محمد سمير ندا: أفضّل أن أعيش كالخفاش بعيداً عن الأضواء

دور نشر كبرى رفضت روايته الفائزة بجائزة «البوكر»

محمد سمير ندا
محمد سمير ندا
TT

محمد سمير ندا: أفضّل أن أعيش كالخفاش بعيداً عن الأضواء

محمد سمير ندا
محمد سمير ندا

رافق فوز الكاتب المصري محمد سمير ندا بـ«الجائزة العالمية للرواية العربية»، المعروفة إعلامياً باسم «البوكر»، عن روايته «صلاة القلق» كثير من الجدل واللغط على نحو لم يتوقف حتى الآن، إثر الكشف عن أن دور نشر كبرى رفضت قبول العمل، الذي صدر لاحقاً عن دار «مسكلياني» التونسية.

امتد الجدل ليشمل مضمون الرواية باعتبارها تحمل «سردية هجائية» لعصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. واحتفى البعض بالعمل باعتباره أول نصّ مصري يفوز بالجائزة الشهيرة منذ عام 2009 حين فاز بها يوسف زيدان عن روايته «عزازيل»، ورأى البعض الآخر أن العمل الفائز يشوبه بعض نقاط الضعف أسلوبياً وجمالياً.

في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، يؤكد ندا احترامه لكل الآراء وتقديره لمختلف الانطباعات، لكنه لا يخفي استغرابه وأسفه ممن هاجموا العمل بشراسة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءته مكتفين بالأقاويل المرسلة.

> ربط البعض بين تأثرك ودموعك لحظة الإعلان عن فوزك بالجائزة، وبين رفض العديد من دور النشر المصرية المرموقة نشر العمل، برأيك لماذا تم رفض الرواية مصرياً؟ ولماذا تحمس لها الناشر التونسي؟ وهل كان هذا سبب تأثرك؟

- كان تأثري اشتياقاً لأبي الراحل، فقد كان هو أكثر من تمنيت وجوده في هذه اللحظة، والعبارة التي غرقتْ آنذاك في دموعي ولم تُسمع جيّداً كانت «هذه الجائزة لسمير ندا».

أما ما يخص اللغط حول دور النشر فلا بد من توضيحه، رُفضت الرواية من دور مصرية وعربية، والرفض هنا بلغني بالاعتذار الصريح عن النشر، وهو أمر أحترمه وأقدره، إذ لست مختلّاً حتى ألوم دور النشر إذا ما قررت عدم نشر روايتي.

ما أزعجني وآلمني كان تجاهل بعض دور النشر وعدم اهتمامها بالرد علىّ ، وقد واجهت هذا الأمر من دور مصرية وعربية كذلك، ولكنه أبداً لم يكن سبباً في تأثري، فلا يمكن أن أبكي لو رفضت بعض دور النشر نصي، حيث سبق أن واجهت الحالة ذاتها في روايتي السابقة «بوح الجدران».

أما ما يخص إيمان «مسكلياني» بالنص فهذا أمر يُسأل عنه الناشر بالأساس، ولكن، منطقيّاً، كنت محظوظاً إذ آمن الناشر بالنص وبكاتبه، حتى بات بيننا اليوم عقد مفتوح الأمد لكل ما سأكتبه لاحقاً، لو كان في العمر بقيّة.

> «صلاة القلق» هي النص الثالث في مسيرتك الإبداعية... هل تتعمد أن تكون قليل الإنتاج، ألا يمكن الجمع بين الغزارة والجودة في الإبداع معاً؟

- الفكرة أنني أمارس الكتابة كلعبة أستمتع بها، والبعض يتعجّب عندما أقول إنني لست ممن يتعجّلون النشر، يبدو الأمر كادعاء للزهد والمثالية، وهو ما لا أستطيع أن أثبته إلا من خلال النصوص المنتهية لديّ، والتي لم تُنشر بعد.

بالفعل أنا قليل الإنتاج، نظراً لما شرحته الآن، وكذلك لأنني أؤمن أن المنجز الأدبي للكاتب لا يُقاس «بالمتر»، أي عدد النصوص، إنما بجودة هذه النصوص وعمرها. على سبيل المثال، أنا أرى أن أستاذنا محمد المنسي قنديل من أهم وأعظم الكتاب العرب المعاصرين، ولكن من حيث الإنتاج ربما يكون عدد أعماله أقل من بعض الكتاب الشباب. الجمع بين الجودة والغزارة يستلزم تفرّغاً للكتابة، وبالنسبة لي هذا أمر شبه مستحيل.

> يأخذ البعض على لغة الرواية أنها جاءت محملة بـ«بلاغة قديمة» أعاقت حيوية الحدث والشخصيات عبر تعبيرات من نوعية «أطلقت سراح الجواد الهرِم في صدري» و«محرر ألسنة الصامتين»... كيف تعلق على تلك الملاحظة؟

- أحترم كل الآراء، وأرى أن لغة الرواية بمثابة العمود الفقري لكل نص، ولكل كاتب هويّته اللغوية وأسلوبه وذائقته المختلفة عن الآخر. وفي النهاية، تتنوع ذائقة المتلقي كما تتنوع ذائقة الكاتب، ولكل متلقٍّ كل الاحترام. الأمثلة التي ذكرتها تحديداً لا أرى بها أي بلاغة قديمة، عبارات واضحة ومفهومة، هذا بالنسبة لي ووفق وجهة نظري، ولكن قد يرى بها آخرون لغة قديمة وميتة، في كل الحالات أحترم وجهات النظر، ومن حسن الحظ أن أغلبية القراء لم تستوقفهم اللغة، وأن لجنة التحكيم عدّت اللغة في «صلاة القلق» من عناصر قوة النص.

> تعدّ أجواء نكسة 1967 المحرك الأساسي للعمل، على غرار روايات سابقة اشتغلت على نفس الموضوع، مثل: «بيوت وراء الأشجار» لمحمد البساطي، و«الصيف السابع والستون» لإبراهيم عبد المجيد، و«67» لصنع الله إبراهيم، و«الأسرى يقيمون المتاريس» لفؤاد حجازي، ما ملامح الاختلاف التي يحملها نصّك من وجهة نظرك؟

- أنتِ ذكرتِ أمثلة لأعمال كُتّابٍ عظماء، لا يمكن أن أضع نفسي في مقارنة معهم، ولكن أعتقد أن أي كاتب، أيّاً كان عمره أو مهما كان منجزه الأدبي، يكتب بخطٍّ مختلف عمّن سبقه وعمن سيأتي بعده. بالتالي، قد نقرأ 100 رواية عن ذات الحرب، ولكن سيظل لكل منها ما يميّزه، ثم يأتي الزمن ليحكم على هذه الروايات، فيمنح بعضها الخلود، ويضع بعضها فوق أرفف النسيان. عن نفسي أتمنى أن تعيش «صلاة القلق» طويلاً، كما عاشت أعمال الأساتذة الكبار الذي أشرتِ لهم.

> تلعب الرواية على فكرة عزل الشخصيات في المكان من خلال «نجع المناسي» المنفصل عن العالم، الذي يعيش فيه سكان يتعرضون لأشكال مختلفة من القهر في أجواء فانتازية... ألا تعتقد أن تلك «الثيمة» تكررت أصداؤها عربياً وعالمياً في روايات وأفلام سينمائية مختلفة؟

- صحيح، ولكن الأفكار لا تموت، ولا تُستهلك كما يُشاع أحياناً، طالما ظل التناول مختلفاً، والتقنيات في تباين وتطور مضطردين. على سبيل المثال، لن يتوقف الأدب العربي عن الكتابة عن الحب المستحيل أو عن القضايا النسوية أو عن سلطة الدين، رغم أن هناك مئات الروايات التي تناولت هذه الثيمات، فالمهم هنا هو أن يكون الطرح مختلفاً، والخط مغاير.

> كثيرون يرون أن الرواية تعدّ «هجائية سردية» تنال من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر... ألم تتخوف من إثارة حفيظة «الناصريين» في العالم العربي ضدك؟

- هل قرأ المعترضون، الذين أحترم المهذبين منهم، رواية «الكرنك» على سبيل المثال لصعوبة الحصر؟ هل شاهدوا الفيلم المأخوذ عن الرواية؟ هل شاهدوا فيلم «البريء» أو فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس»؟ المؤسف هنا أن هناك من ينتقد قبل أن يقرأ، ويرتكز في هجومه على نظرية «قالوا له» التي أطلقها بسخرية الفنان عادل إمام.

الرواية تتناول الهمّ العربي، والقلق الذي فرض علينا منذ 1948، وتتخذ من الفترة بين عامي 67 و77 فضاءً زمنياً للحكاية، ومن قرأ الرواية سيعرف أن الديكتاتور الحقيقي الوحيد في الرواية كان شخصية «خليل الخوجة» الذي لا يمت للنظام الحاكم بأي صفة، وكل ما نسب إلى الرئيس جمال عبد الناصر في النصّ كان وهماً فرضه «الخوجة» على الناس بسطوة الإيهام.

ولكن مرة أخرى، مهاجمة ناقد لنصّ قبل أن يقرأه هي سقطة كبيرة في حق النقد الأدبي في مصر، إذ لا يستقيم أن يُصاب ناقد أو نفر من النقاد بهذه الحالة من التعجّل وسرعة إطلاق الاتهامات قبل قراءة أي نص.

> هل أنت مستريح لهذه الضجة التي أحدثتها الرواية ما بين «مع أو ضد»؟

- بسبب ما ذكرتُه للتو، لم أخشَ أي ردّة فعل من أي تيار ينتمي لآيدولوجيّة بعينها، لأنني لم أتوقع هذا القدر من سوء الظن والفهم. وبصراحة؛ لو توقعته لما غيّرت حرفاً في ما كتبت، لأن هذا ما أراه وما أردت قوله.

الجدل بين «مع أو ضد» لا يريحني، فأنا شخص يحبّ أن يعيش كخفاش عندما يتعلق الأمر بالكتابة، لا أحب الضوء وإن كان قد فُرض عليّ الآن لفترة، أؤكد أنها مؤقتة، يقول أصدقاء إن كل جدل هو في صالح الرواية وانتشارها في نهاية المطاف، وأنا أقول إنني لا أحب هذا الجدل ولا أستحسنه على الإطلاق، وأودّ لو تنتهي آثار الفوز بالجائزة في أقرب فرصة.

> لكن الجدل حول الرواية وضعك فجأة في بؤرة الحدث وجعلك، وفق التعبير الشهير، «رجل الساعة» في الأوساط الثقافية؟

- عندما أتابع هذا الجدل لا أشعر بالارتياح، أحرص أن تكون متابعتي من مسافة أمان، كأنه لا يخصني، الجدل يدور في الوسط الثقافي المصري وأنا خارج الوسط لأسباب شخصية تتعلق بمشاغل الحياة وظروف العمل، علاوة على سماتي الشخصية التي تنهض على القلق والخجل والرغبة في الانعزال والابتعاد عن بؤر الصراع. الآن أرى اسمي في بؤرة صراع مُختلق، فأتابع، أحزن أحياناً حين يسبّ أحدهم أبي مثلاً، بسبب تأويلات للنصّ سمع بها فلم يكلف نفسه عناء القراءة، وأضحك أحياناً حين تصادفني أمور تجافي أسس المنطق واللياقة في ذات الوقت.

> أنت إذن لم تتابع كل ما كُتب أو أثير؟

- اللطيف أنني لا أتابع الجدل بصفة يوميّة، ولا أسعى وراء الإساءات، لكنها تردني من أصدقاء يرسلونها لي كل يوم، فأحرص على الاحتفاظ بها، كي لا أنسى كيف يُقرأ ويُفسر أو «يؤدلج الأدب» في مصر من جانب البعض، كما أنني حريص على الاحتفاظ بحقّ الردّ وقتما أقرر ذلك.

وحتى لا أضخّم الأمر أو أمنحه أكثر مما يستحق، المسيؤون لا يتجاوزون نسبة 1 في المائة ممن قرأوا النص، بينما الغالبية سعيدة بالنصّ، وبفوز رواية لكاتب مصري بأكبر جائزة عربية.

> سبق أن وصفت روايتك «بوح الجدران» بأنها نوع من «قتل الأب» بالنسبة إليك، بمعنى التحرر من تأثير والدك عليك كمثقف معروف تريد الخروج من جلبابه. كيف ذلك؟ وهل تنوى قتل «آباء آخرين» من رواد الأدب العربي، من الأجيال السابقة؟

- ما أقصده أن تلك العبارة التي تذكرينها هنا قيلت في سياق مجازي محدد، وليس بالمعنى الواقعي طبعاً، كما أنها لا تمتد إلى تجاربي في الرواية كلها، وإنما تقتصر على عمل محدد بعينه. وللأسف، فإن البعض ظنّ أنها قيلت بمناسبة صدور رواية «صلاة القلق»، وهذا ليس صحيحاً، كما أن البعض الآخر عدّها مقياساً يحدد علاقتي بالأجيال السابقة، بما فيهم من أساتذة ورواد، وهذا أيضاً ليس صحيحاً.

لقد قصدت في حينها أنني تخلّصت من طيف أبي - رحمه الله - عندما كتبت حكايته، إثر ذلك شعرت بأنني أخفّ وزناً، وأكثر حريّة في التعبير عن نفسي. المقصد إذن هو التحرر من طيف والدي الذي يسكنني، وليس الخروج من عباءته، لأن انتمائي له سيظل وساماً ما حييت. المؤكد هنا هو أنني لا أسعى إلى قتل أيّ أدباء، ولا أفكر في قتل أيّ من رواد الفكر العربي.

> أخيراً، تنقلت منذ مولدك بين مدن مختلفة وأسفار عديدة... إلى أي حدّ انعكس ذلك على تجربتك إنسانياً وإبداعياً؟

- الكتابة ابنة التجربة، ومن الحتمي أن تكون تلك المحطّات قد تركت في نفسي أثراً ما، ربما لا يمكنني أن أحيط بهذا الأثر مستنداً إلى عقلي الواعي، فالأثر الحقيقي مطويّ في حقائب الذاكرة المصفوفة في العقل الباطن، لذلك فأنا أقدر على تلخيصه واستيعابه عندما أقرأ ما كتبت.

على سبيل المثال، القلق جزء من تكويني الخاص، وهو أحد مضارّ الغربة المستمرة، حالة عدم استقرار ولا يقين مستمرة، ويبدو أنني حتى بعد عودتنا واستقرارنا في مصر، لم أتخلّص تماماً من الغربة.

من ناحية أخرى، أدعي أن تنقلي بين أكثر من بلد عربي ساهم في اهتمامي بالأدب العربي في العموم، هكذا نشأت متحرّراً من حالة الانغلاق على الأدب المصري، تلك الحالة التي سيطرت على كثيرين، فأثّرت على منجزهم الأدبي بطريقة ما، وبدرجات متفاوتة. وعن نفسي؛ أعتقد أن هذا الانفتاح على الآخر قد ساهم في تكوين هويّتي كشخص يهوى الكتابة، كما أثرى المعجم اللغوي الخاص بي، نتيجة القراءات لمختلف الأدباء العرب المنتمين إلى مراحل زمنية مختلفة.


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.