«بيت طراد» منزل تاريخي يعبق بفن الضيافة والذوق الرفيع

اللمسة النسائية طبعته منذ الستينات

جلسة في باحة البيت الخارجية (فيسبوك)
جلسة في باحة البيت الخارجية (فيسبوك)
TT

«بيت طراد» منزل تاريخي يعبق بفن الضيافة والذوق الرفيع

جلسة في باحة البيت الخارجية (فيسبوك)
جلسة في باحة البيت الخارجية (فيسبوك)

منزل ضيافة لا يشبه غيره من البيوت التي باتت كل قرية وبلدة ومدينة لبنانية تستحدثها لتحريك عجلة السياحة في منطقتها. فـ«بيت طراد» الذي يقع في منطقة فتوح كسروان، وبالتحديد في بلدة الكفور، يعد فسحة لبنانية بامتياز.

هندسته العمرانية كما حدائقه الغناء وغرفه تعبق بذكريات أجيال من النساء مرت عليه. أما ديكوراته وأثاثه وكل زاوية من زواياه فتحمل حب الوطن والأرض والذوق الرفيع.

يعود تاريخ بناء هذا المنزل إلى أوائل القرن الثامن عشر. وكما القناطر وغرف العقد والسقوف العالية، تحضر فيه العمارة التراثية الأصيلة. بني بالحجر الصخري، ويفترش أرضه الرخام من أنواع مختلفة، وبينها الـ«تراكوتا». كما يعبق بذكريات آل طراد، الذين كانوا يتخذون منه إقامة صيفية لأكثر من 30 عاماً.

وتعلق سارة طراد، صاحبة البيت، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد جلت العالم وبلداناً عدة، ولم أرَ كجمال طبيعة لبنان وناسه. وهو ما جعلني أتمسك أكثر فأكثر بإرث تركه لي والدي، وبأرض أحب ترابها وأحفظ لها كل وفاء».

4 نساء توالين على «بيت طراد» عبر التاريخ

توالت على هذا البيت 4 نساء، وكل منهن تركت بصمتها عليه. فازدان بجلسات وقعدات تعكس ما يفيض من روحهن وقلبهن.

بدأ مشوار هذا البيت مع أول امرأة امتلكته في الستينات حتى السبعينات، هي سيمون كاتوني. ومن بعدها، أي بين أعوام 1982 و1985، سكنته نايلة شمعون، الزوجة الأولى لنجل رئيس الجمهورية الراحل دوري كميل شمعون. وتكمل الحكاية سارة طراد لـ«الشرق الأوسط» لتستعيد شريط ذكرياتها عن هذا البيت.

جلسة في باحة البيت الخارجية (فيسبوك)

«لقد اشتراه والدي في منتصف الثمانينات من نايلة شمعون. ورحل بعدها بسنتين، ومنذ ذلك الحين قررت والدتي دانييلا معوض السكن فيه في موسم الصيف».

والد سارة رمّم بعض أقسام البيت، واكتفت زوجته بعد رحيله بإجراء تحديثات خجولة عليه. رحلت الوالدة دانييلا معوض في عام 2013، وبقي البيت شبه مهجور. وتماهى إلى سمع ابنتها سارة أن البيوت حينما تهجر تواجه الموت البطيء. فهرعت تتفقده، واسترجعت شريط ذكرياتها الطويل فيه، واتخذت قرارها: «قلت في نفسي إني لن أدعه يفقد روحه وطاقته، وسأعيد نبض الحياة إليه من جديد. وبدأت العمل فيه منذ عام 2015، وفي عام 2018 افتتحناه بيت ضيافة».

تشير سارة إلى أن ترميمه جرى على عدة مراحل. وأضافت إليه غرف إقامة في حديقته. كما بنت بركة سباحة كي توفر لزواره كل متطلبات الرفاهية والراحة.

مائدة خاصة بالمناسبات (فيسبوك)

الفريق العامل فيه، وعلى رأسه صاحبة البيت سارة طراد، أخذ على عاتقه توفير كل الخدمات لزواره والمقيمين فيه. تنطبع كل غرفة من غرفه بخلطة من التاريخ الحديث والقديم، فتترك عند مشاهدها إحساساً بالراحة. ويشكل البيت عنواناً للهروب من ضغوطات الحياة اليومية. فيعثر فيه زائره على واحة من الهدوء والطمأنينة، يبحث عنها باستمرار كي يزخر بجرعات إيجابية يحتاجها.

قطع أثاثه تعود إلى خيارات من بلاد الشام وأوروبا

يتألف «بيت طراد» من طابقين، تتوزع على أرجائهما 11 غرفة لاستقبال كل من يرغب في إقامة يسكنها الجمال بكل أبعاده. جمال الطبيعة كما جمال الضيافة وبهجة لحظات يمضيها فيه كما في الخيال.

أثاثه يحمل أذواق عدة نساء مررن عليه، وتروي سارة لـ«الشرق الأوسط»: «تسلّمت تصميم ديكوراته صديقة لي تدعى ماريا عصيمي. جمعت فيها مشهدية رائعة من الشرق والغرب».

أحد أركان «بيت طراد» (فيسبوك)

لم تُفقد ماريا عصيمي المنزل هويته التراثية، وتركت صبغة الأصالة فيه نافرة وملحوظة. في الماضي اختارت له ناديا خوري، صاحبة المحترف اللبناني، بعض قطع أثاث قديمة لا تزال موجودة فيه حتى اليوم. ومن ثم ترافقت والدتها مع شقيقتها نايلة معوض في شراء قطع أخرى. واشترتا قطع أنتيكا وسجاداً من الشام وحلب وباريس وغيرها. وهي اليوم تنتشر على حيطان البيت أو تأخذ ركناً من أركانه ومساحته التي تفوق 2000 متر مربع. كما تتدلى من سقوفه الثريات القديمة. وتوضح سارة: «بعضها يعود إلى مساجد وكنائس قديمة. وأخرى تأخذ أحجاماً صغيرة، لتتوزع على شكل قناديل إنارة في غرف البيت. فلكل زاوية منه حكايتها، فتستوقف مشاهدها بتصاميمها، وبإتقان كل تفصيل فيها».

أكلات لبنانية «شغل بيت»

من يقيم في «بيت طراد» لن يشعر بالغربة، بل بدفء يحتضنه، وغروب شمس يعلن بداية ليلة عامرة مع نجوم سماء مضاءة بوضوح. وتبلغ الإقامة فيه رونقها عندما يحين وقت الطعام. أيادي نساء بلدة كفور حيث يقع تحضر الأطباق اللبنانية بامتياز. وضمن برنامج طعام، يبدأ بالفطور والغداء، وصولاً إلى العشاء، يمكن لمن يرتاده أن يتذوق أكلات عالبال.

أطيب الأكلات اللبنانية (فيسبوك)

وتوضح سارة طراد: «يحضر المطبخ اللبناني بامتياز في (بيت طراد) للضيافة. ولديّ فريق عمل كبير، يتألف من شبان ونساء قرية الكفور. فقد أردنا بذلك أن يؤلفوا اليد العاملة، بحيث تكون محلية وتؤمن لقمة عيشها من نفس بلدتها. ونساء البلدة يحضرن كل الأطباق على أنواعها. فنشتم منها الحب وشغف استقبال الضيف كي تصبح زيارته للبيت ذكرى لا تنسى».

تطول لائحة الأطباق التي يمكن تناولها في «بيت طراد» الذي يقيم الحفلات الصغيرة حسب الطلب وللأشخاص المقربين من هذا البيت. ومن الأكلات التي يمكن تناولها؛ «الكبة اللبنية» و«الفريكة باللحم» و«المشاوي» و«الصيادية» و«المغربية» وغيرها. وكذلك السلطات والمتبلات على أنواعها، من فتوش وتبولة وبابا غنوج وحمص بطحينة ورقائق جبن وغيرها.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.