كشف مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق الركن ياسر العطا، حصول قواته على إمدادات أسلحة كبيرة و«نوعية»، ينتظر أن ترجح ميزان القوى العسكرية لصالحها، وتوعد بتحقيق انتصارات كبيرة وحاسمة قريبة في مواقع القتال كافة.
وأعلن العطا عن بدء تشكيل «تحالف دولي» من قوى عظمى وكبرى من خارج الإقليم وداخله، داعم لمواقف الجيش، في وقت باتت فيه «قوات الدعم السريع» المناوئة له تسيطر على مناطق عسكرية ومدنية شاسعة في مختلف ولايات البلاد، مع اقتراب موعد مفاوضات جنيف منتصف الشهر، برعاية سعودية سويسرية ومشاركة أميركية، التي ما زال الجيش لم يحدد موقفاً واضحاً منها.
العد العكسي لمفاوضات جنيف
تأتي تصريحات مساعد قائد الجيش، مع بدء العد العكسي لانطلاق مفاوضات جنيف التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية لوقف الحرب في السودان، في وقت ينظر كثير من المراقبين لتصريحات العطا بأنها ليست خارج التعبئة العسكرية، حيث يحفظ أرشيف وسائل الإعلام المحلية والدولية تصريحات مماثلة كثيرة للرجل، لم تتبدل بعدها الأوضاع الميدانية لصالح الجيش.
وقال العطا، في «ترويج» لمقابلة مع التلفزيون الرسمي، ينتظر أن تبث كاملة مساء السبت، إن قواته من الناحية العسكرية حصلت على إمدادات كبيرة، بينها أسلحة «نوعية» سترجح كفة القتال لصالح الجيش. وأضاف: «خلال الفترة المقبلة ستشهد كل محاور القتال انتصارات كبيرة وحاسمة، وهي بداية لنهاية هؤلاء الجنجويد (يقصد الدعم السريع)» .
وأكد العطا على أن الموقف العام الميداني في البلاد ما زال لصالح القوات المسلحة السودانية، وأن حلفاً «استراتيجياً» مع دول عظمى وكبرى، من داخل الإقليم وخارجه، بدأ يتشكل بموازاة العزلة التي تعيشها حكومة بورتسودان.
وقال: «نطمئن الشعب السوداني بأن هناك حلفاً استراتيجياً يتشكل مع دول عظمى ودول كبرى، خارج الإقليم وداخل الإقليم لصالح السودان».
وأعلن عما أسماه بداية نهوض وبناء «الدولة السودانية» على قاعدة «راسخة نظيفة، ليس فيها الجنجويد ولا أعداء الوطن، ولا المرتزقة أو العملاء»، وتابع مقللاً من خسائر قواته: «لا يهم أن يستشهد في سبيل الوطن البرهان أو ياسر العطا أو شمس الدين كباشي أو عثمان الحسين، وأي من القادة، فالجيش السوداني مليء بملايين منهم».
اتساع سيطرة «الدعم السريع»
وعادةً يتجاهل العطا الأوضاع العسكرية الميدانية، واتساع دائرة سيطرة «قوات الدعم السريع» على مواقع عسكرية مهمة، وتزايد مساحات انتشارها وسيطرتها على ولايات ومدن وحصار أخرى، وقطع الطرق البرية بين وسط البلاد وغربها وجنوبها وشمالها، ويطلق تصريحات ويتوعد بالقضاء على «قوات الدعم السريع» التي تتسع دوائر سيطرتها دون جدوى، فما هو حصاد الحقل العسكري والمدني الذي وصلت إليه البلاد بعد أكثر من عام وأشهر من بدء الحرب؟
على الأرض، تسيطر «الدعم السريع» على كامل ولايات دارفور الخمس، باستثناء حاضرة ولاية شمال دارفور «الفاشر» الواقعة تحت حصار مشدد، وتدور معارك منذ عدة أشهر حولها وفيها، بينما تسيطر على كامل ولاية غرب كردفان، ما عدا رئاسة العاصمة بابنوسة، التي يفرض عليها حصاراً مشدداً، وتدور معارك عنيفة منذ أشهر للاستيلاء عليها، بينما ظلت مدينة «النهود» بيد القوات المسلحة.
كما تسيطر «الدعم السريع» على ولاية شمال كردفان، باستثناء حاضرتها «الأبيض»، وهي الأخرى واقعة تحت حصار محكم، وشهدت المنطقة معارك شرسة، وما زالت المناوشات بين قوات الجيش في المدينة و«قوات الدعم السريع» خارجها متواصلة، وبين «قوات الدعم السريع» وقوات «هجانة» المتمترسة في قلب المدينة.
من الجزيرة إلى سنار
ما زالت «الدعم السريع» تسيطر على ولاية الجزيرة الاستراتيجية في وسط البلاد، وعاصمتها «ود مدني»، ولا توجد قوات تابعة للجيش إلا في محلية «المناقل» إلى الشمال الغربي من الولاية، وتشهد المنطقة معارك متقطعة منذ عدة أشهر، وأحكمت «الدعم السريع» في المعارك الأخيرة الحصار حول «جبل موية» و«المناقل».
وفي معاركها الأخيرة، سيطرت «الدعم السريع» على كامل ولاية سنار، بما في ذلك حاضرة الولاية «سنجة»، ما عدا حاضرتها ولاية سنار، المحاصرة من الجهات الأربع، وأصبحت تهدد ولاية «النيل الأزرق» قرب الحدود مع إثيوبيا وجنوب السودان، التي توجد بها قوات تابعة لحركة تحرير السودان، بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، إلى جانب القوات المسلحة، وتواجه تحدي قوات الحركة الشعبية لتحرير، بقيادة جوزيف توكا، التي يتردد أنها تنسق مع «الدعم السريع».
وأحكمت «الدعم السريع» سيطرتها على الأجزاء الشمالية من ولاية جنوب كردفان، بيد أن عاصمتها «كادوقلي» ظلّت بيد الجيش، في الوقت الذي تسيطر فيه قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان، فصيل عبد العزيز الحلو، على الأجزاء الجنوبية منها في منطقة «كاودا»، وتشهد المنطقة معارك مزدوجة بين الجيش و«الدعم السريع» من جهة الشمال، والجيش وقوات الحركة الشعبية من جهة الجنوب.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، سيطرت «الدعم السريع» على مناطق واسعة من عاصمة البلاد الخرطوم، بمدنها الثلاث، ففي أم درمان استولت على أجزائها الجنوبية والغربية بشكل كامل، بينما بقيت أجزاؤها الشمالية بيد القوات الحكومية التي استعادت أخيراً منطقة أم درمان القديمة وبعض الأحياء، بينما احتفظت «الدعم السريع» بالمناطق الأخرى، أما الخرطوم بحري، فتسيطر «الدعم السريع» على معظم مناطقها، باستثناء «جيوب» ما زالت بيد الجيش. وفي الخرطوم، نحو 80 بالمائة منها على الأرجح ما زال تحت قبضة «الدعم السريع»، بما في ذلك وسط المدينة وشرقها وجنوبها وغربها.
توزيع المناطق العسكرية
منذ عدة أشهر استولت «الدعم السريع» على الفرقة 15 بالجنينة، حاضرة ولاية غرب دارفور، ثم الفرقة 16 بمدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور، والفرقة 21 بزالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، والفرقة 20 بالضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، ولم يتبقَّ بيد القوات الحكومية سوى الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور.
ومنذ أكثر من نصف عام، استولت «الدعم السريع» على قيادة الفرقة الأولى بمدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، والشهر الماضي استولت على قيادة الفرقة 17 بمدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار.
وتوجد «قوات الدعم السريع» في بعض الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة، فهي تسيطر على المناطق الشمالية من ولاية النيل الأبيض، وتهدد العاصمة الدويم، كما تهدد من جهتي الشرق والغرب مدن كوستى وربك بالولاية المحادّة لجنوب السودان، كما تسيطر على منطقة «حجر العسل» في نهر النيل.
وتحكم «الدعم السريع» سيطرتها على معظم المناطق العسكرية الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم، وهي: جنوب القيادة العامة للجيش، والمنطقة العسكرية الوسطى، والكتيبة الاستراتيجية، وفرع الرياضة العسكرية، وقيادة قوات الدفاع الجوي، ورئاسة قوات الاستخبارات العسكرية، ورئاسة جهاز المخابرات العامة، وأكاديمية الأمن العام، وقيادات هيئة العمليات في الخرطوم والخرطوم بحري، ومنطقة جياد للتصنيع الحربي، ولواء الباقير، والجزء الشرقي من قيادة المدرعات، ومصنع اليرموك العسكري، وقيادة قوات الاحتياط المركزي، ومركز تدريب الاحتياطي المركزي، ومعسكر طيبة، ومنطقة جبل أولياء العسكرية، التي تضم مطاراً حربياً، وقوات الدفاع الجوي، إلى جانب قيادة المظلات في بحري، التابعة لـ«الدعم السريع»، ومقرات هيئة العمليات، ومعسكر السواقة شمال الخرطوم بحري، ومخازن أسلحة شمال بحري، ومنطقة تدريب المرخيات بأم درمان، ومعسكر خالد بن الوليد بأم درمان، ومعسكر الصالحة بأم درمان.
مناطق سيطرة الجيش
في الخرطوم، ما زال الجيش يحتفظ بالجزء الشمالي من القيادة العامة فقط، والأجزاء الغربية من قيادة قوات المدرعات بالشجرة، ومنطقة مصنع الذخيرة العسكري، بينما يحتفظ بسلاح الإشارة وسلاح الأسلحة ومعسكر الجيلي ومعسكر العيلفون، ومعسكر حطاب، وهي جيوب متفرقة تتوسطها «قوات الدعم السريع» المنتشرة بكثافة، أما في أم درمان فقد احتفظ الجيش بسيطرته على سلاح المهندسين، والسلاح الطبي، ومنطقة كرري العسكرية، بما في ذلك مطار وادي سيدنا، وهي المنطقة الرئيسية التي تنطلق منها عملياته العسكرية ضد «الدعم السريع».
وظلت «قوات الدعم السريع» تحاصر منطقة سلاح المهندسين والسلاح الطبي ومباني هيئة الإذاعة والتلفزيون، وتعزلها هي الأخرى عن منطقة كرري العسكرية، بيد أن الجيش استطاع استعادتها في مارس (آذار) الماضي، واستطاع وصلها بقيادة الجيش في منطقة كرري العسكرية.
جسور تحت قبضة الطرفين
مدنياً، تسيطر «الدعم السريع» على وسط الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات ومركز المدينة ومطار الخرطوم الدولي، وتحكم السيطرة الكاملة على جسر سوبا جنوب الخرطوم، وجسر المنشية الذي يربط الخرطوم بالخرطوم بحري، وجسر خزان جبل أولياء، وجسر توتي، وجسر المك نمر، بينما يسيطر الجيش على جسر النيل الأزرق، وجسر الحامداب، بينما يتقاسم الطرفان السيطرة، كل من ناحيته، على جسور النيل الأبيض، والفتيحاب، والحلفايا، فيما تم تحييد جسر شمبات بضربة جوية. ولا يزال كل طرف يسيطر على الناحية التي تليه من الجسر.
وهكذا، فإن حسابات «الميدان» تقول إن «الدعم السريع» تتقدم، والجيش يتأخر، فهل يا ترى يذهب إلى جنيف، أم يتمترس حول موقف استمرار الحرب بانتظار نصر «عزيز» قد لا يأتي، أو قد يستغرق سنين عدداً، كما تقول معظم التحليلات العسكرية؟!