تونس بعد رابع عملية إرهابية نوعية.. التوافق السياسي أو الفوضى

المتفجرات والأسلحة ليبية والمنفذون «مراهقون تونسيون»

شرطي يعاين آثار الانفجار الذي تعرضت له الحافلة خلال الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة التونسية يوم الأربعاء (أ.ب)
شرطي يعاين آثار الانفجار الذي تعرضت له الحافلة خلال الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة التونسية يوم الأربعاء (أ.ب)
TT

تونس بعد رابع عملية إرهابية نوعية.. التوافق السياسي أو الفوضى

شرطي يعاين آثار الانفجار الذي تعرضت له الحافلة خلال الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة التونسية يوم الأربعاء (أ.ب)
شرطي يعاين آثار الانفجار الذي تعرضت له الحافلة خلال الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة التونسية يوم الأربعاء (أ.ب)

يتواصل في تونس تطبيق إجراءات حالة الطوارئ وحظر التجول في العاصمة ليلا مع تعطيل عدد من القوانين من بينها تلك التي تنظم الحق في التظاهر وتنظيم الإضرابات.
وشددت قوات الأمن والجيش التونسي تنفيذ قرار غلق كل المنافذ الحدودية مع ليبيا مع مطالبة جميع الليبيين والأجانب المقيمين في تونس بصفة غير قانونية بتسوية وضعياتهم حتى لا يقع ترحيلهم تنفيذا لـ14 قرارا استثنائيا أصدرها مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ردا على العملية الإرهابية «التي استهدفت عشرات من قوات الأمن الرئاسي على بعد 200 متر من المقر المركزي لوزارة الداخلية في الشارع الرئيسي للعاصمة تونس».
وقد كشف رئيس الحكومة الحبيب الصيد ووزير الداخلية ناجم الغرسلي أن «المتفجرات التي استخدمت في الهجوم على حافلة الأمن الرئاسي ليبية كانت تستخدم في المؤسسات العسكرية الليبية في عهد القذافي». لكن السؤال الكبير في تونس اليوم: ماذا بعد هذه العملية الإرهابية «النوعية» الرابعة من نوعها في نحو نصف عام؟ هل سينتصر الخيار السياسي أم تدفع البلاد نحو منعرج أمني عسكري؟
قيادات الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني أجمعت على إدانة الجريمة الإرهابية الجديدة واعتبرت أن «تربة تونس لا تسمح بانتصار الإرهابيين وإن نجحت بعض المجموعات في شن هجمات محدودة» على غرار ما ورد على لسان بوجمعة الرميلي المدير التنفيذي للحزب الحاكم ونور الدين البحيري الوزير السابق للعدل والقيادي في حزب النهضة ومحسن حسن البرلماني والقيادي في حزب المؤتمر الوطني.
لكن كثيرا من السياسيين والخبراء الأمنيين - مثل أمير اللواء المتقاعد والمدير العام السابق للأمن العسكري محمد المؤدب - أعربوا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن توقعات بـ«أن تشهد تونس عمليات إرهابية جديدة بحكم تداخل الأوضاع الأمنية والسياسية في تونس بالمستجدات في محيطها الإقليمي وخاصة في جارتيها ليبيا والجزائر».
في نفس الوقت أعرب الخبير الأمني محمد ناصر المهداوي عن تخوفاته من «انفجار أزمات أمنية في تونس بسبب نقص الاعتماد على الخبراء الأمنيين الحقيقيين مقابل فتح مزيد من الفرص للسياسيين والجامعيين الذين يفتقرون للخبرة والكفاءة في الملفات الأمنية والعسكرية».
في المقابل حذر الجامعي والمسؤول السابق في الحكومة محمد بن نصر من «الارتجال» الذي برز مجددا عند التعامل مع ملف الإرهاب. وحذر محمد بن نصر من كون «التصدي للإرهاب في تونس لا يكون ممكنا إلا بالكشف عن المخططين والمنفذين لجرائم الاغتيال السياسي وكل الجرائم التي تبعت ذلك».
وطالب بن نصر بـ«فتح ملفات جرائم المافيا السياسية والأمنية التي تفاجئننا كل مرة بعملية أبشع من التي سبقتها في محاولة لاستبلاه الشعب وتزوير الحقائق».
لكن رئيس نقابة الأمن الرئاسي هشام الغربي ورفاقه بدوا «مستائين جدا» من الهجوم الإرهابي الذي استهدف عشرات من زملائهم لأسباب كثيرة لأنه شمل لأول مرة «قوات النخبة التابعة لرئاسة الجمهورية في شارع مدني وسط العاصمة» في محاولة من التنظيمات الإرهابية الإيحاء بكونها قادرة على ضرب كل الأهداف في الجبال والمدن بما في ذلك مؤسسة رئاسة الجمهورية.
ولاحظت بدرة قعلول رئيسة مركز الدراسات الأمنية والعسكرية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى كون الهجوم على قوات الأمن الرئاسي هو رابع عملية «نوعية» و«خطيرة جدا» في ظرف 8 أشهر فقط.. بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الهجمات الإرهابية التي عمقت التخوفات من الخطر الإرهابي على تونس بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى خلال الهجومين على المتحف الوطني بباردو ومقر مجلس النواب في موفى مارس (آذار) ثم على فنادق منتجع سوسة السياحي في موفى يونيو (حزيران).. وصولا إلى ذبح راعي الغنم الشاب مبروك السلطاني في جبل «مغيلة» - 300 كلم جنوبي العاصمة تونس - بعد ترويج شريط فيديو يفسر الجريمة باعترافاته قبل قطع رأسه بكونه «يتعاون مع الأمنيين والعسكريين بمقابل مالي».
وتوقعت بدرة قعلول مع عدد من الخبراء الأمنيين التونسيين والليبيين مثل عبد اللطيف الحناشي وجمال علي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الهجمات «النوعية» التي يشنها «الجيل الثالث والرابع من تنظيم القاعدة» وفروعه في «المغرب الإسلامي» جزءا من تحركات استعراضية لمحاولة «فرض نفسها كمعطى إقليمي ودولي منافس» لـ«داعش» ولقيادات «القاعدة» القدامى في أفغانستان وباكستان.. بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وتلامذتهم.
وتوقع الخبير في الإعلام والاتصال والعلاقات الدولية رضا الكزدغلي أن «تشهد تونس ضربات أمنية جديدة إذا لم ينجح مسار التسوية السياسية في ليبيا وإذا لم تنجح قيادات الحزب الحاكم في تونس - حزب النداء - في تجاوز تناقضاتها ومخاطر انقسامها.. لأن انهيار الأغلبية البرلمانية الحالية قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة واستفحال مخاطر الفوضى والمنعرجات الأمنية والعسكرية مجهولة العواقب.. وقد يكون من بينها دفع تونس نحو خيارات تشبه المنعرج الذي سجل في مصر وليبيا في صائفتي 2013».
وانتقد ممثلو منظمات حقوقية وإعلامية تونسية - مثل الإعلامي المعارضي محمد بنور - طريقة تعامل غالبية المسؤولين السياسيين والإعلاميين و«أشباه الخبراء الأمنيين» و«ممثلي النخبة» في وسائل الإعلام بعد جريمة حافلة الأمن الرئاسي بالقرب من شارع بورقيبة. واعتبر بنور أن ذلك «لا ينبئ بحصول تطور إيجابي جدي في التعامل مع ملفات العنف والإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة والأجندات السياسية للقوى المعادية للديمقراطية والإصلاح الحقيقي في تونس ودول المنطقة».
ورجح الصحبي الجويني رئيس نقابات الأمنيين التونسيين أن «تتسبب أخطاء السياسيين والمسؤولين الحكوميين والإعلاميين في أن تشهد تونس مجددا عمليات إرهابية جديدة يسقط فيها مزيد من الأبرياء المدنيين والعسكريين والأمنيين.. هدفها زعزعة استقرار النظام مثلما ورد على لسان رئيس الحكومة الحبيب الصيد».
وقد اعتبر الجامعي والخبير في الدراسات السياسية والقانونية نوفل سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن من بين ما يثير الانتباه أن غالبية وسائل الإعلام. والقنوات الإذاعية والتلفزية تابعت بعد جريمة محمد الخامس - شارع بورقيبة تعليقات تبدو أقرب إلى «السطحية» والترويج لمفاهيم «بدائية» للإرهاب ولاستراتيجيات مكافحته.. مثل ضرورة سن قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب.. وكأن الانتحاري سيستفسر «الخبراء» عن عقوبته بعد موته في هجوم إرهابي يتسببه في مقتل عدد من المدنيين والعسكريين الأبرياء؟؟
وبعد أن تبين أن منفذي سلسلة الهجمات الإرهابية الجديدة
في تونس «شبان ومراهقون كانوا مدمنين على الكحول والمخدرات قبل أن تستوعبهم الجماعات المتشددة دينيا» فإن السؤال الكبير بالنسبة لعالم الاجتماع والوزير السابق للثقافة المهدي مبروك: متى تبدأ الأطراف السياسية والإعلامية والأمنية تقديم قراءات علمية معمقة وهادئة للأسباب الحقيقية لبروز ظاهرتي الإرهاب والتهريب ثم تعاظم تأثيرهما في الأوساط الشبابية خاصة بين أبناء الولايات الحدودية مع ليبيا والجزائر والجهات المهمشة في الجنوب وفي المناطق الغربية والأحياء الشعبية «وأحزمة الفقر» حول العاصمة وبعض المدن الكبرى؟
في الأثناء كشف وزير الداخلية نماجم الغرسلي والوزير المستشار لرئيس الحكومة كمال الجندوبي أن من بين أولويات الحكومة مستقبلا «تجفيف المنابع المالية والفكرية للمجموعات الإرهابية».
وفي هذا الصدد برزت دعوات إلى «تضييق الخناق» على عدد كبير من الجمعيات والأحزاب وفرض سلطة الدولة على الجوامع «الخارجة عن القانون».
إلا أن كثيرا من بين من قاموا بدراسات معمقة لتطورات شبكات المجموعات المسلحة والعصابات المتشددة في تونس والمنطقة العربية - مثل الوزير السابق أسامة رمضاني - يشككون في نجاعة «ردود الفعل الفلكلورية» و«القرارات الاستعراضية» مثل التلويح بحظر مجموعة من الجمعيات والأحزاب. ويسجل الجامعي علية العلاني أن «المسلحين الجهاديين» و«الإرهابيين الجدد» ليسوا بالضرورة من بين رواد الجوامع ولم يعودوا من بين من يطلقون اللحى ويجبرون النساء على ارتداء النقاب والحجاب.. بل لقد تبين أن بينهم من كان يحتسي الخمر ويتناول المخدرات ويرقص ليلا في ملاهي الفنادق السياحية.
لكن السؤال الكبير بالنسبة للتونسيين والتونسيات هو: ما هي الخطوات العملية العاجلة المطلوبة اليوم لمكافحة الإرهاب والمجموعات المسلحة أو الحد من الخطر؟
ألا ينبغي دعم خيار التوافق السياسي مجددا وتقوية الحكومة والبرلمان «حتى لا ينهار البيت على كل من فيه من ليبراليين ويساريين وإسلاميين»؟
الوزير السابق والقيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي حذر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من مخاطر «دفع البلاد نحو المجهول».
في المقابل دعت الأمينة العامة للحزب الجمهوري إلى «خطة إنقاذ سياسي شامل تجنب البلاد مخاطر المنعرجات العسكرية والأمنية التي تطيح بالتجربة الديمقراطية». وطالب الزعيم التاريخي للمعارضة التونسية أحمد نجيب الشابي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى إصلاحات سياسية وأمنية اقتصادية فورية تهدف إلى «القضاء على الأسباب العميقة للجريمة والعنف والفوضى والتطرف ومن بينها الفقر والتهميش والأمية والبطالة والإحساس بالضيم والظلم».
لكن أولوية الأولويات قد تكون حسب الجامعي ورئيس رابطة التعدد الثقافي احميدة النيفر والناشط الحقوقي محمد القوماني قد تبدأ بإجراء دراسات مقارنة للتجارب الناجحة في مكافحة التطرف والعنف والجريمة المنظمة والإرهاب مثل تجارب المغرب والجزائر والأردن.. أي التجارب التي اهتمت بالأبعاد الفكرية والدينية والسياسية عند رسم مخططات محاربة «التكفيريين» والإرهابيين.
ولئن تميزت منطقة المغرب العربي تاريخيا بعلماء وكتاب مسلمين متسنيرين مثل ابن خلدون وابن رشد والشاطبي وسالم بوحاجب والثعالبي والطاهر والفاضل بن عاشور والطاهر حداد.. فإنه من العبث إهدار الطاقات في التسلح والمعارك الأمنية في بلد يفتقر إلى سياسات ثقافية وعلمية ودينية عقلانية رغم ثراء مكتبته العربية الإسلامية المستنيرة، حسب أستاذ الحضارة والفكر العربي والإسلامي في الجامعة التونسية زهير بن يوسف.. الذي أكد على كون «الفكر لا يحارب إلا بالفكر» واعتبر أن «قتل عشرات الإرهابيين لن يعني أبدا القضاء على فكرهم الذي انتشر في كل مكان.. لأن الصحوة الإيمانية التي لا تقترن بالوعي والعقلانية تفرز التطرف المتعدد الألوان».
وإذا لم تنظم حملات شاملة وسريعة لنشر الفكر الإسلامي المستنير فقد تكون تونس وكامل المنطقة ضحية لأعمال إرهابية جديدة تخسر فيها المزيد من الأبرياء المدنيين والعسكريين والأمنيين.
لكن كل تلك الحملات لن تنجح إلا على وقع إدخال إصلاحات جوهرية على أداء مؤسسات الدولة وهياكلها.. وإذا قرر صناع القرار الاقتصادي والسياسي أن يستبعدوا نهائيا سيناريو جر البلاد إلى الفوضى فعليهم العودة إلى خيار التوافق السياسي الذي يعتبر نقطة القوة الرئيسية في «الاستثناء التونسي» منذ سنوات.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».