أخذت الأوضاع في النيجر، منذ الانقلاب العسكري في 26 يوليو (تموز) الماضي، أبعاداً جديدة على نحو يزيد من قلق الجزائر وتحذيراتها من «تعاظم الوجود الأجنبي في منطقة الساحل» التي تعد عمق الجزائر الأفريقي وميداناً حساساً لأمنها القومي، ما أثار قلقاً جزائرياً من فقدان السيطرة على تنسيق عسكري في الساحل.
وكانت دولة مالي قد استعانت بقوى عسكرية أجنبية، لإنهاء العمل بـ«اتفاق السلام» الذي ترعاه الجزائر منذ 2015. وكتب المحلل السياسي الجزائري فيصل إزدارن، في حسابه بالإعلام الاجتماعي: «تستمر روسيا في محاولات بسط نفوذها في أفريقيا عبر إرسال فرق جماعة (فاغنر) إلى النيجر، وتزويدها بنظام مضاد للطائرات. يا ترى هل يشكل ذلك تهديداً أمنياً للجزائر؟»، وذلك في إشارة إلى وصول طائرة روسية كبيرة من نوع «إليوشين - 76» محملة بعتاد عسكري من الجيل الجديد إلى النيجر، ليل الأربعاء، مع مدربين عسكريين ينتمون لجماعة «فاغنر».
عسكري روسي ملثم
وبث تلفزيون «آر تي إن» الرسمي في النيجر، يوم الخميس، لقطات لطائرة شحن عسكرية وهي تفرغ عتاداً، بينما وقف أشخاص بزي عسكري بجانبها، وقال إن الأمر يتعلق بـ«اتفاق بين المجلس العسكري في النيجر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز التعاون بين البلدين».
وأكد عسكري روسي ملثم، بدا أنه من مجموعة «فاغنر»، أنه حضر إلى النيجر لـ«تدريب الجيش المحلي ولتعزيز التعاون العسكري بين روسيا والنيجر»، مؤكداً أن القطعة العسكرية «متعددة التخصصات». وكان العسكري يتحدث وبجانبه رفيق له ملثم هو الآخر. وبحسب التلفزيون النيجري، «وافقت روسيا على تثبيت نظام مضاد للطائرات في النيجر»، بينما قال «تلفزيون الساحل» إن العتاد الروسي «سيمكن النيجر من نظام مضاد للطيران، يسمح له بمراقبة مجاله الجوي بشكل كامل».
وكان الحاكم العسكري في البلاد الجنرال عبد الرحمن تياني، قد صرَّح في 26 مارس (آذار) الماضي، أنه بحث مع الرئيس الروسي هاتفياً في «تعزيز التعاون الأمني بين نيامي وموسكو، بهدف مواجهة التهديدات»، وكان يتحدث ضمناً عن خطر الجماعات المسلحة.
تحالف مع «فاغنر»
يشار إلى أن الجزائر عبّرت عن قلقها من تحالف عسكر مالي مع «فاغنر»، في الهجوم على معاقل المعارضة المسلحة نهاية العام الماضي. ومهَّدت هذه العملية إلى إنهاء الوساطة الجزائرية في الصراع الداخلي.
وبعد هذا التطور اللافت في النيجر، يبدو ميدانياً أن السلطة العسكرية التي فرضت نفسها بعد الانقلاب على الرئيس محمد بازوم، تخلَّت عن الإطار الأمني والعسكري الذي يجمعها بجيرانها بالمنطقة، وهي «لجنة العمليات المشتركة»، التي تضم الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا، والتي عقدت آخر اجتماع لها في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بالجزائر، حيث مقرها منذ إنشائها عام 2010. وتبع إطلاقها «لجنة استخبارات مشتركة» لجمع المعلومات وتحليلها، حول تحركات الجماعات الجهادية في الساحل.
وكانت مؤشرات الانفصال عن هذا التنسيق ظهرت في 2017، عندما أطلقت فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، يضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. ورفضت الجزائر الانضمام إليه، لأنه يسحب منها الريادة في مجال قيادة جيرانها بخصوص مكافحة الإرهاب وكل المخاطر والتهديدات بالمنطقة. فهي ترى أن النيجر ومالي، بلدان يعانيان من فراغ مؤسساتي ومن فقدان قدرة الدولة على بسط نفوذها في كامل البلاد.
الجماعات المتطرفة
وعلى هذا الأساس ترى الجزائر أن حدودها مع البلدين باتت مرتعاً للجماعات المتطرفة وشبكات تجار السلاح والهجرة السرية وتجار المخدرات، علماً بأن الجزائر تمول مشروعات في الطاقة والزراعة والري والتكوين المهني، في بعض القرى الصحراوية في النيجر ومالي.
وشعرت الجزائر بأن الوضع في النيجر بدأ يفلت من يديها عندما رفض الانقلابيون وساطتها لحل الصراع مع الرئيس بازوم، بعد أيام قليلة من الانقلاب. حدث ذلك بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أن الحكام الجدد وافقوا على العرض، وأن وزير الخارجية أحمد عطاف كان يستعد للسفر إلى نيامي لبدء الاتصالات بين طرفي النزاع.
وتدهورت العلاقة بين البلدين بشكل لافت، الأسبوع الماضي، إثر احتجاج النيجر على «المعاملة غير الإنسانية» بحق رعاياه غير النظاميين، أثناء ترحيلهم من الجزائر.