شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

الكرملين ينفي تحميله رسالة للمستشار الألماني لنقلها للرئيس الأوكراني

المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)
TT

شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)

في خضم الحملة الانتخابية في ألمانيا، استعداداً للانتخابات العامة المبكرة نهاية فبراير (شباط)، قرر المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يقود حكومة أقلية منذ أسابيع بعد انهيار ائتلافه، أن يزور أوكرانيا بعد قرابة عامين ونصف العام على زيارته الأولى لها.

وبدا توقيت زيارة المستشار، الذي لم يزر كييف إلا مرة واحدة منذ بداية الحرب، مشبوهاً، وعرَّضه لانتقادات بأنها جزء من «الحملة الانتخابية»، رغم أن فريقه أصر على أن الزيارة مُعَدٌّ لها مسبقاً وحتى قبل انهيار حكومته. واتهمه النائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي رودريش كيسفتر، بأنه «يروج لنفسه على ظهر الشعب الأوكراني، وفي الوقت نفسه يغذي روايات الخوف الروسية». وألمح البعض إلى أن شولتس أراد استباق زيارة محتملة لزعيم المعارضة والمرشح لمنصب المستشار عن حزبه المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرتز، الذي تلقى دعوة لزيارة كييف.

ويتصدر حزب ميرتز استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات بنسبة تزيد على ٣٢ في المائة، وقد يصبح على الأرجح المستشار المقبل. وفي المقابل، يجد شولتس صعوبة في رفع حظوظ حزبه الاشتراكي الديمقراطي، الذي يحل ثالثاً في استطلاعات الرأي بنسبة لا تتجاوز الـ١٥ في المائة.

وغالباً ما يتصادم الرجلان، شولتس وميرتز، في السياسة حول أوكرانيا التي تحتل جزءاً كبيراً من الخطاب السياسي في الاستعدادات للانتخابات العامة.

ومؤخراً، اختلف الرجلان بعد اتصال أجراه شولتس بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوعين. وتَعَرَّضَ المستشار لانتقادات من المعارضة بسبب هذا الاتصال. وقال نواب من الحزب المسيحي الديمقراطي إن الاتصال «دليل ضعف لا قوة» من جانب ألمانيا.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمستشار الألماني أولاف شولتس خلال تكريم الجنود الأوكرانيين الذين سقطوا في الحرب في كييف (أ.ب)

وانتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كذلك اتصال شولتس الذي جاء بمبادرة منه، ببوتين. وقال زيلينسكي إن الاتصال «يفتح صندوق باندورا»، مضيفاً أن شولتس باتصاله هذا ساعد بوتين على تخفيف عزلته الدولية والتمسك بسياساته.

وبعد اتصاله ببوتين، قال شولتس آنذاك إنه استنتج أن الرئيس الروسي لم يغيِّر آراءه، وكرر دعم برلين المُطْلق لكييف.

وعلَّق الكرملين على زيارة شولتس المفاجئة لكييف، وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، إن روسيا «ليست لديها أية توقعات من الزيارة»، نافياً أن يكون بوتين قد سلَّم شولتس أي رسالة لتسليمها للرئىس الأوكراني خلال الاتصال الذي جرى بينهما قبل أسبوعين. وأضاف أن ألمانيا تتمسك «بدعمها غير المشروط لأوكرانيا».

وأجرى شولتس اتصالاً كذلك حول أوكرانيا بالرئيس الأميركي المنتَخب دونالد تامب الذي قال إن وقف الحرب سيكون أولوية بالنسبة له. وبرر شولتس اتصاله ببوتين بعد عامين من التوقف، بأنه لا يجوز أن يأتي رئيس أميركي يتواصل معه وأوروبا لا تتحدث إليه. وفسر بأنه أراد أن يكون مستعداً للدفاع عن موقف أوكرانيا في حال بدء الإدارة الأميركية الجديدة هكذا مفاوضات سلام. ولكن كثيرين يشككون فيما إذا كان ترامب سيأخذ شولتس على محمل الجد، خصوصاً أنه يقود حكومة أقلية، وأيامه باتت معدودة.

وتمتد الخلافات حول أوكرانيا بين شولتس وميرتز إلى نوع الأسلحة المرسلة لكييف. وبينما يعارض شولتس إرسال صواريخ «توروس» الألمانية الصنع والبعيدة المدى لأوكرانيا، يبدي ميرتز مرونة أكبر في ذلك، وقد أبدى استعداده لإرساله لأوكرانيا في حال تسلُّمه الحكومة المقبلة. وعرَّضه ذلك لانتقادات من المستشار الذي وصف تصريحاته بـ«غير المسؤولة». ويبرر شولتس رفضه تسليم هذه الصواريخ لكييف بأن قد تجر ألمانيا إلى الحرب. ويختلف الرجلان في مقاربة ضم أوكرانيا لحلف «الناتو» كذلك؛ وفيما يرفض شولتس ذلك، يرى ميرتز أن ضم كييف للحلف بات لا مهرب منه.

والخلافات مع شولتس في سياسته تجاه أوكرانيا تمتد كذلك إلى حزب الخضر حليفه الوحيد المتبقي داخل الحكومة، فهو يروج منذ بداية الحرب لسياسة أكثر حزماً في دعم كييف، ويؤيد تسليمها صواريخ «توروس» وضمها لـ«الناتو»، وانتقد اتصال شولتس ببوتين.

وجاءت زيارة شولتس، التي التقى فيها زيلينسكي، وزار معه جنوداً أصيبوا في الحرب، وتعهد بمساعدات إضافية بقيمة 650 مليون يورو، في وقت زارت فيه وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيروبوك، الصين حاملة معها ملف الحرب في أوكرانيا بوصفه واحداً من أبرز الملفات.

وقالت بيربوك خلال لقائها بنظيرها الصيني وانغ لي في بكين، إن الحرب في أوكرانيا «تؤثر بشكل كبير في أمن ألمانيا»، وإنها تشكل «تحدياً أساسياً» للسلم الأهلي الأوروبي. وأضافت أنها حذرت مرة جديدة من إرسال الصين طائرات عسكرية من دون طيار لروسيا، وقالت إن هذا سيشكِّل «بعداً جديداً». وكانت بيروبوك قد حذرت بكين مؤخراً من إرسال هذه الطائرات لروسيا، وهددت بأن هذه الخطوة ستكون له عواقب.


مقالات ذات صلة

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

وفاة جان ماري لوبن الشخصية التاريخية لليمين المتطرف الفرنسي

جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
TT

وفاة جان ماري لوبن الشخصية التاريخية لليمين المتطرف الفرنسي

جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)

توفي جان ماري لوبن، الشخصية التاريخية لليمين المتطرّف الفرنسي، الذي وصل إلى نهائيات الانتخابات الرئاسية عام 2002، الثلاثاء، عن عمر يناهز 96 عاماً في منطقة باريس، بمستشفى نقل إليه قبل أسابيع.

وقالت عائلته في بيان تلقّته «وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنّ جان ماري لوبن توفي ظهر الثلاثاء، محاطاً بأفراد الأسرة».

جان ماري لوبن (رويترز)

وأعلن قصر الإليزيه في بيان أن لوبن كان «شخصية تاريخية لليمين المتطرف» الفرنسي، وأصبح «دوره في الحياة العامة لبلادنا منذ نحو 70 عاماً... جزءاً من التاريخ».

وكانت ابنته مارين لوبن على متن طائرة ظهر الثلاثاء عائدة إلى باريس من أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي، الذي زارته تضامناً بعد مرور الإعصار «تشيدو» المدمر.

وانسحب مؤسس الجبهة الوطنية، التي سُميت فيما بعد التجمع الوطني، تدريجياً من الحياة السياسية، بداية من عام 2011، عندما توّلت ابنته مارين لوبن رئاسة الحزب.

وضعفت حال جان ماري لوبن بعد تعرضه لعدة انتكاسات صحية. وفي يونيو (حزيران) كشف تقرير طبي «تدهوراً كبيراً» في حالته الجسدية والنفسية، صار معه عاجزاً عن «حضور» أو «التحضير لدفاعه» في قضية مساعدي نواب الجبهة الوطنية الأوروبيين، التي جرت في باريس بين سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو يفحص علبة حلوى داخل متجر «هايبركاشر» اليهودي في باريس (أ.ف.ب)

ومنتصف نوفمبر أُدخل جان ماري لوبن إلى المستشفى، ثم إلى عيادة متخصصة في غارش غرب باريس، قرب منزله في رواي مالميزون. وأعلنت وفاته بينما كان قسم من الطبقة السياسية الفرنسية حاضراً، الثلاثاء، أمام متجر يهودي في بورت دو فينسين في باريس، بعد 10 سنوات من هجمات يناير (كانون الثاني) 2015.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته خلال إحياء ذكرى مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إبدو» (أ.ب)

وكان جان ماري لوبن خطيباً مفوَّهاً ومحرضاً مثيراً للجدل في قضايا الهجرة واليهود، والأب الروحي الذي واجه منغصات بسبب المقربين منه، لكنه نجح في إخراج اليمين المتطرف الفرنسي من التهميش.

«الجبهة الجمهورية»

لكنه لم ينجح في تحقيق طموحه بأن يصبح رئيساً، رغم أنه أحدث مفاجأة في 21 أبريل (نيسان) 2002، عندما كان عمره 73 عاماً بتأهله للدورة الثانية من الانتخابات. وكان لهذا الانتصار جانب سلبي؛ فعلى مدار أسبوعين، شارك الملايين في مسيرة ضد العنصرية وتجسيدها السياسي، قبل إعادة انتخاب عدوه اللدود جاك شيراك بسهولة.

لم يُعبر الرجل المتصلب مطلقاً عن أي ندم على زلاته المتكررة، سواء كانت عن قصد أو عن غير قصد، والتي أدين بسببها أمام القضاء؛ بدءاً من عدم اعترافه بجسامة المحرقة اليهودية، وعدم المساواة بين الأعراق؛ مروراً بالتخفيف من شأن الاحتلال الألماني لفرنسا.

وبعد 22 عاماً، ففي حين فاز حزب «التجمع» الوطني في الانتخابات الأوروبية، أعطى قرار حل البرلمان الذي اتخذه الرئيس إيمانويل ماكرون ابنته مارين لوبن إمكانية انضمام اليمين المتطرف إلى السلطة، وهو حلم ظن أنه تحقق أخيراً، لكنّه تحطّم على صخرة «الجبهة الجمهورية».

كان جان ماري لوبن متزوجاً من بيريت لالان، والدة بناته ماري كارولين ويان ومارين، ثم تزوج مجدداً من جاني لوبن. ورأى سيباستيان شينو نائب رئيس الجبهة الوطنية أن «وفاة جان ماري لوبن يعني غياب شخصية وطنية عظيمة، صاحب رؤية وشجاع».

وحيّاه رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا لأنه «خدم فرنسا ودافع عن هويتها وسيادتها» عندما خدم في الجيش الفرنسي في «الهند الصينية» والجزائر، وعبّر «عن صوت الشعب في الجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي».

لكن زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلينشون كتب على منصة «إكس»: «إن احترام كرامة الموتى وحزن أحبائهم لا يحجب الحق في الحكم على أفعالهم. تظل أفعال جان ماري لوبن غير مقبولة. لقد انتهت المعركة ضد ذاك الرجل، لكن المعركة مستمرة ضد الكراهية والعنصرية وكراهية الإسلام ومعاداة السامية التي روَّج لها».

وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو إن جان ماري لوبن، و«بعيداً عن الجدل الذي كان سلاحه المفضل والمواجهات حول الجوهر... عرفنا فيه شخصية المقاتل عندما واجهناه».