استعادت العاصمة الليبية طرابلس حالة الهدوء والاستقرار النسبي، الأحد، بعد أن كانت شهدت تجدد المظاهرات الشعبية المناوئة لحكومة «الوحدة» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فيما وصفت منظمات حقوقية مظاهرة مؤيدة بـ«المسيسة والمدفوعة من الحكومة عبر استخدام المال العام والضغط على موظفي الدولة».

ووثقت وسائل إعلام محلية عودة الحركة الطبيعية إلى شوارع العاصمة ورفع مظاهر الاحتجاج التي استمرت حتى ساعة مبكرة من صباح الأحد، وتخلل ذلك إغلاق الطريق الساحلي في صرمان غرب طرابلس بالإطارات المشتعلة.
وقال مسؤول الإعلام بشركة الخدمات العامة، في تصريحات صحافية، إن فرقها عملت منذ فجر الأحد على تنظيف وإزالة الأتربة والمخلفات في شوارع طرابلس، وإن «حركة السير باتت طبيعية».
وكانت الاحتجاجات قد تجددت في طرابلس ومناطق عدّة بالمنطقة الغربية، عقب ما وصفته تقارير محلية، بـ«فضيحة رِشا المظاهرات في ظل تردي الوضع المعيشي للمواطنين».

وشهد ميدان الشهداء بوسط طرابلس، مساء السبت، مظاهرة مؤيدة لحكومة «الوحدة»، تحت شعار: «لا للميليشيات نعم للدولة»، حيث أعلن المتظاهرون في بيان دعمهم للحكومة في تفكيك الميليشيات وبسط الأمن، وطالبوا «المجلس الرئاسي» بحل «جهاز الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة، وإنهاء التشكيلات المسلحة، والإفراج الفوري عن المعتقلين خارج إجراءات النيابة العامة، وإخلاء المعسكرات داخل طرابلس.
ووفقاً للقطات مصورة متداولة، فقد اعترف مشاركون في هذه المظاهرات بحصولهم على مقابل مادي للمشاركة فيها والتظاهر لتأييد الدبيبة، وقالوا إنه «تم جلب المتظاهرين من خارج طرابلس في حافلات، بالإضافة إلى دخول عناصر (اللواء 444 قتال) للميدان كأنهم متظاهرون مدنيون داعمون للدبيبة».
وكانت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» اتهمت الدبيبة بـ«إجبار موظفي مؤسسات الدولة المدنيين على التظاهر لصالحه»، ووصفت ذلك بأنه «سابقة لم تعرفها البلاد حتى في أشد عصورها ظلمة واستبداداً وديكتاتورية».

وقالت المؤسسة إنها تلقت «بلاغات وشكاوى موثقة من موظفين مدنيين في كثير من الوزارات والقطاعات الحكومية تعرضوا لضغوط مباشرة، وتهديدات صريحة باتخاذ إجراءات تعسفية بحقهم، في حال عدم المشاركة، بما في ذلك التهديد بالفصل والنقل وإيقاف المرتبات، لإجبارهم على التظاهر دعماً للدبيبة».
وعدّت، أن هذا المشهد يُعيد إلى الأذهان «أسوأ صور القمع والاستبداد والتسلط السياسي، ويؤكّد أن الحكومة تدفع بالدولة الليبية نحو هاوية الاستعباد السياسي، وامتهان كرامة وآدمية الإنسان وحريته في اختياراته وقراراته السياسية».
كما نقلت «المنظمة الليبية لحقوق الإنسان» عن شهود عيان من «ساحة الشهداء» بطرابلس، إشراك طلاب مدارس وأطفال في المظاهرات لدعم الدبيبة في مخالفة صريحة لاتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الدولة الليبية، بالإضافة إلى استغلال الشباب وتوجيههم عبر حوافز مالية.
وقالت إن هذه المظاهرات «انحرفت عن مطالبها الأصلية، واستخدمت لأغراض سياسية ضيقة ما يُضلل الرأي العام ويشوّه المسار الديمقراطي»، مشيرة إلى أن «استمرار حالة الفراغ السياسي والفوضى المؤسساتية في ليبيا، هو بيئة خصبة لمثل هذه الانتهاكات، حيث باتت الأطراف المتنازعة تتلاعب بمصير الشعب الليبي».
وطالبت المنظمة «بفتح تحقيق شفاف ومستقل في التجاوزات التي شهدتها المظاهرات الأخيرة، ومنع الزج بالأطفال والمؤسسات التعليمية في أي نشاط سياسي، ومحاسبة الجهات التي ثبت تورطها في الاستغلال والتحريض»، كما دعت جميع الأطراف إلى «تغليب مصلحة البلاد والابتعاد عن استغلال الحراك الشعبي في معارك السلطة».

ولم تعلق حكومة «الوحدة» أو رئيسها على هذه الاتهامات، لكنها وفي محاولة للإيحاء بعودة الأمور إلى وضعها الطبيعي، أعلنت مساء السبت، أن الدبيبة وجه وزارة الداخلية للسماح بإقامة المباريات المتبقية من الدور السداسي في مسابقة الدوري الليبي الممتاز لكرة القدم بحضور جماهيري.
وتحدثت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، عما وصفته بانتشار أمني مكثف للقوات التابعة بها، من خلال انتشار الدوريات في مختلف المناطق الحيوية داخل العاصمة.
وأدرجت هذا الانتشار في إطار جهودها «لحماية الممتلكات العامة والخاصة، وتعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين، وترسيخ دعائم الاستقرار داخل المدينة»، مؤكدة على استمرار تنفيذ الخطة الأمنية المشتركة، «والتعامل الحازم مع أي تهديدات أمنية، بما يضمن سلامة المواطنين والحفاظ على النظام العام».




