عين ترمب على الرقائق... رغم المليارات المتوقعة بأميركا

شركات التكنولوجيا طالبته بإعادة النظر في قيود تصدير أشباه الموصلات

دونالد ترمب خلال قمة «أمهات من أجل الحرية» في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
دونالد ترمب خلال قمة «أمهات من أجل الحرية» في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
TT

عين ترمب على الرقائق... رغم المليارات المتوقعة بأميركا

دونالد ترمب خلال قمة «أمهات من أجل الحرية» في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
دونالد ترمب خلال قمة «أمهات من أجل الحرية» في واشنطن (أرشيفية - رويترز)

رغم تعهد شركات تقنية كبرى لصناعة الرقائق استثمار مليارات من الدولارات على تصنيع الرقائق والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، فإنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يزال يتطلع إلى فرض رسوم جمركية على القطاع. فهو قال قبل أيام إنه سيعيد جميع شركات الرقائق الإلكترونية إلى السوق، مضيفاً: «لقد عادت بالفعل دون أن تُنفّذ أي إجراءات».

لم يُفصّل ترمب في هذا الشأن، لكن ما قاله يُشير إلى صعوبة تجنّب قطاع التكنولوجيا للرسوم الجمركية المُركّزة على الرقائق.

ما هي أهم هذه الاستثمارات؟

كانت شركة «تي إس إم سي» التايوانية لصناعة الرقائق - وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية في العالم - تعهدت في الرابع من مارس (آذار) استثمار مبلغ 100 مليار دولار على مدى أربعة أعوام لتوسيع عمليات تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.

كما أعلنت «إنفيديا» أنها تخطط لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في الرقائق والإلكترونيات أميركية الصنع على مدى السنوات الأربع المقبلة.

«أبل» من جهتها أعلنت عن استثمار بقيمة 500 مليار دولار.

ويوم الاثنين الماضي، زار الرئيس التنفيذي لـ«سوفت بنك»، ماسايوشي سون، ترمب في مار إيه لاغو، وأعلن عن استثمار بقيمة 100 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، مع وعد بخلق 100 ألف وظيفة تركز على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية ذات الصلة.

وفي يناير (كانون الثاني) أعلن ترمب عن استثمار خاص بقيمة 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيادة «أوبن إي آي» و«أوراكل» و«سوفت بنك».

لقد جاءت تصريحات ترمب بفرض رسوم جمركية على قطاع أشباه الموصلات بعد أن انتقد قانون سلفه جو بايدن الخاص بالرقائق الإلكترونية والرسوم، في خطاب أمام الكونغرس، داعياً إلى إلغائه.

كما تأتي تصريحاته في وقت تكافح فيه شركات الرقائق وسط عمليات بيع مكثفة لأسهم التكنولوجيا. فأسهم «تي إس إم سي» مثلاً تراجعت بنسبة 15 في المائة هذا العام، في حين انخفضت أسهم «إنفيديا» بنسبة 16 في المائة. وانخفض سعر سهم «إي إم دي» بنسبة 11 في المائة.

من رقائق الخام إلى المنتج النهائي

تستورد الولايات المتحدة عدداً قليلاً نسبياً من الرقائق الفردية، مقارنة بالعدد الهائل من المنتجات التي تستوردها مع رقائق بداخلها بالفعل. يشمل ذلك كل شيء؛ من الهواتف الذكية والسيارات، إلى الثلاجات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة التلفزيون.

والأكثر من ذلك، لا تأتي الرقائق من بلد واحد فقط، إذ إنها تنتقل عبر الكثير من الحدود الوطنية. فهي تبدأ كرقاقات السيليكون الخام، والتي قد تأتي من اليابان أو تايوان أو ألمانيا، ثم تقوم هذه بوضع الرقائق، ثم ترسلها إلى مكان آخر، وفق تقرير لـ«ياهو فايننس».

وبشكل عام، غالباً ما يشمل تصنيع الرقاقة إنتاج رقاقة سيليكون في بلدٍ ما، ثم تُرسل إلى مصنع في بلد آخر، حيث تُطبع عليها دائرة كهربائية، ثم تُشحن إلى مصنع آخر في بلد آخر لتقطيعها إلى شرائح منفصلة وتعبئتها كأشباه موصلات. ومن هناك، تُرسل المعالجات إلى مصنع آخر، حيث تُوضع في أجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات، وأي جهاز إلكتروني آخر تقريباً.

مع الإشارة هنا إلى أن هذا لا يشمل حتى المواد الكيميائية المختلفة اللازمة طوال عملية تصنيع الرقائق. في عام 2022، أثارت حرب روسيا في أوكرانيا ذعراً عالمياً؛ خوفاً من أن يؤدي نقص الوصول إلى غاز النيون إلى إبطاء تصنيع الرقائق في دول أخرى. ويُستخدم النيون في أجهزة الليزر اللازمة لتصنيع المعالجات، وقد استحوذت أوكرانيا على ما يزيد على 54 في المائة من هذا الغاز.

تعقيدات رسوم الرقائق

يعكس هذا المسار بشأن تنقل الرقائق بين الحدود والدول تعقيدات فرض رسوم على قطاع أشباه الموصلات. فإذا طبّق ترمب رسوماً جمركية عليها، فسيُثير ذلك عدداً من التساؤلات الرئيسية، بدءاً من تحديد ما إذا كان سيفرض رسوماً جمركية على المنتج النهائي الذي تُشحن إليه الرقائق، وما هي الدولة التي تُعتبر بلد المنشأ لرقاقة عبرت الحدود عدة مرات قبل اكتمال تصنيعها، وفق تقرير «ياهو فايننس».

ويزداد الأمر تعقيداً عند الأخذ في الاعتبار أن معظم الأجهزة تتطلب عدة رقائق للعمل بشكل صحيح. فهاتف «آيفون» مثلاً من شركة «أبل» يحتوي على وحدة المعالجة المركزية الرئيسية، بالإضافة إلى رقائق تُدير الطاقة، والتخزين، والشاشة، وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي تُمكّن الهاتف الذكي من الاتصال بالإنترنت.

وهنا يُطرح سؤال: هل تُطبق الرسوم الجمركية على كل شريحة على حدة، أو على تلك القادمة من دول محددة فقط؟

الهيمنة الأميركية

تتصدر الولايات المتحدة قطاع أشباه الموصلات العالمي بوضوح؛ إذ تستحوذ شركاتها على حصة سوقية ضخمة تبلغ مجتمعة نحو 2.4 تريليون دولار.

وتتجلى هذه الهيمنة في القيمة السوقية الهائلة لشركة «إنفيديا» التي قاربت قيمتها السوقية 2.9 تريليون دولار في 4 مارس (آذار).

رئيس «إنفيديا» جينسن هوانغ يقدم منتجات جديدة في مؤتمر «جي تي سي» للذكاء الاصطناعي في سان خوسيه بكاليفورنيا (أ.ف.ب)

كما شهدت القيمة السوقية لشركة «برودكوم»، ثاني أكبر شركة أميركية من حيث القيمة السوقية، زيادة كبيرة بنسبة تبلغ نحو 36 في المائة خلال العام الماضي، لتصل إلى 896 مليار دولار في الأسبوع الأول من مارس، مدفوعة بارتفاع سعر السهم إلى 187.5 دولار.

وحققت «برودكوم» نمواً هائلاً في الربع الأول من عام 2025 الذي انتهى في 2 فبراير (شباط) 2025؛ إذ ارتفعت إيراداتها الصافية بنسبة 24.7 في المائة لتصل إلى 14.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 12 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. كما ارتفع صافي الدخل بشكل هائل بنسبة 315.3 في المائة ليصل إلى 5.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 1.3 مليار دولار في العام السابق.

كما تبرز شركات أخرى مثل «تكساس إنسترومنتس» و«إيه إم دي» و«ميكرون» و«إنتل» قيماً سوقية مرتفعة، مما يؤكد قوة الشركات الأميركية في مختلف قطاعات أشباه الموصلات.

قيود تصدير الرقائق

وفي الوقت الذي يعكف ترمب وفريقه على صياغة قيود أكثر صرامة على أشباه الموصلات الأميركية، ويضغطون على الحلفاء الرئيسيين لتصعيد قيودهم على صناعة الرقائق الصينية، حثت شركات التكنولوجيا التي تبلغ قيمتها السوقية مجتمعة أكثر من 8 تريليونات دولار، الإدارة الأميركية على إعادة التفكير في قيود تصدير الرقائق؛ إذ تخشى هذه الشركات، ومن بينها «أمازون» و«إنفيديا» و«مايكروسوفت»، أن تدفع حلفاء الولايات المتحدة إلى أحضان المنافسين الصينيين، وفق «بلومبرغ».

وكانت إدارة بايدن أدخلت ما يُسمى بقاعدة انتشار الذكاء الاصطناعي التي تضع عدة دول في المستوى الثاني من فئة ثلاثية المستويات تحد من تصدير الرقائق المستخدمة في مراكز البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

التوسع الآسيوي... تايوان في المقدمة

لا يمكن إغفال الدور المحوري لآسيا في هذا القطاع؛ إذ تحتل تايوان مكانة بارزة بفضل شركة «تي إس إم سي» التي تبلغ قيمتها السوقية 920 مليار دولار.

شعار «تي إس إم سي» في معرض تايوان للتكنولوجيا بمركز التجارة العالمي في تايبيه (أ.ب)

كما تظهر كوريا الجنوبية كقوة صاعدة؛ إذ تبرز شركات مثل «سامسونغ» و«إس كيه هاينكس» بقيم سوقية كبيرة.

وتساهم الصين أيضاً بحصة ملحوظة، وإن كانت أقل مقارنة بالولايات المتحدة وتايوان، متمثلة في شركات مثل الشركة الدولية لصناعة أشباه الموصلات (إس إم آي سي).

أوروبا... لاعب رئيسي

تحافظ أوروبا من جهتها على مكانتها في هذا القطاع، وإن كانت تركز بشكل أكبر على تصنيع المعدات المتخصصة.

وتبرز هولندا بفضل شركة «إيه إس إم إل» التي تعد رائدة في تصنيع آلات الطباعة الحجرية المستخدمة في إنتاج الرقائق. وواجهت الشركة تقلبات ملحوظة في العام الماضي؛ إذ شهدت انخفاضاً في قيمتها السوقية بنسبة 28 في المائة، لتصل إلى 289 مليار دولار. ورغم هذا التراجع، أظهرت مبيعات الشركة مرونة نسبية؛ إذ سجلت زيادة بنسبة 2.6 في المائة في السنة المالية 2024، لتصل إلى 29.4 مليار دولار (28.3 مليار يورو).

شرائح أشباه الموصلات على لوحة دائرة كهربائية (أرشيفية - رويترز)

وكانت صناعة أشباه الموصلات عالمياً شهدت أداءً قوياً في العام الماضي بنمو نسبته 19 في المائة، مع مبيعات بلغت نحو 627 مليار دولار، متجاوزة بذلك التوقعات السابقة التي كانت تشير إلى 611 مليار دولار. ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أكثر ازدهاراً؛ إذ تُقدَّر المبيعات بنحو 697 مليار دولار، وهو أعلى مستوى تسجله الصناعة على الإطلاق.

ومن المتوقع أن تصل مبيعات هذا القطاع إلى ما قيمته تريليون دولار بحلول عام 2030. ويرى مراقبون أنه في حال استمرار المسار التصاعدي، فقد تصل مبيعاته إلى تريليونَي دولار بحلول عام 2040.


مقالات ذات صلة

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد من داخل معرض وظيفي للموظفين الفيدراليين المفصولين حديثاً في كانساس سيتي مارس 2025 (رويترز)

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

انخفض عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات في إشارة إلى صمود سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة «نوظف الآن» معلّقة على نافذة صالون حلاقة بمدينة ميدفورد الكبرى في ولاية ماساتشوستس (رويترز)

تراجع حاد في تسريحات العمال الأميركيين رغم استمرار تباطؤ التوظيف

تراجعت عمليات تسريح العمالة المعلنة من جانب أصحاب العمل الأميركيين بشكل حاد خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غير أن نيات التوظيف واصلت التباطؤ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سكوت بيسنت يتحدث خلال قمة «نيويورك تايمز ديلبوك 2025» في مركز جاز لينكولن (أ ف ب)

بيسنت متفائل بموافقة المحكمة العليا على رسوم ترمب الجمركية

أعرب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، يوم الأربعاء، عن تفاؤله بأن المحكمة العليا ستؤيِّد قانونية الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد صورة مجمعة للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والبرازيلي لولا دا سيلفا (أ.ف.ب)

الرئيس البرازيلي يتوقع مزيداً من تخفيضات الرسوم بعد اتصال مع ترمب

قال الرئيس البرازيلي يوم الأربعاء، إنه يتوقع من نظيره الأميركي أن يُجري قريباً مزيداً من التخفيضات في الرسوم الجمركية على المنتجات البرازيلية.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.