بكين تنصح سكانها بملازمة البيوت في ظل اشتداد الضباب الدخاني

يغطي مساحة بحجم إسبانيا.. والتحذير عند ثاني أعلى مستوى

بكين تنصح سكانها بملازمة البيوت في ظل اشتداد الضباب الدخاني
TT

بكين تنصح سكانها بملازمة البيوت في ظل اشتداد الضباب الدخاني

بكين تنصح سكانها بملازمة البيوت في ظل اشتداد الضباب الدخاني

خيّم الضباب الدخاني الخانق على عاصمة الصين أمس، وهي أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، بينما بدأت في باريس محادثات دولية بشأن التغير المناخي بمشاركة الرئيس الصيني.
وأبقت بكين على التحذير «البرتقالي» من التلوث، وهو ثاني أعلى المستويات، فأغلقت طرقا سريعة وعلقت أو أوقفت أعمال بناء ونصحت سكانها بعدم الخروج. وقالت وزارة الحماية البيئية في الصين، أول من أمس، إن التلوث الخانق كان بسبب طقس «سيئ». وتزداد الانبعاثات فوق شمال الصين أثناء الشتاء، مع تشغيل أنظمة التدفئة في المدن، علاوة على أن بطء حركة الرياح لا تساهم في فضّ الهواء الملوّث.
وارتفع مؤشر انخفاض جودة الهواء في بعض أنحاء بكين، حيث يعيش 5.‏22 مليون شخص، إلى 500، وهي أعلى قراءة ممكنة له. وعند المستويات الأعلى من 300 يُنصح السكان بعدم الخروج وفقا لإرشادات الحكومة. وبالنسبة إلى سكان بكين فإن الهواء الملوث يجعلهم يتنفسون بصعوبة.
وقال تشانغ هنغ، وهو مهندس يبلغ من العمر 26 عاما، لوكالة «رويترز» للأنباء إنه «في ظل هذا الطقس ترى أن الضباب الدخاني يغلف بكين بالكامل.. ومع كل نفس وعند الاستيقاظ في كل صباح ستشعر بعدم ارتياح».
من جهتها، قالت شانغ جين (33 عاما)، وهي أم مقيمة في بكين، إنها تأمل أن يبذل مزيد من الجهد من أجل معالجة مشكلة التلوث. وأضافت: «آمل ذلك. أنا شخصيا أتصور أن الخطوة الأولى يمكن أن تكون معرفة سبب مشكلة التلوث هذه، وما إذا كان له علاقة بالسيارات أو بالمصانع، فربما أمكننا فرض قيود على المركبات أو نتعامل بشكل ما مع المصانع».
ويسلط الهواء الملوث الخطير الضوء على التحدي الذي يواجه الحكومة التي تسعى إلى محاربة التلوث الذي يسببه حرق الفحم لتوليد الكهرباء، كما يثير تساؤلات بشأن قدرتها على جعل الاقتصاد الصيني صديقا للبيئة، بينما انطلقت محادثات المناخ في باريس أمس.
من جهته، قال مكتب الحماية البيئية في بكين، أول من أمس، إنه طلب من المصانع الحد من إنتاجها أو تعليقه كما أوقف أعمال البناء في العاصمة. وذكرت الوزارة أن عدد المدن المتضررة من التلوث الشديد وصل إلى 23 مدينة على مساحة 530 ألف كيلومتر مربع (تساوي مساحة إسبانيا)، لكن موجة باردة تبدأ يوم الأربعاء قد تؤدي إلى تحسن الوضع.
من جهة أخرى، أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا»، أمس، بأن الصين تعتزم إطلاق أقمار صناعية لرصد انبعاثاتها الغازية المسببة للاحتباس الحراري مع تكثيف البلاد جهودها لخفض الانبعاثات. وأعلن هذا النبأ مع وصول أكثر من 150 زعيما من مختلف أنحاء العالم إلى العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة في محادثات تغير المناخ، وفي الوقت الذي تعهد فيه الرئيس الصيني تشي جين بينغ، ونظيره الأميركي باراك أوباما، بالعمل معا من أجل التوصل إلى اتفاق يمهد الطريق لاقتصاد عالمي منخفض الانبعاثات الكربونية.
وقالت «شينخوا» إن أول قمرين صناعيين لرصد الانبعاثات الكربونية سيكونان جاهزين في مايو (أيار) المقبل بعد أربع سنوات من التطوير. ولم تذكر الوكالة موعدا للإطلاق، كما لم تعلن عن تفاصيل أخرى للخطة.
وإذا نجحت الصين في ذلك، فستكون ثالث دولة تطلق أقمارا صناعية لرصد الانبعاثات المسببة لظاهرة البيوت الزجاجية، بعد اليابان التي كانت أول دولة تفعل ذلك عام 2009 وتلتها الولايات المتحدة العام الماضي. ويعتقد أن الصين تتصدر الدول المسببة للانبعاثات الغازية.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»