تبدأ حكاية الفيلم السعودي «هوبال» مع بداية اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1990، حين يجد الجد لِيام (إبراهيم الحساوي) أن في هذه الحرب إشارة لقرب نهاية العالم، مما يدفعه لأخذ عائلته واعتزال البشر في صحراء قاحلة. ومن هنا يربط الفيلم بين أحداث غزو الكويت وما يحدث مع العائلة، في دلالة على الغزو الفكري الذي سيطر على الجد ليام، وجعله متوجّساً من المدينة وسكانها؛ بَيْد أن بعض أولاده يتمردون عليه ويُشكّكون في جدوى قراره، ليحاولوا الفرار من سُلطة الجد. وهنا ينشأ الصراع في الفيلم الذي جاء عرضه العالمي الأول، مساء السبت، في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» بجدة.
طيلة الفيلم، تُطلّ الحرب برأسها إلى أن تبلغ الأحداث ذروتَها مع تحرير الكويت، مما يُعطي دلالة مباشرة على تحرّر الفكر والروح من لوثة التّحجر والتمسّك بالخرافات في عملٍ مليء بالرّمزيات والأفكار العميقة. حظي الفيلم بتصفيق حار من جمهور اكتظت به الصّالة، بعد أن بِيعت كل تذاكره في وقت قياسي، خصوصاً أنه يُعرَض لمرة واحدة فقط في هذا المهرجان.
شخصية ليام
يتحدث الفنان إبراهيم الحساوي، لـ«الشرق الأوسط»، عن شخصية «ليام» قائلاً: «هو دورٌ جديدٌ ومختلف عن جميع أدواري السابقة. وعند قراءتي للنص أُعجبت به بشدّة»، مبيناً أن ليام لم يكن شريراً، كما قد يعتقد البعض، بل هو أبٌ قاسٍ وحنون في الوقت نفسه، خصوصاً مع أحفاده والأطفال، فقد ظهر في أحد المشاهد وهو يهرع لإسعاف حفيدته التي لسعها العقرب، رغم أنها كانت مصابة بمرض مُعدٍ، فلم يكترث لحياته في سبيل إنقاذها.
وأضاف الحساوي: «لم يكن ليام متصالحاً مع حياة المدينة، كما كان لديه جانب روحاني وميل نحو الاعتزال والتصوّف والارتباط بالسماء أكثر من الأرض، وهي تفاصيل عميقة في الشخصية». ويُشير هنا إلى أن هناك تبعات عدة كانت تخيفه، منها وفاة أحد أبنائه حين ذهب إلى المدينة، مما زاد خوفه من أن يلحق به بقية أبنائه. وأردف يقول: «سعيدٌ بتجربة العمل من جديد مع المخرج عبد العزيز الشلاحي، والكاتب مُفرج المجفل، وكلاهما سبق أن عملت معهما في أعمال مختلفة ومميزة».
الصوت والصورة
أضفَت الموسيقى التصويرية على الفيلم أيضاً بُعداً وجدانياً عميقاً، حيث أعطت المؤلفة الموسيقية سعاد بشناق كل شخصية رئيسية «ثيمة» موسيقية مختلفة، وتنقلت في الموسيقى بين التّرقب والخوف، إلى البطولة والإقدام، مروراً بلحظات الحزن والانكسار. كما قدم «هوبال» تجربة بصرية مختلفة كذلك، إذ ساعد تصوير الفيلم في صحراءٍ بجدة في نيوم (شمال السعودية)، بإمتاع عين المشاهد، خصوصاً أنه كان يُصوّر في الأوقات الحقيقية، فالفجر فجر فعلاً، وكذلك بقية الأوقات.
واستغلّ المخرج الشلاحي امتداد الصحراء الفسيحة في إضفاء كثير من الغموض على الأحداث، وشعور الأبطال بالعجز والخوف في مشاهد عدّة، مع قسوة الصحراء وكثرة الحيوانات النافقة التي لم تستطع النجاة. وما بين الفرار من مصيرٍ مجهولٍ، والحياة في عزلة الصحراء، ظلّت شخصيات الفيلم مشكّكة في وضعها طيلة الوقت. وتزداد حدّة الصّراع مع مرض الأبناء، واحداً تلو الآخر، دون أن تكون هناك فرصة لإسعافهم، ومن هنا تظهر الحاجة المُلحّة للطبيب والمستشفى في البلدة القريبة، إلا أن الجد لِيام يتمسّك برأيه في البقاء بالصحراء، لتبدأ العائلة مقاومة سلطته للنجاة من الموت المحتوم. وربما من أصعب مشاهد الفيلم كانت فرحة الأبناء باختفاء الأب المتسلّط، وأُمنية أن يرحل الديكتاتور، ليعيشوا بقية حياتهم كما يريدون.
اللهجة البدوية
ويكاد «هوبال» أن يكون أول فيلمٍ سعودي يُقدَّم باللهجة البدوية ويُظهر تفاصيل حياة البادية بدقة كبيرة جداً، مما ساعد الجمهور على الاندماج مع أحداثه، مع إتقان الممثلين تفاصيل اللهجة رغم صعوبتها. كما أعاد الفيلم كثيراً من الأمثال الشعبية القديمة، وأظهر كيفية التعامل مع قسوة الصحراء وشُحّ الموارد، بما يجعله مرجعاً سينمائياً للأفلام السعودية المعنيّة بحياة الصحراء وأهل البادية.
جدير بالذكر أنه من المنتظر عرض فيلم «هوبال» بصالات السينما، في 2 يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو للمخرج عبد العزيز الشلاحي، والكاتب مفرج المجفل، ويضم عدداً كبيراً من النجوم السعوديين؛ من بينهم: مشعل المطيري، وميلا الزهراني، وإبراهيم الحساوي، ومطرب فواز، وعبد الرحمن عبد الله، ودريعان الدريعان، وحمدي الفريدي، وريم فهد، ونورة الحميدي.