يتطلع بيت فادير من حين لآخر بنظرات تملؤها الشغف من نافذة مكتبه في مبنى «ون ريفيرسايد» الفاخر الذي يرتفع 22 طابقًا بمنطقة سكولكيل في غرب فيلادلفيا الأميركية، حيث يعمل أستاذا للتسويق في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا.
ورغم أنه ما زالت هناك عدة شهور أمام الشقة التي اشتراها وزوجته مينا في الطابق الحادي عشر من ون ريفيرسايد لكي تكون جاهزة للسكن، لكنه يعترف بأنه مثل صبي صغير ينتظر أعياد الميلاد.
ويقول الدكتور فادير، 54 عامًا: «زوجتي وأنا من محبي سكنى المدن، لكننا نعلم أننا لا نستطيع أن نعود قبل أن ينتهي أبناؤنا من الرياضة والدراسة». وتباع الوحدات في مبنى ون ريفيرسايد مقابل أسعار مؤلفة من 7 أرقام.
ون ريفيرسايد هو واحد من عدة مشاريع سكنية فاخرة في فيلادلفيا تم الانتهاء منها مؤخرًا أو ما زالت قيد الإنشاء، بينما يعد بالأمر الجديد على المدينة. ويصدر كيفين غيلين، الأستاذ في جامعة دريكسيل، تقريرًا فصليًا عن الإسكان في المدينة. وجاء في تقرير الفصل الثالث من العام الحالي أنه أبرمت 34 صفقة بيع تزيد قيمتها عن مليون دولار، بينما لم يزد هذا العدد في أي فصل من قبل عن 24 فقط.
وتتكرر تجربة فيلادلفيا على نحو أكثر هدوءًا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، كما تكشف البيانات الصادرة عن الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين. وتمثل مبيعات الشقق السكنية التي تبلغ مليون دولار أو يزيد بمناطق وسط المدن 2.2 في المائة من المبيعات منذ 2013، مقابل 1.8 في المائة في الفترة ما بين عامي 2009 و2012.
ويقول الدكتور غيلين إن الأغنياء ينتقلون إلى أواسط تلك المدن، الأمر الذي تظهره زيادة أعداد السكان هناك إلى جانب التوسع في المشاريع السكنية مرتفعة الأثمان. وزاد عدد سكان وسط مدينة فيلادلفيا بواقع 16 في المائة منذ عام 2000 ويبلغ سعر المساكن هناك 307 دولارات للقدم المربع الواحد، مقابل نحو 200 دولار قبل عشر سنوات. ويبلغ سعر القدم المربع في بقية أنحاء المدينة 90 دولارًا.
وشأنهم شأن الدكتور فادير الذي يعيش في برين ماور، في غرب فيلادلفيا، يأتي معظم هؤلاء المشترين الأغنياء من الضواحي، حسبما يفيد مطورون عقاريون. إنهم مجموعة تعشق منازلها الواسعة لكنها في نهاية المطاف، ومن دون الكثير من التردد، تستبدلها بالمغامرة الحضرية الفاخرة.
ويقول باتريك إل فيليبس، المدير التنفيذي العالمي لمؤسسة «إيربان لاند إنستيتيوت» البحثية في واشنطن: «بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفًا في السنوات القليلة الماضية.. لقد بلغ مواليد ذروة الطفرة السكانية (التي أعقبت الحرب العالمية الثانية) سن الستين، وهؤلاء القوم الأثرياء يمتلكون الكثير من القيمة العقارية الكامنة في منازلهم. إن لديهم المال الكافي للانتقال إلى مكان مساحته أكبر في المدينة».
وقد أعدت المدن نفسها من أجل الأشخاص الذين يملكون المال، على الأقل في أواسطها، حسبما يقول السيد فيليبس. فقد ركزت مسارحها وساحاتها ومراكزها التجارية الفاخرة ومتنزهاتها المجددة والجديدة ومتاحفها هناك.
ويضيف السيد فيليبس: «إننا نرى ذلك في كل مكان، من سان فرانسيسكو وحتى مدن مثل ناشيفيل ولويسفيل وأشفيل - بل وأيضًا مدن أصغر منها». وبينما قد لا تتمكن الأسر ذات الدخول المنخفضة أو المتوسطة من سكان الضواحي من شراء مساكن ذات مساحة كافية أو قريبة كفاية بحيث يتسنى لها السير إلى معالم الجذب في وسط المدينة، تقود الأسر الأكثر غنى سيارتها إلى هناك.
أما جاك هالبيرن، مطور لمراكز التسوق، فلم يفكر قط في الانتقال من «المنزل الكبير على مساحة كبيرة بها حمام سباحة جميل» في ساندي سبرينغز، وهي ضاحية في شمال أتلانتا، رغم أن أولاده قد كبروا بالفعل. ودأب أحد أصدقائه الذي كان يطور فندقًا وعقارًا سكنيًا في وسط مدينة باكهيد على الإلحاح عليه بأن يأتي ليرى بنفسه، لكن السيد هالبيرن كان يصده.
ويقول السيد هالبيرن، 66 عامًا، إنه «تصادف يوما ما أنه تمكن من زيارتنا.. واستمعت أنا وزوجتي إلى وصفه لأسلوب الحياة الذي يعتمد على التجول سيرًا على الأقدام، والشعور بالأمان الذي يصاحب العيش في عمارة سكنية شاهقة فيما نقوم بمزيد من رحلات السفر».
ويضيف السيد هالبيرن، الذي يمتلك الآن شقة من 3 غرف في الطابق السادس والعشرين من فندق وبناية سانت ريغيس، أنه لم يكن ليفكر قبل عقد من الزمان في الانتقال من منزله، وذلك عندما كان مركز مدينة أتلانتا أشبه بمدينة أشباح، لكن جامعتي ولاية جورجيا وجورجيا تك توسعتا، وتكاثرت شركات ومتاجر تجزئة ومطاعم أخرى.
الأمر ذاته حدث مع كينيث سويدر، وهو محامي أعمال وفاعل خير كبير في بوسطن. السيد سويدر وزوجته جيري كانا يعيشان في ليكسنغتون، التي تبعد 35 دقيقة بالسيارة عن مكتبه في وسط المدينة. وقد نشأ في حي كوينز بينما عاشت زوجته في واشنطن هايتس، ولطالما كان يعشقان صخب المدينة.
وقد تخرج ولداهما في الجامعة، ومن الواضح أنهما لن يعودا إلى منزلهما الواسع، لذا أدرك السيد سويدر أن الوقت قد حان لكي يعود إلى جذوره الحضرية. ويعيش الزوجان الآن في شقة كبيرة بالطابقين السادس والسابع من فندق سوميرسيت السابق في منطقة باك باي. وقال السيد سويدر: «لدي الآن رحلة أطول، أجمل رحلة بالسيارة في العالم.. عبر جادة كومنولث إلى الحديقة العامة، ثم بوسطن كومينز. إن الذهاب إلى العمل كل يوم عبر ذلك الطريق مصدر متعة كبيرة».
من جانبه، يقول كارل درانوف، مشيد مبنى ون ريفيرسايد في فيلادلفيا، إنه دخل مجال الإسكان الفاخر دون رجعة، بعد سنوات قضاها في تطوير مساكن الطبقة الوسطى في الغالب.
ويضيف أنه «في السنوات الخمس الماضية، أصبح وسط المدينة أروع ومرغوبًا أكثر وواعدًا.. السكان يتزايدون بشكل سريع - المطاعم والأوبرا والباليه والاستادات - معظمها على مسافة يمكن قطعها سيرًا على الأقدام».
وكما يشير درانوف إلى أن «سوق الإسكان في الضواحي كان راكدا خلال الكساد، لكن فور انتهاء تلك الفترة، بدا أن الأثرياء يريدون سكنى وسط المدينة - كما كانوا في طفولتهم. لا أعتقد أن ذلك سيتباطأ لفترة طويلة من الزمن».
أيضا ريكي كانتر وزوجها جويل، وهما في عقدهما السادس الآن، حيث يعمل الرجل في مجال المشاريع الرأسمالية بينما تعمل هي كمحامية، ربيا أبناءهما الثلاثة في منزل بماكلين في ضواحي فيرجينيا بواشنطن.
وتقول السيدة كانتر: «فور أن أدركت أن أبنائي لن يعودوا، شعرت أنه آن الأوان لكي نذهب إلى المكان الذي نعشقه ونمضي فيه 3 ليال كل أسبوع على أي حال، إنه المدينة». وتضيف أنهما دأبا على تنظيم حفلات جمع التبرعات في منزلهما الكبير بالضواحي، «وقد تعبت من الاهتمام باحتياجات الآخرين».
وكان صديقهما ديفيد مايهود يطور مجمعًا سكنيًا تحت اسم «سيتي سنتر» يتكون من 8 مبان إدارية وسكنية في موقع مركز مؤتمرات سابق. واشترى الزوجان شقة من وحدتين على بعد بنايتين من مقاعدهما في مباريات موسمي الهوكي وكرة السلة.
وتقول كانتر: «لم نحظ قط بهذه الروعة: حمام سباحة وصالة رياضية وخدمة إرشاد، والجميع يتساءل كيف يخدمك..لم نفتقد الضواحي لثانية واحدة».
* خدمة «نيويورك تايمز»
خاص بـ«الشرق الأوسط»
انتعاش مبيعات السكن الفاخر في الولايات المتحدة
البعض يفضل التخلي عن الضواحي الغنية من أجل حياة المدينة
انتعاش مبيعات السكن الفاخر في الولايات المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة