حققت شركات الرعاية الصحية المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) أرباحاً بقيمة نحو 4.86 مليار ريال (1.3 مليار دولار) خلال عام 2024، بارتفاع نسبته 13.65 في المائة مقارنةً بالعام السابق، والذي حققت فيه أرباحاً بـ3.95 مليار ريال (1.1 مليار دولار). كذلك، نمت إيراداتها بنسبة 16.7 في المائة إلى 33.87 مليار ريال (9 مليار دولار) خلال 2024 مقارنةً بـ29.02 مليار ريال (7.7 مليار دولار) خلال العام السابق.
هذه الأرباح تأتي من النمو في ارتفاع الإيرادات، والتحول التشغيلي في شركات القطاع، وتحسين الكفاءة التشغيلية وزيادة أعداد الزيارات في العيادات الخارجية للمستشفيات ونمو مبيعات قطاع الصيدليات.
ويضم القطاع 11 شركة، هي: سليمان الحبيب، والمواساة، ودلة الصحية، والحمادي، ورعاية، والكيميائية، والسعودي الألماني، وفقيه الطبية، والموسى الصحية، ودار المعدات، وأيان.

وحسب بيانات وزارة الاستثمار السعودية، يؤمِّن القطاع الخاص ما نسبته 24 في المائة من خدمات الرعاية الصحية، في حين توفر الحكومة نحو 60 في المائة، و16 في المائة توفرها جهات حكومية أخرى. ومن خلال «رؤية 2030»، أطلقت المملكة استراتيجية لتلبية احتياجات الصحة العامة من خلال التمويل القائم على التأمين وزيادة مشاركة القطاع الخاص. وتُحوّل وزارة الصحة تركيزها من دورها التقليدي كمُقدّم رعاية صحية، لتصبح الجهة التنظيمية الوحيدة للرعاية الصحية في المملكة. وقد حدد برنامج التحول الوطني هدفاً لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الرعاية الصحية من 25 في المائة إلى 35 في المائة. ونتيجة لذلك، خُلقت فرص جديدة للمستثمرين للحصول على حصة مربحة من سوق الرعاية الصحية في المملكة. مع الإشارة هنا إلى أنه تم إطلاق استثمارات في القطاع الصحي بقيمة تفوق الـ50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) خلال فعاليات النسخة السابعة من ملتقى الصحة العالمي في الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
الأرباح بالترتيب
وحسب نتائجها المالية في السوق المالية السعودية (تداول)، استحوذت «سليمان الحبيب» على نحو 47.6 في المائة من أرباح شركات القطاع، بتحقيقها 2.31 مليار ريال خلال 2024، مقابل 2.04 مليار ريال في 2023، وبنسبة نمو 13.16 في المائة. كما نمت إيراداتها بنسبة 17.8 في المائة بعد تحقيقها نحو 11.2 مليار ريال في 2024 مقابل 9.51 مليار ريال في 2023. وعزت الشركة هذا النمو إلى ارتفاع الإيرادات واستمرار النمو في قطاعي المستشفيات والصيدليات؛ نتيجة الزيادة في أعداد المراجعين في قطاع المستشفيات وتأثيرها الإيجابي في زيادة مبيعات قطاع الصيدليات، وذلك مقارنةً بالعام السابق.
وحلّت «المواساة» ثانيةً في أعلى شركات القطاع ربحيةً خلال 2024 بعد أرباح بـ645.76 مليون ريال، رغم تراجعها بنسبة 1.81 في المائة، مقارنةً بعام 2023 حين بلغت أرباحها نحو 657.69 مليون ريال. وارتفعت إيرادات الشركة خلال 2024 بنسبة 6.4 في المائة بعد تحقيقها نحو 2.87 مليار ريال، مقابل 2.7 مليار ريال 2023. وعزت الشركة نمو إيراداتها إلى ارتفاع أعداد الزيارات في قطاع العيادات الخارجية وزيادة نسب الإشغال في الأقسام الداخلية والاستمرار في عمليات الكفاءة التشغيلية.
وجاءت «دلة الصحية» ثالثةً في أعلى صافي أرباح بين شركات القطاع، بنحو 471.2 مليون ريال خلال عام 2024، وبنمو 30.84 في المائة، مقارنةً بالعام السابق الذي سجلت فيه أرباحاً بـ360.12 مليون ريال. كما ارتفعت إيراداتها بنحو 8.93 في المائة لتصل إلى 3.20 مليار ريال خلال 2024، مقارنةً بـ2.94 مليار ريال في 2023. وعزت الشركة ارتفاع الإرادات إلى زيادة إجمالي الربح بنسبة 11.9 في المائة وتحسن هامش الربح الإجمالي بسبب رفع كفاءة الأداء التشغيلي، وتحسن أداء الشركات الزميلة.

عام استثنائي
وفي تعليق على نتائج الأداء لشركات القطاع، قال محلل الأسواق المالية عضو «جمعية الاقتصاد السعودية»، الدكتور سليمان آل حميد الخالدي، خلال تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، إن القطاع شهد عاماً استثنائياً وأداءً مميزاً خلال عام 2024، وانعكس في تسجيل أرباح تجاوزت 4.8 مليار ريال، موضحاً أن هذا الأداء يعكس نجاح السياسات الصحية والرؤية الاستراتيجية السعودية ضمن إطار «رؤية 2030»، ويعود ذلك، حسب الخالدي، إلى عدد من العوامل المحفزة التي شهدها القطاع الصحي ومن أبرزها الدعم الحكومي المتواصل واستمرار التوسع في الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي وطرح مبادرات التحول الرقمي في الرعاية الصحية والوقائية، بالإضافة إلى نمو الطلب المحلي المواكب لازدياد عدد السكان وارتفاع متوسط الأعمار، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية الشاملة والمتخصصة، وكذلك ارتفاع الوعي الصحي بين أفراد المجتمع مما أسهم في زيادة الإقبال على الفحوصات الطبية والعلاج الوقائي.
وأشار إلى أن السعودية سعت حثيثاً في التحول الرقمي للقطاع الصحي والرعاية الافتراضية، وسارعت في تبني التقنية في القطاع الصحي مثل طلب وخدمات الرعاية الطبية عن بعد، والسجلات الصحية الموحدة، والذكاء الاصطناعي، وفي تشخيص الأمراض وصرف الأدوية.
وتوقع الخالدي أن يستمر القطاع الصحي في تحقيق نمو وأرباح مزدوجة خلال السنوات الخمس القادمة بفضل مشاريع تخصيص القطاع الصحي الحكومية والشراكة مع القطاع الخاص، وكذلك التوسع في برامج التأمين الصحي، والزيادة الملحوظة في الإقبال على الخدمات الصحية من المواطنين والمقيمين، لافتاً إلى أن هذا القطاع حيوي ويمثل أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني بوصفه محركاً للنمو الاقتصادي ومؤشراً على جودة الحياة والتنمية البشرية، ويضم شركات قوية ورائدة، كما يحظى بتنظيم حكومي متين، وهو ماضٍ نحو مزيد من التوسع والتحول الرقمي والكفاءة التشغيلية، ليصبح نموذجاً إقليمياً في تقديم الرعاية الصحية المتقدمة، وداعماً لدخول وتطور السياحة الطبية والعلاجية في السعودية لتكون رافداً اقتصادياً جديداً.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد»، محمد حمدي عمر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن قطاع الرعاية الصحية قدم أداءً مالياً استثنائياً خلال عام 2024، بفعل الكفاءة والتحول التشغيلي القوي لمعظم شركات القطاع، والتحول الرقمي، وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة التي كان لها أثر واضح على الأداء، والتي جاءت مع استمرار الدعم الحكومي القوي في إطار «رؤية 2030».
وأضاف أن مجموعة «سليمان الحبيب الطبية» أسهمت بما يقرب من نصف أرباح القطاع، فيما شهدت «السعودي الألماني» للرعاية الصحية ارتفاعاً ملحوظاً في الأرباح بنسبة 1555 في المائة، مما يشير إلى تحول تشغيلي كبير، كما حققت شركات أخرى ذات أداء متميز، مثل «دلة» للرعاية الصحية و«الكيميائية» نمواً ملحوظاً، وهذا بزيادة في الأرباح بلغت 30.8 في المائة و59.21 في المائة على التوالي.
ولفت إلى أنه عند تحليل محفزات الربح لهذه الشركات «نجد أن الكفاءة التشغيلية أدت إلى تحسينات كبيرة في التكاليف وتعزيز هوامش الربح في جميع أنحاء القطاع، كما نجد أن زيادة الاستثمار في التحول الرقمي من خلال الطلب عن بُعد وحلول الصحة الرقمية قد أدت إلى خفض التكاليف وتوسيع نطاق وصول المرضى»، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تنمو سوق الصحة الرقمية بمعدل 6.67 في المائة، وبمعدل نمو سنوي مركَّب خلال الفترة من 2024 إلى 2028.
وأضاف أن توسيع الخدمات من خلال زيادة مرافق الرعاية الصحية الجديدة وخدمات الرعاية المتخصصة، أسهم في زيادة الطاقة الاستيعابية وتوليد الإيرادات، مشيراً إلى أن مبادرات الدعم الحكومي التي بلغت 13.8 مليار دولار، ساهمت في خلق عدد من الاستثمارات وبيئة أعمال جاذبة للشركات العاملة في القطاع، وعززت الوعي بالرعاية الصحية مع العمل على توسيع نطاق التغطية التأمينية إلى ارتفاع معدلات استخدام الخدمات المقدمة.
وتوقع عمر أن يحافظ القطاع على أداء قوي ونمو في الأرباح بنسبة تتراوح بين 12 و14 في المائة في الربعين الثاني والثالث من عام 2025، مع احتمال أن ترتفع إلى ما بين 14 و16 في المائة بحلول الربع الرابع من عام 2025 والربع الثاني من عام 2026، مشيراً إلى محركات النمو الرئيسية التي سوف تؤثر على نتائج القطاع، ومنها مبادرات الرعاية الصحية لـ«رؤية 2030»، وتوسيع مرافق الرعاية الصحية والسياحة العلاجية، وتسريع الشركات العاملة في القطاع لتبني تقنيات الصحة الرقمية التي من المتوقع أن تنمو بنسبة 20 إلى 25 في المائة خلال الأرباع القادمة.
مخاطر
وأشار إلى أن المخاطر التي قد يواجهها القطاع في الفترة الحالية، تتمثل في نقص الكفاءات الطبية، وتضخم التكاليف، والتغييرات التنظيمية التي قد تطرأ على القطاع والتي قد تؤثر بشكل سلبي على أدائه، لافتاً إلى أنه يجب أن يتماشى مسار نمو الشركات العاملة في القطاع الصحي مع «رؤية 2030»، وأن تستثمر بشكل أكبر في مجال الابتكار في الرعاية الصحية، والتحول الرقمي، وتقديم الخدمات الصحية المتخصصة.
