اليمين المتطرف يعرض برنامجه تحسباً للفوز في انتخابات فرنسا

ماكرون يؤكد بقاءه حتى 2027... والبلد قد يشهد أزمة مؤسساتية

جوردان بارديلا رئيس «التجمع الوطني» في مؤتمره الصحافي الاثنين بباريس (إ.ب.أ)
جوردان بارديلا رئيس «التجمع الوطني» في مؤتمره الصحافي الاثنين بباريس (إ.ب.أ)
TT

اليمين المتطرف يعرض برنامجه تحسباً للفوز في انتخابات فرنسا

جوردان بارديلا رئيس «التجمع الوطني» في مؤتمره الصحافي الاثنين بباريس (إ.ب.أ)
جوردان بارديلا رئيس «التجمع الوطني» في مؤتمره الصحافي الاثنين بباريس (إ.ب.أ)

تلوح في الأفق الفرنسي أزمة نظام بدأت ملامحها تظهر يوماً بعد يوم، بينما الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية ستُجرى، الأحد المقبل.

وتثابر استطلاعات الرأي على إبراز الموقع المتقدم الذي يحتله اليمين المتطرف ممثلاً بـ«التجمع الوطني» برئاسة جوردان بارديلا الذي يُتوقع أن يحصل على 35 في المائة من أصوات الناخبين الذين يبلغ عديدهم 49.5 مليون شخص. وتتبعه، في المرتبة الثانية «الجبهة الشعبية الجديدة» وهي ائتلاف 4 أحزاب من اليسار والخضر، ومن المقدر لها أن تحوز 29 إلى 30 في المائة من الأصوات.

أما الكتلة الوسطية التي يراهن الرئيس إيمانويل ماكرون على تقدمها في الأيام الفاصلة عن الجولة الثانية من الانتخابات يوم 7 يوليو (تموز)، فقد بدت عاجزة، حتى اليوم، عن تخطي سقف الـ20 في المائة. ولأن القانون الانتخابي في فرنسا يقوم على الدائرة الصغرى (عدد الدوائر 577)، ولأن لكل دائرة معطياتها الخاصة، فمن الصعب جداً توقع العدد الحقيقي للمقاعد التي ستحصل عليها كل مجموعة من المجموعات الثلاث. ولكن الثابت، وفق المعطيات المتوافرة حتى اليوم، أن أياً منها لن يحصل على الأكثرية المطلقة في البرلمان المقبل (289 نائباً). وبما أنه يصعب توقع تحالف أي مجموعتين من المجموعات الثلاث للحكم معاً، فإن تشكيل حكومة قادرة على حيازة ثقة البرلمان وتمرير القوانين وقيادة البلاد للسنوات الثلاث المتبقية للرئيس ماكرون في الإليزيه، سيكون بمثابة معجزة.

وينص الدستور الفرنسي على أنه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يحل البرلمان مرة جديدة إلا بعد مرور عام على حله للمرة الأولى ما يعني أن ماكرون سيكون مقيد اليدين حيث سيكون عاجزاً عن إيجاد أكثرية برلمانية مطلقة أو أكثرية نسبية لن يحصل عليها بسبب طغيان اليمين المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة. من هنا، جاءت دعوة مارين لوبن، زعيمة «التجمع الوطني» والطامحة لرئاسة الجمهورية، ماكرون للاستقالة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته عند مدخل الإليزيه الاثنين (د.ب.أ)

ماكرون: أنا باقٍ حتى 2027

لا شيء يشي أن ماكرون سيستجيب لنداء منافسته الانتخابية؛ ففي الرسالة المكتوبة التي وجهها للفرنسيين ليل - الأحد عبر الصحف الإقليمية والتي نشرها موقع الرئاسة على منصة «إكس»، «طمأن» ماكرون الفرنسيين بقوله: «يمكنكم أن تثقوا بي لأعمل حتى مايو (أيار) 2027 بوصفي رئيسكم، حامي جمهوريّتنا وقيمنا في كلّ لحظة، مع احترام التعدّدية وخياراتكم، وفي خدمتكم وخدمة الأمّة». وحقيقة الأمر أن لا شيء دستورياً وقانونياً من شأنه إلزامه بالاستقالة؛ لأن شرعيته مستمدة من انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة ربيع عام 2022. وسبق للرئيسين فرنسوا ميتران الاشتراكي وجاك شيراك الديغولي اليميني أن خسرا الانتخابات التشريعية، وبقيا في منصبهما، وقبلا حكومة من غير لونهما السياسي في إطار ما يسمى «حكومة المساكنة».

لكن الصحيح أيضاً أن عهديهما عرفا أزمات سياسية بسبب التضارب في الرؤى بين ساكن الإليزيه وساكن قصر ماتينيون (رئاسة الحكومة)، إلا أنهما عرفا كيف يتعاملان معها ضمن صلاحيات كل منهما، وضمن الخطوط العامة المتعارف عليها. بيد أن «المساكنة» بين ماكرون وبين حكومة يمينية متطرفة (قد تكون الأرجح)، وتصل إلى السلطة للمرة الأولى في تاريخ فرنسا ستكون بالغة الصعوبة. الاختلاف بين الطرفين يقوم على عدد من المبادئ الأساسية التي نهضت عليها الجمهورية الفرنسية، ومنها على سبيل المثال مبدأ المساواة بين الفرنسيين «الأصلاء» والفرنسيين «الدخلاء».

اليمين المتطرف، وفق البرنامج الذي عرضه بارديلا، ظهر الاثنين، يريد منع مزدوجي الجنسية من تولي عدد من «المناصب الاستراتيجية في قطاعي الدفاع والأمن»، بحيث تبقى مقصورة على الفرنسيين وحدهم، علماً أن مزدوج الجنسية هو فرنسي، ويحق له ما يحق للآخرين. كذلك يريد بارديلا، في مرحلة لاحقة، وبناءً على استفتاء لا يمكن أن يحصل إلا بموافقة رئيس الجمهورية، إلغاء ما يسمى «حق الحصول على الجنسية الفرنسية لمن يولدون على الأراضي الفرنسية»، الأمر الذي يصعب على ماكرون القبول به بوصفه معمولاً به منذ عام 1851.

زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن ورئيس حزب الجمهوريين الذي التحق بالتجمع الوطني اليمني المتطرف أريك سيوتي (إ.ب.أ)

السياسة الخارجية في عهد اليمين المتطرف

يؤكد اليمين المتطرف أنه جاهز لممارسة السلطة. وقال بارديلا، الاثنين: «أقول بقوة لمواطنينا: إن التجمع الوطني هو اليوم الحركة (السياسية) الوحيدة القادرة على الاستجابة منطقياً للتطلعات الواضحة التي عبّر عنها الفرنسيون» في الانتخابات الأوروبية. وللمرة الأولى منذ انطلاق الحملة الانتخابية، تعرض الحركة المشار إليها بوضوح وبالتفصيل برنامجها الحكومي سواء أكان في السياسة الخارجية أم الاقتصادية أم المالية أم الاجتماعية. ففي الحقل الخارجي، يرفض بارديلا السير وراء سياسة الدعم المطلقة التي ينتهجها ماكرون إزاء أوكرانيا حيث يتحفظ على إرسال مدربين فرنسيين إلى الأراضي الأوكرانية، ويرفض استخدام الصواريخ الفرنسية لاستهداف الأراضي الروسية، أو تزويد كييف بطائرات «الميراج» الفرنسية.

ورغم أن الكلمة الفصل في السياستين الخارجية والدفاعية تعودان لرئيس الجمهورية، فإنه من غير المستساغ والمقبول أن تكون لفرنسا سياستان خارجيتان متضاربتان. ولم يتأخر المستشار الألماني أولاف شولتز في التعبير عن قلقه إزاء نتائج الانتخابات المقبلة في فرنسا التي تعد مع ألمانيا قاطرة الاتحاد الأوروبي. كذلك يرفض بارديلا الذي ينتظر أن يدعوه ماكرون لتشكيل حكومة إذا كان حزبه الفائز الأكبر، الاعتراف بالدولة الفلسطينية «اليوم»؛ لأن ذلك بمثابة «اعتراف بالإرهاب، وتوفير شرعية سياسية لتنظيم تنص شرعتها على تدمير دولة إسرائيل».

وفي ملف الهجرات، يريد اليمين المتطرف الذي بنى صعوده السياسي على التنديد بها لما لها من تهديد لـ«الهوية الوطنية، أن يحد من لم الشمل العائلي وتسريع طرد غير المرغوب بهم أو الذين لا يحق لهم البقاء على الأراضي الفرنسية والتشدد في الأحكام، وتعليق تسوية أوضاع اللاجئين غير الشرعيين.

يريد اليمين المتطرف إبراز عضلاته في التعامل مع الانفصالية الإسلاموية والهجرات وإحداث تغييرات في النظم الضريبية والتربوية والاجتماعية والاهتمام بالطبقة الوسطى ودفع القدرة الشرائية إلى الأمام، وزيادة المرتبات.

وبالمقابل، فإن «الائتلاف الوسطي» الوحيد الذي يراه ماكرون قادراً على حكم البلاد والمحافظة على استقرارها الاقتصادي والنقدي، يهاجم برامج الطرفين المتطرفين يميناً ويساراً. وأمل ماكرون أن يقترب ائتلافه من منافسيه، وأن ينجح في شق تحالف اليسار، واستمالة عدد من نوابه من الاشتراكيين والخضر ومما تبقى من اليمين التقليدي لتشكيل أكثرية نسبية أو على الأقل مجموعة وازنة. لكن المعطيات المتوافرة لا تبين أن حسابات الحقل ستتطابق مع حسابات البيدر.


مقالات ذات صلة

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

تحليل إخباري أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

حلقة في مسلسل استمرار جنوح المؤسسات الأوروبية نحو اليمين، بعد الانتخابات الأخيرة، مع تراجع قدرة الدولتين الكبريين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، على ضبط الأمور

شوقي الريّس (بروكسل)
شؤون إقليمية إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي (أ.ب)

المدعية العامة تهدد بإقالة بن غفير لتدخله في عمل الشرطة

تعتزم المدعية العامة غالي بهاراف ميارا مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بإقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ما لم يتوقف عن تدخله المتكرر في شؤون الشرطة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يتحدث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جلسة للكنيست (أرشيفية - رويترز)

وزير المالية الإسرائيلي يدعو إلى فرض سيادة بلاده على الضفة الغربية بحلول 2025

قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم (الاثنين)، إنه يأمل أن توسِّع إسرائيل سيادتها لتشمل الضفة الغربية بحلول 2025.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا زعيم اليمين المتطرف في هولندا‭‭ ‬‬خيرت فيلدرز (أرشيفية - د.ب.أ)

زعيم اليمين المتطرف في هولندا يلتقي وزير خارجية إسرائيل

ذكرت وكالة أنباء هولندية أن زعيم اليمين المتطرف‭‭ ‬‬خيرت فيلدرز سيلتقي مع وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، ورئيس الكنيست أمير أوحانا، في مطار سخيبول بأمستردام.

«الشرق الأوسط» (أمستردام )
أوروبا عناصر من الشرطة يصطحبون المشتبه بهم في الخلية الإرهابية اليمينية المتطرفة إلى المحكمة العليا بعد اعتقالهم (إ.ب.أ)

ألمانيا: اعتقال خلية يمينية متطرفة خططت لـ«تنظيف عرقي» في الولايات الشرقية

قبضت السلطات الألمانية على خلية يمينية متطرفة تضم سياسياً من حزب «البديل لألمانيا»، كانت تعد لتنفيذ عمليات تطهير عرقي شبيهة بتلك التي نفذها النازيون.

راغدة بهنام (برلين)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».