مصر تودّع «فيلسوف الكاريكاتير» محمد حاكم عن 80 عاماً

اشتهر بلمسته الخاصة في «الكوميديا السوداء»

الفنان الراحل محمد حاكم (فيسبوك)
الفنان الراحل محمد حاكم (فيسبوك)
TT

مصر تودّع «فيلسوف الكاريكاتير» محمد حاكم عن 80 عاماً

الفنان الراحل محمد حاكم (فيسبوك)
الفنان الراحل محمد حاكم (فيسبوك)

بعد رحلة إبداع منحته ألقاباً كثيرة، منها «فيلسوف الضحك» و«رائد الكوميديا السوداء»، نظراً لأسلوبه المميز الذي جمع بين القضايا الحيوية والمفارقات الساخرة، ودّعت مصر، الثلاثاء، فنان الكاريكاتير محمد حاكم عن عمر ناهز 80 عاماً.

ونعت «الجمعية المصرية للكاريكاتير» و«نقابة الفنانين التشكيليين المصريين» و«رابطة رسامات الكاريكاتير المصريات» الفنان الراحل، وذكر بيان صادر عن «مركز الفيوم للفنون» الذي أسسه الفنان التشكيلي محمد عبلة أن «مصر فقدت اليوم قامة من قامات فن الكاريكاتير»، مضيفاً أن «عمل الراحل لم يقتصر على تجسيد ملامح الناس فحسب، بل كان أيضاً مرآةً تعكس واقع المجتمع».

الفنان محمد حاكم (فيسبوك)

وأشار عبلة إلى أن «محمد حاكم صاحب مدرسة عميقة وممتدة في فنون الكاريكاتير الصحافي الساخر التي خاضها متأثراً بتجربة شقيقه الأكبر حسن حاكم (1929 – 1998) الذي يعدّ أحد رواد هذا الفن بمصر والعالم العربي».

مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «حاكم الأصغر استلهم شخصياته الواقعية من الشارع المصري الذي عرفه عن قرب ورسم ملامحها بمهارة وعذوبة نادرتين»، لافتاً إلى أنه «كان بارعاً في رسم أعمال بانورامية تحتوى على كثير من الشخصيات في مكان واحد، لكنها تحتفظ مع ذلك بحميمية ودفء عبر خطوط شديدة البساطة».

أحد أعمال الفنان الراحل (فيسبوك)

وينحدر محمد حاكم من أصول سودانية حيث هاجر والده من قرية شبا، بشمال السودان، إلى مصر وأنجب ابنيه حسن ومحمد، واستقر لاحقاً في القاهرة.

حصل محمد حاكم على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1958، وعمل في صحف «الجمهورية» و«المساء» و«الأهالي»، فضلاً عن مجلتي «صباح الخير» و«روز اليوسف». والتحق بمجلة «العربي» الكويتية مخرجاً فنياً ورساماً لمدة 30 عاماً.

وتحوّل بيته في القاهرة إلى «مجلس مفتوح»، يضم أعلام الفنون والآداب المختلفة، مثل الشاعرين عبد الرحمن الأبنودي ومحمد الفيتوري والكاتب الساخر محمود السعدني والمطرب النوبي محمد حمام.

اللوحات الأخيرة للفنان اتسمت بزحام الشخوص (مركز الفيوم للفنون)

ويشير فنان الكاريكاتير سمير عبد الغني إلى أن «محمد حاكم مارس جميع فنون العمل الإبداعي مثل الكاريكاتير ورسوم كتب الأطفال والقصص المصورة أو (الكوميكس)، كما تنوع إنتاجه بين الكاريكاتير السياسي على أغلفة مجلة (روز اليوسف) والكاريكاتير الاجتماعي في مجلة (صباح الخير)».

وأضاف عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» أن «الفنان الراحل في سنواته الأخيرة اتجه إلى تجسيد حركة الناس في تجمعات كبرى وزحام المناسبات عبر لوحات تشكيلية شديدة التميز ليصبح بالفعل التجسيد الفعلي لفكرة الفنان الشامل».

وحول سبب إطلاق اسم «فيلسوف الضحك» على محمد حاكم، أوضح سمير عبد الغني أن «الأمر يعود إلى رؤيته الفكرية العميقة التي تعبر عنها رسوماته بخفة ظلّ وبساطة متناهية، كأن يرسم شخصاً بلا أذنين (لأن الناس لم تعد تسمع) أو شخصاً آخر بلا فم، وهكذا، فضلاً عن أنه كان قارئاً نهماً لفنون الرواية والشعر، وعلى إلمام واسع بالتاريخ».


مقالات ذات صلة

«فنّ الاندماج البصري» لطوني ناصيف: أرقام وحسابات في لعبة فنّية

يوميات الشرق طوني ناصيف يضع اختصاصه في خدمة لوحاته (الشرق الأوسط)

«فنّ الاندماج البصري» لطوني ناصيف: أرقام وحسابات في لعبة فنّية

ينطلق الفنان التشكيلي اللبناني المهندس طوني ناصيف، من قواعد اختصاصه ليُترجم أفكاره، فيجمع فيها أكثر من تيمة، ويقولبها في خلطة من الرسم واللصق و«الميكسد ميديا».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق علبة للسعوط شاهدة على زمن كَمَن فيه الجمال في التفاصيل (الملف الصحافي للمعرض)

​تحف نادرة تُعرَض في باريس... الفخامة حين تختبئ في الجيب

«هي أشياء لا تُشترى» كما قال الشاعر المصري أمل دنقل لكنها تتنقل من مالك إلى آخر وتورث من جدّ إلى حفيد وربما ينتهي بها المطاف في معارض التحف.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق أفيش فيلم معبودة الجماهير (الشرق الأوسط)

معرض لأفيشات الأفلام المصرية يوثق لـ«مائة سنة سينما»

ضحك وغناء ودموع... مشاعر متداخلة تسكن تفاصيل الأفلام القديمة التي يعود معظمها لزمن الأبيض والأسود، تلقي بسحرها الخاص على من يستدعيها.

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي (صور زينة نادر)

زينة نادر ترسم «الحواس الستّ»... وتعلو بالتجريد نحو الحلم المُوسَّع

في معارضها، تتأمّل الوجوه رغبةً في أن تلمحها «سعيدة» بما تُعاين، يصبح تحقُّق الفرح بأهمية اقتناء لوحة، ولا يعود البيع هو وحده الغاية، بل إيصال المشاعر.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق «باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)

باربي في سن الـ65... أحلام الصغيرات وذكريات الكبيرات

بعد الضجة التي أحدثها فيلم عنها العام الماضي تعود الدمية الرشيقة باربي لتروي قصتها، هذه المرة، عبر معرض شامل يقيمه متحف التصميم «ديزاين ميوزيام» بلندن.

عبير مشخص (لندن)

هيام عباس عن أصعب أدوار العمر: تألمت وبكيت لكن لا أدري ما إذا شُفيت

الممثلة الفلسطينية العالمية هيام عبّاس وابنتها لينا سوالم مخرجة فيلم «باي باي طبريّا» (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
الممثلة الفلسطينية العالمية هيام عبّاس وابنتها لينا سوالم مخرجة فيلم «باي باي طبريّا» (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
TT

هيام عباس عن أصعب أدوار العمر: تألمت وبكيت لكن لا أدري ما إذا شُفيت

الممثلة الفلسطينية العالمية هيام عبّاس وابنتها لينا سوالم مخرجة فيلم «باي باي طبريّا» (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
الممثلة الفلسطينية العالمية هيام عبّاس وابنتها لينا سوالم مخرجة فيلم «باي باي طبريّا» (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

غالباً ما تعكس هيام عباس صورة المرأة الحديدية المتماسكة؛ أكان أمام الكاميرا أم خلفها. لكن عندما اعتلَت خشبة افتتاح «مهرجان عمان السينمائي الدولي»، لم تستطع حبس الدموع، فالمناسبة خاصة جداً. فيلم ابنتها المخرجة لينا سوالم «باي باي طبريا»، يفتتح المهرجان، وهيام شخصية محورية فيه، تؤدي التحية لأجيالٍ متعاقبة من نساء العائلة. على المسرح إلى جانبها، اصطفت شقيقاتها اللواتي لم تلتقِ بهن منذ فترة، وهذا سبب إضافيّ للدموع.

يحكي الوثائقيّ الطويل قصة شعبٍ، من خلال سيرة عائلة فلسطينية اختبرت النكبة والحروب والتغريبة. تتحدَّث الممثلة الفلسطينية المخضرمة لـ«الشرق الأوسط»، عن فيلم لا يشبه في شيء أياً من الأعمال التي عبَّرت في مسيرتها الحافلة والممتدة شرقاً وغرباً «خشيتُ في البداية من أن يتحول الفيلم إلى سيرة ذاتية عني، لكن حين استوعبتُ أن لينا تحاول تركيب قِطَع التاريخ المبعثرة من خلاله، اتضح لي أن المشاركة فيه واجب عليَّ لأنني الأم التي اختارت الهجرة، ولأنها الابنة الباحثة عن جذورها».

أمّ علي ونعمات

هي حكاية الصبية العشرينية المتمرّدة التي قرَّرت السير وراء حلمها، فهجرت البلاد وقريتها دير حنَّا إلى باريس بحثاً عن الممثلة التي تسكنها. تركت هيام خلفها «أم علي»، الجدة القدوة التي أعالت أطفالها بماكينة خياطتها بعد وفاة الزوج. ودعت كذلك «نعمات»، والدتها المدرِّسة التي أخفت الكثير من الفطنة والحنان خلف نظارتَيها السميكتَين. ابتعدت أيضاً عن خالة شرَّدتها النكبة واختفى أثرها، وشقيقاتٍ فاضت قلوبهن بحبٍ كبيرٍ لها.

تؤكد الفنانة الفلسطينية أن المخرجة تعمَّدت اختيار مسارٍ نَسَوي للفيلم: «منحت لينا نساء العائلة ما كن يستحققن أن يأخذن من الحياة وهن على قيدِها». تُقر بأن ابنتها كانت أكثر منها شجاعة لناحية التجرؤ على نبش الماضي، ولا تُخفي أن مشروع لينا «أصاب مكامنَ الوجع»، ما انعكس بكاءً وألماً روحياً عميقاً خلال التصوير، «خصوصاً أنني كنت ملتصقة عاطفياً بأمي وجدتي».

الممثلة الفلسطينية هيام عبّاس متحدّثةً إلى «الشرق الأوسط» (إدارة مهرجان عمّان السينمائي)

لا تنسب عباس لنفسها ردَّ الجميل لتلك النساء المكافحات، بل تحصر هذا الإنجاز بابنتها: «أنا فخورة بها وبقدرتها على إرجاعهنَّ إلى الضوء، ومَنحهنَّ مكاناً في التاريخ الذي حاول محوَهنّ».

حكاية شعب

صحيح أن «باي باي طبريا» ينطلق من ألبومات العائلة وذكرياتها الشخصية، إلا أنه يسرد مسار وطنٍ وشعبٍ بأكمله. تستعين سوالم لهذه الغاية بلقطات ثريَّة بالأسود والأبيض من أرشيف نكبة 1948، عندما تنظر هيام عباس إلى هذا العمل المحترف الذي مثَّل فلسطين في السباق إلى «الأوسكار»، لا يمكنها أن تتجرَّد من عين الأم. ولا تُنكر أنها لو نفَّذت الفكرة نفسها تحت إدارة مخرجٍ آخر، لتعاملت معه بصعوبة أكبر، «لكني قرَّرت أن أثق بـ(لينا)، وأن أتيح لها تجميع القطَع المبعثرة من التاريخ».

هيام عبّاس مع جدّتها "أم علي" وابنتها لينا في التسعينات (أرشيف المخرجة)

بلغ الألم مستوياتٍ متقدِّمة طيلة فترة الإعداد والتصوير، ما يدفع بالممثلة إلى البَوح: «كان من الأسهل عليَّ طبعاً أن أمثل دوراً في أي فيلم روائي من أن أفعل ما فعلته في هذا الوثائقيّ». يكفي أن يعود المُشاهد إلى تلك اللحظة التي دخلت فيها هيام عباس تحت عين الكاميرا، إلى بيت والدتها للمرة الأولى بعد وفاة الأخيرة. بلغت المشاعر ذروتها في هذا المشهد، حيث تحدَّثت عن «نعمات» بصيغة الماضي، وبحثت بين أغراضها عن تفصيلٍ أو رائحة تردها إلى أحضانها ولو خيالاً.

رغم ذلك، لا تدري عباس ما إذا كان حدادُها قد انتهى مع انتهاء الفيلم؛ فهي لم تدخل العمل السينمائي مع هدف الشفاء من جراح الماضي.

المخرجة ووالدتها الممثلة على شرفة الذكريات في دير حنّا الفلسطينية (فريق الإنتاج)

تصوير بلا تمثيل

هيام عبَّاس التي اعتادت خلعَ جلدها وتقمُّص شخصياتٍ في أفلامها ومسلسلاتها، ها هي في «باي باي طبريَّا» نسخة طبق الأصل عن نفسها. لا تمثيل هنا سوى في مشاهد قليلة ابتكرتها لينا سوالم للتخفيف من وطأة الماضي المُثقل بالغصَّات. ومن بين تلك الغصَّات أن عباس شعرت في وقتٍ من الأوقات بأن حلمها الذي ضاقت عليه جدران البيت العائلي، كان السبب بأن لا توجد إلى جانب والدتها عندما فارقت الحياة منذ سنتين. «بما أنني لم أستطع أن أودعها، وددتُ أن أسألها ما إذا كانت قد سامحتني على خياري المهنيِّ هذا». لكن ضمناً هي تعرف الجواب، فلطالما تابعت والدتُها أخبارها وافتخرت بها ودعت لها بالتوفيق.

في مقابل المشاعر الأليمة التي حرَّكها فيلم «باي باي طبريَّا»، جاء بمثابة هديَّة للعائلة التي تمكَّنت بفضله من تكريم ذكرى الأمهات المؤسِّسات. كما أنه لمَّ شمل الأشقَّاء تحت سماء العاصمة الأردنية عمَّان، للاحتفاء بالحب الذي يجمعهم، وبنجاح لينا سوالم في إيصال الفيلم إلى محافل مرموقة وجوائز عالمية.

هيام عباس وشقيقاتها حنان، بثينة وديانا خلال تصوير الوثائقي (فريق الإنتاج)

«مارشا روي»

ليست العالميَّة غريبة على هيام عباس، وهي من الممثِّلات العربيات القليلات اللواتي اخترقن جدار هوليوود. قبل سنوات أطلَّت شخصية رئيسية في مسلسل Succession الأميركي عبر منصة HBO. أدَّت دور زوجة لوغان روي «مارشا»، تلك المرأة الحديدية والباطنية. تقول إنها استمتعت كثيراً بالتجربة التي أدخلتها للمرة الأولى عالم التلفزيون الهوليوودي: «عندما أبلغني وكيل أعمالي بأنني مطلوبة للمسلسل، ظننته يمزح. كانت المرة الأولى التي يأتيني فيها عرضٌ بهذا الحجم».

هذا الوصول المدوِّي لممثلة عربية إلى الشاشتَين الكبيرة والصغيرة العالميَّتَين، لا يعني أن هيام عباس لهثت في يومٍ من الأيام وراء دورٍ أو إطلالة؛ «لم أتوسَّل، لكنِّي ثابرت». تشرح أنه نتيجة الخيارات التي أخذتها في مسيرتها والعلاقات المهنية التي نسجتها، صار يجري انتقاؤها لأدوار في أعمال عالمية، من بينها فيلم «ميونيخ» لستيفن سبيلبرغ، وكثير من الأفلام الأوروبية والأميركية.

عباس في دور «مارشا روي» إلى جانب الممثل البريطاني براين كوكس في مسلسل Succession (HBO)

ميدان الحرّيّة

على امتداد تلك الرحلة التي أخذتها من قرية دير حنّا إلى باريس ثمَّ هوليوود، أصرَّت عباس على أن تشبه نفسها. «الطريق ما زال طويلاً أمامي، وفيه لا أريد أن أخون نفسي وعقائدي وجذوري. أينما حللت، أنا فلسطينية. كل ما أفعل اليوم هو استكمالٌ لدربٍ قررت السير فيه منذ الـ20 من عمري».

تواصل هيام عباس مسيرتها السينمائية والدراميّة العالمية الممتدة أكثر من 3 عقود (إدارة مهرجان عمّان السينمائي)

فيما تستعد لتصوير فيلم فرنسي ومسلسل لـ«نتفليكس» إلى جانب المخرج والممثِّل رامي يوسف، تستمدّ هيام عباس طاقتها من الشغف، وتقول: «التمثيل هو ميدان حريتي الذي حلمتُ به صغيرة وما زلتُ أركض فيه من دون تعب».