مصير صفقة «يو إس ستيل» على طاولة بايدن

بعد فشل «لجنة المراجعة» في الوصول إلى قرار

شعار شركة «يو إس ستيل» لإنتاج الصلب على مقرها بمدينة بيتسبرغ الأميركية (أ.ب)
شعار شركة «يو إس ستيل» لإنتاج الصلب على مقرها بمدينة بيتسبرغ الأميركية (أ.ب)
TT

مصير صفقة «يو إس ستيل» على طاولة بايدن

شعار شركة «يو إس ستيل» لإنتاج الصلب على مقرها بمدينة بيتسبرغ الأميركية (أ.ب)
شعار شركة «يو إس ستيل» لإنتاج الصلب على مقرها بمدينة بيتسبرغ الأميركية (أ.ب)

فشلت لجنة حكومية أميركية ذات صلاحيات واسعة في الوصول إلى توافق بشأن المخاطر المحتملة التي يمكن أن تمثلها صفقة الاستحواذ المحتملة من شركة «نيبون ستيل» اليابانية للصلب على منافستها الأميركية «يو إس ستيل»، ليصبح القرار النهائي بشأن الصفقة في يد الرئيس الأميركي جو بايدن المعارض لها منذ وقت طويل.

وذكر البيت الأبيض أن «لجنة الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة، رفعت يوم الاثنين التقرير الذي طال انتظاره بشأن صفقة الاندماج المقترحة إلى الرئيس بايدن، الذي أعلن معارضته الرسمية للصفقة، وأنه أمامه 15 يوماً لإعلان القرار النهائي. وقال مسؤول مطلع، رافضاً الكشف عن اسمه، إن بعض الوكالات الاتحادية الممثلة في اللجنة شككت في أن السماح لشركة يابانية بشراء شركة صلب أميركية يمكن أن يؤدي إلى مخاطر على الأمن القومي للولايات المتحدة، وفق وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

يذكر أن كلاً من الرئيس بايدن والرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، حاول استقطاب العمال في الولايات المتحدة خلال معركة انتخابات الرئاسة الأميركية، وتعهد بعرقلة الصفقة في ظل المخاوف من انتقال ملكية شركة أميركية كبرى إلى الأجانب. ولكن على الجانب الاقتصادي تمتلك شركة «نيبون ستيل» الموارد المالية اللازمة للاستثمار في المصانع وتطويرها، وهو ما قد يساعد في الحفاظ على إنتاج الصلب داخل الولايات المتحدة.

وتترأس «لجنة الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة، برئاسة وزيرة الخزانة، جانيت يلين، الصفقات التجارية بين الشركات الأميركية والمستثمرين الأجانب، ويمكنها منع المبيعات أو إجبار الأطراف على تغيير شروط الاتفاقية لحماية الأمن القومي.

وتضم «لجنة الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة ممثلين عن كثير من الإدارات الاتحادية، وتستعرض مثل هذه الصفقات لتقييم المخاطر المحتملة على الأمن القومي في حال إتمامها. وكان يوم الاثنين هو الموعد النهائي للموافقة على الصفقة، أو التوصية بأن يحظرها بايدن، أو يمدد عملية المراجعة.

يذكر أن «نيبون ستيل»، وهي كبرى المجموعات اليابانية للصلب، أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي اعتزامها الاستحواذ على منافستها «يو إس ستيل» الأميركية.

وأعلنت الشركتان في ذلك الوقت أن «نيبون ستيل» سوف تدفع 55 دولاراً للسهم نقداً. ويبلغ إجمالي التقييم، باحتساب الديون المفترضة على الشركة الأميركية، 14.9 مليار دولار.

وبموجب شروط الصفقة المقترحة، فستحتفظ «يو إس ستيل» باسمها ومقرها الرئيسي في بيتسبرغ، حيث تأسست عام 1901 من قبل «جي بي مورغان» وآندرو كارنيغي. وستصبح شركة تابعة لشركة «نيبون ستيل»، وستكون الشركة المدمجة ضمن أكبر 3 شركات لصناعة الصلب في العالم، وفقاً لأرقام عام 2023 من «رابطة الصلب العالمية».

وقال بايدن، بدعم من «اتحاد عمال الصلب»، في وقت سابق من هذا العام، إنه «من الضروري لشركة (يو إس ستيل) أن تظل شركة أميركية للصلب مملوكة ومُدارة محلياً». كما عارض ترمب عملية الاستحواذ وتعهد في وقت سابق من هذا الشهر على منصته «تروث سوشيال»، «بمنع حدوث هذه الصفقة». واقترح إحياء ثروات شركة «يو إس ستيل» المتدهورة «عبر سلسلة من الحوافز الضريبية والتعريفات الجمركية».

ويتساءل «اتحاد عمال الصلب» عما إذا كانت شركة «نيبون ستيل» ستحتفظ بالوظائف في المصانع النقابية، وعما إذا كانت ستفي بالمزايا التي جرى التفاوض عليها جماعياً، وعما إذا كانت ستحمي إنتاج الصلب الأميركي من الواردات الأجنبية الرخيصة.

وقال ديفيد ماكول، رئيس «عمال الصلب»، في بيان يوم الاثنين: «لقد طالب اتحادنا بمراقبة حكومية صارمة للصفقة منذ الإعلان عنها. والآن الأمر متروك للرئيس بايدن لتحديد أفضل مسار للمضي قدماً. وما زلنا نعتقد أن هذا يعني إبقاء شركة (يو إس ستيل) مملوكة ومُدارة محلياً».

وشنت شركتَي «نيبون ستيل» و«يو إس ستيل» حملة علاقات عامة لكسب المتشككين. وقالت شركة «يو إس ستيل»، في بيان يوم الاثنين، إن الصفقة «هي أفضل طريقة، حتى الآن، لضمان ازدهار (يو إس ستيل)، بمن فيها موظفوها ومجتمعاتها وعملاؤها، في المستقبل».

وقالت شركة «نيبون ستيل»، يوم الثلاثاء، إنها أُبلغت من قبل «لجنة الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة بأنها أحالت القضية إلى بايدن، وحثته على «التفكير في الجهود الكبيرة التي بذلناها لمعالجة أي مخاوف تتعلق بالأمن القومي التي أثيرت، والالتزامات الكبيرة التي قطعناها على أنفسنا لتنمية شركة (يو إس ستيل) وحماية الوظائف الأميركية وتعزيز صناعة الصلب الأميركية بأكملها؛ الأمر الذي سيعزز الأمن القومي الأميركي». وأضافت في بيانها: «نحن على ثقة بأن معاملتنا يجب أن تتم الموافقة عليها، وسوف تتم الموافقة عليها إذا جرى تقييمها بشكل عادل على أساس مزاياها».

وأيد عدد متنامٍ من «المحافظين» الصفقة علناً، حيث بدأت شركة «نيبون ستيل» في كسب بعض أعضاء نقابات عمال الصلب والمسؤولين في المناطق القريبة من أفران الصهر الخاصة بها في بنسلفانيا وإنديانا. وقال كثير من المؤيدين إن «نيبون ستيل» لديها ميزانية مالية أقوى من منافستها «كليفلاند كليفس» لاستثمار الأموال اللازمة لتحديث أفران الصهر القديمة لشركة «يو إس ستيل».

وتعهدت شركة «نيبون ستيل» باستثمار 2.7 مليار دولار في المرافق التي تمثلها «نقابة عمال الصلب المتحدة»، بما في ذلك أفران الصهر الخاصة بشركة «يو إس ستيل»، ووعدت بعدم استيراد ألواح الصلب التي من شأنها أن تنافس أفران الصهر.

كما تعهدت بحماية «يو إس ستيل» في الأمور التجارية، وبعدم تسريح الموظفين، أو إغلاق المصانع، خلال مدة اتفاقية العمل الأساسية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، عرضت 5 آلاف دولار مكافآت إغلاق لموظفي «يو إس ستيل»، وهي تكلفة إجمالية تقترب من 100 مليون دولار.

وتمتلك شركة «نيبون ستيل» مصانع في الولايات المتحدة والمكسيك والصين وجنوب شرقي آسيا. وهي تزود شركات صناعة السيارات الكبرى في العالم بما لديها من مواد، بما فيها شركة «تويوتا موتور كورب»، وتصنع الفولاذ للسكك الحديدية، والأنابيب، والأجهزة، ولناطحات السحاب.


مقالات ذات صلة

بريطانيا في 2025... عام الاختبار الاقتصادي لستارمر

الاقتصاد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خلال اجتماع مع سلطان بروناي حسن البلقية في 10 داونينغ ستريت بلندن (وكالة حماية البيئة)

بريطانيا في 2025... عام الاختبار الاقتصادي لستارمر

من المتوقع أن يواجه الاقتصاد البريطاني تحديات جسيمة في عام 2025، حيث تشهد مؤشراته الاقتصادية تراجعات ملحوظة وسط تطورات سياسية واقتصادية معقدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد يابانيون يلتقطون صوراً تذكارية مع شجرة عيد الميلاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

اليابان تخطّط لموازنة قياسية وأقل إصدارات سندات في 17 عاماً

تستعد الحكومة اليابانية لتجهيز ميزانية قياسية بقيمة 734 مليار دولار للعام المالي الذي يبدأ في أبريل، بسبب ارتفاع تكاليف الضمان الاجتماعي وخدمة الدين.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رجل يحمل حزمة من الأوراق النقدية الصينية (رويترز)

الصين تركز على استقرار سوق الإسكان في 2025

ذكرت تقارير صينية أن الجهود ستستمر في عام 2025 لتحقيق الاستقرار، ومنع مزيد من الانخفاضات في سوق العقارات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد حاويات في ميناء جدة الإسلامي (الهيئة العامة للموانئ)

الصادرات غير النفطية بالسعودية ترتفع 12.7 % في أكتوبر الماضي

ارتفعت الصادرات غير النفطية السعودية، شاملة إعادة التصدير، بنسبة 12.7 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد رجل يمر أمام لوحة تعرض تحركات الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

إنتاج تويوتا العالمي يتراجع للشهر العاشر رغم ارتفاع المبيعات

قالت شركة تويوتا موتور اليابانية لصناعة السيارات، يوم الأربعاء، إن إنتاجها العالمي انخفض، للشهر العاشر على التوالي، في نوفمبر

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

بريطانيا في 2025... عام الاختبار الاقتصادي لستارمر

رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خلال اجتماع مع سلطان بروناي حسن البلقية في 10 داونينغ ستريت بلندن (وكالة حماية البيئة)
رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خلال اجتماع مع سلطان بروناي حسن البلقية في 10 داونينغ ستريت بلندن (وكالة حماية البيئة)
TT

بريطانيا في 2025... عام الاختبار الاقتصادي لستارمر

رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خلال اجتماع مع سلطان بروناي حسن البلقية في 10 داونينغ ستريت بلندن (وكالة حماية البيئة)
رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خلال اجتماع مع سلطان بروناي حسن البلقية في 10 داونينغ ستريت بلندن (وكالة حماية البيئة)

من المتوقع أن يواجه الاقتصاد البريطاني تحديات جسيمة في عام 2025، حيث تشهد مؤشراته الاقتصادية تراجعات ملحوظة وسط تطورات سياسية واقتصادية معقدة. فمنذ أن تولت حكومة كير ستارمر السلطة، لم تكن المهمة الأولى لها، وهي إعادة تشغيل الاقتصاد البريطاني، سهلة أو سلسة. وعلى الرغم من مرور أقل من ستة أشهر فقط على انتخابها، فقد ظهرت مؤشرات اقتصادية مقلقة، مثل تعديل النمو الاقتصادي إلى صفر، وزيادة التضخم بشكل عنيد، إلى جانب تحذيرات من فقدان الوظائف التي تلوح في الأفق.

وعلى الرغم من أن حزب العمال قد أطلق وعوداً اقتصادية بمساعدات للجمهور والأعمال على حد سواء، كانت القرارات المالية التي اتخذتها وزيرة الخزانة راشيل ريفز قد أثارت موجة من الانتقادات، لا سيما بعد الإعلان عن زيادات ضريبية كبيرة في إطار موازنة قوبلت بالرفض من بعض دوائر الأعمال. هذه الزيادة في الضرائب، إلى جانب خطاب اقتصادي صارم، أدت إلى تراجع ملحوظ في ثقة المستهلك والشركات؛ مما يعكس الشعور العام بالقلق تجاه المستقبل الاقتصادي. في الوقت نفسه، شهدت استطلاعات الرأي تدهوراً في دعم حزب العمال، حيث كانت السياسات الاقتصادية تتعرض للهجوم بشكل متكرر من قِبل المعارضة، بما في ذلك من حزب المحافظين، الذين اتهموا الحكومة الجديدة بتخريب الاقتصاد البريطاني في فترة زمنية قصيرة، وفق «الغارديان».

لكن من غير العدل تحميل حكومة كير ستارمر المسؤولية الكاملة عن هذه النتائج السلبية، خصوصاً وأن الاقتصاد البريطاني كان يعاني أزمات اقتصادية طويلة الأمد قبل وصولها إلى السلطة. وعليه، فإن معالجة هذه الأزمات ليست بالأمر السهل أو السريع، وتحتاج إلى وقت طويل لتغيير الاتجاهات الاقتصادية الراسخة. هذا ما أكده الكثير من الخبراء الذين أشاروا إلى أن فترة الركود التي عانى منها الاقتصاد البريطاني في العقد الأخير كانت نتيجة لعوامل متشابكة عدة، وليس ببساطة نتيجة للقرارات الاقتصادية للحكومة الجديدة. كما أكدت راشيل ريفز في تصريحاتها الأخيرة أن «التغيير الاقتصادي لن يحدث بين عشية وضحاها»، وأن الحكومة لن تقدم وعوداً غير واقعية بشأن سرعة التحول الاقتصادي.

ومع أن الصورة الاقتصادية في بريطانيا تبدو أكثر تعقيداً من تلك التي عرضتها وسائل الإعلام، إلا أن الاقتصاد البريطاني قد شهد في النصف الأول من العام الحالي نمواً ملحوظاً مقارنة ببعض الاقتصادات الكبرى الأخرى. وتأثر هذا النمو جزئياً بالانتعاش السريع من الركود الضحل الذي شهده الاقتصاد البريطاني في النصف الثاني من عام 2023، لكنه لم يكن نمواً مستداماً بسبب التحديات المستمرة في القطاعات المختلفة، مثل الخدمات العامة والتجارة الدولية. ورغم هذه التحسينات، أشار بنك إنجلترا في توقعاته إلى أن التضخم قد يتجاوز هدفه البالغ 2 في المائة في النصف الثاني من 2024.

وأظهر تحليل من قبل شركة «كابيتال إيكونوميكس» أن التراجع في النمو في الربع الثالث من العام كان مدفوعاً في جزء كبير منه بعوامل دولية، مثل انخفاض التجارة الصافية، وليس بسبب السياسات المحلية لحزب العمال. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك نمو معتدل في الإنفاق الاستهلاكي، مع زيادة في الاستثمار التجاري أيضاً؛ مما يعكس بعض التحسن في النشاط الاقتصادي رغم العوامل السلبية.

ومع هذا، تظل الحكومة البريطانية تحت ضغوط شديدة من جميع الأطراف. فلا يقتصر الأمر على تباطؤ النمو الاقتصادي والتضخم المرتفع فقط، بل أيضاً على التحديات السياسية التي يواجهها حزب العمال، خصوصاً مع استمرار الضغط من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يطالبون بتعديلات في السياسة الضريبية وإصلاحات في حقوق العمال. في الوقت نفسه، سيظل حزب العمال تحت اختبار حقيقي في عام 2025، حيث يتعين عليه التعامل مع تحديات التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الفائدة، وضعف النمو في أكبر شركاء المملكة المتحدة التجاريين، إضافة إلى احتمال تصاعد الحروب التجارية العالمية في ظل الظروف السياسية الدولية المتقلبة، مثل عودة دونالد ترمب إلى الساحة السياسية الأميركية.

ويمكن القول إن عام 2025 لن يكون مجرد اختبار اقتصادي لحزب العمال وحكومته، بل سيكون عاماً حاسماً في تحديد مستقبل السياسة الاقتصادية في المملكة المتحدة، خاصة في ظل هذه الأزمات المعقدة التي تتداخل فيها العوامل المحلية والعالمية.