بيع «إيكونوميست» و«فايننشيال تايمز» بمبالغ خيالية.. الصحف الورقية بخير

«نيويورك تايمز»: ربما تتعرض الصحيفة الورقية لظلم كبير عند مقارنة نجاحها بنسبة دخلها من الإعلانات

بيع «إيكونوميست» و«فايننشيال تايمز» بمبالغ خيالية.. الصحف الورقية بخير
TT

بيع «إيكونوميست» و«فايننشيال تايمز» بمبالغ خيالية.. الصحف الورقية بخير

بيع «إيكونوميست» و«فايننشيال تايمز» بمبالغ خيالية.. الصحف الورقية بخير

كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» عن بيع كل من مجلة «إيكونوميست» وصحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانيتين الشهر الماضي بمبالغ خيالية. وقالت ما معناه: «الصحف الورقية بخير». وأضافت، على لسان مسؤول في نفس الصحيفة، أنها هي نفسها ليست للبيع. لكن، إذا عرضت للبيع، ستدر مبلغا خياليا.
وكانت شركة «بيرسون» البريطانية باعت «فايننشيال تايمز» لشركة «نيكي» الإعلامية والاستثمارية اليابانية بمليار وثلث مليار دولار. ثم باعت نصيبها في «إيكونوميست» بثلثي مليار دولار. وهكذا، درت على نفسها ملياري دولار تقريبا. ولا يعرف ماذا ستفعل بهذا المبلغ الكبير، ويعتقد أنها تريد التركيز على نشر الكتب المدرسية، وهو مجال تخصصها الأول.

غير أن شراء شركة يابانية لصحيفة «فايننشيال تايمز» العريقة أثار نقاشا وسط البريطانيين حول استمرار حياد ونزاهة الصحيفة. لكن، قال جون فالون، مدير تنفيذي شركة «بيرسون»: «منذ 60 عاما تقريبا، ظللنا الملاك الفخورين لهذه الصحيفة العملاقة المحترمة. لكن، وصلنا إلى نقطة انعطاف في وسائل الإعلام، وذلك بسبب النمو الهائل للإعلام الإلكتروني، وخاصة الإعلام الجوال. لهذا، في هذه البيئة الجديدة، رأينا أن أفضل طريقة لضمان نجاح (فايننشيال تايمز)، صحافيا وتجاريا هو أن تكون جزءا من شركة إعلامية إلكترونية عالمية (نيكي)».
وهب مسؤولون في شركة «نيكي» اليابانية، ودافعوا عن شراء الصحيفة. وقالوا: إنهم تعهدوا بالمحافظة على استقلاليتها، ونزاهتها. لكن، يشمل اتفاق الشراء على زيادة تغطية الأخبار الآسيوية، وخاصة اليابانية.
كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» عن هذه الصحيفة. وكتبت، أيضا، عن مجلة «إيكونوميست»، وقالت: إنها هي الأخرى عريقة، ونزيهة، وتستحق أن تكون قيمتها الحالية قرابة ملياري دولار. ونقلت على لسان بيل إيموت، الذي كان رئيس تحرير المجلة حتى عام 2006. قوله، مازحا، إن السبب هو كلمة «خطأ، شعار المجلة».
وشرح قصده: «تفترض إيكونوميست أن قارئها ذكي، ويقدر على قراءة موضوع ما، تعب فيه المراسلون والمحررون، ثم يقول: (هذا خطأ)».
وقال كلايف كروك، الذي كان صحافيا في المجلة لمدة 23 عاما حتى عام 2005، مازحا أيضا: «كنا نقول: إن سر نجاحنا هو أننا نقدم مواضيع بسيطة، ثم نبالغ فيها».
وقالت «نيويورك تايمز» إن من أسباب نجاح المجلة هو «تلك النكهة البريطانية».
في كل الحالات، كما قالت الصحيفة، تظل «إيكونوميست» و«فايننشيال تايمز» مثالين بأن الصحافة الورقية تظل بخير. أو، على الأقل، الصحافة الورقية الجادة.
لكن، حسب تقرير نشرته، في الصيف الماضي، مجلة «فورشن» (لرجال الأعمال)، صارت شركات الإعلان تبتعد تدريجيا عن الصحافة الورقية، وذلك بسبب ابتعاد القراء عنها. قسم التقرير نسبة الوقت الذي يقضيه الأميركي في الاطلاع على وسائل الإعلام مع نسبة صرف الشركات على إعلاناتها. وهو كالآتي:
أولا: التلفزيون: 37 في المائة من نسبة الوقت، مقابل 41 في المائة من نسبة الصرف على الإعلانات.
ثانيا: الإنترنت: 24 في المائة من نسبة الوقت، مقابل 23 في المائة من نسبة الصرف على الإعلانات.
ثالثا: التليفون الجوال: 24 في المائة من نسبة الوقت، مقابل 6 في المائة من نسبة الصرف على الإعلانات.
رابعا: الصحف الورقية: 4 في المائة من نسبة الوقت، مقابل 18 في المائة من نسبة الصرف على الإعلانات.
خامسا: الإذاعة: 11 في المائة من نسبة الوقت، مقابل 11 في المائة من نسبة الصرف على الإعلانات.
لهذا، توقعت مجلة «فورشن» أن شركت الإعلانات ستركز على التليفون الجوال لزيادة إعلاناتها (بسبب زيادة وقت استعماله). ولن تغير سياساتها بالنسبة للتلفزيون، والإذاعة، والإنترنت (بسبب التساوي تقرييا بين الوقت والصرف). لكنها لا بد أن تقلل من الإعلانات في الصحف الورقية (بسبب الفرق الكبير بين كثرة الإعلانات فيها وقلة وقت قراءتها).
وقال جوش بنيتون، أستاذ في مركز «نيومان» للأبحاث الصحافية في جامعة هارفارد، إن نسبة وقت قراءة الصحف الورقية ظلت تقل خلال السنوات العشر الأخيرة. في عام 2005، كانت 21 في المائة، وفي عام 2008، صارت 12 في المائة، وفي عام 2011. صارت سبعة في المائة، وفي العام الماضي صارت أربعة في المائة.
لكن، جادل بنيتون في التركيز على الجانب الاقتصادي، وخاصة الإعلانات. وقال: إنه لا يكفي القول بأن نسبة الإعلانات يجب أن تكون متساوية، أو قريبة من نسبة وقت الاطلاع على وسائل الإعلام. وأشار إلى مجالات أخرى، تنجح فيها الصحف الورقية:
أولا: تركز الإعلان أكثر في ذهن القارئ.
ثانيا: تربط أكثر بين الإعلان والمحتوى.
ثالثا: تربط بين الإعلان الورقي والإعلان في مواقعها في الإنترنت.
كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، ربما تتعرض الصحيفة الورقية لظلم كبير عند مقارنة نجاحها بنسبة دخلها من الإعلانات. لكن، سيستمر هذا الوضع ما دامت الصحف تعتمد على الإعلانات. لهذا، اعتمادا على نجاح «فايننشيال تايمز» و«إيكونوميست»، يجب على هذه الصحف أن تعتمد، أيضا، على تقديم عمل أفضل للقارئ.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.