عندما فاز بورتو على موناكو في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2004، بدا الأمر وكأنه بداية حقبة جديدة. وبالفعل كان الأمر كذلك بالنسبة لجوزيه مورينيو. كان المدير الفني البرتغالي قد فاز في الموسم السابق بكأس الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا كان بمثابة نقطة انطلاق لتحقيق أرقام قياسية فيما يتعلق بأكبر عدد من النقاط مع تشيلسي، وحصوله على الثلاثية التاريخية مع إنتر ميلان الإيطالي، وصراعه الشرس مع جوسيب غوارديولا عندما كان يقود ريال مدريد. لقد ظل مورينيو على مدار عقدين من الزمن يعمل في جميع أنحاء أوروبا، وقد حقق نجاحاً ملحوظاً طوال نصف تلك الفترة على الأقل. لكن بالنسبة لكرة القدم الأوروبية ككل، كانت هذه المباراة النهائية بين بورتو وموناكو بمثابة نهاية لشيء ما.
فقبل هذه المباراة النهائية، كانت المنافسة شرسة للغاية بين أندية جميع البلدان الأوروبية المختلفة، حيث جاء الفائزون بلقب دوري أبطال أوروبا خلال تلك الفترة من تسعة بلدان مختلفة؛ لكن في الأعوام العشرين التي تلت ذلك، وصل فريق واحد فقط للمباراة النهائية من خارج البلدان الأربعة الكبرى في كرة القدم الأوروبية: إسبانيا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا - وكان هذا الفريق هو باريس سان جيرمان، الذي لا علاقة لنفوذه المالي بالوضع العام لكرة القدم الفرنسية.
ويرجع ذلك جزئياً إلى الدورة الرأسمالية المألوفة: يفوز النادي بالمباريات، وبالتالي يحصل على المزيد من الإيرادات التي تمكنه من شراء أفضل اللاعبين، وبالتالي يفوز بمزيد من المباريات، وهكذا، فإن ظهور دوري أبطال أوروبا وتوسعه التدريجي ليشمل فريقين، ثم ثلاثة، ثم أربعة، وبدءا من الموسم المقبل خمسة أو حتى ستة فرق من بلدان معينة، قد خلقا الظروف التي تؤدي إلى استمرار وترسيخ هذه الدوامة. فعندما كانت المنافسة عبارة عن خروج المغلوب بشكل مباشر، كانت حتى أفضل الفرق تتعرض للإقصاء في بعض الأحيان بعد خوض مباراتين فقط. لكن الأمور تغيرت كثيرا الآن، ويرجع ذلك جزئياً إلى الاستثمارات الضخمة من جانب رجال الأعمال والدول التي تشتهر بغسل الأموال.
وعلاوة على ذلك، فإن تهديد أندية النخبة بالانفصال من خلال إقامة بطولة دوري السوبر الأوروبي لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، جعل هذه الأندية تحصل على تنازلات أدت إلى زيادة إيراداتها، وبالتالي ساعدت في تعزيز هيمنتها. ويبدو أن ميشيل بلاتيني، على الرغم من كل أخطائه، قد أدرك أن هناك مشكلة تتعلق بالتوازن التنافسي في كرة القدم الأوروبية. وعندما استقال من منصبه كرئيس للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2016، استغل ريال مدريد وبايرن ميونيخ فراغ السلطة لفرض إجراء يقضي بتوزيع 30 في المائة من إيرادات دوري أبطال أوروبا وفقاً لنتائج الأندية في المسابقة على مدى السنوات العشر الماضية.
وهذا يعني أن ناديا مثل نيوكاسل، الذي كان في التصنيف الرابع لدور المجموعات في الموسم الماضي، سيحصل على نحو مليوني جنيه إسترليني فقط من تلك المدفوعات التاريخية، في حين سيحصل ناد مثل مانشستر سيتي على 30 مليون جنيه إسترليني. وعلى الرغم من أن نيوكاسل لم يلعب بشكل سيئ للغاية، فإنه احتل المركز الرابع في مجموعته وودع البطولة مبكرا، وهو ما أدى إلى تحسين ترتيبه التاريخي بشكل طفيف، في حين تصدر مانشستر سيتي مجموعته، التي كانت أسهل بكثير من مجموعة نيوكاسل، وبالتالي حسن مركزه كثيرا بالنسبة للموسم المقبل وما بعده.
ووجد ليستر سيتي نفسه في وضع مماثل، وسينطبق نفس الأمر أيضا على أستون فيلا، على الرغم من تغيير شكل المسابقة في الموسم المقبل. لكن قبل أن يشعر أي شخص بالأسف الشديد تجاههما، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في الفترة من 2018 إلى 2019، تم منح الفرق التي احتلت المركز الرابع في الدوريات الكبرى التأهل التلقائي إلى دور المجموعات بدلاً من الاضطرار إلى خوض ملحق فاصل. لكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة لأندية النخبة الجشعة في أوروبا، حيث لا تزال تريد المزيد، للدرجة التي جعلتها تطالب بتغيير نظام دوري أبطال أوروبا للقضاء حتى على الجزء البسيط من الخطر الموجود في دور المجموعات. وكانت النتيجة هي تطبيق النظام السويسري بداية من الموسم المقبل: المزيد من المباريات، والمزيد من الأموال، والقليل من المخاطر!
ويمكننا أن نرى عواقب تركيز الثروة في عدد محدود من الأندية في الطريقة التي تم بها القضاء على المنافسة في البلدان التي تهيمن على دوري أبطال أوروبا على مدى السنوات العشرين الماضية. ففي كل دوري من هذه الدوريات الأربع الكبرى، أصبحت الأندية الكبرى هي المهيمنة على الساحة المحلية بشكل متزايد: فاز بايرن ميونيخ بـ 11 لقباً للدوري الألماني الممتاز على التوالي قبل أن يتوج باير ليفركوزن باللقب هذا الموسم. وفاز يوفنتوس بتسعة ألقاب للدوري الإيطالي الممتاز على التوالي. وفاز ريال مدريد - الذي سيواجه بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا يوم السبت المقبل - وبرشلونة بجميع ألقاب الدوري الإسباني الممتاز في العشرين عاما الماضية، باستثناء لقبين فقط. وحتى في الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يتم فيه توزيع عائدات البث التلفزيوني بدرجة من التكافؤ، فاز مانشستر سيتي بستة من آخر سبعة ألقاب.
وقد أدى هذا بدوره إلى حدوث تأثيرات غير مباشرة. لقد أصبحت كرة القدم نفسها هجومية بشكل أكبر، وأصبحت أندية النخبة تهيمن على الساحة المحلية إلى الحد الذي جعلها لا تضطر للاهتمام كثيرا بالدفاع، وهو الأمر الذي يُظهر عدم جاهزيتها في الجولات المتقدمة من دوري أبطال أوروبا عندما تواجه أندية النخبة الأخرى التي تمتلك قدرات هجومية أكبر بكثير من الأندية المحلية في هذه الدوريات.
ولهذا السبب أصبحت «الريمونتادا» بعد التأخر بثلاثة أهداف شبه مألوفة على الأقل خلال المواسم الأخيرة. وبعدما كان يُنظر إلى مورينيو على أنه بداية حقبة جديدة، أصبح يُنظر إليه الآن على أنه من بقايا الماضي: فمن الذي سيركز على الدفاع في عالم يتعامل مع كرة القدم على أنها سلعة ترفيهية؟ وبهذا المعنى، تحسن المحتوى، وأصبحت كرة القدم تحظى بشعبية أكبر من ذي قبل. لكن فوائد ذلك يتم الشعور بها بشكل غير متناسب على مستوى النخبة، حيث يختار الجمهور العالمي في جميع أنحاء العالم تشجيع أحد الأندية الكبرى القليلة، والتي بدورها تصبح منفصلة بشكل متزايد عن المجتمعات التي كانت تخدمها في البداية.
وإذا كانت كرة القدم عبارة عن عمل تجاري، فربما يكون من المنطقي تجميع أفضل اللاعبين والمديرين الفنيين في عدد صغير من الأندية وجعلهم يواجهون بعضهم بعضا بشكل منتظم (وهذا هو بكل تأكيد المنطق وراء إقامة بطولات الكريكيت بشكلها الحالي). ربما من يحنون إلى الماضي هم وحدهم من يهتمون بالنظر إلى الأندية باعتبارها شيئاً أكثر من مجرد وسيلة تجارية، ويتعاملون معها على أنها مؤسسات اجتماعية لها مسؤوليات كبيرة وأن أفعالها يكون لها صدى ثقافي، ويشعرون بعدم الارتياح إزاء ما يحدث حاليا.
ولهذا السبب، بدت المباراة النهائية للدوري الأوروبي هذا الموسم منعشة للغاية، حيث أظهرت تلك المباراة - كما قال المدير الفني لأتالانتا الإيطالي جيان بييرو غاسبريني - أنه «لا يزال هناك مجال للأفكار، وأنه يجب ألا يقتصر الأمر على الأموال الطائلة». لكن الحقيقة المؤلمة الآن هي أن الأندية على مستوى النخبة تعتمد وبشكل متزايد على هذه الأموال الطائلة التي تأتي من الخارج. لقد أدى هذا الجشع إلى تقليص الفائزين المحتملين بدوري أبطال أوروبا إلى عدد قليل للغاية، وبالتالي فإن السؤال الوحيد الذي يمكن طرحه الآن هو: إلى أي مدى ستصل هذه العملية؟