«طرابلس جوهرة على المتوسط»... احتفالية مهرجان «باف» بعاصمة الشمال اللبناني

رفضُ زجّها بصورة نمطية عنوانها الفقر والاضطرابات

الندوات تتمهّل أمام «معرض رشيد كرامي» (صور المهرجان)
الندوات تتمهّل أمام «معرض رشيد كرامي» (صور المهرجان)
TT

«طرابلس جوهرة على المتوسط»... احتفالية مهرجان «باف» بعاصمة الشمال اللبناني

الندوات تتمهّل أمام «معرض رشيد كرامي» (صور المهرجان)
الندوات تتمهّل أمام «معرض رشيد كرامي» (صور المهرجان)

يرفض مهرجان «بيروت للأفلام السينمائية» (باف) مقولة «البُعد جفاء»، ويترجم ذلك في سلسلة لقاءات ينظّمها بعنوان «طرابلس جوهرة على المتوسط»، فيُقرّب المسافات بين مدينة الفيحاء وأهالي العاصمة اللبنانية. وفي هذا السياق، تقول رئيسته أليس مغبغب لـ«الشرق الأوسط»: «لبنانيون كثر لا يعرفون هذه المدينة الرائعة. ورغم أنها تبعد عن العاصمة 90 دقيقة فقط، يكتفون بمتابعة أخبارها من بعيد، خصوصاً لأنها بمعظمها تدور حول الفقر والأحداث الأمنية. يرغب (باف) في تغيير هذه الصورة النمطية. فطرابلس الفيحاء صُنِّفت مؤخراً عاصمة للثقافة العربية. وانطلاقاً من دورها الريادي تاريخياً في المجال الثقافي، ننظّم هذه الاحتفالية».

لقاءاتٌ تُقام في حرمَي الجامعتين «الأميركية» و«اليسوعية» ببيروت تحتضن نشاطات الاحتفالية. من خلالها، يطلّ متخصّصون من مختلف المجالات على سمات مدينة يصفها كثيرون بـ«المتحف الطبيعي»، فيتحدّثون ضمن ندوات عن تراثها، ومجتمعها، وطبيعتها، ومعالمها الشهيرة، كما يتناولون عمارتها الهندسية التي شهدت تطوّراً أيام الانتداب الفرنسي.

«على الشاشة الكبيرة»... ندوة عن تاريخ السينما في طرابلس (صور المهرجان)

انطلقت الاحتفالية بطرابلس في منتصف أبريل (نيسان) الحالي، وتستمر حتى 3 يونيو (حزيران) المقبل. وعلى مدى 9 أسابيع، ستُعقد هذه النقاشات واللقاءات. تعلّق مغبغب: «تستحقّ طرابلس منا كل هذا الاهتمام، لذا نحاول نشر ثرائها الثقافي، والفني، والأدبي، والمعماري، على أوسع نطاق. كنا نرغب في إقامة هذه الندوات أسبوعياً في مدن لبنانية، فنتّجه بها نحو الجنوب، وعكار، والبقاع، وغيرها. ولكن شاءت الظروف الأمنية تجميد الخطّة، خصوصاً بسبب حرب غزة وانعكاساتها».

نحو 35 شخصاً يشاركون في هذه اللقاءات، بينهم مَن تُشكّل طرابلس مسقطهم. توضح مغبغب: «استعنّا بمصباح رجب الذي يحفظ ذاكرة مدينته بتفاصيلها. وكذلك بمهى كيال التي ستحدّثنا عن كنز مجهول في طرابلس يكمن في عمارتها التراثية».

ومن النشاطات، فعالية خاصة بتاريخ السينما الطرابلسية. وتحت عنوان «طرابلس الشاشة الكبيرة»، سيروي مخرجان سيرتها الشهيرة في هذا المجال. تشرح مغبغب: «هذا اللقاء سيُقام في 27 مايو (أيار)، ويشارك فيه المخرجان كارلوس شاهين وهادي زكاك الذي أصدر كتاباً قبل نحو 3 سنوات يتناول تاريخ صالات السينما في المدينة، كما وقَّع فيلم (سينما) الذي سيعرضه المهرجان بنسخته العاشرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. أما شاهين، فهو ابن طرابلس المعروف بأفلامه اللبنانية. وفي هذه الحلقة الحوارية، سيُعرَض فيلمان قصيران (30 دقيقة) لكل من زكاك وفيروز سرحال، يتناولان المدينة التاريخية، دعينا مدير مهرجان طرابلس للأفلام إلياس خلاط لحضورها».

«طرابلس جوهرة على المتوسط»... الاحتفاء بعاصمة الثقافة العربية (صور المهرجان)

وفي 29 أبريل، يقدّم المهرجان ندوةً بعنوان «مقامات طرابلسية». تُكمل مغبغب: «هي ليست حفلة موسيقية، بل إطلالة على فنّ الموسيقى الطرابلسي العريق، تتخلّلها مقاطع موسيقية يشرحها أساتذة الموسيقى نداء أبو مراد، وهياف ياسين، ومحمد جابخنجي».

ومن اللقاءات التي ينتظرها اللبنانيون ضمن احتفالية «طرابلس جوهرة على المتوسط»، مناقشة كتاب «الحب عن بُعد» لأمين معلوف؛ وقد استلهمه من مسرحية أوبرالية لجوفريه وديل تغنّي الحب رغم المسافات. تدور أحداثها في القرن الـ12 بين مقاطعة أكيتين الفرنسية ومدينة طرابلس؛ وتتألّف من 5 فصول، تروي قصة جوفري الذي يلفظ أنفاسه في أحضان الكونتيسة كليمانس المقيمة في طرابلس، فتلوم نفسها على المأساة، وتلتحق بالدير. تظهر في المشهد الأخير مستغرقةً في الصلاة، لكنّ كلامها مبهم، ولا يفهم المرء إن كانت في حالة خشوع أو مناجاة لحبيبها البعيد.

تتحدّث سيسي بابا وزينة صالح كيالي، عن أهمية تناول طرابلس في هذا العمل الأوبرالي، ضمن لقاء يستضيفه مسرح «بيريت» في الجامعة اليسوعية يوم 30 أبريل.

«الحب عن بُعد» كتاب لأمين معلوف استوحاه من مسرحية أوبرالية (صور المهرجان)

يحرص المهرجان على تكريم مَعْلم من معالم طرابلس الشهيرة، هو «معرض رشيد كرامي»، فيجري تناول ماضيه وحاضره والرؤية المستقبلية له. يدير هذه الحلقة الحوارية التي يتخلّلها عرض صور مصباح رجب، ونيقولا خوري، ونيقولا فياض، وشارل كتانة؛ فيُطلعون الحضور على الخطّة المستقبلية للمعرض التي ستُستهل بتجديد أحد أقسامه الرئيسية. يُقام اللقاء في 13 مايو بقاعة «ويست هول» في الجامعة الأميركية.

وتختتم الاحتفالية فعالياتها في أسبوعها التاسع بندوة عنوانها «4 نساء من أجل طرابلس»، في 3 يونيو، بمشاركة 4 ناشطات في المدينة، هنّ سارة الشريف، وليا بارودي، ولمياء كركور، وأنستازيا الروس، فيزوّدن الحضور بتجاربهن النابعة من حبّهن لها. فجميعهن يُقمن مشاريع تنموية لتقديم غد أفضل لشبابها وأهلها، ويعملن كذلك على تأمين فرص العمل والمساعدات التي يحتاجها أبناء الفيحاء.


مقالات ذات صلة

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

يوميات الشرق ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

فنان الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
يوميات الشرق «عن الكلاب والرجال» (AE Content)

رسالة احتجاج من 300 فنان ضد المشاركة الإسرائيلية بمهرجان «ڤينيسيا»

بدا الأمر نشازاً عرض فيلمين إسرائيليين في مهرجان «ڤينيسيا» في حين أن الأحداث لا تزال في أوجها، وأن إدارة المهرجان لم تشأ أي اشتراك روسي بسبب الحرب الأوكرانية.

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا )

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».