لماذا وكيف ينبغي أن نقرأ جبران اليوم؟

كتاب جديد يضعه على خريطة الأدب العالمي

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران
TT

لماذا وكيف ينبغي أن نقرأ جبران اليوم؟

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران

من قوة إلى قوة تسيرُ سلسلة «دراسات إدنبرة في الأدب العربي الحديث»، التي تصدر باللغة الإنجليزية عن مطبعة جامعة إدنبرة في أسكوتلندا، ويشرف عليها الدكتور رشيد العناني، أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة إكستر البريطانية. فبعد أن أصدرت السلسلة، اعتباراً من عام 2013، 29 كتاباً تغطي شتى مجالات الأدب العربي منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، ها هي ذي تصدر في هذه الأيام كتابها الثلاثين، وعنوانه «جبران خليل جبران في سياق الأدب العربي العالمي» (Gibran Khalil Gibran as Arab World Literature)، من تأليف غزوان أرسلان (Ghazouane Arslane)، المحاضر في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة العربي التبسي- تبسه في الجزائر.

جبران (1883 - 1931) كما هو معلوم أشهر أدباء المهجر الأميركي الشمالي، يحتل مكانة لا ينازعه فيها سوى أمين الريحاني وميخائيل نعيمة (عندي أن هذا الأخير أنبغ الثلاثة). فجبران ركن أدبي مكين من أركان النهضة الأدبية الحديثة، شاعر وقاص ومسرحي وكاتب مقالة وكاتب رسائل باللغتين العربية والإنجليزية، فضلاً عن كونه فناناً تشكيلياً له لوحاته ورسومه. لقد كان كتابه «النبي» الصادر بالإنجليزية في 1923 (ونحن نعرف مدى ولع الأميركيين بكل صرعة جديدة في الفكر والحياة والفنون) من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية. وقد ترجم الكتاب إلى 104 لغات وله ثماني ترجمات مختلفة إلى اللغة العربية. وصلت شهرة جبران إلى الصين، وكان رئيساً لـ«الرابطة القلمية» في أميركا حتى وفاته، وحظي في العالم العربي بتقدير مفكرين وباحثين ونقاد وأدباء مهمين مثل أدونيس ويوسف الخال وخليل حاوي وحليم بركات وغيرهم. وما زال حاضراً في الذاكرة الثقافية العربية بعد مرور قرابة قرن من الزمن على رحيله، إذ يُعقد مؤتمر دولي يحمل اسمه، وتؤلف عنه دراسات وأطروحات جامعية وكتب أحدثها هذا الكتاب.

وحين ترجم الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، عدداً من أعمال جبران المكتوبة بالإنجليزية (ظهرت ترجمته لكتاب «النبي» في 1959)، كتب الدكتور لويس عوض قائلاً إن صدور هذه الترجمات مؤشر إلى انبعاث للحركة الرومانسية، خصوصاً وقد تزامن صدورها مع صدور كتاب من النثر الغنائي عنوانه «المساء الأخير» للقاص يوسف الشاروني، وديوان من الشعر المنثور للشاعر المستشار حسين عفيف. وفي فترة لاحقة قدمت الروائية والأكاديمية المصرية الراحلة الدكتورة رضوى عاشور إلى جامعة القاهرة رسالة ماجستير عن «جبران وبليك»، وترجم ماهر البطوطي من مهجره الأميركي مسرحية جبران المكتوبة بالإنجليزية «الأعمى» وقُدّمت على خشبة «مسرح السلام» بالقاهرة.

وكتاب غزوان أرسلان (الذي يحمل درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة كوين ماري في لندن) عمل أكاديمي جليل يشهد بتمكن مؤلفه من موضوعه ويمتاز بتحليله الدقيق لنصوص مختارة من جبران. وإذ يبدأ كتابه بسؤال: لماذا وكيف ينبغي أن نقرأ جبران اليوم؟ فإنه يختمه بمحاولة لوضعه في سياق الأدب العالمي لا الأدب العربي - الأميركي وحده. وفيما بين المقدمة والخاتمة يعالج الصلات في حالة جبران بين جماليات الأدب وعلم الأخلاق والسياسة، والبعد الديني والصوفي في عمله، وأوجه حداثته وتجديده، وتعامله مع اللغتين، وحسه القومي، وموقعه من النهضة الأدبية الحديثة.

مما يحمد للمؤلف أنه على محبته لجبران لا يُغفل الجوانب السلبية في إنجازه

ومما يحمد لأرسلان أنه، على محبته لجبران، لا يغفل الجوانب السلبية في إنجازه. فهو يذكر مثلاً أنه ينحو أحياناً إلى العاطفية المسرفة (السنتمنتالية) وإلى النزعة التعليمية وإلى التبسيط المسرف في نسج خيوط الحبكة ورسم الشخصيات وإلى استخدام الكلشيهات المحفوظة. ويأخذ أرسلان على جبران أنه، وهو المناصر لمنح المرأة حقوقها، قصر الدعوة إلى التعليم على الذكور دون الإناث. كما أخذ عليه خطأ لغوياً في نحو اللغة الإنجليزية حين جعل «builded» ماضياً للفعل «build» (ص 194) بدلاً من «built». وفي رسالة من جبران إلى ماري هاسكل في 1922 يزعم جبران أنه تلقى لغته الإنجليزية من شكسبير والترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس وهاسكل ذاتها! فيتساءل أرسلان محقاً: ألم يتلقها أيضاً من بليك وكيتس وشللي وكارلايل وويتمان، وهو ما تثبته كتاباته ورسائله الأخرى؟

ويورد أرسلان آراء نقاد جبران ما بين مادح مثل الشاعر الآيرلندي جورج وليم رسل، وقادح مثل مصطفى لطفي المنفلوطي الذي انتقد جبران من منظور أخلاقي، وعباس محمود العقاد الذي كتب عن قصيدة جبران «المواكب» في 1922 فأخذ عليها أموراً منها ما يتصل بالمحتوى الفكري وما يتصل باللغة والأسلوب.

وبدوره لا يخلو كتاب أرسلان، على مزاياه الملحوظة، من هفوات. إنه يكتب مثلاً: «those who do not deprive themselves from the gifts» (ص51)، وصواب حرف الجر «of» لا «from» (واضح أن أرسلان كان يفكر هنا باللغة العربية حيث نقول «محروم من..»). ويسمى أرسلان مؤلف رواية «موبي ديك» Henry Melville (ص 228) وصواب اسمه الأول Herman. ويذكر أن لجبران كتاباً عنوانه «Sand and Form» (ص 109) وهو خطأ مطبعي بلا شك صوابه «Sand and Foam» (رمل وزبد). هنات تغتفر لكتاب على حظ كبير من العمق الفكري ونفاذ البصيرة ومتانة الأسلوب وإحكامه.


مقالات ذات صلة

مع الجواهري من النجف إلى الرياض

ثقافة وفنون في بيت الجواهري بدمشق

مع الجواهري من النجف إلى الرياض

تمكنه من اللغة العربية والشعر القديم جعله قادراً على «ابتداع» اشتقاقات لغوية في سيميائيته الشعرية.

محمد رضا نصر الله
يوميات الشرق ضمت 20 عملاً موزعة على فئات الرواية والسيناريو والرواية المترجمة (هيئة الترفيه)

الإعلان عن القائمة القصيرة لـ«جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً

أعلنت هيئة الترفيه السعودية عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً، وضمت 20 عملاً موزعة على فئات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الوتر السادس أبناء منصور الرحباني يطلقون فعاليات مئوية والدهم (الشرق الأوسط)

أبناء منصور الرحباني يُطلقون مئويته ووزارة التربية تتعاون لترسيخ إرثه في المدارس

بحضور حشدٍ من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية، أطلق أبناء منصور الرحباني برنامج مئويته من بيروت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.