«ليتني شمعة»... مرويات فلسطينية في معرض جماعي بالقاهرة

بينها أشعار محمود درويش وبورتريه غسان كنفاني

الفنانة لينا أسامة تبرز موتيفات فلسطينية في إحدى لوحاتها بالمعرض (الشرق الأوسط)
الفنانة لينا أسامة تبرز موتيفات فلسطينية في إحدى لوحاتها بالمعرض (الشرق الأوسط)
TT

«ليتني شمعة»... مرويات فلسطينية في معرض جماعي بالقاهرة

الفنانة لينا أسامة تبرز موتيفات فلسطينية في إحدى لوحاتها بالمعرض (الشرق الأوسط)
الفنانة لينا أسامة تبرز موتيفات فلسطينية في إحدى لوحاتها بالمعرض (الشرق الأوسط)

«وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك وقل: ليتني شمعة في الظلام»... تصدرت هذه الأبيات الشعرية لمحمود درويش معرضاً للفن التشكيلي في القاهرة يحمل عنوان «ليتني شمعة»، يضم لوحات تعبر عن مرويات فلسطينية لعدد من الفنانين الذين ينتمون لمدارس وأجيال مختلفة.

تتصدر أبيات درويش بهو المعرض الذي يستضيفه غاليري «آرت توكس إيجيبت» حتى 21 مايو (أيار) الجاري؛ مصحوبة ببورتريه بالأبيض والأسود للشاعر الفلسطيني الراحل، في حضور لافت لرموز الثقافة الفلسطينية في المعرض.

يضم المعرض المخصص لدعم القضية الفلسطينية أعمال 40 فناناً وفنانة، ويذهب جانب من ريعه لصالح فلسطين. ويبرز ضمن الأعمال بورتريه للأديب الراحل غسان كنفاني (1936 - 1972)، وآخر مرسوم له على جدار في محاكاة لفنون الجداريات، يُصور غسان وهو يكتب: «لك شيء في هذا العالم... فقُم»، وهي واحدة من أشهر عبارات الكاتب الفلسطيني الراحل.

تفاعل مع أطفال غزة الشهداء في إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

تقدم أعمال المعرض مرويّة فنية وتوثيقية عبر الاتجاهات التشكيلية المختلفة، بداية من البورتريهات التي تعرض لرموز ثقافية وفكرية، وكذلك إعلامية مثل الصحافية والمراسلة الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة (1971 - 2022)، مروراً بتوظيف مختلف الوسائط الفنية لتشكيل حالة حوارية متسعة مع القضية والأرض الفلسطينية.

كما تم توظيف أخبار الحرب والصحافة وطوابع البريد التي تحمل الخريطة الفلسطينية في تكوينات فنية للتوثيق التاريخي في مواجهة محاولات طمس حكاية الأرض، كما يوظف فنانون خامات من أقمشة تستوحى أكفان الشهداء، والتطريز التراثي، في مقاربات فنية بين الحياة والموت، وما بينهما من مقاومة مستمرة، ويبرز مشروع فني يحاكي علب السجائر عليها صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مضمخة بالدماء.

أعمال مركبة حملت رموزاً ودلالات شتى بخصوص الحرب على غزة (آرت توكس إيجيبت)

وتصوّر الفنانة المصرية لينا أسامة فلسطين بطبيعتها الريفية البسيطة الجميلة، وأشجار الزيتون والبرتقال بما تحمله من رمزية، مستخدمة الأسلوب التجريدي لتحاكي وجه الحياة، وليس وجه الدمار والحرب، بالإضافة إلى تقنيات تلامس التراث مثل الطباعة بورق الحنة، كما تجسد الشخصيات الشعبية كفلاحة أشبه بالعروس المصنوعة من ورق الأرز.

الفنان عبد الرحمن شرف مع جانب من أعماله (الشرق الأوسط)

وفيما يطغى على لوحاتها اللونان الأحمر والأبيض بدلالتهما التراثية، تقول لينا: «فلسطين كبيرة، ويجب أن تظل حاضرة في الذاكرة بوصفها بلاداً حيّة، وليست فقط مرتبطة بالاحتلال، فتاريخها قديم ولا يمكن أن تنال منها الحرب، وأهمية الفن أنه يقدم صورة بهذا البعد الذي يجعلها دائماً حاضرة في الأذهان بجمالها وبساطتها وأبعادها الثقافية الثرية».

وتوضح لـ«الشرق الأوسط» رؤيتها للتعامل مع القضية الفلسطينية، قائلة: «رغم أنها قضية محسومة بالنسبة لنا في العالم العربي، فإننا في لحظة مصيرية الآن، يبدو فيه العالم شديد الاهتمام بفهم القضية الفلسطينية، وتتنازعه الآراء ما بين تحيّز الإعلام الغربي، وسيل المعلومات التي تصله من (السوشيال ميديا)».

عدد من الفنانين المشاركين بالمعرض (آرت توكس إيجيبت)

وتبدو ألوان العلم الفلسطيني مُتداخلة في نسيج العديد من الأعمال، وكذلك وجوه الأطفال الذين راحوا ضحية الحرب، فالفنان المصري عبد الرحمن شرف، يستعين بتقنية الديجيتال في صنع مفارقات حول الموت، ويقول: «ارتبطت كثيراً كغيري بصور أطفال غزة الشهداء، وحاولت المشاركة في تخليد سيرتهم، من بينهم الطفل يوسف ونبيلة نوفل الصغيرة، وأبو الورد وسوسو، قمت برسمهم، واستعنت بالخامات المتعددة من ورق وتطريز في اللوحات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كما استخدمت رموزاً متفرقة دالة على الموت مثل الغراب، والثعبان وسمومه، والجماجم التي هي أثر الدمار، والتيجان الذهبية التي تحيط برؤوس الشهداء، بوصفها رمزاً للعِزة التي ماتوا من أجلها».


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».