«العمر مجرد رقم»... لماذا يرفض «المسنون» التقاعد؟

منهم بايدن وترمب

يتباهى هوارد تاكر بشهادته في موسوعة غينيس للأرقام القياسية حيث وصفه بأنه «أكبر طبيب ممارس» (سي إن إن)
يتباهى هوارد تاكر بشهادته في موسوعة غينيس للأرقام القياسية حيث وصفه بأنه «أكبر طبيب ممارس» (سي إن إن)
TT

«العمر مجرد رقم»... لماذا يرفض «المسنون» التقاعد؟

يتباهى هوارد تاكر بشهادته في موسوعة غينيس للأرقام القياسية حيث وصفه بأنه «أكبر طبيب ممارس» (سي إن إن)
يتباهى هوارد تاكر بشهادته في موسوعة غينيس للأرقام القياسية حيث وصفه بأنه «أكبر طبيب ممارس» (سي إن إن)

لماذا يرغب بعض الأشخاص في الاستمرار في العمل لعقود بعد سن التقاعد؟

فمثلاً، يتنافس الرئيس الأميركي جو بايدن البالغ من العمر 81 عاماً، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب صاحب الـ77 عاماً، للحصول على فرصة أخرى فيما تسمى بأصعب وظيفة في العالم.

أيضاً، ليس من المبالغة القول إن هوارد تاكر طبيب الأعصاب، الذي بدأ ممارسة الطب عام 1947، عمل في الطب طوال حياته، بحسب تقرير لشبكة «سي إن إن».

وفي حين يبلغ متوسط العمر المتوقع للرجال في الولايات المتحدة 73 عاماً، كان تاكر طبيباً منذ 77 عاماً. وفي يوليو (تموز)، سيبلغ 102 عام. وصنفه كتاب «غينيس» للأرقام القياسية بأنه «أكبر طبيب ممارس».

ويشير التقرير إلى أن هذه الشخصيات هي أمثلة لظاهرة متنامية: تجنب الأميركيون التقاعد، وعملوا لسن متقدمة من حياتهم.

وسألت «سي إن إن» أشخاصاً تجاوزوا سن التقاعد التقليدي عن سبب بقائهم في الوظيفة، وحصلت على عدد من الردود، مثل أن يواصل بعضهم العمل لتغطية نفقاتهم، أو عبّر آخرون عن حبهم لما يفعلونه، وعدم قدرتهم عن التخلي عنه.

أيضاً يصر البعض على أنهم أفضل من أي وقت مضى في المهن التي اختاروها، ويحبون الاعتماد على شعورهم المتزايد بالكفاءة. لقد استمروا في العمل بسعادة، وإنتاجية، وشرحوا لـ«سي إن إن» كيف ولماذا يفعلون ذلك.

هوارد تاكر طبيب أعصاب 101 عام

مفتاح طول العمر: المثابرة وتعزيز حب التعلم.

وأشار تاكر إلى أن الدراسات أظهرت أن الحفاظ على تحفيز الدماغ قد يمنع العديد من الإعاقات الإدراكية المرتبطة بالعمر، موضحاً أنه يحافظ على تحفيز ذهنه من خلال العمل.

ولكنه قال: «بالنسبة لأولئك الذين تقاعدوا أو يخططون للتقاعد، قد تكون هواية محفزة عقلياً بديلاً مناسباً. من المهم أن تعرف نفسك، وتفهم حدودك، وقدراتك، ولكنني أؤمن إيماناً راسخاً بأن التقاعد هو عدو طول العمر».

ورأى أنه «مع استمرار الناس في العيش لفترة أطول، قد يصبح من الشائع قريباً رؤية أفراد يعملون وهم في الثمانينات والتسعينات من عمرهم، وفي بعض الحالات يتجاوزون المائة عام، مثلي».

وأشار إلى أنه يقضي الآن وقته في تدريس طلاب الطب والقانون في جامعة كيس ويسترن ريزيرف في كليفلاند، ويعطي الأولوية لمواكبة أحدث الاتجاهات في علم الأعصاب، وهو مجال تخصصه.

غايل فليمنغ مدربة يوغا 76 عاماً

بالنسبة لهذه السبعينية، لا يمر يوم واحد من دون «ناماستي».

وقالت: «في عالم يتم فيه تمجيد الشباب بما يتجاوز كل الأسباب، ويتم التعامل مع الشيخوخة كمرض».

واحتفلت فليمنغ «بفخر» بعيد ميلادها السادس والسبعين في فبراير (شباط)، وأوضحت أنها تقوم بالتدريس لكي «تكسب رزقها»، ولكن أيضاً لأنها تحب ما تقوم به.

وأضافت: «قد يكون هذا هو سر العمل لفترة طويلة بعد الوقت الذي يخبرنا فيه المجتمع أنه من المفترض أن نتقاعد».

ونصحت فليمنغ كبار السن، بمن فيهم بايدن، أنه يجب عليهم ببساطة أن يرفضوا أن يتم تعريفهم حسب أعمارهم، وقالت: «هكذا مضيت في العقد الثامن من عمري، ولا أنوي التوقف. لم أستسلم للتقدم في السن في الصيف الماضي أثناء المشي لمسافات طويلة من ثمانية إلى 10 أميال يومياً مع مجموعة من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 20 عاماً. أرفض أن يهزمني تقدمي في السن عندما أتصفح ما بين 30 إلى 50 كتاباً أقرأها كل عام».

تشارلز سيمون باحث في الذكاء الاصطناعي 70 عاماً

مع التقدم في السن، من الحكمة رؤية الحلول في سياق موسع.

وأوضح سيمون الذي يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي أن هناك الكثير من الأشياء التي يضيفها إلى مجال عمله، والتي قد لا يمتلكها شخص أصغر سناً، وقال: «لدي وجهة نظر أوسع، قد يسميها البعض الحكمة، لرؤية حلول للمشكلات في سياق أكثر اتساعاً».

وأضاف: «يمكنني حقاً أن أفكر خارج الصندوق، ولا أشعر بأنني مقيد بالمعتقدات الحالية للذكاء الاصطناعي التي أعتبرها مقيدة - ويرجع ذلك جزئياً إلى حاجة الشركات إلى إظهار أرباح فورية».

وكان من الممكن أن يترك سيمون العمل منذ سنوات، لكنه مستمر في العمل حتى السبعينات من عمره «لمتابعة الأفكار الثورية، والمساهمة في المجتمع العلمي، والمجتمع ككل»، وفقاً له.

ولفت إلى أن دخل التقاعد المناسب يتيح له معالجة المشكلات المثيرة للاهتمام في مجال عمله من دون توقع التعويض على المدى القريب.

بالنسبة له، الذكاء الاصطناعي هو المشروع الأكثر إثارة على هذا الكوكب، فـ«لماذا أتوقف عن العمل؟»، سأل سيمون.

آنا ماري فورسايث معلمة مدرسة أيلي 80 عاماً

مبشرة للرقص الحديث تنقل معرفتها إلى الجيل القادم.

وأشارت فورسايث إلى أنها كانت تقوم بتدريس 12 حصة رقص في الأسبوع، أما الآن فتعطي أربعة دروس، وهذا التخفيض في الجدول الزمني جعل من الممكن بالنسبة لها أن تكون نشيطة تماماً كما كانت عندما كانت تدرس 12 فصلاً.

آنا ماري فورسيث تقوم بتدريس طلابها (مدرسة أيلي)

وقالت: «هورتون هو أسلوب الرقص الحديث الذي لا أزال أقوم بتدريسه في مدرسة أيلي».

إلى متى ستستمر في التدريس؟ رأت فورسايث أنها ستستمر طالما بدا الطلاب مستجيبين، ويتعلمون، وينمون.

وأضافت: «لا أشعر بالتعب أبداً عندما أدخل استوديو الرقص. أعلم أن لدي أشياء يمكنني تعليمها لهؤلاء الراقصين الشباب لن يحصلوا عليها في مكان آخر. وأنا أحب رؤية طلابي ينمون، ويتغيرون».

ديفيد أ. أنديلمان مراسل أجنبي 79

«لقد وضعت حقيبة السفر جانباً، لكنني ما زلت مراسلاً أجنبياً في قلبي».

في ذروة نشاطه كمراسل أجنبي، أولاً مع صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم مع شبكة «سي بي إس نيوز» لاحقاً، كان لدى أنديلمان «حقيبة سفر» بجوار سريره في الأوقات التي كانت فيها مكالمة في منتصف الليل من أحد المحررين بمثابة «حقيبة سفر» وترسله لتغطية ثورة أو انفجار في ركن بعيد من العالم، حسبما أخبر «سي إن إن».

ديفيد أ. أنديلمان (سي إن إن)

هل افتقد اندفاع الأدرينالين الذي دفعه عبر أكثر من 90 دولة إلى أزمات لا توصف؟ أجاب: «بالتأكيد. لكن هذا لا يعني أنني توقفت عن السفر. وما زلت أفعل ذلك كثيراً. الآن يمكن لرحلاتي وكتاباتي أن تكون أكثر تأملاً، وربما أكثر وضوحاً. أستطيع أن أتوقف لأشم رائحة الورود، وأفكر في سبب نموها، أو موتها. أستطيع أن أكتب المزيد من الكتب، وأقلب المزيد من الصفحات، وأزور زوايا أكثر غرابة، ولكنني أستطيع أيضاً الاستفادة من تدريبي كمؤرخ لوضع كل ذلك في منظور أكثر عمقاً».

ماغي مولكوين معالجة نفسية 68 عاماً

لا تذهب برشاقة إلى «النوم».

في عيد ميلادها الخامس عشر، أهداها والدها عشرات الورود الحمراء مع بطاقة كتب عليها: «مرحباً بك في منتصف الطريق فوق التل».

وأشارت مولكوين إلى أنها من الجيل الذي يعتقد أنه لا يمكن الوثوق بالأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاماً، لكنها أوضحت أنه «من عجيب المفارقات أن هذا الجيل نفسه ظل لعقود من الزمن يعيد تعريف مفهوم الشباب ففكر في أن الخمسين هو الأربعين الجديدة. أو الستين هو منتصف العمر... إننا لم نمض برشاقة نحو النوم».

وقالت: تكمن فائدة عملي في أنه كان لي شرف الاستماع لسنوات عديدة إلى التفاصيل الداخلية لكيفية تعامل من هم أكبر مني سناً مع بداية الشيخوخة، والألغاز المرتبطة بالتقاعد. في مجتمع حيث السؤال الأول الذي يُطرح عند مقابلة شخص جديد هو (ماذا تفعل؟)، فإن الخروج من العمل يمكن أن يبدو وكأنه الذهاب إلى الهاوية نحو المجهول الكبير».

مع اقترابها من سن السبعين، لا تزال مولكوين تشعر بالرضا في حياتها العملية، وتخطط لمواصلة العمل «طالما أنها قادرة على تقديم رعاية جيدة لمرضاها»، وأضافت: «بما أنني أتعامل مع أشخاص من مختلف الأعمار، فإنني أتعلم باستمرار عن الاتجاهات، والضغوط التي تشعر بها الأجيال الأخرى».

وأكدت أنه «لا يبدو أن أحداً يشعر بالقلق بعد الآن من أن بلوغ الثلاثين عاماً هو أمر بعيد المنال، خاصة أن المعركة تحولت إلى القلق بشأن تولي الأشخاص في الثمانينات من العمر أدواراً قيادية. لكنني لا أزال ممتنة للهدية التي قدمها لي والدي: إدراك أن العمر مجرد رقم، وأنني أكثر من مجرد عمري».



وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
TT

وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ميشيغان الأميركية، أنّ الوصول إلى مستوى عين المريض عند التحدُّث معه حول تشخيصه أو رعايته، يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً في العلاج.

وأظهرت النتائج أنّ الجلوس أو القرفصاء بجانب سرير المريض في المستشفى، كان مرتبطاً بمزيد من الثقة والرضا لديه، كما ارتبط بنتائج سريرية أفضل مقارنة بوضعية الوقوف.

وأفادت الدراسة المنشورة في دورية «الطبّ الباطني العام»، بأنّ شيئاً بسيطاً مثل توفير الكراسي والمقاعد القابلة للطي في غرف المرضى أو بالقرب منها، قد يساعد في تحقيق هذا الغرض.

يقول الدكتور ناثان هوتشينز، من كلية الطبّ بجامعة ميشيغان، وطبيب مستشفيات المحاربين القدامى الذي عمل مع طلاب كلية الطبّ بالجامعة، لمراجعة الأدلة حول هذا الموضوع، إنهم ركزوا على وضعية الطبيب بسبب ديناميكيات القوة والتسلسل الهرمي للرعاية القائمة في المستشفى.

وأضاف في بيان نُشر الجمعة في موقع الجامعة: «يلاحظ أنّ الطبيب المعالج أو المقيم يمكنه تحسين العلاقة مع المريض، من خلال النزول إلى مستوى العين، بدلاً من الوقوف في وضعية تعلو مستوى المريض».

وتضمَّنت الدراسة الجديدة التي أطلقتها الجامعة مع إدارة المحاربين القدامى في الولايات المتحدة، وضعية الطبيب بوصفها جزءاً من مجموعة من التدخلات الهادفة إلى جعل بيئات المستشفيات أكثر ملاءمة للشفاء، وتكوين روابط بين المريض ومُقدِّم الخدمة العلاجية.

وبالفعل، ثبَّتت إدارة شؤون المحاربين القدامى في مدينة آن أربور بولاية ميشيغان، كراسي قابلة للطي في غرف عدّة بمستشفيات، في مركز «المُقدّم تشارلز إس كيتلز» الطبي.

وكانت دراسات سابقة قد قيَّمت عدداً من النقاط الأخرى المختلفة، من طول لقاء المريض وانطباعاته عن التعاطف والرحمة من مُقدِّمي الرعاية، إلى درجات تقييم «المرضى» الإجمالية للمستشفيات، كما قيست من خلال استطلاعات موحَّدة.

تتضمّن التوصيات التشجيع على التحية الحارّة للمريض (الكلية الملكية في لندن)

ويقول الباحثون إنّ مراجعتهم المنهجية يجب أن تحضّ الأطباء ومديري المستشفيات على تشجيع مزيد من الجلوس بجانب سرير المريض، كما تتضمّن التوصيات أيضاً التشجيع على التحية الحارّة عندما يدخل مُقدّمو الخدمات غرف المرضى، وطرح أسئلة عليهم حول أولوياتهم وخلفياتهم المرضية خلال المحادثات.

وكان الباحثون قد درسوا هذا الأمر بوصفه جزءاً من تقييمهم الأوسع لكيفية تأثير العوامل غير اللفظية في الرعاية الصحّية، والانطباعات التي تتولّد لدى المريض، وانعكاس ذلك على النتائج.

وشدَّد هوتشينز على أنّ البيانات ترسم بشكل عام صورة مفادها أنّ المرضى يفضّلون الأطباء الذين يجلسون أو يكونون على مستوى العين. في حين أقرّت دراسات سابقة عدّة أنه حتى عندما كُلِّف الأطباء بالجلوس مع مرضاهم، فإنهم لم يفعلوا ذلك دائماً؛ خصوصاً إذا لم تكن المقاعد المخصَّصة لذلك متاحة.

ويدرك هوتشينز -عبر إشرافه على طلاب الطبّ والمقيمين في جامعة ميشيغان في إدارة المحاربين القدامى- أنّ الأطباء قد يشعرون بالقلق من أن الجلوس قد يطيل التفاعل عندما يكون لديهم مرضى آخرون، وواجبات يجب عليهم الوصول إليها. لكن الأدلة البحثية التي راجعها الفريق تشير إلى أنّ هذه ليست هي الحال.

وهو ما علق عليه: «نأمل أن يجلب عملنا مزيداً من الاعتراف بأهمية الجلوس، والاستنتاج العام بأنّ المرضى يقدّرون ذلك».

وأضاف أن توفير المقاعد وتشجيع الأطباء على الوصول إلى مستوى عين المريض، وحرص الكبار منهم على الجلوس ليشكّلوا قدوة لطلابهم، يمكن أن يساعد أيضاً.