياها المصريون، بأفراحها وأحلامها وممارساتها اليومية.

وفي لوحات أخرى، تترك الفنانة عمداً دلالات ومعاني مفتوحة لتفسيرات المتلقي، فهي لا تفصح عنها بل تترك له حرية «لينسج في خياله الحكاية كما تحلو له».
ترى الفنانة أن النوافذ وكذلك الأبواب لعبت أدواراً محورية في السينما والمسرح المصري، وكانت البطل في الكثير من الأغنيات الشعبية، حيث تغنى بها العديد من المطربين، وهو ما ألهمها لتقديم لوحتين في المعرض تحملان كلمات من هذه الأغاني، مثل: «يا مّه القمر ع الباب» (للمطربة فايزة أحمد) و«يا حلو صَبَّح يا حلو طُل» (للمطرب محمد قنديل)، مما يربط عملها التشكيلي بالذاكرة الفنية للمتلقي.

تركز الفنانة على ارتباط المرأة بعناصر العمارة المصرية، فطَـلّة المرأة منها هي «انفتاح على العالم من حولها، وانطلاق لأحلامها وتطلعاتها ومشاعرها»، أو قد تعيش عبرها حالة من الهدوء النفسي والتأمل مع أفكارها، لا سيما في سكون الليل.
يتنوع استخدام الفنانة للألوان الزيتية والأكريليك بما يخدم رؤيتها الفنية في نقل تفاصيل البيئة المصرية بدقة، فهي تلجأ لألوان «مبهجة» لإبراز حالة السعادة والبهجة التي تعكس النشاط والحركة في الشوارع القديمة، وتوظف الألوان «الدافئة» لإظهار عبق الأبواب والنوافذ والمشربيات الخشبية، بينما تظهر الألوان «الهادئة» عند التعبير عن المشاعر، حيث تتناغم جميع هذه الألوان لتشكل مشاهد الحياة المصرية.


