خمس مراحل تحكم مسار «أوسكار أفضل فيلم أجنبي»

بحريني وأفغاني وصيني لم تدخل السباق المنتظر

من الفيلم البحريني «الشجرة النائمة»
من الفيلم البحريني «الشجرة النائمة»
TT

خمس مراحل تحكم مسار «أوسكار أفضل فيلم أجنبي»

من الفيلم البحريني «الشجرة النائمة»
من الفيلم البحريني «الشجرة النائمة»

لم يعد ممكنًا التنبؤ بمن يخرج بأوسكارات كل عام كما كان من الممكن سابقًا. تكاثرت الأفلام وتكاثرت الشخصيات وتداخلت الشروط الجديدة مع تلك القديمة بحيث أصبح من الصعب تحديد وجهة في أي من مسابقات الأوسكار المتعددة. ومع تعدد ضروب الإنتاج وتنوّع مصادره ازدادت كذلك المشكلات المتعلقة بتحديد الأولوية في هذا الخصوص.
في الوقت ذاته، كانت الأكاديمية ذاتها، تقوم بما يمكن تسميته بإصلاحات داخلية طوال السنوات القريبة الماضية، من توسيع رقعة الأفلام المرشّحة للأوسكار الرئيسي نفسه، إلى تحديد معالم الفيلم القصير على نحو أكثر تحديدًا إلى إدخال أذرع عمل إضافية من شأنها تسهيل المهمّة الشاسعة الملقاة على عاتق الأعضاء المنتخِبين.
مسابقة الأفلام الأجنبية (أي تلك الناطقة باللغة غير الإنجليزية على نحو كامل أو غالب) داخلتها ترميمات جديدة بدورها. من بينها قيام رئيس هذه المسابقة، مارك جونسون، بتخفيض عدد الأفلام التي على الأعضاء مشاهدتها. كذلك تم انتقاء أعضاء دون الخمسين سنة من العمر، بعدما كان الغالب أن يكون الأعضاء فوق ذلك السن، وذلك تجاوبًا مع الطروحات الجديدة والعناصر الإبداعية الأكثر تنوعًا في المواضيع والأساليب حاليًا.

جيل كبير وجيل صغير
ما كان سائدًا حتى عهد قريب، هو قيام فريق من أعضاء الأكاديمية (التي يشارف عددها على 6000 عضو) بالإعلان عن رغبتهم في الانضمام إلى الفريق الذي سيشاهد ويعاين الأفلام المرسلة من قِبل دولها ومؤسساتها الوطنية. كان السائد هو كبر عمر أعضاء هذا القسم وتمتّع معظمهم بشغف نحو الأفلام التاريخية وأفلام الحروب العالمية وتبعاتها، والأفلام المسرودة على نحو كلاسيكي يعكس قربًا من مفاهيم سائدة في هذا الشأن.
في هذا الصدد لا عجب أن الأفلام التسعة التي تم ترشيحها رسميًا للمخرج السويدي إنغمار برغمن من عام 1960 إلى عام 1984 لم يحظ منها أي فيلم بأوسكار أفضل فيلم. تجاوز المصوِّتون عن «فريز برّي» Wild Strawberry و«صرخات وهمسات» و«وجه لوجه» و«سوناتا الخريف» والأوسكار الوحيد الذي ناله برغمن هو أوسكار أفضل إخراج عن «فاني وألكسندرا» (1982) الأسهل سردًا وقبولاً من معظم أعماله الأخرى.
الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني كان حظّه من ترشيحات الأوسكار فيلمًا واحدًا دخل القائمة الرئيسية، كونه ناطقًا باللغة الإنجليزية، وهو فيلم «انفجار» (1966) في حين لم يتم انتخاب أي من أعماله «الأسلوبية» الصعبة ضمن الأفلام الأجنبية ومنها «الصحراء الحمراء» و«المغامرة» و«الليل» و«الخسوف».
الجيل الأصغر يعرف أكثر في السينما الأجنبية ويقدّر الأوضاع الإنتاجية المحددة في كل بلد ناشئ أو تلك الإنتاجات التي يتم تحقيقها نشازًا عن السائد التجاري ويتعامل معها على نحو أفضل.
في العام الماضي، على سبيل المثال، نلحظ أنه على الرغم من تبوؤ ثلاثة أفلام أوروبية الترشيحات في مسابقة الفيلم الأجنبي، وهي الدنمارك وإيطاليا وبلجيكا، كان هناك مجال لدولتين صغيرتي القدرات تقعان خارج منظومة الإنتاجات المتعددة والسائدة هما كمبوديا التي مثلها فيلم «الصورة المفقودة» وفلسطين التي مثلها فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد.
في مطلع هذا العام، تعدد وجود دول أوروبية (ثلاث أيضًا هي روسيا وإستونيا وبولندا، التي خرجت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن «آيدا») لكن التحق بالترشيحات الرسمية الفيلم الموريتاني «تمبكتو» والأرجنتيني «حكايات خارق».

التجربة البحرينية
منذ سنوات قريبة باتت الخطوات المؤدية إلى إعلان ترشيحات الفيلم الأجنبي الرسمية أوضح من ذي قبل. فهي تنقسم إلى أربع مراحل:
الأولى هي تقدّم الدول بالأفلام التي تمثلها. الثانية: هي قيام نحو 400 عضو بمشاهدة ما تم تقديمه (نحو 70 فيلمًا في المتوسط).
الثالثة: هي تأليف القائمة الرسمية التي تتضمن خمسة أفلام فقط.
المرحلة الرابعة هي قيام كل أعضاء الأكاديمية بانتخاب الفيلم الرابح من بين الخمسة المرشّحة.
المطلوب من كل عضو في هذا النطاق مشاهدة ما لا يقل عن 16 فيلمًا ثم وضع إشارات استحسانه (من سبع درجات وما فوق حتى العشر درجات). ويقوم مارك جونسون وفريقه الصغير بإحصاء الأرقام الأعلى التي حصل عليها كل فيلم وبالتالي يتم الاختيار من بينها.
هذا يؤدي إلى انتخاب تسعة أفلام رسمية والإعلان عنها قبل الوصول إلى مرحلة خامسة لاحقة وهي التصويت على الأفلام التسعة لاختيار الخمسة في القائمة الرئيسية.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي الأساس، لا يمكن قبول الأفلام المرسلة على هنّاتها، وهناك ما يخفق في دخول المرحلة الثانية منذ البداية. وفي بعض الأحوال لا يتضح السبب مطلقًا، كما حدث هذا العام مع الفيلم البحريني «الشجرة النائمة» للمخرج الشاب محمد راشد بوعلي: دراما اجتماعية حول عائلة من ثلاثة أشخاص تمر بمحنة بسبب ولادة غير صحية لولدها الوحيد نتج عنها نشأته مقعدًا.
الفيلم جيد في الفكرة والجوهر، مع متاعب في السرد والانتقال (غير الضروري) بين الأزمنة، وتم إرساله، حسب كاتبه وفيق رمضان ومخرجه بوعلي ممثلاً البحرين (للمرّة الأولى) في سباق أفضل فيلم أجنبي، لكن قائمة الأفلام التي أعلن عنها قبل أكثر من شهر، وتضم تلك التي تمثل دولها لم تنطوِ على الفيلم البحريني، والغالب أنه وصل متأخرا عن نهاية موعد القبول.
وقبل أيام استبعدت اللجنة الأكاديمية الفيلم الأفغانستاني «المدينة الفاضلة» (Utopia) لمخرجه حسن ناظر من قائمة المسابقة الأولى بسبب خرقه أحد الشروط الرئيسية، وهو أن تكون النسبة الغالبة من الفيلم، تعليقًا أو حوارًا، بلغة غير إنجليزية، في حين أن «المدينة الفاضلة» يستخدم اللغة الإنجليزية بنسبة كبيرة.
هذا أثار حفيظة جوانشير حيدري، رئيس اتحاد المخرجين الأفغانيين، الذي بعث على الفور بإيضاح للأكاديمية يقول فيه إن الفيلم يحتوي على 48 دقيقة ناطقة بالأردية والهندية و37 دقيقة فقط باللغة الإنجليزية.
وقبل ذلك، قامت الأكاديمية برد فيلم «الذئب الوثن» (The Wolf Totem)، بعدما لاحظت أن عددًا كبيرًا من الفنيين العاملين فيه، بينهم المخرج جان - جاك أنو، هم من الفرنسيين وليس من الصينيين. وعليه تم استبعاد الفيلم. لكن الوقت كان لا يزال متاحًا أمام الصينيين للاستبدال بحصانهم المرفوض حصانًا آخر فتم إرسال «ابتعد أيها السرطان»، الذي لم يداخله عنصر أجنبي على الإطلاق، والذي كان نال نجاحًا كبيرًا داخل الصين حين عرضه في أواسط هذه السنة.
هذا لم يتسنَّ للفيلم الأفغاني، إذ ورد الرفض من بعد انتهاء مهلة القبول، وذكر رئيس اتحاد المخرجين حيدري في رسالته أنه يأمل في أن تعيد الأكاديمية النظر في قرارها وقبول الفيلم.
الحال كما هو عليه الآن ومع وجود نخبة كبيرة من الأفلام الجيدة هذه السنة عليه أن ينتظر حتى صدور القائمة بالتسعة الناجحة في الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة. لكن المنتظر أن تكون الغالبية أوروبية كما الحال دائمًا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.