«ضي» رحلة طفلٍ نوبي يتحدّى التنمر ويلاحق حلمه عبر الموسيقى

بطل الفيلم لـ«الشرق الأوسط»: سأكون سعيداً في خوض تجربة أخرى

أبطال فيلم ضي في حفل افتتاح «مهرجان البحر الأحمر» (غيتي)
أبطال فيلم ضي في حفل افتتاح «مهرجان البحر الأحمر» (غيتي)
TT

«ضي» رحلة طفلٍ نوبي يتحدّى التنمر ويلاحق حلمه عبر الموسيقى

أبطال فيلم ضي في حفل افتتاح «مهرجان البحر الأحمر» (غيتي)
أبطال فيلم ضي في حفل افتتاح «مهرجان البحر الأحمر» (غيتي)

لطالما عاشت قضايا أصحاب الهِمم في الظل بعيداً عن أضواء السينما. واكتفت الأعمال الفنية في غالبيتها بتناولهم في موضوعات يفسّرها الآخرون وفق رؤيتهم؛ بيد أنّ فيلم «ضي» جاء ليكسر هذا النّمط، مقدماً شخصية من ذوي الهِمم بصفته بطلاً رئيسياً في عملٍ فني يعكِس عمق القضايا الإنسانية.

الفيلم، الذي افتتح الدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، يروي قصة ضي، الطفل النوبي الألبينو البالغ من العمر 14 عاماً، الذي يتمتّع بصوت استثنائي. يواجه تحديات كبيرة بسبب مظهره المختلف الذي يجعله عرضة للتّنمر والتّهميش، لكنه يتمسّك بحلمه في أن يصبح مثل مثله الأعلى الفنان محمد منير. تنطلق رحلته الشاقة من أسوان إلى القاهرة، حيث يسعى للمشاركة في برنامج «ذا فويس» برفقة عائلته.

الفيلم من إخراج كريم الشناوي، وتأليف هيثم دبور، وبطولة بدر محمد، وأسيل عمران، وإسلام مبارك، وعدد من الممثلين.

عن تجربته الأولى في عالم التمثيل، يقول بدر محمد لـ«الشرق الأوسط»: «كانت مميزة جداً. هي خطوتي الأولى في هذا المجال، وللبدايات دائماً طبعها الخاص. استمتعت كثيراً خلال الرحلة، وكانت تجربة لا تُنسى».

لم يكن التحضير لدور ضي سهلاً، فقد تطلّب كثيراً من التدريب، يوضح بدر: «خضعت لتدريبات مكثّفة في التمثيل والغناء، واستغرقتُ وقتاً طويلاً لأكون جاهزاً للدّور، ما ساعدني على تقديمه بشكل كنت أطمح إليه». كما أشار إلى أنه استغرق أشهراً عدّة لتعلّم اللهجة النوبية المُستخدمة في الفيلم وذلك بالتعاون مع مختصين بها.

بطل الفيلم محمد بدر (الشرق الأوسط)

يتناول الفيلم قضية التّنمر على أصحاب الهِمم وصراعاتهم مع المجتمع. يذكر بدر أنه عاش مثل هذا التنمّر في طفولته ويقول إنه «أمرٌ قد يمرّ به كثيرون، وأنا شخصياً عايشته في طفولتي. أمّا اليوم فهناك وعي أكبر بهذا الموضوع، وهو أمر إيجابي جداً». ويؤكد أن الفيلم يحمل رسالة إنسانية عميقة: «أردت أن أُوصل للجمهور أنه ليس علينا الخوف من الناس أو العيش برهاب اجتماعي، فالثقة بالنفس هي المفتاح. وكلّ شخصٍ مختلف هو موهوبُ بطريقة ما، وهذا الاختلاف يجعلنا مميزين».

تجربة بدر في الفيلم كانت مليئة بالمشاعر الحقيقية، يعبّر عن ذلك بقوله: «كانت المشاعر حقيقية. حاولت أن أعيش كلّ لحظة في الدور، وأن أقدّم إحساساً يصل إلى الجمهور».

عن التعاون الإنتاجي بين السعودية ومصر، وصفه بدر بأنه «جميل للغاية. والأجواء كانت مليئة بروح طيبة، وكنّا كأننا عائلة واحدة، نتشارك الحب والدعم».

على الجانب الآخر، يعرض الفيلم صورة مؤثرة للأمومة من خلال دور والدة ضي، التي تتّسم بالحنان والصّلابة في آنٍ واحد. وفي مقابلة خاصة مع الفنانة السودانية إسلام مبارك التي جسّدت الدور، تحدثت بإحساسٍ مرهفٍ عن تجربتها، قائلة: «الشخصية قريبة جداً مني. فقد جمعت بين الحزم والحنان، وهذا ما أشعر أنه جزء من طبيعة أي أم، خصوصاً في الظروف الصعبة». وأضافت: «كان دور الأم من الأدوار السّهلة الممتنعة. عندما قرأت النص لأول مرة قبل 4 سنوات، شعرت بتحدٍ كبير. فالأم في الفيلم تُخفي ابنها لحمايته من التنمر، لكنني أؤمن بأن الحل الصحيح هو في مواجهة التحديات. ويحتاج الطفل إلى أن يعيش حياته بحرّية، وأن يتعلّم كيف يتجاوز صعوباته بنفسه».

خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» لم تتمالك الفنانة دموعها وهي تُهدي نجاحها لجميع الأمهات السودانيات، مؤكدة أن هذا الدّور يُمثّل لهنّ تكريماً خاصاً. وأضافت: «أتمنى أن يَعمّ السّلام بلدي السودان، وأن ينتهي النزاع قريباً. أُهدي هذا العمل لكلّ امرأة سودانية تُناضل لتحقيق أحلامها، ولكلّ من يدعم الفن والثقافة عربياً وعالمياً».

تُعَدّ التجربة السينمائية هذه الثانية للفنانة إسلام مبارك بعد عملها الأول في فيلم سوداني آخر، لكنّها في «ضي» تصف مشاركتها بالخطوة النوعية في السينما العربية، وتقول: «تتقاطع الثقافتان السودانية والنوبية كثيراً، وهذا الأمر ساعدني على أداء الدور رغم اختلاف اللهجات بين القبائل. أنا فخورة بأن أكون جزءاً من هذا العمل الذي يُبرِز قضايا مهمة ويُظهر جمال التنوع الثقافي».

التجربة هذه هي الأولى لبدر، وقد عبّر عن رغبته في مواصلة التمثيل قائلاً: «سأكون سعيداً في خوض تجربة أخرى، لقد أحببت التمثيل من كل قلبي، وأرغب في التركيز عليه أكثر مستقبلاً».

وختم بدر حديثه بتوجيه رسالة أمل لأصحاب الهِمم: «آمنوا بأنفسكم، واجعلوا ثقتكم في الله دائماً. المختلف مميزٌ، وما دُمنا نؤمن بقدراتنا فلا شيء يستحق الخوف منه».

«ضي» ليس مجرد فيلم، بل هو نافذة تسلّط الضوء على قضايا أصحاب الهِمم وتَعرُّضهم للتّنمر. وهذا التنمّر بدوره يعيق إظهار مواهبهم، كما أنه يحتفي أيضاً بالاختلافات بوصفها قوة دافعة نحو التّغيير والإلهام.


مقالات ذات صلة

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

تحتاج إلى إعادة شحن طاقتك... إليك نشاط فردي سيساعدك على ذلك

يمكن للوقت الذي تقضيه بمفردك أن يكون سبباً في إعادة شحن طاقتك (رويترز)
يمكن للوقت الذي تقضيه بمفردك أن يكون سبباً في إعادة شحن طاقتك (رويترز)
TT

تحتاج إلى إعادة شحن طاقتك... إليك نشاط فردي سيساعدك على ذلك

يمكن للوقت الذي تقضيه بمفردك أن يكون سبباً في إعادة شحن طاقتك (رويترز)
يمكن للوقت الذي تقضيه بمفردك أن يكون سبباً في إعادة شحن طاقتك (رويترز)

يحتاج معظم البشر إلى بعض «الوقت الخاص» بهم من حين لآخر. وفي الواقع، وجدت دراسة حديثة أن 56 في المائة من الناس يعتقدون أن قضاء الوقت بمفردهم أمر حيوي لصحتهم العقلية، وفق ما ذكره موقع «هيلث» المختص بأخبار الصحة.

لكن وفقاً لدراسة جديدة، ليست كل العزلة متساوية عندما يتعلق الأمر بتعزيز الرفاهية. ففي حين أن بعض أشكال قضاء الوقت بمفردك يمكن أن تكون مُجددة بل وتُحسّن مشاعر الترابط الاجتماعي، فإن قضاء وقت مكثف بمفردك مثل المشي بمفردك في حديقة قد يجعلك تشعر بمزيد من العزلة وأقل تجديداً.

وتقول صوفيا سبنسر، عالمة النفس الاجتماعي والمعالجة النفسية المقيمة في لندن، لـ«هيلث»، إن هذا البحث الجديد «يشير إلى أن العلاقة بين العزلة والرفاهية أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد سابقاً».

وأراد الدكتور مورغان روس، المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ المساعد في كلية الاتصالات بجامعة ولاية أوريغون، استكشاف كيف ينظر الناس إلى العزلة في عالم اليوم شديد الترابط. وأوضح لـ«هيلث»: «نحن قادرون على التفاعل والتواصل مع الآخرين بسهولة... في الماضي، كان يُنظر إلى العزلة على أنها وحدة جسدية، لكن الآن يجب أن نفرق بين الوحدة الجسدية والوحدة الاجتماعية».

ماذا وجدت الدراسة؟

قام روس وزملاؤه باستطلاع رأي نحو 900 مشارك، كان متوسط ​​أعمارهم 62 عاماً، ونحو ثلثيهم من النساء. وسألهم الباحثون عن تجاربهم مع 4 أنواع من العزلة، مصنفة حسب إتاحة الوصول إلى الآخرين ووسائل الإعلام:

العزلة الأساسية: وحيد ولكن مع إمكانية الوصول إلى الوسائط، مثل الهاتف أو الكتب أو الموسيقى.

العزلة الأساسية مع عدم إمكانية الوصول: وحيد وغير متاح للآخرين، لكن مع إمكانية الوصول إلى الوسائط الإعلامية.

العزلة الأساسية مع عدم وجود وسائل الإعلام: وحيد ومتاح للآخرين، مثل الجلوس في مقهى أو في وسائل النقل العام، لكن دون التعامل مع أي وسيلة إعلام.

العزلة الكاملة: وحيد وغير متاح للآخرين مع عدم إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام.

ومن المثير للدهشة أن العزلة الكاملة لم تكن مفيدة كما افترض الباحثون في البداية. وبدلاً من ذلك، صنّف المشاركون العزلة الأساسية على أنها «الأكثر شفاءً والأقل انفصالاً عن الآخرين»، كما قال روس.

الموقف من العزلة يؤثر

وتشير هذه النتائج إلى أن الوصول إلى الوسائط المألوفة أثناء وجودك بمفردك، بغض النظر عما إذا كنت متاحاً للآخرين أم لا، يمكن أن يوفر الراحة ويقلل من مشاعر العزلة.

وتقول سبنسر: «إنها بالتأكيد واحدة من أولى الدراسات التي رأيتها والتي تقول إنه من الأفضل أن تكون متصلاً بالعالم عندما تكون بمفردك بدلاً من ألا تكون متصلاً على الإطلاق». وتضيف: «ما أراه مع عملائي هو أن معظم الناس يشعرون بالإرهاق التام من مستوى التفاعل الاجتماعي الذي نتمتع به اليوم، سواء على المستوى الشخصي أو على وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك افترضت أن الناس يريدون أن يكونوا في عزلة تامة».

والأهم من ذلك، هو أن الباحثين وجدوا أن موقف الشخص تجاه العزلة يلعب دوراً مهماً في كيفية تصالحه معها. يقول روس: «الأشخاص الذين يعتقدون أن العزلة أفضل بالنسبة لهم، يشعرون بمزيد من الرفاهية كلما زاد انخراطهم فيها».

ومثل أي بحث، فإن الدراسة لها حدودها. واعتمدت النتائج على الدراسات الاستقصائية التي تم الإبلاغ عنها ذاتياً، والقائمة على تصورات المشاركين عن العزلة بدلاً من النتائج الموضوعية. بالإضافة إلى ذلك، كان متوسط ​​عمر المشاركين كبيراً.

وتقول سبنسر: «هناك فرق كبير في الطريقة التي يستخدم بها شخص يبلغ من العمر 61 عاماً الهواتف والتكنولوجيا مقابل شخص يبلغ من العمر 20 عاماً اليوم... نحن لا نعرف ما إذا كان سيتم تكرار هذه النتائج في مجموعة أصغر سناً قد تستمتع أكثر بفرصة البقاء في عزلة تامة».

الوعي الذاتي

على الرغم من نتائج الدراسة، فإن النوع المثالي من النشاط الفردي يختلف من شخص لآخر. ويقول روس: «أعتقد أن هناك فرصة لحُسن اختيار المغامرة الخاصة بك في العزلة، حيث تجد أنواعاً مختلفة تناسبك بشكل أفضل». ويضيف أن من المهم أن يكون لديك موقف إيجابي تجاه الوقت الذي تقضيه بمفردك لتعظيم فوائده التنشيطية.

وتوافق سبنسر على ذلك، مشيرة إلى أن اكتشاف ما ينجح قد يتطلب التجربة والخطأ. وتضيف: «ضع في الاعتبار احتياجاتك المتنوعة - مثلما إذا كنت انطوائياً أو اجتماعياً - ووضع حياتك الخاص».

وتشدد ديا بارسونز، خبيرة الصحة السلوكية، على أهمية الوعي الذاتي خلال هذه العملية. وتقترح أن تطرح على نفسك سؤالاً بسيطاً للمساعدة في إرشادك: هل هذا النشاط أو السلوك يعيد شحني أم لا؟ وتحذر من أنه دون الوعي، يمكن للعزلة أن تتوقف عن كونها علاجية وتبدأ في أن تصبح ضارة.