تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا الراحل انتقد كثيراً سياسات الرئيس الأميركي في الهجرة وحرب إسرائيل على غزة

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
TT

تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)

قدم الرئيس دونالد ترمب تعازيه في وفاة البابا فرنسيس وأمر بتنكيس الأعلام الأميركية في جميع المباني الحكومية؛ حداداً على رحيل بابا الفاتيكان، وأعلن أنه سيشارك مع زوجته ميلانيا ترمب في الجنازة السبت المقبل.

ولطالما كانت العلاقة بين البابا وترمب متوترة آيدلولوجياً؛ بسبب انتقادات البابا الصريحة والعلنية لسياسات ترمب في ولايته الأولى، وأيضاً في الشهور القليلة الماضية من ولايته الثانية. وتركزت الانتقادات على قضايا الهجرة والتغير المناخي ودور القومية في السياسة العالمية.

ففي بداية تولي البابا فرنسيس منصبه في عام 2013 أشاد به ترمب ووصفه بأنه رجل متواضع، وقال: «إنه يشبهني كثيراً». وحينما قام البابا فرنسيس بأول زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015 توقف في كاتدرائية القديس باتريك الشهيرة في نيويورك قبل ثلاثة أشهر من إعلان ترمب ترشحه للرئاسة وخوضه سباقاً ساخناً مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وخلال هذه الزيارة، أدلى البابا فرنسيس بتصريحات تقدمية حول قضايا الهجرة والتغير المناخي والعدالة الاجتماعية، كما أثار الجدل حول دعوته للرحمة والتسامح مع مجتمع المثليين.

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا في الفاتيكان (أ.ب)

الجدار الحدودي

وكان أول خلاف علني بينهما في فبراير (شباط) 2016، عندما تحدث البابا فرنسيس ضد حملة ترمب الانتخابية التي وعدت ببناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقال البابا للصحافيين أثناء عودته إلى روما من المكسيك: «إن الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران، أينما كانت، وليس بناء الجسور، ليس مسيحياً». وغضب ترمب غضباً شديداً من هذه التصريحات، ورد عليها قائلاً: «إذا تعرض الفاتيكان لهجوم من جانب تنظيم (داعش)، فإنني أعدكم بأن البابا كان ليتمنى ويصلي فقط أن يصبح دونالد ترمب رئيساً».

وعلى الرغم من تأكيد ترمب أنه «مسيحي فخور»، فإن ترمب ألقى باللوم على المكسيك بسبب تصريحات البابا، ووصف كلمات البابا البالغ من العمر 79 عاماً آنذاك بأنها «مخزية»، ووفقاً لمنشور على «فيسبوك» في فبراير 2016. قال ترمب: «لا يحق لأي زعيم، وبخاصة زعيم ديني، التشكيك في دين أو معتقد رجل آخر. إنهم يستخدمون البابا أداةً، ويجب أن يخجلوا من أنفسهم لفعلهم هذا، بخاصة في ظل هذه الأرواح الغفيرة وانتشار الهجرة غير الشرعية بهذا الشكل».

وبعد توليه السلطة في يناير (كانون الثاني) 2017، كان ترمب ينفذ سياسات تستهدف ترحيل ما يقرب من 11 مليون مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الانتقادات الأولية التي وجهها فرنسيس لترمب خلال دورة الانتخابات عام 2016، فقد التقى البابا والرئيس وجهاً لوجه لأول مرة في الفاتيكان في عام 2017. وبدا الاجتماع الذي استمر نحو 30 دقيقة ودياً على الرغم من الاختلافات الواضحة في وجهات نظرهما. وتبادل الطرفان الهدايا المعتادة، فقدم البابا فرنسيس لترمب رمزاً لشجرة زيتون ترمز إلى السلام ونسخاً من كتاباته، في حين قدم الرئيس للبابا مجموعة من الكتب لأيقونة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور.

وتكهن الكثير من المراقبين أن البابا فرنسيس، الذي وقف متجهماً بجوار ترمب المبتسم، لم يكن يريد مقابلة الرئيس الأميركي. لكن ترمب كتب عبر «تويتر» (إكس) في 24 مايو (أيار) 2017. وقال: «شرفٌ عظيمٌ لي أن ألتقي قداسة البابا فرنسيس. إنني أغادر الفاتيكان وأنا أكثر تصميماً من أي وقت مضى على تحقيق السلام في عالمنا».

وانتقد ترمب تواضع البابا فرنسيس وطالبه باحترام بروتوكولات الفاتيكان وكتب في مارس (آذار) 2013: «لا أحب رؤية البابا واقفاً عند مكتب الاستقبال في فندق لدفع فاتورته. هذا ليس من شيم البابا!».

في الولاية الثانية

قبل ساعات من تنصيب ترمب مرة أخرى في البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025، أرسل البابا فرنسيس رسالة إلى الرئيس القادم، متمنياً له الرخاء والازدهار في الولايات المتحدة، التي وصفها بأنها «أرض الفرص والترحيب بالجميع»، وطلب من ترمب «بناء مجتمع أكثر عدلاً، حيث لا يوجد مجال للكراهية أو التمييز أو الإقصاء».

لكن سرعان ما عاد البابا فرنسيس إلى إصدار توبيخات جديدة لسياسات ترمب في مجال الهجرة بعد أقل من شهر من تولي ترمب منصبه، وحذَّر البابا الأساقفة الأميركيين في رسالة من أن خطط إدارة ترمب للترحيل الجماعي «ستنتهي بشكل سيئ». كتب البابا في الحادي عشر من فبراير: «إن ما يتم بناؤه على أساس القوة، وليس على أساس الحقيقة حول الكرامة المتساوية لكل إنسان، يبدأ بشكل سيئ وسينتهي بشكل سيئ».

ألمح توم هومان، كبير مستشاري ترمب لشؤون الحدود، إلى أن البابا منافق وقال «لديهم جدار حول الفاتيكان. إذا دخلت الفاتيكان بشكل غير قانوني، فإن الجريمة خطيرة. ستُتهم بارتكاب جريمة خطيرة».

وقال ديفيد لانتيجوا، المدير المشارك لمركز كوشوا لدراسة الكاثوليكية الأميركية وأستاذ اللاهوت المساعد في جامعة نوتردام، لمجلة «نيوزويك» إن الكنيسة الكاثوليكية ترى أن حملة إدارة ترمب على الهجرة في ولايته الثانية «أكثر فظاعة» من ولايته الأولى. وتابع لانتيجوا: «مع التهديدات بالترحيل الجماعي، رفع أساقفة الولايات المتحدة بالفعل دعاوى قضائية ضد الإدارة الحالية بسبب خفض الدعم لبرنامج إعادة توطين اللاجئين».

وقال المؤرخ الكنسي ماسيمو فاجيولي إن التوتر الذي كان قائماً بين ترمب والبابا لم يكن له علاقة بالتقدمية التي يتبناها فرنسيس، بل كان له علاقة أكبر بخلفيته كونه يسوعياً من أميركا اللاتينية. وقال: «إنها تأتي من ثقافة كاثوليكية تنتقد بشدة القوة الأميركية في العالم، والفاتيكان، وبخاصة (أثناء حبرية فرنسيس)، اتخذ موقفاً لصالح الجانب الآخر من العالم».

وقد اختار ترمب أحد المنتقدين اللاذعين للبابا ليكون ممثله لدى الفاتيكان في ديسمبر (كانون الأول)، حيث اختار بريان بيرش، رئيس مجموعة الدعوة السياسية CatholicVote.org؛ ما زاد من التوترات بين الفاتيكان وواشنطن، حيث انتقد بيرش في قرار البابا عام 2023 الذي سمح للكهنة بمباركة المثليين جنسياً، وقال إن ذلك خلق «ارتباكاً» داخل الكنيسة. وتوقع السفير أيضاً أن البابا لن يظل في منصبه لفترة أطول، ووصف قيادة البابا فرنسيس بأنها تتسم «بنمط من الانتقام».

كامالا هاريس والإجهاض

واعترض الباب فرنسيس أيضاً على آراء نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال انتخابات عام 2024، قائلاً إنه لا يوجد فرق كبير بين الشخص الذي يريد ترحيل المهاجرين (ويقصد ترمب) والشخص الذي يدافع عن حق الوصول إلى الإجهاض.

وبعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قال البابا إن الفاتيكان سوف يراقب من كثب كيف يؤثر ترمب على التحالف عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا؛ لأن ذلك من شأنه أيضاً أن يؤثر على علاقة أميركا بالكنيسة الكاثوليكية.

وخلال الشهور الماضية انتقد البابا فرنسيس مراراً الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي كلمته الأخيرة يوم الأحد قبل وفاته، دعا البابا إلى وقف إطلاق النار في غزة ووصف الوضع في القطاع بأنه مأساوي ومؤسف، وقال البابا في كلمته التي قرأها أحد مساعديه بمناسبة عيد الفصح: «أدعو الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن وتقديم المساعدة لشعب جائع يتطلع إلى مستقبل من السلام».

الرئيس دونالد ترمب يلتقي البابا فرنسيس في الفاتيكان برفقة زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أ.ب)

والاثنين، بعد وفاة البابا عن 88 عاماً، نشر دونالد ترمب رسالةً قصيرةً على منصته «تروث سوشيال»، كتب فيها: «ارقد بسلام البابا فرنسيس! ليباركه الله وليبارك كل الذين أحبّوه».

ثم أعلن أيضاً، عبر المنصة، نفسها أنه سيشارك مع زوجته في الجنازة التي ستُقام السبت في الفاتيكان، في أول رحلة دولية له في ولايته الثانية. وكتب ترمب: «سأذهب مع ميلانيا إلى جنازة البابا فرنسيس في روما. نتشوَّق لذلك!».

واعتمد نائب الرئيس جي دي فانس، الذي اعتنق الكاثوليكية في عام 2019 والتقى رئيس الكنيسة الكاثوليكية الأحد، قبل ساعات من وفاته، أسلوباً مختصراً في رثاء البابا الراحل. وكتب عبر منصة «إكس»، «قلبي يتَّجه إلى ملايين المسيحيين في كل أنحاء العالم الذين أحبوه».

«رد فاتر»

وقال جون كار، مؤسس برنامج الفكر الاجتماعي الكاثوليكي والحياة العامة في جامعة جورج تاون، وهي مؤسسة يسوعية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «من المستحيل أن نتخيل زعيمين عالميَّين أكثر اختلافاً عن بعضهما بعضاً من ترمب وفرنسيس، في كل شيء، الأنانية مقابل التواضع، والاهتمام بالفقراء مقابل الاهتمام بالسلطة (...)، وهذا يتجلى في رد الفعل الفاتر من البيت الأبيض تجاه وفاته».

وكان الرئيس الأميركي الذي يصف نفسه بأنه مسيحي «دون انتماء» إلى مذهب محدد، أكّد في يوم تنصيبه أن الله «أنقذه» من محاولة اغتيال حتى يتمكَّن من وقف الانحدار العام الذي تعانيه أميركا.

وأنشأ «مكتب الإيمان» في البيت الأبيض، ونشر أخيراً صورةً يظهر فيها وهو يصلي في المكتب البيضاوي، محاطاً بقادة روحيِّين إنجيليِّين.

فانس والقديس أوغسطينوس

وقال توم هومان، الذي كلفه دونالد ترمب إدارة سياسات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين، والذي يعرّف عن نفسه بأنه كاثوليكي مثل جي دي فانس والناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت: «أود منه أن يركز على الكنيسة الكاثوليكية ويتركنا نتعامل مع الحدود».

وكان البابا فرنسيس يدعو في رسائله إلى ممارسة «أخوّة مفتوحة للجميع، دون استثناء»، بصرف النظر عن «الهوية الشخصية أو المجتمعية أو الوطنية».

وانتقد الحبر الأعظم خصوصاً التفسير القومي الذي كان يعتمده جي دي فانس لأحد مبادئ العقيدة الكاثوليكية المسمى «ordo amoris (نظام الحب)».

واستشهد نائب الرئيس بهذا المبدأ الذي وضعه اثنان من أهم علماء اللاهوت الكاثوليك، القديس أوغسطينوس والقديس توما الأكويني؛ لتبرير سياسة مكافحة الهجرة، مؤكداً أن الأعمال الخيرية يجب أن تفيد في المقام الأول المواطنين الأميركيين وليس الأجانب.

وقال جون كار: «لم أرَ قط بابا يصحِّح لسياسي بهذه الدقة»، مضيفاً: «لقد كان أمراً لا يُصدَّق».

ووصل الصراع بين إدارة ترمب ورجال الدين الكاثوليك إلى المحاكم أيضاً، فقد أقام «مؤتمر الأساقفة الأميركي» دعوى بسبب وقف تمويل برامج دعم اللاجئين التي تديرها الكنيسة.


مقالات ذات صلة

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الولايات المتحدة​ المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني…

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حفل في «معهد الولايات المتحدة للسلام» في العاصمة الأميركية واشنطن في 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

استراتيجية ترمب الجديدة تقوم على تعديل الحضور الأميركي في العالم

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي ترمب في استراتيجية جديدة أن دور الولايات المتحدة على الصعيد الدولي سينتقل إلى التركيز أكثر على أميركا اللاتينية ومكافحة الهجرة.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة من جامعة هارفارد الأميركية... الأستاذ الجامعي الذي أُلقي القبض عليه يدرّس في هارفارد (رويترز - أرشيفية)

اعتقال أستاذ جامعي في أميركا استخدم بندقية خرطوش قرب كنيس يهودي

ألقت سلطات الهجرة الأميركية القبض على أستاذ زائر في كلية الحقوق بجامعة هارفارد هذا الأسبوع، بعد أن اعترف باستخدامه بندقية خرطوش خارج كنيس يهودي في ماساتشوستس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (إ.ب.أ) play-circle

أميركا تخطط لزيادة عدد الدول على قائمة حظر السفر لأكثر من 30

قالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم، الخميس، إن إدارة الرئيس دونالد ترمب تخطط لزيادة عدد الدول التي يشملها حظر سفر إلى أكثر من 30 دولة.

الولايات المتحدة​ وزيرة العدل الأميركية بام بوندي (أ.ب)

وزيرة العدل الأميركية تكلف «إف بي آي» بإجراء تحقيقات تتعلق بالإرهاب الداخلي

أمرت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي، الخميس، سلطات إنفاذ القانون الاتحادية بتكثيف التحقيقات بشأن حركة (أنتيفا) المناهضة للفاشية وغيرها من «الجماعات المتطرفة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)

قُتل أربعة أشخاص في ضربة جوية أميركية ضد قارب يُشتبه في تهريبه مخدرات شرق المحيط الهادئ، في خضم مساءلات في الكونغرس حيال ما إذا كانت الولايات المتحدة ارتكبت جريمة حرب خلال هجوم في سبتمبر (أيلول) الماضي بجنوب البحر الكاريبي لاستهدافها شخصين نجوا من الضربة الأولى.

ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكو 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)

وأعلنت القيادة العسكرية الجنوبية في الجيش الأميركي وقوع الضربة الـ22 ضد «قوارب المخدرات» الخميس، وسط انتقادات متزايدة من المعارضة الديمقراطية للضربات التي بدأت في 2 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 87 شخصاً حتى الآن، من دون تقديم أي دليل على صلاتهم بتهريب المخدرات. وأفادت عبر منصات التواصل الاجتماعي بأنها استهدفت «قارباً في المياه الدولية تديره منظمة مصنفة إرهابية»، مضيفة أن «معلومات استخبارية أكدت أن القارب كان يحمل مخدرات غير مشروعة، ويعبر طريقاً معروفاً لتهريب المخدرات في شرق المحيط الهادئ». وأكدت «مقتل أربعة رجال من إرهابيي المخدرات كانوا على متن القارب».

ووقعت الضربة في وقت تواجه فيه إدارة الرئيس دونالد ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث انتقادات، بسبب عملية وجهت خلالها القوات الأميركية ضربة ثانية على قارب سبق أن قُصف في البحر الكاريبي، مما أدى إلى مقتل ناجيَين اثنين من الضربة الأولى. وقُتل 11 شخصاً في الضربتَين الأولى والثانية.

السيناتور مارك كيلي (أ.ب)

واحتدم الجدال الأسبوع الماضي عندما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن اثنين من الناجين من الضربة الأولى كانا متشبثين بقاربهما المشتعل، قُتلا في ضربة ثانية أذن بها هيغسيث.

وبعد مشاهدة مقطع فيديو قدمته وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى أعضاء من الكونغرس، وعُرض خلال جلسة مغلقة مع المسؤول عن العمليات الخاصة في القوات المسلحة الأميركية الأميرال فرنك برادلي، أكد كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب جيم هايمز، أن الضربة أدت إلى مقتل «بحّارَين غارقين»، موضحاً أن الفيديو يُظهر «شخصين من الواضح أنهما في حالة حرجة، من دون وسيلة تنقل، قتلتهما الولايات المتحدة»، ومشيراً إلى أن الأميرال برادلي قدّم «عناصر سياقية» في شأن قراره. وأضاف: «نعم، كان في حوزتهما مخدرات»، لكنهما «لم يكونا في وضع يسمح لهما بمواصلة مهمتهما بأي شكل من الأشكال».

صورة مجمّعة للرئيسين الأميركي ترمب والفنزويلي مادورو (أ.ف.ب)

ودافع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري توم كوتون عن القرار، واصفاً إياه بأنه «عادل». وأكد على غرار هايمز، أن الأميرال نفى تلقيه أمراً من وزير الدفاع بالقضاء على جميع البحارة على متن السفينة.

تأتي هذه الحملة العسكرية الأميركية في إطار تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ويتهم ترمب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنه زعيم كارتل لتهريب المخدرات. أما مادورو فينفي ذلك بشدة، مندداً بمحاولة الولايات المتحدة إطاحة حكومته بذريعة مكافحة تهريب المخدرات.

ومع استمرار هذا التوتر، تواجه فنزويلا عزلة جوية بعدما أعلن الرئيس ترمب إغلاق المجال الجوي لهذا البلد في أميركا الجنوبية، وبعدما علّقت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها حرصاً على سلامة طائراتها وركابها.

أنصار المعارضة الفنزويلية يشاركون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين الفنزويليين في بوغوتا بكولومبيا (رويترز)

ونشر ترمب تحذيراً جاء فيه: «كل شركات الطيران والطيارين وتجار المخدرات والبشر، يُرجى اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها مغلقاً تماماً».

وألغت شركتا «بوليفانا دي أفياسيون» و«ساتينا» الكولومبيتان رحلاتهما إلى كاراكاس الخميس، فيما مدّدت شركة «كوبا إيرلاينز» البنمية تعليق رحلاتها حتى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسبق أن علقت شركات «إيبيريا» و«تي إيه بي» و«أفيانكا» و«غول» و«لاتام» و«إير أوروبا» والخطوط الجوية التركية و«بلاس ألترا» رحلاتها إلى فنزويلا. واتهمت كاراكاس هذه الشركات بـ«الانخراط في أعمال إرهاب الدولة» التي تمارسها واشنطن، وألغت تراخيص تشغيلها.

ولا يؤثر إغلاق المجال الجوي الذي أشار إليه ترمب على الرحلات التي تقل مهاجرين رحّلتهم الولايات المتحدة إلى فنزويلا. ووصلت، الأربعاء، طائرة تقل عدداً من هؤلاء، وكان من المتوقع وصول طائرة أخرى الجمعة.


انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
TT

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أظهرت حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوسطاً المستشار الألماني فريدريتش ميرتس (يمين) ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز خلال اجتماع في جوهانسبرغ على هامش قمة العشرين... 22 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

المكالمة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ونقلتها لاحقاً غالبية الصحف الأميركية، لم تكن محادثةً بروتوكوليةً. فقد حذَّر ميرتس مما وصفها بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية. ورغم نفي باريس استخدام عبارات قاسية، فإن الرسالة الأوروبية باتت واضحة: لا ينبغي لأوكرانيا الدخول في تسوية مع بوتين بوعود عامة أو ضمانات غير مكتملة.

وردَّت موسكو بسخرية على ما نُسب إلى المستشار الألماني. وكتب كبير المفاوضين الروس كيريل دميترييف على منصة «إكس»: «عزيزي ميرتس، أنت لست حتى في اللعبة... لقد أخرجت نفسك من اللعبة عبر التحريض على الحرب، ونسف السلام، ومقترحات غير واقعية، وانتحار الحضارة الغربية، والهجرة، والغباء العنيد».

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوربيون آخرون يطالبون بتعديلات جذرية على الخطة الأميركية (رويترز)

ومن جانبه، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية في برلين: «أرجو تفهم أنني لا أعلق على تقارير إعلامية فردية. علاوة على ذلك، لا يمكننا من حيث المبدأ الإدلاء بمعلومات عن محادثات سرية».

وأشار المتحدث إلى تصريحات ميرتس في المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الاثنين الماضي. وكان ميرتس قد تحدَّث خلالها عن مكالمة هاتفية مشتركة مع الرئيس الأوكراني، والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وشركاء أوروبيين آخرين، وقال إنهم يحافظون على تماسك المجتمع عبر الأطلسي قدر الإمكان.

مصادر دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن الخشية الأساسية لا ترتبط فقط بسرعة التحرك الأميركي، بل بتصاعد شعور بأن واشنطن باتت تتعامل مع ملف الحرب بوصفها قوةً منفردةً، متجاوزةً شركاءها في «الناتو» والاتحاد الأوروبي. فاجتماعات المفاوضين الأميركيين الأخيرة في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وغياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن اجتماع وزراء خارجية «الناتو» الذي ناقش الخطة الأميركية، عزَّزا الانطباع بأن إدارة ترمب «تعمل أولاً وتتشاور لاحقاً»، أو «لا تتشاور إطلاقاً».

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس مع الرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)

الأوروبيون الذين يدفعون ثمن الحرب أمنياً واقتصادياً وسياسياً، يخشون أن يتحول أي اتفاق هش إلى عبء عليهم وحدهم إذا اختارت واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها أو اعتماد مقاربة براغماتية تجاه موسكو. ولهذا يطالب عدد من القادة، كما نقلت الصحف الغربية، بتوضيح صريح من الولايات المتحدة حول طبيعة التزاماتها الدفاعية تجاه كييف، وشكل الرد المشترك في حال خرق روسيا الاتفاق.

تصدعات داخل الغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مؤتمر صحافي في نيودلهي (إ.ب.أ)

التسريبات وحدّة النقاشات الأخيرة أعادت إلى الواجهة سؤالاً محورياً: هل بدأت تظهر شقوق فعلية داخل الجبهة الغربية بشأن كيفية التعامل مع موسكو؟ رغم التأكيدات الرسمية على وحدة الموقف، فإن الوقائع تكشف خلافات عميقة. الأوروبيون يعدّون الحرب تهديداً مباشراً لأمنهم، ويخشون أن أي تنازل غير مضمون سيشجع روسيا على اختبار صبر الغرب مجدداً. أما واشنطن، فتبدو أكثر تركيزاً على حساباتها العالمية، من ضبط التوتر مع الصين إلى موازنة الأزمات الإقليمية المختلفة، إضافة إلى هامش المناورة الذي يمنحه ترمب لنفسه بوصفه «وسيطاً مستقلاً» لا يمثل بالضرورة إجماع «الناتو».

هذا التباين تُرجم في مواقف ملموسة، كان أبرزها تقليص الاتحاد الأوروبي خطته لاستخدام مليارات الدولارات من الأصول الروسية المجمّدة، وترك جزء منها في الاحتياط قد تستغله واشنطن لاستمالة موسكو نحو الاتفاق. خطوةٌ فسّرها كثيرون على أنها مؤشر إلى هشاشة التنسيق داخل الغرب أكثر مما هي تنازل تكتيكي.

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس في حديث جانبي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك في لواندا بأنغولا بمناسبة القمة الأوروبية - الأفريقية (د.ب.أ)

زيلينسكي بين ضغط التفاوض وهشاشة الضمانات

الرئيس الأوكراني، المنشغل أيضاً بأزمة فساد داخلية هزّت فريقه، ظهر متحفظاً حيال الاندفاع الأميركي. فبعد التسريبات شدَّد زيلينسكي على ضرورة «الشفافية»، ملمّحاً إلى أنه لن يقبل بتكرار تجارب تفاوضية سابقة جرت من خلف ظهر أوكرانيا. كما أعاد التأكيد على أن كييف تحتاج إلى فهم «الأسس» التي ستقوم عليها الضمانات الأمنية، خصوصاً مع تداول مقترحات تتعلق بانتشار قوات أوروبية داخل أوكرانيا ضمن «قوة طمأنة» لا تزال تفاصيلها غامضة. هذا الوضع يضع كييف أمام معادلة معقدة: من جهة هناك ضغطان عسكري ومالي يفرضان التفكير في حلول سياسية، ومن جهة أخرى هناك خشية من أن أي خطوة غير محسوبة قد ترسم مستقبل البلاد الجيوسياسي لعقود طويلة.

وأجرى زيلينسكي، الخميس، محادثات مع مرشحين محتملين ليحلوا محل رئيس أركانه، أندريه يرماك، الذي استقال الأسبوع الماضي وسط تحقيق في فساد. وفي خطابه المصور الليلي، قال زيلينسكي إن المناقشات ركزت على كيفية عمل المكتب الرئاسي في المستقبل، والتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى. وقال:«سيتم اتخاذ قرار بشأن الرئيس الجديد للمكتب في المستقبل القريب». وتنحى يرماك، الحليف القديم للرئيس، بعد أن أجرت سلطات مكافحة الفساد عمليات تفتيش في مقره. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المداهمات مرتبطة بما وُصفت بأنها «أكبر قضية فساد في البلاد منذ بدء الحرب»، والتي تنطوي على رشاوى مزعومة في المشتريات المتعلقة بالطاقة.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ووزير الدفاع داخل البوندستاغ خلال جلسة التصويت على قانون التجنيد (رويترز)

جولة مباحثات أميركية - أوكرانية في ميامي

قالت قناة «سوسبيلن» التلفزيونية الأوكرانية الرسمية الجمعة، نقلاً عن مصادر في وفد كييف، إن المحادثات في الولايات المتحدة بين المبعوثين الأوكرانيين والأميركيين قد انتهت. وقام بتمثيل أوكرانيا في المحادثات التي أُجريت في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، رستم عميروف سكرتير مجلس الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة أندري هناتوف. وقال الرئيس الأوكراني، الخميس، إن الوفد الأوكراني بالولايات المتحدة يسعى لاستيضاح ما تمَّت مناقشته في موسكو، الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثَي الولايات المتحدة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر. وناقش مطلع الأسبوع الحالي فريق بقيادة عميروف في فلوريدا الخطوات المحتملة لإنهاء الحرب مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وويتكوف، وكوشنر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

ورغم ساعات طويلة من النقاش في موسكو، فإن المحادثات الأخيرة لم تحقق اختراقاً. كما أن اجتماع المفاوض الأوكراني رستم عميروف مع ويتكوف لن يغيّر، على الأرجح، من حقيقة أن الخلافات البنيوية بين كييف وموسكو، ومن ورائهما الغرب، أكبر من أن تُحل باندفاعة دبلوماسية منفردة. لكن كثافة التحركات الدبلوماسية في بروكسل وبرلين وباريس تعكس أن نافذة التفاوض قد فُتحت فعلاً، وأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

قال الكرملين، الجمعة، إن روسيا والولايات المتحدة تحرزان تقدماً في محادثات السلام، وإن موسكو مستعدة لمواصلة العمل مع الفريق الأميركي الحالي. وقال المساعد بالكرملين يوري أوشاكوف، الذي شارك في محادثات الثلاثاء في موسكو، لصحيفة «زفيزدا» الجمعة: «إننا، في رأيي، نحرز تقدماً في المفاوضات الأساسية التي ينخرط فيها رئيسانا. إن هذا مشجع، ونحن مستعدون لمواصلة العمل مع هذا الفريق الأميركي». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أوشاكوف قوله: «نحن الآن في انتظار رد فعل زملائنا الأميركيين على المناقشة التي أجريناها يوم الثلاثاء».


المحكمة العليا تنتصر لترمب في ترسيم الخريطة الانتخابية لتكساس

مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
TT

المحكمة العليا تنتصر لترمب في ترسيم الخريطة الانتخابية لتكساس

مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)

منحت المحكمة العليا الأميركية الرئيس دونالد ترمب نصراً جديداً مهماً، إذ مهّدت الطريق أمام المشرعين في تكساس لاستخدام خرائط انتخابية أُعيد ترسيمها حديثاً لتصب في مصلحة الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس لعام 2026.

ويلغي هذا القرار، على الأقل حالياً، حكماً أصدرته محكمة أدنى يمنع المشرعين في هذه الولاية من استخدام الخرائط في انتخابات الكونغرس المقبلة، بعدما رجحت أن تكون الخرائط الجديدة تلاعباً غير دستوري بالدوائر الانتخابية لإعطاء الجمهوريين أفضلية على منافسيهم الديمقراطيين.

وكان قاضيا المحكمة الجزئية الأميركية، جيفري براون وديفيد غواديراما، قد رجّحا أن تضعف خطة إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية النفوذ السياسي للناخبين السود واللاتينيين، في انتهاك للدستور.

قرار «مؤقت»

ويأتي أمر المحكمة العليا، التي أصدرت قرارها بغالبية أعضائها المحافظين، قبل أيام من الموعد النهائي المحدد الاثنين 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل لتقديم طلبات الترشح لمناصب في تكساس. وهذا انتصار للرئيس ترمب الذي حضّ الولايات التي يقودها الجمهوريون على مراجعة خرائطها التشريعية سعياً إلى ضمان فوز حزبهم في الانتخابات النصفية. يُضاف هذا الحكم إلى قائمة من الانتصارات القانونية المتزايدة لإدارة ترمب، ولا سيما في إطار القضايا التي تُنظر دون مرافعات شفوية، إذ يُقصد بأوامر المحكمة أن تكون مؤقتة فحسب. ويشير المنتقدون إلى هذه القضية باعتبارها «ملف الظل»، معتبرين أن القرارات المؤقتة قد تكون لها عواقب واسعة النطاق.

ويُرتقب أن تصدر المحكمة العليا حكماً نهائياً عندما تجتمع بكامل أعضائها التسعة، علماً بأنه خلال مداولات الأمر الأولى، أثار القضاة شكوكاً حول قرار المحكمة الأدنى درجة بأن العرق لعب دوراً في رسم الخريطة الجديدة.

وخالفت القاضية إيلينا كاغان الرأي، وكتبت نيابة عن القضاة الليبراليين الثلاثة أنه ما كان ينبغي لزملائها التدخل في هذه المرحلة. وأضافت أن القيام بذلك «يضمن وضع العديد من مواطني تكساس، من دون سبب وجيه، في الدوائر الانتخابية بسبب عرقهم. وهذه النتيجة، كما أعلنتها هذه المحكمة عاماً بعد عام، تعد انتهاكاً للدستور».

وكتب الخبير في قانون الانتخابات بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، ريتشارد هاسين، أن تصويت المحكمة العليا «يُعطي الضوء الأخضر لمزيد من إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، ورسالة قوية للمحاكم الأدنى للتراجع».

وكان قضاة المحكمة العليا قد عرقلوا أحكاماً سابقة للمحاكم الأدنى في قضايا إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في الكونغرس، وكان آخرها ما صدر قبل أشهر من الانتخابات في ألاباما ولويزيانا.

معركة وطنية

ووضعت خريطة الكونغرس في تكساس خلال الصيف الماضي بناءً على طلب ترمب لمنح الجمهوريين خمسة مقاعد إضافية في مجلس النواب. وأثارت الجهود المبذولة للحفاظ على الأكثرية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، معركة وطنية لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.

وكانت تكساس أول ولاية تلبي مطالب ترمب، فيما تحوّل إلى معركة وطنية واسعة حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. وتبعتها ميزوري ونورث كارولينا بخرائط جديدة تضيف مقعداً جمهورياً إضافياً لكل منهما. ولمواجهة هذه التحركات، وافق ناخبو كاليفورنيا على مبادرة اقتراع لمنح الديمقراطيين خمسة مقاعد إضافية هناك.

وتواجه الخرائط المعاد رسمها طعوناً قضائية في كاليفورنيا وميزوري. وسمحت لجنة من ثلاثة قضاة باستخدام خريطة نورث كارولينا الجديدة في انتخابات عام 2026.

وترفع إدارة ترمب دعوى قضائية لمنع خرائط كاليفورنيا الجديدة، لكنها دعت المحكمة العليا إلى إبقاء دوائر تكساس المعاد رسمها كما هي. وينظر القضاة بشكل منفصل في قضية من لويزيانا يمكن أن تزيد من تقييد الدوائر الانتخابية القائمة على العرق بموجب قانون حقوق التصويت.

ومن غير الواضح كيف ستتأثر الجولة الحالية من إعادة تقسيم الدوائر بنتيجة قضية لويزيانا. وقال المدعي العام في تكساس كاين باكستون إن قرار المحكمة العليا «دافع عن حق تكساس الأساسي في رسم خريطة تضمن تمثيلها من الجمهوريين»، واصفاً قانون إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بأنه «الخريطة الكبيرة الجميلة». وقال إن «تكساس تمهد الطريق لاستعادة بلادنا، مقاطعة تلو أخرى، وولاية تلو أخرى»، مضيفاً: «تعكس هذه الخريطة المناخ السياسي في ولايتنا، وهي فوز ساحق لتكساس ولكل محافظ سئم من رؤية اليسار يحاول قلب النظام السياسي بدعاوى قضائية زائفة».

وأصدر حاكم تكساس غريغ أبوت بياناً قال فيه: «فزنا! تكساس رسمياً - وقانونياً - أكثر تأييداً للحزب الجمهوري». أمّا رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية كاين مارتن فقال، في بيان، إن قرار المحكمة «بالسماح لجمهوريي تكساس بتطبيق خرائطهم الانتخابية المزورة والمتلاعب بها عنصرياً هو قرار خاطئ - أخلاقياً وقانونياً. مرة أخرى، منحت المحكمة العليا ترمب ما أراده بالضبط: خريطة مزورة لمساعدة الجمهوريين على تجنب المساءلة في انتخابات التجديد النصفي لتجاهلهم الشعب الأميركي».