المشهد الأخير لقائد «حماس»... قصة عائلة غزاوية فرحت بـ«ضياع مُقتنياتها»

نجل شقيق صاحب المنزل الذي قُتل فيه السنوار يروي لـ«الشرق الأوسط» كيف شتتت الحرب أسرته

منزل عائلة أبو طه الذي هُدم خلال حرب غزة وداخله السنوار (الشرق الأوسط)
منزل عائلة أبو طه الذي هُدم خلال حرب غزة وداخله السنوار (الشرق الأوسط)
TT

المشهد الأخير لقائد «حماس»... قصة عائلة غزاوية فرحت بـ«ضياع مُقتنياتها»

منزل عائلة أبو طه الذي هُدم خلال حرب غزة وداخله السنوار (الشرق الأوسط)
منزل عائلة أبو طه الذي هُدم خلال حرب غزة وداخله السنوار (الشرق الأوسط)

قبل 5 شهور، كان المنزل الواقع في حي السلطان غرب مدينة رفح، لا يزال قائماً على حالته رغم الدمار حوله. تدخُل من بابه، فتلتقي دولابه الصغير المخصص للأحذية، تخلع نعليك وتمضي إلى مقاعد على الأرض. إلى اليسار طقم جلوس آخر «أنتريه» برتقالي اللون، وإلى اليمين من المركز مكان ثالث للجلوس، لدى العائلة «الكبيرة والمترابطة» التي شتتت الحرب الإسرائيلية شملها، حسبما قاله عمرو أبو طه لـ«الشرق الأوسط».

وعمرو هو نجل شقيق أشرف أبو طه صاحب المنزل الذي قُتل داخله رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، يوم الخميس 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فتحول من منزل مهدَّم مثله مثل أكثر من 70 في المائة من منازل القطاع، إلى آخر مميز، هو وعائلته التي احتفت باحتضان جدرانها للسنوار لآخر مرة.

طقم «الأنتريه» الذي ظهر السنوار لآخر مرة على كرسيه (الشرق الأوسط)

ودَّع عمرو عمه -وكان مقيماً في البيت يرفض النزوح- قبل أن يخرج هو وزوجته وبناته من غزة إلى مصر، في مارس (آذار) الماضي، وبعد شهرين فقط، اصطحب عمه أبناءه وخرجوا إلى خيمة في خان يونس.

انقطعت أخبار البيت عن العائلة، لم يعلموا قبل مشهد السنوار الأخير أن حيطانه فقدت كثيراً من أحجارها بفعل القصف المتواصل للمنطقة، وأن «الأنتريه» البرتقالي بهت لونه وبات أقرب للرمادي، وأن المنزل سيُهدم كله، ورغم ذلك سيصبح محطاً للأنظار، وجزءاً من محكية ستظل تُروى.

ذاكرة الفرح

«ربنا بيحب عمي، عمي طيب ومحبوب جداً على مستوى غزة، عشان كده ربنا ابتلاه، العبد المحبوب مبتلى»، يتذكر عمرو بفخر عمه الذي يبعد عنه الآن مئات الكيلومترات، والبيت الواقع في شارع ابن سينا.

بُني البيت «الرحب» على أرض للجد أبو طه، يقول عنه عمرو إن جده تزوج 3 مرات، وله من الأبناء 10، ثم يستطرد: «الجواز والخلفة عندنا مقاومة».

رسم شجرة في جدران المنزل كانت ممتدة ومتفرعة مثل العائلة الكبيرة المترابطة (الشرق الأوسط)

تزوج عمرو في سن الـ24، بفضل عمه الذي وهبه شقة في منزل العائلة، بعدما شيَّد البيت الذي احتضن السنوار في مشهده الأخير. والبيتان يبعدان بعضهما عن بعض نحو 3 كيلومترات فقط.

لم تكن هبة الشقة هدية العم الوحيدة؛ إذ أصرّ أن يُقيم عمرو عرسه في باحة منزله. تَزيَّن المنزل؛ بل والشارع، وتواصلت الأفراح فيه 3 أيام كعادة أهل غزة، كان ذلك عام 2015.

الآن، بفعل الحرب، يقطن عمرو شقة مؤجَّرة في ضاحية «جسر السويس» شرق العاصمة المصرية (القاهرة) ويسكن عمه ووالده في خيمتين متجاورتين في خان يونس البلد حيث نزحا، على مسافة نحو نصف ساعة بالسيارة من المنزل.

«تخيلي بين عمي وبيته 25 دقيقة فقط، 25 دقيقة وكان عمي استشهد»، هكذا قال الشاب الغزاوي في إشارة إلى مصير عمه لو كان موجوداً وقت موقعة مقتل السنوار، أو إذا ما حاول العودة لتفقد ركام منزله؛ مشيراً إلى أن العودة حالياً غير واردة، وثمة غزيون ذهبوا لإحضار ملابس شتوية من منازلهم، فقتلهم الجيش الإسرائيلي قبل الوصول.

يشتاق الشاب الفلسطيني لعائلته، وللمنزل الذي كان أول من اكتشفه بعد الواقعة، هو وابنة عمه سلوى، وهي الطفلة نفسها التي تظهر في الصورة التي انتشرت بشكل واسع، بجوار صورة حملت تعليق «أطهر وأشرف كرسي في بيتنا» التي نشرها عمرو.

يقول عمرو: «أول إشي لفت نظري الكرسي البرتقالي. مميز»؛ مشيراً إلى أن هذا «الطقم كان هدية من جدته إلى عمه»، ويضيف: «عرفنا المنطقة اللي وقع فيها الهجوم، وشفنا صورة لباقي البيت من بره وأثناء خروج الجثمان».

أول صورة نشرتها العائلة للكرسي الذي قُتل عليه السنوار بعد التعرف عليه وإلى جواره سلوى ابنة أشرف أبو طه

عرض أثرياء عرب على عمرو شراء الكرسي الذي فاضت عليه روح السنوار، إن وُجد بعد انتهاء الحرب، ولو بـ«100 ألف دولار»؛ لكنه قال: «إنهم إذا ما كانوا محظوظين ووجدوه، فلن يفرطوا فيه ولو بملايين»، وكان ذلك رأي عمه أيضاً الذي علَّق على العرض: «العوض من الله». ويعلق عمرو: «إن البيت سُوِّي بالأرض».

لا تنتمي العائلة تنظيمياً لـ«حماس»، وفق الشاب الفلسطيني الذي يقول: «كل فلسطيني في دمه المقاومة، نحن فدا فلسطين»؛ مشيراً إلى أن «والده وعمه يعملان لدى السلطة الفلسطينية موظفين، بالإضافة إلى عمل الأخير في التجارة». أما عمرو فيعمل «حلوانياً»، وينوي قريباً فتح محل حلوى غزاوية في مصر، مثل تلك التي اعتادت العائلة تناولها في تجمعاتها.

تواصل متقطع

يحاول عمرو يومياً التواصل مع عائلته في خان يونس؛ لكن حظه لا يسعفه أكثر من مرة كل 3 أيام: «الشبكة مش مليحة، والصوت بيقطع». الأمر نفسه واجهته «الشرق الأوسط»، إذ تواصلنا في البداية مع أشرف أبو طه عبر الهاتف، فلم تسمح الشبكة سوى بالتقاط بضع كلمات بسيطة مستفسرة، ثم انقطع الخط أكثر من مرة.

جانب من المنزل الذي توفي فيه السنوار (الشرق الأوسط)

يقول عمرو: «العائلة خولتني التحدث باسمها إلى وسائل الإعلام عن قصة بيت عمي؛ لأن الشبكة عندي أفضل». هو الوحيد من العائلة الذي استطاع الخروج من غزة خلال الحرب.

بأسى ينعى الشاب السنوار، وكذلك «شقا عمه» في المنزل، ممجداً لحظة تقاطع عائلتهم مع مقتل السنوار، والتي ربما كتبت للمنزل خلوداً خاصاً في الذاكرة. ليست ذاكرتهم فقط.


مقالات ذات صلة

شمال غزة يعيش «أحلك» أيام الحرب

المشرق العربي عائلات نازحة تفرّ من عمليات الجيش الإسرائيلي في جباليا شمال غزة (أ.ف.ب)

شمال غزة يعيش «أحلك» أيام الحرب

تتواصل المجازر الإسرائيلية بوتيرة يومية في شمال غزة الذي يعيش «أحلك» لحظات الحرب، بحسب وصف مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الذي حذّر أمس من

«الشرق الأوسط» ( غزة ـــ القاهرة)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يأمل أن ترفض «حماس» مفاوضات الهدنة

تؤكد أوساط سياسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما زال متمسكاً في نهجه بإفشال مفاوضات الهدنة والسعي لاستمرار الحرب.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون ينقلون المياه النظيفة أمام مدرسة تابعة للأمم المتحدة تحولت إلى مأوى في حي ناصر بمدينة غزة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

في غياب استراتيجية خروج واضحة... خبراء يخشون بقاء إسرائيلياً مفتوح المدة في غزة

يعتقد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا إيلاند أن إسرائيل تواجه أشهراً من القتال في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مريضة تحتاج إلى غسل الكلى يتم نقله إلى المستشفى في سيارة إسعاف في جنين (أ.ف.ب)

القصف الإسرائيلي يمنع سكان الضفة من تلقي الرعاية الصحية

أصبح الطريق غير سالك أمام مستشفى جنين في الضفة الغربية المحتلة، بعدما دمّره الجيش الإسرائيلي خلال عملية مؤخراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عناصر من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» يسلمون محتجزين مفرج عنهم إلى «الصليب الأحمر» في رفح 28 نوفمبر 2023 ضمن صفقة تبادل الرهائن والأسرى بين «حماس» وإسرائيل (د.ب.أ)

مسؤول إسرائيلي: علينا إظهار المرونة للتوصل إلى صفقة بشأن المحتجزين

قال مسؤول إسرائيلي كبير مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المحتجزين إنه لن يكون هناك تقدم إذا لم تظهر إسرائيل بعض المرونة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

اليمن يطالب بجدولة فوائد ديونه... وبدعم مالي عاجل

المعبقي وبن بريك يلتقيان في واشنطن رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي الجديدة لليمن (سبأ)
المعبقي وبن بريك يلتقيان في واشنطن رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي الجديدة لليمن (سبأ)
TT

اليمن يطالب بجدولة فوائد ديونه... وبدعم مالي عاجل

المعبقي وبن بريك يلتقيان في واشنطن رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي الجديدة لليمن (سبأ)
المعبقي وبن بريك يلتقيان في واشنطن رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي الجديدة لليمن (سبأ)

بالتزامن مع تراجع سعر العملة اليمنية (الريال) إلى مستويات قياسية، بحث اليمن مع صندوقَي النقد العربي والدولي إمكانية إعفائه من فوائد الديون المتأخرة والحصول على تمويلات إضافية، كما طالب بدعم اقتصادي عاجل لتجاوز التحديات المرتبطة بتوقف تصدير النفط والغاز نتيجة استهداف الحوثيين موانئ التصدير والهجمات على الملاحة في البحر الأحمر.

ومع تراجع سعر العملة اليمنية إلى مستوى قياسي لأول مرة في تاريخها؛ إذ تجاوز الدولار الواحد حاجز ألفَي ريال، التقى محافظ البنك المركزي ووزير المالية في الحكومة اليمنية، في واشنطن، مسؤولين في صندوقَي النقد الدولي والعربي، بهدف الحصول على مساعدات مالية جديدة وإعفاء اليمن من فوائد الديون المتأخرة.

محافظ «المركزي اليمني» قال إن دائرة الفقر اتسعت لتشمل 80 % من السكان (إعلام حكومي)

ووفقاً للمصادر الحكومية، بحث محافظ البنك المركزي أحمد غالب، ووزير المالية سالم بن بريك، مع رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي فهد التركي، إمكانية حصول اليمن على موارد مالية من الصندوق، تسهم في التخفيف من آثار الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة. كما بحثا أيضاً معالجة مديونية اليمن والتوصل إلى حلول لسداد متأخرات أقساط القروض والفوائد، وإمكانية الحصول على إعفاءات على الفوائد المتأخرة وسداد الأقساط بشكل ميسر.

اللقاءات تناولت أيضاً، طبقاً لهذه المصادر، التطورات في برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية مع رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي الجديدة لليمن، أستر بيريز رويز، والممثل المقيم للصندوق في اليمن والعراق محمد جابر، ومستجدات الوضع الاقتصادي والإنساني، والأوضاع المالية والنقدية في ظل النقص الحاد في الموارد الحكومية نتيجة توقف الصادرات النفطية وزيادة الطلب على العملة الأجنبية لتغطية فاتورة الاستيراد، وتأثيراتها على العجز في ميزان المدفوعات.

فَقْد 6 مليارات

أكد محافظ البنك المركزي اليمني أن بلاده فقدت أكثر من ستة مليارات دولار من مواردها الذاتية خلال الثلاثين شهراً الماضية فقط نتيجة لتوقف صادرات النفط والغاز بسبب هجمات الحوثيين على مرافئ وناقلات النفط، إضافة إلى استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وضاعف ذلك - بحسب المسؤول اليمني - من تكلفة النقل والتأمين واضطراب سلاسل الإمداد، والتي أدت إلى زيادة معاناة الشعب، وتدهور متسارع في الأوضاع، وانعدام الأمن الغذائي، وعدم القدرة على توفير الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات الفقر لتتجاوز أكثر من 80 في المائة.

محافظ «المركزي اليمني» ووزير المالية مع مدير صندوق النقد العربي (إعلام حكومي)

وخلال اجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، المنعقدة في واشنطن، تطرق محافظ «المركزي اليمني» إلى الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي تعيشها بلاده بسبب الحرب التي تقترب من إكمال عامها العاشر، وبسبب التطورات الإقليمية والدولية غير المواتية وانعكاساتها على المنطقة والعالم، ومنها اليمن.

ودعا المسؤول اليمني إلى ضرورة تقديم دعم عاجل لبلاده والاستفادة من برامج التمويل التي يقدمها الصندوق للدول التي تمر بأزمات مشابهة والدول التي هي أكثر هشاشة.

توجيهات حكومية

بالتزامن مع هذه التحركات، وجهت الحكومة اليمنية اللجنة العليا لمكافحة التهريب بتعزيز إجراءات مراقبة تهريب العملة والذهب من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة الحوثيين أو إلى الخارج.

كما عقدت اللجنة الأمنية العليا واللجنة العسكرية اجتماعات مماثلة مع قيادة البنك المركزي اليمني بهدف تنسيق إجراءات مكافحة التهريب والمضاربة في سعر العملة، بعد تأكيد رئيس الوزراء أحمد بن مبارك أن حجم السيولة النقدية في السوق لا يبرر الزيادة الكبيرة في سعر الدولار، واتهم جهات لم يسمها بالمضاربة في سعر العملة.

وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي استعرض خلال تسلمه أوراق اعتماد عدد من السفراء الجهود المبذولة لإعادة بناء مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن، والمضي في الإصلاحات الاقتصادية والإدارية الشاملة، و«احتواء تداعيات الهجمات الإرهابية الحوثية على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية».

العليمي تسلم في عدن أوراق اعتماد عدد من السفراء لدى اليمن (سبأ)

وأكد العليمي تمسك المجلس والحكومة بنهج السلام الشامل، القائم على المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، والمواطنة المتساوية، وتعزيز قدرات الحكومة في بناء الاقتصاد، وتقديم الخدمات، وبسط نفوذها على كامل التراب الوطني.

وكرر رئيس مجلس الحكم اليمني التأكيد على أهمية الاعتماد على الحكومة الشرعية كشريك موثوق لضمان حرية الملاحة الدولية، ومكافحة التطرف والإرهاب، والقرصنة، وأهمية التزام المجتمع الدولي بآلية التفتيش الأممية، وقرار حظر الأسلحة المزعزعة لأمن واستقرار اليمن والمنطقة برمتها.

ومع إشادته بالتدخلات الإنمائية والإنسانية من تحالف «دعم الشرعية» بقيادة السعودية والإمارات، أكد العليمي أنه لولا هذا الدعم لكانت الحكومة اليوم عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية، بما في ذلك عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين، معرباً عن تطلعه إلى دعم اقتصادي دولي أكبر للحكومة، وخطط الاستجابة الإنسانية وجهود إحلال السلام.