ممثل «فاو»: إنهاء المجاعة في السودان ممكن إذا توقفت العدائيات

الواعر قال لـ«الشرق الأوسط» إن 755 ألف شخص يعانون مستويات كارثية من الجوع الحاد

المدير العام المساعد لمنظمة «فاو» وممثلها الإقليمي عبد الحكيم الواعر يتوسط الصورة (الشرق الأوسط)
المدير العام المساعد لمنظمة «فاو» وممثلها الإقليمي عبد الحكيم الواعر يتوسط الصورة (الشرق الأوسط)
TT

ممثل «فاو»: إنهاء المجاعة في السودان ممكن إذا توقفت العدائيات

المدير العام المساعد لمنظمة «فاو» وممثلها الإقليمي عبد الحكيم الواعر يتوسط الصورة (الشرق الأوسط)
المدير العام المساعد لمنظمة «فاو» وممثلها الإقليمي عبد الحكيم الواعر يتوسط الصورة (الشرق الأوسط)

يواجه السودان راهناً أزمة أمن غذائي غير مسبوقة تسجل أسوأ المستويات تاريخياً، حسب تصنيفات أممية؛ أحد تجليات الأزمة يظهر في مجاعة يواجهها سكان مخيم «زمزم» للنازحين داخلياً والمقدَّر عددهم بأكثر 500 ألف شخص بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور.

ووفق تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي أصدرته «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)» فإن «خطر استمرار المجاعة يظل مرتفعاً بشكل يدعو للقلق».

ونشبت الحرب في السودان بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» التي يديرها محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) في أبريل (نيسان) من عام 2023، وامتدت إلى غالبية الولايات السودانية وتسببت في فرار ملايين السودانيين داخلياً وخارجياً، ومقتل وإصابة الآلاف.

عائلات نازحة من ولايتي الجزيرة وسنار في مخيم للنزوح بولاية كسلا (شرق) يوليو الماضي (رويترز)

وفي مسعى أممي للوقوف على التطورات المعيشية والإنسانية، زار المدير العام المساعد لمنظمة «فاو» وممثلها الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، عبد الحكيم الواعر، السودان، الأسبوع الماضي، وتحدث إلى «الشرق الأوسط» عن تقييمه للأوضاع التي عبّر عن جانب منها بالقول: «سرعة ونطاق تدهور انعدام الأمن الغذائي (في السودان) أمر مثير للقلق».

وفي إطار الاستجابة لتلك المخاوف، كشف الواعر عن أن «فاو» تسعى «في جميع الاتجاهات، وتتواصل مع الجهات كافة من أجل ضمان استمرار الدعم وسد الفجوة التمويلية لأنشطة الإغاثة فيما يتعلق بالأمن الغذائي في السودان، والدعوة إلى مؤتمر دولي لشحذ الدعم العالمي لمواجهة أوضاع انعدام الأمن الغذائي».

من جولة المدير العام المساعد لـ«فاو» في السودان (الشرق الأوسط)

يشرح الواعر أنه على النحو الوارد في تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر في أواخر يونيو (حزيران) الماضي، فإنه بعد مرور 15 شهراً على النزاع المستمر، يواجه أكثر من نصف السكان تقريباً (25.6 مليون نسمة) حالة الأزمة أو ظروفاً أسوأ (المرحلة الثالثة من التصنيف أو أعلى) بين يونيو وسبتمبر (أيلول) 2024.

ووفق المسؤول الأممي فإن 8.5 مليون شخص (18 في المائة من السكان) يواجهون حالة الطوارئ (المرحلة 4 من التصنيف)، حيث يشهد السودان أزمة أمن غذائي غير مسبوقة، حيث سجلت البلاد أسوأ مستويات في تاريخها لانعدام الأمن الغذائي الحاد.

وعلى نحو خاص، يذكر الواعر أنه «بشكل قطعي، فإن ظروف المجاعة التي يعاني منها سكان مخيم زمزم للنازحين داخلياً، الذي يستضيف أكثر من 500 ألف شخص بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، لا تزال مستمرة»، منوهاً إلى أن اللجنة المعنية بإعداد التقرير الخاص بأوضاع السودان أشارت إلى أن حالة المجاعة أو المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهي أسوأ أشكال الجوع، مستمرة في مخيم زمزم للنازحين، اعتباراً من يونيو ويوليو (تموز) 2024، ومن المرجح أن تستمر حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

مستويات كارثية

ويؤكد الواعر أنه للمرة الأولى على الإطلاق في تاريخ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في السودان، يواجه 755 ألف شخص مستويات كارثية من الجوع الحاد (المرحلة 5 من التصنيف)، والتي تمتد إلى 10 ولايات بما في ذلك العاصمة الخرطوم والجزيرة، التي كانت ذات يوم سلة الخبز للسودان.

وبشأن الزيارة الأخيرة للسودان، يقول الواعر: «هي بغرض تقييم الوضع الميداني، وحث بلدان العالم لإيجاد حل للأزمة المتفاقمة في البلاد ودعم تدخلات المنظمة، حيث إن سرعة ونطاق تدهور انعدام الأمن الغذائي أمر مثير للقلق، كما أن التحديات التي تواجه إمكانية الوصول إلى السكان المتضررين تزداد يوماً بعد يوم. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال للعمل إذا ما وحَّدنا جهودنا واتخذنا إجراءات فورية»، مضيفاً أن «هناك حاجة ملحّة إلى إيصال المساعدات في الوقت المناسب، ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) وشركاؤها ملتزمون بضمان إيصال المساعدات الزراعية في الوقت المناسب إلى جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الأكثر تضرراً، حيث تكون الحاجة أكبر، مع تأكيد أن المنظمة لا تدّخر جهداً لمعالجة هذه الأوضاع الحرجة».

الواعر يتحدث مع مواطنين سودانيين في قرية توبين (الشرق الأوسط)

وعندما سألت «الشرق الأوسط» الواعر، عن المناطق الأكثر تعرضاً للمجاعة، أفاد بأن الأزمة الحالية تمتد إلى 10 ولايات بما في ذلك العاصمة الخرطوم والجزيرة، التي كانت ذات يوم سلة الخبز للسودان، إلى جانب مناطق النيل الأزرق والنيل الأبيض ودارفور الكبرى وكردفان.

ويوضح الواعر أن «فاو» تعبّر عن جزعها الشديد إزاء الوضع المؤسف الذي يعيشه سكان مخيم زمزم وغيره من المخيمات والمناطق في جميع أنحاء السودان، وتعرب عن قلقها البالغ إزاء احتمال وجود ظروف مماثلة في مخيمات النازحين داخلياً أو اللاجئين في منطقة الفاشر، خصوصاً مخيمي أبو شوك والسلام والمناطق المتضررة من النزاع، والمنتشرة بشكل خاص في 14 منطقة مختلفة في ولايات شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور، وولاية جنوب كردفان، وولاية الخرطوم وولاية الجزيرة، التي تواجه خطر المجاعة في حال استمرار النزاع وصعوبة الوصول الإنساني إليها.

إنهاء المجاعة

ويذهب الواعر إلى أن «إنهاء المجاعة في السودان أمر ممكن» لكنه يَرهن تحقيق ذلك بـ«جهود فورية متضافرة من جميع الجهات المعنية؛ إذ إنه وفقاً لتقرير لجنة مراجعة المجاعة التابعة لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يجب على أطراف النزاع والمنظمات الإغاثية والمجتمع الدولي الاستجابة بشكل عاجل لأزمة الجوع المتصاعدة من خلال حشد الموارد اللازمة وإظهار الإرادة السياسية لمعالجة العوامل الرئيسية التي تقف وراء المجاعة. إن الوقف الفوري للأعمال العدائية هو الخطوة الأولى الحاسمة نحو تحقيق ذلك».

متطوعون يوزّعون الطعام بالعاصمة السودانية في سبتمبر من العام الماضي (أرشيفية - رويترز)

ويؤكد الواعر أن «كل دولار يُستثمر في تعزيز سبل العيش الريفية يمكن أن يسهم في توفير ما يصل إلى 7 - 8 دولارات من المساعدات الإنسانية إلى جانب دعم الأسواق المحلية».

ويقول إنه في حين أن «توسيع نطاق المساعدات الغذائية والنقدية المنقذة للحياة أمر بالغ الأهمية للسكان الذين يواجهون نقصاً غذائياً حاداً، إلا أن هذا وحده لن يكون كافياً لسد الفجوات الناجمة عن انخفاض الإنتاج الغذائي المحلي. فلمعالجة هذه المشكلة، تعكف المنظمة على توزيع البذور على 1.2 مليون أسرة زراعية لموسم الزراعة الرئيسي، الذي بدأ في يونيو (حزيران)».

واستدرك: «المنظمة تركز في حملتها على توزيع البذور على نحو 6 ملايين مزارع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي تشهد أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي. وفي حال جرى تنفيذ حملة البذور التابعة للمنظمة على النحو المخطط له بشكل كامل، فمن المتوقع أن يتمكن المزارعون هناك من إنتاج محصول يتراوح بين 2.4 و3.6 مليون طن من حبوب الذرة الرفيعة».

حصاد الذُّرة في «مشروع الجزيرة» السوداني للزراعة (أرشيفية)

وليست البذور فقط هي ما تركز عليه «فاو»، إذ يوضح الواعر أن «استجابة المنظمة تتضمن دعماً واسع النطاق للثروة الحيوانية ومصائد الأسماك، عبر تزويد الأسر بإمدادات الثروة الحيوانية ومصائد الأسماك الطارئة، وتجديد الثروة الحيوانية المفقودة، وتطعيم الماشية وعلاجها، وتوزيع اللعاقات المعدنية اللازمة لتغذية الحيوانات، إذ قدمت المنظمة وشركاؤها خلال العام الحالي التطعيمات لما يقرب من 2.8 مليون حيوان ضد الأمراض الشائعة».

الحرب سبب أول

ويرى المسؤول الأممي أنه ما من شك في أن «النزاع القائم حالياً هو أحد الأسباب الرئيسية للوضع الحالي في السودان، كما هو الحال في عديد من الدول التي تعاني من صراعات ونزاعات؛ فالحروب والنزاعات هي السبب الأول والرئيسي لانعدام الأمن الغذائي في البلدان المتضررة، ولكن تُضاف في حالة السودان الظواهر والأوضاع المناخية المتطرفة بما تشمله من فيضانات وجفاف وارتفاع حاد في درجات الحرارة، وهو ما يسهم أيضاً في تفاقم الأزمة ويُعرِّض جهود الدعم والمساندة لتحديات كبيرة، خصوصاً فيما يتعلق باستمرار الأنشطة الزراعية وتربية الحيوانات بشكل مستدام».

ويؤكد الواعر أن «اتساع النزاع في السودان والتحديات التي تواجه إمكانيات الوصول إلى المتضررين والفيضانات واسعة النطاق تعوق بشدة جهود الاستجابة الطارئة للمنظمة في أنحاء البلاد كافة، وهو ما يفاقم بشدة أزمة انعدام الأمن الغذائي هناك».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

ومع ملاحقة شبح المجاعة أجزاء أخرى من البلاد، فإن «هناك حاجة ماسة إلى الموارد لتلبية الاحتياجات المتزايدة والحد من انعدام الأمن الغذائي، واستئناف الإنتاج الغذائي المحلي. وحتى هذا التاريخ، حشدت منظمة الأغذية والزراعة 32.2 مليون دولار لتمويل خطتها للاستجابة للاحتياجات الإنسانية لعام 2024، التي تبلغ تكلفتها 104.1 مليون دولار، مما يترك فجوة بقيمة 71.9 مليون دولار»، وفق الواعر.

وكشف الواعر عن مساعٍ «لضمان استمرار الدعم وسد الفجوة التمويلية لأنشطة الإغاثة الغذائية في السودان» مؤكداً أن «الدعوة إلى مؤتمر دولي لشحذ الدعم العالمي لمواجهة أوضاع انعدام الأمن في الغذائي للسودان هي إحدى الأولويات، مع العمل على التوصل إلى سلام دائم بين الأطراف المتنازعة، وهو الأمر الذي سيؤدي بشكل كبير إلى التغلب على تحديات انعدام الأمن الغذائي في السودان».


مقالات ذات صلة

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا 
أرشيفية لمتظاهرين في واشنطن يطالبون البيت الأبيض بالتدخل لوقف حرب السودان في أبريل 2023 (أ.ف.ب)

سودانيون يحيون ذكرى ثورة 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية»

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي السودانية إلى «ساحة نزال لفظي عنيف» في الذكرى السادسة لثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) التي أنهت حكم البشير بعد 30 عاماً في السلطة.

أحمد يونس (كمبالا)

تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
TT

تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)

اتهم تقرير دولي حديث مخابرات الحوثيين بالسيطرة، طوال السنوات الماضية، على المساعدات الإنسانية وتوجيهها لخدمة الجماعة الانقلابية، وذكر أن عدداً من كبار المسؤولين فيما يُسمَّى «جهاز الأمن والمخابرات»، شاركوا في استهداف العاملين في مجال حقوق الإنسان وتعطيل المشاريع الإنسانية في سبيل جني الأموال وتجنيد عملاء في مناطق سيطرة الحكومة، بهدف إشاعة الفوضى.

التقرير الذي يستند إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، وأعدَّه مركز مكافحة التطرف، ذكر أن كثيراً من كبار المسؤولين في المخابرات الحوثية شاركوا في استهداف العاملين بمجال حقوق الإنسان، ونشر التطرف بين جيل من اليمنيين (بمن في ذلك الأطفال)، وتعطيل المشاريع الإنسانية في البلاد من أجل جني مكاسب مالية شخصية، وإدارة شبكات مالية ومشتريات غامضة، وتجنيد العملاء لزرع الفوضى والدمار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

عبد الحكيم الخيواني رئيس جهاز مخابرات الحوثيين مجتمعاً مع رئيس مجلس الحكم الانقلابي مهدي المشاط (إعلام حوثي)

ورأى التقرير أن المنظمات الدولية فشلت في صدّ مسؤولي المخابرات الحوثية الذين يمارسون السيطرة على مشاريعها أو ينسبون الفضل إليهم. وقال إنه، ومع أن الوضع الإنساني حساس للغاية؛ حيث يحتجز الحوثيون شعبهم رهينة ولا يعطون قيمة كبيرة للحياة البشرية، من الواجب اتخاذ تدابير إضافية للكشف عن مسؤولي المخابرات ومنعهم مِن استغلال أنشطة المنظمات الإنسانية.

واستعرض التقرير الدور الذي يلعبه جهاز مخابرات الحوثيين في التحكُّم بالمساعدات الإنسانية. وقال إن الحوثيين قاموا بحل الجهة المكلَّفة السيطرة على المساعدات، المعروفة باسم مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ونقلوا مسؤولياتها إلى وزارة الخارجية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الانقلابية غير المعترَف بها.

وأكد أن جهاز المخابرات الحوثي كان شريكاً رئيسياً لذلك المجلس في جمع المعلومات عن المنظمات الإنسانية وأنشطتها، وكذلك في فرض مطالبهم عليها. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن حل المجلس لا يشير بالضرورة إلى نهاية مشاركة جهاز المخابرات في السيطرة على المساعدات وتحويلها.

استمرار السيطرة

نبَّه التقرير الدولي إلى أنه، وقبل أقل من شهرين من نقل مسؤوليات هذا المجلس إلى وزارة الخارجية في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، تم تعيين عبد الواحد أبو راس نائباً لوزير الخارجية، وكان يشغل في السابق منصب وكيل المخابرات للعمليات الخارجية.

وبيّن التقرير سيطرة جهاز المخابرات على مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية من خلال تسلُّل أفراده إلى مشاريع المساعدات، واحتجازه للعاملين في مجال المساعدات، وتعيين رئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني عضواً في مجلس إدارة المجلس.

عبد الواحد أبو راس انتقل إلى خارجية الحوثيين مع نقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية معه (إعلام محلي)

ورجَّح مُعِدّ التقرير أن يكون نَقْل أبو راس إلى وزارة الخارجية مرتبطاً بنقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية إلى هذه الوزارة، ورأى أن ذلك سيخلق رابطاً جديداً على مستوى عالٍ بين المخابرات والجهود المستمرة التي يبذلها الحوثيون لتحويل المساعدات الإنسانية، بعد انتهاء ولاية مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية.

وأشار التقرير إلى أن حل المجلس الحوثي الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية قد يكون نتيجة لضغوط دولية متزايدة على المنظمات الإنسانية لوقف التعاون مع هذه الهيئة الحوثية المعروفة بتعطيل وتحويل المساعدات.

ولاحَظَ التقرير أن مشكلة تحويل المساعدات من قبل الحوثيين كانت مستمرة لمدة تقارب عقداً من الزمن قبل إنهاء عمل هذا المجلس. وقال إنه ينبغي على الأقل استهداف هؤلاء الأفراد من خلال العقوبات وقطعهم عن الوصول إلى النظام المالي الدولي.

ومع مطالَبَة التقرير بانتظار كيف سيؤثر حل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية على جهود تحويل المساعدات التي يبذلها الحوثيون، توقَّع أن يلعب أبو راس، المسؤول الكبير السابق في المخابرات العامة، دوراً رائداً في ضمان تخصيص أي موارد تدخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتعزيز مصالح سلطتهم.

استراتيجية أوسع

بشأن القيادي الحوثي، منتظر الرشيدي، الذي يشغل حالياً منصب مدير جهاز المخابرات في محافظة صنعاء، يذكر التقرير أنه يحضر الفعاليات الترويجية الحوثية الكبرى، مثل الافتتاح الكبير لمنشأتين طبيتين جديدتين في صنعاء (بتمويل من اليونيسيف) وافتتاح مشروع تنموي لبناء 20 وحدة سكنية جديدة.

طوال عقد وجَّه الحوثيون المساعدات الإنسانية لما يخدم مصالحهم (إعلام محلي)

وقال إنه من المرجح أن يكون هذا جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً للحوثيين تهدف إلى الحصول على الفضل في أعمال البنية الأساسية، التي يتم تمويل كثير منها من قبل منظمات الإغاثة الإنسانية، بينما في الوقت نفسه يبتز جهاز المخابرات هذه الهيئات ذاتها ويضطهد موظفيها.

أما زيد المؤيد، فيشغل (بحسب التقرير) منصب مدير جهاز المخابرات الحوثية في محافظة إب؛ حيث يتخذ الحوثيون إجراءات وحشية بشكل خاص بسبب شكوك الجماعة تجاه سكان هذه المحافظة المختلفين مذهبياً.

ويورد التقرير أن الحوثيين وعدوا بالعفو عن أولئك الذين فرُّوا من حكمهم، فقط لكي يعتقل جهاز المخابرات ويعذب بعض العائدين. وقال إنه في حالة أخرى أصدروا مذكرة اعتقال بحق أطفال أحد المعارضين لهم في المحافظة.

وبحسب هذه البيانات، أظهر المؤيد مراراً وتكراراً أنه يدير إب وكأنها «دولة مافيا». وقال التقرير إنه في إحدى الحالات، كانت إحدى قريبات المؤيد تخطط للزواج من رجل من مكانة اجتماعية أدنى، وفقاً للتقسيم العرقي لدى الحوثيين، إلا أنه أمر جهاز المخابرات باختطاف المرأة لمنع الزواج.

الحوثيون متهمون بأنهم يديرون محافظة إب بطريقة عصابات المافيا (إعلام محلي)

وفي قضية منفصلة، يذكر التقرير أنه عندما أُدين أحد المنتمين للحوثيين بارتكاب جريمة قتل، اتصل المؤيد بالمحافظ للتأكد من عدم تنفيذ حكم الإعدام. وذكر أن المؤيد شغل سابقاً منصب مدير جهاز المخابرات في الحديدة؛ حيث ورد أنه أشرف على تهريب الأسلحة عبر مواني الحديدة الثلاثة (الحديدة، رأس عيسى، الصليف).

وفقاً لما جاء في التقرير، قام زيد المؤيد بتجنيد جواسيس للتسلل إلى الحكومة اليمنية، خصوصاً الجيش. وذكر التقرير أن الجواسيس الذين جنَّدهم كانوا مسؤولين عن بعض محاولات الاغتيال رفيعة المستوى ضد مسؤولين عسكريين يمنيين، بما في ذلك محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش اليمني.

وسبق المؤيد في منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب العميد محمد (أبو هاشم) الضحياني، ويرجّح التقرير أنه خدم بسفارة الحوثيين في طهران قبل أن يتولى منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب.