فريق رقمي يتحدث بلسان أوباما على الإنترنت

مقرهم في البيت الأبيض والهدف خلق شعور بالتلقائية تجاه أكثر الأحداث إثارة للجدل في العالم

فريق أوباما الإعلامي من مقرهم في مبنى مكتب آيزنهاور التنفيذي بالبيت الأبيض (نيويورك تايمز)
فريق أوباما الإعلامي من مقرهم في مبنى مكتب آيزنهاور التنفيذي بالبيت الأبيض (نيويورك تايمز)
TT

فريق رقمي يتحدث بلسان أوباما على الإنترنت

فريق أوباما الإعلامي من مقرهم في مبنى مكتب آيزنهاور التنفيذي بالبيت الأبيض (نيويورك تايمز)
فريق أوباما الإعلامي من مقرهم في مبنى مكتب آيزنهاور التنفيذي بالبيت الأبيض (نيويورك تايمز)

في حين تفجر الإنترنت في الآونة الأخيرة بقصة اعتقال الطفل المسلم، البالغ من العمر 14 عاما، لأخذه ساعة صنعها لنفسه في منزله - اعتقد خطأ أنها قنبلة - إلى مدرسته في تكساس، لم يهدر الجيش الصغير - المكون من بعض متخصصي وسائل الإعلام الاجتماعي - الخاص بالرئيس الأميركي باراك أوباما، أي وقت.
ومن مقرهم في مبنى مكتب آيزنهاور التنفيذي بالبيت الأبيض، قرر مساعدو أوباما أن الرئيس يجب أن ينشر تغريدة سريعا على موقع تويتر بشأن الطفل صانع الساعة، أحمد محمد، الذي أثار ذهوله وتكبيل يديه بالأصفاد جدلا وطنيا حول التنميط العرقي والديني في الولايات المتحدة.
وقال أوباما، في رسالة عبر حسابه الشخصي على «تويتر»، الذي يتابعه نحو خمسة ملايين شخص، بعد ساعات من الحادث: «ساعة لطيفة يا أحمد. هل تود جلبها إلى البيت الأبيض؟».
ورغم أن أوباما نادرا ما ينشر تغريداته بنفسه، ولا يُعرَف من كتب تغريدته بشأن قضية أحمد، فإن التغريدة عكست دفعة في البيت الأبيض للتحدث بلسان الرئيس في وسائل الإعلام الاجتماعي. والهدف من ذلك هو خلق شعور بالتلقائية والوصول إلى أكثر الأحداث إثارة للجدل في العالم.
ويتبع ذلك الفريق لمكتب الاستراتيجية الرقمية لأوباما، وهو فريق مكون من نحو 20 من مساعديه، يقضون أيامهم في إدارة حساب الرئيس على تويتر، وصفحة البيت الأبيض على فيسبوك، وحساب إنستغرام، وقناة يوتيوب.
ويتولى الفريق - بقيادة جايسون غولدمان، 39 عاما، المدير التنفيذي السابق لتويتر وبلوغر وميديام - مجموعة متنوعة من المهام، من بينها نشر تغريدات حية مكونة من 140 حرفا للخطابات الرئاسية عبر حساب البيت الأبيض على تويتر، واستخدام التحليلات لمعرفة أكثر القضايا انتشارا على الإنترنت لبث مقاطع فيديو أو صور بشأنها.
والأهم من ذلك كله، يبحث الفريق عن طرق لإنشاء هوية رقمية للرئيس أوباما. ويقولون إن سبل الاتصالات القديمة المتبعة في البيت الأبيض - خطاب سياسي مطول، أو مقابلة على التلفزيون أو مع صحيفة، أو بيان مكتوب - أقل فعالية.
وذكرت كوري شولمان، نائبة جايسون غولدمان، وتعمل مع الفريق الرقمي للرئيس منذ عام 2009: «يتكلف مكتبنا بمهام كثيرة، ويبحث عن سبل لجلب صوت الرئيس مباشرة إلى الشعب». وأضافت: «إنه توازن بين التركيز على أولويات الرئيس والمرونة وانتهاز الفرص وفقا للمناقشات المنعقدة على الإنترنت المتعلقة بالرئيس».
وتعد التكنولوجيا حاسمة لسياسات أوباما منذ فترة طويلة. فقد ساعد تحليل حملته للبيانات في الدفع به إلى البيت الأبيض، حيث كان أول رئيس يستخدم البريد الإلكتروني، والآن نادرا ما يظهر من دون كومبيوتره اللوحي «آيباد». وفي أبريل (نيسان)، جرى تعيين غولدمان كأول رئيس للمكتب الرقمي الخاص بأوباما، والمخطط لمبادرات البيت الأبيض الرقمية.
وقالت جنيفر بساكي، مديرة الاتصالات، عن الرئيس أوباما: «كان أحد الأشياء التي أرادها هو فتح البيت الأبيض، لسحب الستار وعرض كيفية عمل الحكومة على الشعب، وكان هذا الأمر تطورا طبيعيا». وتابعت: «دائما ما يأتي إلينا، ويبحث عن سبل لمشاركتنا، وهذا الشيء صعب القيام به من البيت الأبيض، لأن إدارة البلاد ليست بالأمر الهين».
ويحضر السيد غولدمان والسيدة شولمان الاجتماعات الخاصة بالاتصالات صباح كل يوم في الجناح الغربي للبيت الأبيض للمساعدة في معرفة متى ينبغي إدراج الرئيس نفسه في الوسائل الرقمية، وتنبيهه عندما تتصدر قضية ما تويتر، أو تثير الجدل على فيسبوك.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، أثارت صور مايلز سكوت، طفل يبلغ من العمر 5 سنوات، ومريض بسرطان الدم، وهو يرتدي زي باتمان الذي يكافح الجريمة في موطنه سان فرانسيسكو، مشاعر فياضة على الإنترنت. واقترح مساعدو أوباما أن «باتمان الطفل» ينبغي أن يسمع شيئا من الرئيس. واستخدم الفريق 30 ثانية من نهاية خطاب الرئيس الإذاعي الذي يلقيه كل سبت، لجعله يقول جملتين في 6 ثوان: «استمر في طريقك يا مايلز. عليك إنقاذ غوثام».
وخلال الآونة الأخيرة، أصبح كبار المسؤولين الأميركيين أكثر انفتاحا على تخصيص وقت للرئاسة على وسائل الإعلام الاجتماعي، بعد أن أوضح فريق أوباما الرقمي بالبيانات كيف أن ظهوره على وسائل الإعلام الاجتماعي - مثل فيديوهات يوتيوب التي ظهر فيها للترويج لمحاور خطابه عن حالة الاتحاد في يناير (كانون الثاني) - ساعد في نشر رسالته.

* خدمة «نيويورك تايمز»



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.