ضوء أخضر إيراني لتركيا في العراق بلا ضمانات

«الشرق الأوسط» تستطلع تفاصيل خطة تصفية «العمّال الكردستاني»

جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
TT
20

ضوء أخضر إيراني لتركيا في العراق بلا ضمانات

جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)

دخل «الحشد الشعبي» شريكاً في صفقة محورية بين بغداد وأنقرة، بينما إيران في قلب الصورة. تقول مصادر عراقية وتركية متطابقة إن الاتفاق الذي أُبرم أخيراً يتعدى العمل العسكري ضد حزب «العمال الكردستاني»، إلى ترتيبات شاملة تتعلق بخريطة الشرق الأوسط بعد حرب غزة.

وكشف مسؤول تركي، لـ«الشرق الأوسط»، عن جانب من «خطة أنقرة»، في إطار التحضير لـ«متغيرات سيترتب عليها اليوم التالي للحرب في غزة، وعزمها التكيف معها بصفر مشاكل أمنية في المنطقة، لا سيما العراق».

ولأن طهران في الصورة، رُبط اسم «الحشد الشعبي» بوجود الحزب المحظور في بلدة سنجار (شمالي غرب)، لكن «أخوّة الدم» بين مسلّحيه وفصائل شيعية قد تعرقل المسار الجديد لتركيا.

تتطابق المعلومات، التي استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر عراقية، مع الصورة التي قدمها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حينما أشار إلى اسم فالح الفياض، رئيس هيئة «الحشد»، في مقابلة مع محطة «سي إن إن تورك»، الأسبوع الماضي، وقال: «إنهم (الأتراك) تفاهموا بشأن سنجار مع مؤسسة رسمية تُمولها الدولة العراقية».

وبدا أن تركيا ترمي، هذه المرة، بثقل سياسي وعسكري كبير في العراق، وبعلاقات أكثر شمولية، لإنهاء التوتر المزمن على حدودها الجنوبية، غير أن التوازنات الداخلية في بغداد، وتعاظم نفوذ «حزب العمال الكردستاني» في سنجار يهددان، إلى حد ما، نجاح الصفقة.

وتتفق المصادر العراقية في وصف «التحرك التركي الشامل» بأنه جزء من تحضيرات إقليمية لوضع منطقة الشرق الأوسط، بعد انتهاء الحرب في غزة، والتي تتطلب «تصفية بؤر التوتر الأمني».

ماذا حدث؟

في 13 مارس (آذار) الحالي، اجتمع في بغداد الوزير التركي هاكان فيدان مع نظيره العراقي فؤاد حسين، ومعهما مسؤولون أمنيون من بينهم فالح الفياض، ورئيس جهاز الأمن الوطني قاسم الأعرجي.

بعد الاجتماع، ذكر بيان حكومي أن «العراق يعد وجود (حزب العمال الكردستاني) على أراضيه خرقاً للدستور». واحتفت تركيا بهذا الاعتراف، وتحدثت دوائرها الأمنية عن «منطقة عازلة» بعمق 40 كيلومتراً للقضاء على الحزب المحظور، من السليمانية (شمال) إلى سنجار، ومنها إلى الحدود مع سوريا.

مساء ذلك اليوم، لم يلتحق وزير الدفاع التركي يشار غولر بطائرة فيدان العائدة إلى أنقرة، وأمضى الليل على الحدود العراقية في مقر فرقة المشاة الثالثة التركية بولاية هكاري. ويومها أظهرت أنقرة إشارات عن امتلاكها خطة متكاملة.

ساعة صفر تركية

وفقاً لمصدرين في بغداد وأربيل، فإن أنقرة كانت تسمع، منذ سنوات، نقداً من مؤسسات عراقية بشأن «نفَسها الطويل في مقارعة (العمال الكردستاني)»، الذي لم يكن مُجدياً، وأسئلة عما يمنعها من «عملية عسكرية نهائية ليتخلص الجميع من هذا الصداع». ويبدو أنها اقتنعت أخيراً بفعل شيء حاسم.

قبل أن يصل هاكان إلى بغداد، أُخطرت بغداد بملامح الخطة التركية، وفيها قبول إيراني للوضع الجديد قدر تعلق الأمر بـ«حزب العمال الكردستاني»، كما تقول المصادر العراقية، لـ«الشرق الأوسط».

وحين بدأت المشاورات الرسمية، كان «كل شيء جاهزاً، بما في ذلك ساعة الصفر»، على ما قال مصدر عراقي مسؤول، الذي أضاف أن «الجديد في الخطة أنها غير مسبوقة بين البلدين، ودخل فيها (الحشد الشعبي) شريكاً للدعم في مناطق محددة».

ليس من المعروف، حتى الآن، لماذا وافقت إيران على التخلص من «حزب العمال الكردستاني» في العراق، وكيف سيجري ذلك، خصوصاً أن نشاط مسلّحيه يتداخل منذ 2016 مع الفصائل الموالية لإيران، على خط استراتيجي مهم لإيران يصل إلى دمشق وبيروت.

بيد أن المصادر العراقية تقول إن «الصفقة تشمل وساطة تركية مع الأميركيين على التهدئة مع طهران في العراق، ولضمان دور إيراني أكبر في التجارة الإقليمية بضمانة تركية، وكذلك مساعدة بغداد على تجاوز أزمات مركبة، بينها تصدير النفط، والوضع المختلّ في إقليم كردستان وكركوك، والانخراط أكثر في التنمية التجارية العابرة للحدود»، إنها «سلة واحدة لصفقات متعددة».

عنصران من «وحدات مقاومة سنجار» يضعان عبوة ناسفة على طريق يستخدمها مقاتلو «داعش» قرب قرية أم الذيبان (أرشيفية - رويترز)
عنصران من «وحدات مقاومة سنجار» يضعان عبوة ناسفة على طريق يستخدمها مقاتلو «داعش» قرب قرية أم الذيبان (أرشيفية - رويترز)

تركيا في اليوم التالي لغزة

يلخص دبلوماسي عراقي الشق السياسي للصفقة بعد العمليات العسكرية، بأنه «تحضير شامل للمتغيرات المتوقعة بعد حرب غزة»، ويتطابق هذا مع ما قاله مستشار تركي أبلغ «الشرق الأوسط» بأن أنقرة أعدّت «ملفاً من بنود عدة عن غزة ودول المنطقة في اليوم التالي للحرب».

وأوضح المسؤول التركي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن وزارة «الخارجية وأجهزة أمنية تركية أعدت خطة قبل نحو 5 أشهر تتضمن خيارات أنقرة للتعامل مع تداعيات حرب غزة، وللتكيف مع المتغيرات المتوقعة فيما بعدها»، وأكد المسؤول أن العراق وسوريا «جزءان من هذه الصورة».

في هذا السياق، يقول أثيل النجيفي، وهو سياسي سني ومحافظ أسبق لنينوى (شمال)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «جميع دول المنطقة تدرك أن معركة غزة لها ما بعدها، وأن هناك تغييرات في استراتيجية الدول العظمى بالمنطقة».

تستوجب هذه التغييرات، وفقاً للنجيفي، خطوات استباقية، «إما استعداداً لدور أكبر في المستقبل القريب، أو لمنع أي مخططات يمكن أن تؤثر على الأمن القومي لهذه الدول». ويرى أن «تركيا أكثر من يضع حسابات استراتيجية لتطوير مصالحها».

ومع ذلك ينفي مصدر دبلوماسي تركي أن تكون «العمليات العسكرية التركية في العراق على صلة مباشرة بالوضع في غزة»، وقال إنها قد تنطلق في يونيو (حزيران) المقبل.

من المفترض أن يزور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بغداد بعد شهر رمضان، في نهاية أبريل (نيسان)، وسيوقّع مذكرة الاتفاق التي تشمل مركز عمليات مشتركاً ومنطقة عازلة، وحين يعود «ستكون ساعة الصفر قد أزفت»، على ما تقول مصادر تركية.

يقول سياسي عراقي، من تحالف «الإطار التنسيقي»، إن أنقرة تريد تحويل مناطق نفوذ «العمال الكردستاني» إلى «منطقة شراكة آمنة» مع العراق وإيران، وأن الأتراك «أظهروا حرصاً واضحاً على أن يصل اللاعبون الإقليميون المعنيون بهذا الملف إلى اليوم التالي لحرب غزة، بصفر توتر».

قد يفسر هذا لماذا ترمي تركيا، الآن، بهذا الثقل في العراق. يعتقد النجيفي أن «تركيا بحاجة إلى منع تدحرج كرة النار نحوها، وسط وضع ملتهب وغير واضح في المنطقة»، لهذا تحث العراق وسوريا على «إجراءات مباشرة وقوية قبل أن يتحول (حزب العمال الكردستاني) إلى أزمة أكبر».

تنسجم هذه المعطيات مع حديث مصادر عراقية عن منح طهران مباركة للأتراك في العراق. ويقول سياسي عراقي إن بغداد ترجمت ذلك بحضور لافت لـ«الحشد الشعبي» في المشاورات الرسمية بين البلدين، لكن الجزء المتعلق به من الخطة «لا يزال محل نقاش»، لا سيما سيناريو مواجهة مسلّحة ضد «العمال الكردستاني» في سنجار.

تفترض الخطة التركية عملية عسكرية واسعة في مناطق جبلية بإقليم كردستان، بينما توفر بغداد الدعم الاستخباري والخرائط والمعلومات ومراقبة الحدود خلال العملية.

لكن السليمانية وسنجار، الواقعتين على طرفي المنطقة التركية العازلة، تتداخلان مع النفوذ الإيراني، وتحتاجان من أنقرة إلى ترتيبات سياسية وأمنية مختلفة.

يقول مصدر كردي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأتراك يحاولون تحييد (العمال الكردستاني) في السليمانية، من خلال صياغة علاقة جديدة مع بافل طالباني زعيم (الاتحاد الوطني الكردستاني)، واكتشاف فرص الشراكة معه، بما في ذلك تسوية الاختلال مع (الحزب الديمقراطي) في أربيل».

ومن الصعب على قيادات «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ومن بينهم بافل طالباني، أن يضعوا أنفسهم طرفاً في مواجهة اتفاقات دول محورية بالمنطقة، كما يقول أثيل النجيفي الذي يرى أن الاتفاق يتضمن، بلا شك، مباركة إيرانية وموافقة عراقية وتركية، وكذلك السلطة الرسمية في إقليم كردستان.

العُقدة في سنجار

من الممكن أن تنجح التسوية مع طرف كردي معارض لأنقرة، بتفاهم إيراني، لكن المشهد في سنجار أكثر تعقيداً، والذي سيتولاه «الحشد الشعبي» في إطار الاتفاق التركي.

يقول أثيل النجيفي، لـ«الشرق الأوسط»، إن تأثير الفصائل الشيعية يقتصر على سنجار، ولا يتعداها إلى بقية المناطق؛ لأن ميدان العمليات العسكرية البرية في المرحلة الأولى على الأقل سيكون بعيداً عن سنجار، في داخل كردستان؛ حيث تتوقع تركيا تعاوناً أكبر من سلطات الإقليم مع المباركة الرسمية للحكومة الاتحادية.

في هذه البلدة الحدودية مع تركيا وسوريا، والتي تسكنها غالبية من الديانة الإيزيدية، تتمركز فصائل مسلّحة عدة، «حتى الجيش العراقي هناك يتصرف كأنه واحد منها»، على ما يقول مسؤول محلي بالبلدة.

ويصف هذا المسؤول سنجار بأنها «تشبه بيروت أيام الحرب الأهلية... خطوط التماس متقاربة، والبنادق جاهزة بين مجموعات مسلّحة تمثل مصالح إقليمية ومحلية متحفزة دائماً للقتال».

ومنذ سنوات، تصاعد تحالف معلن بين «الحشد الشعبي» و«حزب العمال الكردستاني»، ونشأت بينهما «أخوّة دم» منذ أيام المعارك ضد «داعش»، على حد تعبير قيادي في فصيل شيعي.

جنود عراقيون يقفون على شاحنة بقاعدة في سنجار يوم 3 مايو (أيار) 2022 بعد هجوم للجيش العراقي ضدّ «وحدات مقاومة سنجار» التي تحظرها تركيا (أ.ب)
جنود عراقيون يقفون على شاحنة بقاعدة في سنجار يوم 3 مايو (أيار) 2022 بعد هجوم للجيش العراقي ضدّ «وحدات مقاومة سنجار» التي تحظرها تركيا (أ.ب)

الفصل بين «أخوّة الدم»

من الصعب معرفة كيف يمكن لـ«الحشد الشعبي» تحييد مسلحي «حزب العمال»، بعد شراكة ميدانية تراكمت آثارها، خلال السنوات القليلة الماضية.

تتباين المعلومات بشأن طبيعة هذا التحالف. يقول قياديان في فصيلين شيعيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك تخادماً بين الطرفين؛ (الحشد الشعبي) يقدم مواقع آمنة لقيادات في (حزب العمال) داخل سنجار وتلكيف وسهل نينوى ومركز الموصل، مقابل حصوله على خدمات لوجيستية وعسكرية من الحزب المحظور».

ومع ذلك تفيد 3 مصادر ميدانية؛ أحدها قيادي في فصيل متنفذ ببغداد، بأن «الأمر يتعدى ذلك بكثير؛ لأن قرار التحالف بين (الحشد) و(العمال الكردستاني) قرار إيراني».

وقالت المصادر: «(العمال الكردستاني) قوي جداً... جميع الأجهزة الأمنية العراقية لا تملك تصوراً دقيقاً عن قوة الحزب وأسلحته (...) حتى إن الجيش العراقي فشل في آخر مواجهتين ضد مسلّحيه في سنجار، خلال ولاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي».

وزعمت المصادر أن مسلّحي الحزب أنشأوا، خلال السنوات الماضية، شبكة أنفاق معقدة في سنجار، لا سيما في المناطق الجبلية. وقال صحافيون محليون لـ«الشرق الأوسط»، إنهم «تمكنوا من رصد شاحنات تنقل عمال حفر من ساحات البلدة إلى مواقع حفر الأنفاق».

وسألت «الشرق الأوسط» مسؤولين محليين في سنجار وعناصر في جماعات شيعية مسلّحة عن تلك الأنفاق، لكنهم امتنعوا عن الإجابة.

«قوة خبيرة»

ووصف سياسي بارز في محافظة نينوى (شمال)، «حزب العمال الكردستاني» بأنه «قوة خبيرة في الانتشار والتموضع وإحكام السيطرة». وعلى هذا يصعب التكهن كيف يمكن لـ«الحشد الشعبي» التخلص من هذا الحزب أو يساعد تركيا على تحييدهم.

يعتقد قائمقام سنجار السابق، محما خليل، أن الحل يكمن في «طرد جميع المسلّحين الغرباء دون استثناء، وتسليم السلطة الأمنية لأهالي سنجار»، مذكّراً باتفاق التطبيع الخاص بالمدينة الموقَّع قبل نحو عامين.

حقائق

اتفاق التطبيع في سنجار 2020

  • تتولى الشرطة المحلية والأمن الوطني والمخابرات حصراً مسؤولية الأمن.
  • إبعاد جميع التشكيلات المسلحة خارج حدود القضاء.
  • تعيين 2500 عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار.
  • إنهاء وجود «حزب العمال الكردستاني» من سنجار والمناطق المحيطة.
  • لجنة مشتركة من حكومتي بغداد وأربيل لإعادة الإعمار.

لكن المشكلة تكمن في انخراط عدد كبير من السكان المحليين في فصائل مسلّحة يعدها خليل «غريبة عن سنجار»؛ إذ تقول المصادر الميدانية إن نحو 70 في المائة من عناصر المجموعات الحليفة لـ«العمال الكردستاني» هم من أبناء سنجار، وتنطبق الحال على الفصائل الشيعية.

يقول النجيفي إن وجود «العمال الكردستاني» سيتحول إلى مشكلة عراقية تؤثر على الوضع المحلي، وسيحتاج العراق إلى مساعدة تركيا لمجابهة هذه «الأزمة الداخلية».

في النهاية سيدرك «حزب العمال» أنه ليس «أكثر من أداة مناكفة وورقة تفاوض»، وإنه «عند انتهاء دوره سيتعاون الجميع للقضاء عليه»، على ما يقول النجيفي.

في أربيل، تعتقد أوساط «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أن «الاتفاق مع (الحشد الشعبي) هو لإلقاء الحجة عليه». ويقول قيادي كردي على صلة بالملف الأمني في سنجار: «أشعر بأن تركيا تحتاج إلى تبرير عملية عسكرية في سنجار، حين يفشل (الحشد) في تحييد الحزب المحظور (...) سيقولون: تركنا لكم مواجهة أكبر خطر يهدد البلدين ولم تنجحوا».

يشكك أثيل النجيفي في التزام فصائل شيعية باتفاق الحكومة العراقية مع تركيا بشأن الحزب المحظور: «ومع أن صيغة الاجتماعات بين الطرفين تُظهر أن الجهات الرسمية كانت وسيطاً مع الجهات الفاعلة في سنجار، لكن السؤال الآن: هل ستلتزم الفصائل بتوجيهات الدولة؟».

عازل تركي وشريط إيراني

ثمة سؤال آخر: كيف سيتولى «الحشد الشعبي» تحييد مسلّحي «العمال الكردستاني»؟

في مقابلة تلفزيونية مع رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، قال إنه «من الضروري مواجهة مسلحي (العمال الكردستاني) ما داموا يتسببون بإيذاء السكان في سنجار»، لكنه «لا يعرف بالضبط كيف سيجري التعاون مع تركيا ضد هذا الحزب»، ويقصد الإجراءات الأمنية، وفيما إذا كانت من خلال طرد المسلحين، أو تطويق مواقعهم.

ويشير سياسي شيعي، طلب عدم نشر اسمه، إلى أن «الضوء الإيراني الأخضر ليس حاسماً (...) طهران أمام صفقة جيدة مع تركيا، لكنها لن تمنحها صكاً على بياض، ولن تغامر بنفوذها المسلّح في العراق». وتابع: «إيران تراقب، وقد يتغير كل شيء وفقاً للتطورات، وما نعرفه الآن تسوية محدودة في سنجار».

وخلال الساعات الماضية، سجلت مصادر محلية في سنجار «حركة نزوح نسبية من سنجار إلى الحدود السورية»، وترجح المصادر أن «قيادات متنفذة في (حزب العمال الكردستاني) هي من بدأت تغادر مع عائلاتها، فور إبلاغهم بتطورات ميدانية وشيكة».

بالتزامن، كشفت مصادر، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الحشد الشعبي» سينشر العناصر المحلية لـ«العمال الكردستاني» بين الفصائل الشيعية، وسيكون هذا، من وجهة نظر قيادات شيعية، «الحل الأمثل للتخلص ظاهرياً من الحزب المحظور»، ويضمن أيضاً «سيطرة كاملة على سنجار، على حساب قوات كردية موالية لـ(الحزب الديمقراطي الكردستاني)».

ماذا يعني هذا حتى الآن؟ سيستثمر «الحشد الشعبي» الاتفاق التركي لتقوية نفوذه في منطقة استراتيجية للعراق وإيران وتركيا، وأن العملية العسكرية ستنتهي فرضياً بطرد مسلّحي «العمال الكردستاني» من جبال إقليم كردستان، لكنها ستدمج، في النهاية، المنطقة العازلة التركية بالشريط الإيراني الذي تتمركز فيه الفصائل الإيرانية، غرباً إلى سوريا، في نموذج مغاير للشراكات المعقدة بين الأتراك والإيرانيين، كما يصف مستشارون سياسيون ودبلوماسيون في بغداد، إلا إذا أخرجت طهران «ورقة غير متوقعة في لحظة حاسمة».


مقالات ذات صلة

تركيا تدعو لاستبعاد جميع المسلّحين المتورطين في أنشطة «إرهابية» داخل سوريا

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق (رويترز) play-circle

تركيا تدعو لاستبعاد جميع المسلّحين المتورطين في أنشطة «إرهابية» داخل سوريا

قال وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، اليوم الجمعة، إن «من الضروري إخراج جميع العناصر المسلّحة المتورطة في أنشطة إرهابية داخل سوريا، من المعادلة».

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان ملوحاً لنواب حزبه بالبرلمان خلال إلقاء كلمة أمامهم الأربعاء (الرئاسة التركية)

إردوغان يعطي دفعة للحوار مع «أوجلان» بإعلان استعداده لقاء «وفد إيمرالي»

أعطى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مؤشراً قوياً على المضي قدماً في إنجاح دعوة رئيس حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان لحل الحزب ونزع أسلحة جميع مجموعاته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يتصافحان خلال لقائهما بالقصر الرئاسي في أنقرة يوم 12 مارس 2025 (إ.ب.أ)

إردوغان يرحّب بقبول أوكرانيا الهدنة... ويأمل رداً روسياً إيجابياً

قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إن تركيا تعدّ قبول أوكرانيا وقف إطلاق النار تطوراً إيجابياً، وأعرب عن أمله أن تردّ روسيا بالمثل.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الخليج وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مستقبلاً نظيره التركي ياشار غولر في جدة الثلاثاء (واس)

السعودية وتركيا تبحثان تعزيز التعاون الدفاعي

استعرض وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، مع نظيره التركي ياشار غولر، العلاقات الثنائية بين البلدين وفرص تطوير التعاون العسكري والدفاعي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شؤون إقليمية رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزال خلال استقباله وفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»... (موقع حزب الشعب الجمهوري)

أحزاب تركية تدعو البرلمان إلى التحرك بعد جنوح أوجلان للسلام

تشهد تركيا جولة أخرى من الحراك السياسي على خلفية دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين، عبد الله أوجلان، لحل «الحزب» وإلقاء أسلحة جميع المجموعات المرتبطة به.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع... خطاب التفاهم وواقع التصادم

رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
TT
20

دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع... خطاب التفاهم وواقع التصادم

رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)

اصطبغت علاقة الإدارة السورية الجديدة بالقوى الفاعلة في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، بطابع غلبت عليه حالة من الشد والجذب، والتصعيد في مقابل تصعيد مضاد بهدف توجيه رسائل تدفع عملياً لفتح حوار يجنب سوريا المزيد من الفوضى الأمنية في مقابل انتزاع مكاسب تتعلق بشكل النظام السياسي وتوزيع السلطات والحفاظ على الخصوصيات المحلية في آن واحد.

وقد وضعت الأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، قضية الدروز على نار حامية وإن بدا ظاهرياً على الأقل أنها هدأت بعد أحداث كثيرة ومتفرقة شهدتها الأسابيع الأخيرة محافظة السويداء وصولاً إلى منطقة جرمانا، حيث الكثافة الدرزية في محيط العاصمة دمشق.

وكان التصعيد بلغ ذروته بمنع الفصائل العسكرية «الدرزية» قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق من دخول مدينة السويداء، ومنطقة جرمانا جنوب شرقي العاصمة، للقبض على «قتلة» أحد عناصر الأمن العام عند أحد مداخل المنطقة في الأول من مارس (آذار) الماضي، في أحداث سبقت مباشرة أحداث الساحل الدموية.

هذا، وتشهد السويداء بين الحين والآخر احتجاجات رافضة لسلطة أحمد الشرع اتخذ بعضها نهجاً خطراً كمثل حادثة رفع العَلم الإسرائيلي، أو طلب الحماية من إسرائيل في مقابل بيانات وتصريحات لقوى أخرى أكثر ثقلاً محلياً وإقليمياً تدعو إلى الحوار ومنع التصعيد الطائفي كما ورفض التصريحات الإسرائيلية التي عرضت تقديم الحماية للدروز.

انفتاح دونه عقبات

مصدر في حكومة الشرع قال لـ«الشرق الأوسط» إن التقدم الذي تحرزه الحكومة في مجالات عدة بدأ ينعكس على العلاقة مع الدروز. وأشار المصدر، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إلى أن «الأوضاع في السويداء تسير بشكل إيجابي، وإن هناك تقدماً في أكثر من جانب»، وإن أبناء السويداء «هم جزء لا يتجزأ من سوريا». يأتي ذلك في وقت بدأت تتسرب أنباء عن «اتفاق متعجل» يتم إقراره بين الشرع وأعيان من الطائفة الدرزية على غرار اتفاقه مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، من دون إمكانية تأكيد ذلك بعد بشكل حاسم.

فتى درزي يرفع أعلاماً قرب ملصق كبير للشيخ حكمت الهجري في ساحة الكرامة في السويداء (أ.ب)
فتى درزي يرفع أعلاماً قرب ملصق كبير للشيخ حكمت الهجري في ساحة الكرامة في السويداء (أ.ب)

ولفت المصدر إلى «أن الحكومة منفتحة على الحوار، لكنها تواجه عقبات قد تتطلب وقتاً لحلها»، مشدداً على أن «حل أي خلافات يتم بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي. فالحكومة السورية تدير شؤون بلدها باستقلالية تامة».

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية بقيادة «هيئة تحرير الشام» على الحكومة الانتقالية المؤقتة، ازداد المشهد تعقيداً بعد تصريحات تصعيدية لبعض رجال الدين الدروز الفاعلين ترفض الامتثال لحل الفصائل المسلحة وتسليم السلاح ودمج عناصرها أفراداً في وزارة الدفاع؛ ما يعكس واقع «الهشاشة» وغياب الثقة في العلاقة بين الطرفين.

وفي خطوة تصب باتجاه تجنب التصعيد، سارع الرئيس السوري أحمد الشرع ومنذ منتصف ديسمبر الماضي إلى استقبال وفد من كبار رجال الدين الدروز، من بينهم الشيخ سليمان عبد الباقي قائد «تجمع أحرار جبل العراق» وسلمان الهجري نجل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري.

وكما وكان الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أول زائري الشرع على رأس وفد من الوجهاء والأعيان الروحيين، بما يحمل ذلك من رمزية لا تخفى عن طبيعة العلاقات التاريخية بين السلطة (أي سلطة) في دمشق والطائفة الدرزية.

ومع ذلك، ظلت القوى الدرزية الفاعلة على الأرض، سواء الدينية أو الاجتماعية أو المسلحة منقسمة في مواقفها من العهد الجديد، وحول رؤيتها لمستقبلها في كنف السلطة الوليدة.

وفي محاولة إسرائيلية لتأجيج الخلافات بين الطائفة الدرزية والحكومة الانتقالية، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاشتباكات بين قوات الأمن العام ومسلحي جرمانا للتهديد بالتدخل العسكري في حال تعرض الدروز لأي أذى. لكن الإدارة السورية وظفت علاقاتها مع بعض القوى الدرزية في السويداء لقيادة مفاوضات أسفرت عن التهدئة مع مسلحي جرمانا. كما وجاء إعلانها عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السّابق للاستخبارات العامّة في سوريا، والمتّهم باغتيال الزعيم الدرزيّ كمال جنبلاط عام 1977 قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية لاغتياله، بمثابة رسالة واضحة للزعامة الدرزية «الرسمية» المتمثلة بآل جنبلاط ومن ورائها عموم أبناء الطائفة.

دروز إدلب... علاقة غير ودية

في الواقع، هذه الأحداث ليست وليدة الأمس. فالوجود الدرزي لا يقتصر على معاقل محمية إلى حد بعيد كالسويداء وجرمانا، وإنما هناك أيضاً دروز إدلب وتحديداً في مناطق جبل السمّاق الذين تعرضوا لانتهاكات وعمليات قتل عشوائية في 2015 بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المنطقة. وأبرز تلك العمليات كانت في قرية «قلب لوزة» على يد فصائل «جهادية» متحالفة مع جبهة النصرة حينذاك.

مسلحون دروز أمام آلية عسكرية ينتظرون وصول قوات الأمن العام عند مدخل ضاحية جرمانا قرب دمشق (أ.ب)
مسلحون دروز أمام آلية عسكرية ينتظرون وصول قوات الأمن العام عند مدخل ضاحية جرمانا قرب دمشق (أ.ب)

وبعد فك الارتباط بتنظيم القاعدة في يوليو (تموز) 2016، حاولت «جبهة النصرة» التي تحولت تدريجياً إلى «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، النأي بنفسها عن «التشدد» وتجنب «التصنيف» على لوائح الإرهاب، مستفيدة من تجربة حكم تنظيم الدولة وتعامله مع المجتمعات المحلية وخسارته «الحاضنة الاجتماعية». وعليه، شكلت «هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب «حكومة الإنقاذ» لادارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتسيير شؤون السكان الذين تجاوزت اعدادهم الأربعة ملايين.

ومع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وخفة حدة العمليات القتالية، وفي محاولة لمنع أي تصعيد سواء بين الفصائل المسلحة، أو بين المجتمعات المحلية، ولإبراز الوجه الجديد للهيئة بصفتها سلطة «الأمر الواقع»، التقى زعيمها «أحمد الشرع» أكثر من مرة بوجهاء وأعيان المحافظة، ومن بينهم «الدروز» الذين تلقوا منه وعوداً بإرجاع حقوقهم وممتلكاتهم وتأمين الخدمات الأساسية لهم وحمايتهم. وهو ما جرى جزئياً ولكن عادت الأحداث وتسارعت واتخذت منعطفات مختلفة مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث لا تزال ملامح العملية السياسية وشكل النظام السياسي وهويته بانتظار ما تحدده صيغة دستور المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يتوافق عليها السوريون.

مشهد معقّد

ما يزيد المشهد تعقيداً، أن أجزاءً كبيرة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة الحالية، كما أن السلاح لا يزال منتشراً بيد مجموعات مسلحة منظمة أو سكان محليين والدروز بطبيعة الحال ليسوا استثناء.

لذلك؛ فقد سلطت أحداث الساحل الأخيرة ثم الاتفاق مع المكون الكردي، الضوء على التحدي الأبرز أمام الإدارة الجديدة وهو الإبقاء على وحدة المجتمع السوري والحفاظ على تماسك نسيجه المتنوع وكيفية إدارة الأزمات والاحتقان الناتج من ذلك التنوع والاختلافات.

لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)
لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)

ويقول مضر هائل لـ«الشرق الأوسط»، وهو من أبناء السويداء النشاطين سياسياً وأحد أبرز منظمي تظاهرات ساحة الكرامة بين 2023 و2024: «الحكومة الحالية هي حكومة أمر واقع، ويجب أن نتجه نحو حكومة منتخبة وأن يشارك الجميع في وضع دستور لهذا البلد وأن تأتي تلك الحكومة من إرادة الشعب. في هذه الحالة، لن يبقى لأحد ذريعة برفض الاعتراف بحكومة دمشق. نحن دائماً كنا مع جميع فئات المجتمع السوري في الثورة ضد النظام، لكن يجب ألا نستبدل نظاماً بآخر فقط، بل يجب أن نبني دولة تحترم الجميع ويكون الجميع تحت قانونها».

ويضيف: «هناك من يستغل التصريحات الإسرائيلية بخصوص حماية الدروز ليثير النعرات الطائفية»، ويقول: «انظروا، هؤلاء عملاء»، وبالتالي ينفذ أجندته غير الوطنية. لا أحد يريد أن يكون مع إسرائيل، لكن بالحوار والتفاهم، وبناء دولة تشاركية، يمكننا قطع الطريق على إسرائيل وغيرها من الطامعين».

أزمة ثقة... لا تمنع المصالحة

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح الذي لفت إلى أن الثقة بين الطائفة الدرزية والإدارة السورية الجديدة لا تتعلق فقط بالمسألة الدرزية. وقال رباح: «من المعروف أن النظام السوري السابق استخدم الجماعات التكفيرية لتخويف الدروز، وهذا يشكل هاجساً دائماً لدى الدروز المتمسكين بأرضهم وسلاحهم. والمشكلة الأساسية تكمن في إصرار الرئيس أحمد الشرع على المركزية، وهذا الأمر يثير قلق الدروز، في حين أن نظام البعث نفسه كان قد منحهم نوعاً من الاستقلالية ضمن إطار تحالف الأقليات».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)
أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وهنا يبرز السؤال عما إذا كان الشرع سيتمسك بهذه المركزية بعد عقد اتفاق مع الأكراد وهو ما سيتحدد أكثر عندما تظهر بنود الاتفاق وشروطه.

ويؤكد الباحث أن إسرائيل تلعب دوراً في توتر العلاقة بين السويداء ودمشق، لكنه يستبعد أن يكون أحداً من دروز سوريا مستعداً للدخول في مغامرة كهذه. «فإسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة في حربها المستمرة في المنطقة، كما تسعى للضغط على الشرع لتقديم تنازلات».

ويقول رباح: «مطالب الدروز هي نفس مطالب كل السوريين. هناك خصوصية للطائفة الدرزية، لكن الإدارة الجديدة ربما لم تحاول التعرف عليها. وفي حال أدركت حكومة الشرع هذه الخصوصية، ستتمكن من التعاطي الإيجابي مع الملف الدرزي».

واعتبر رباح أن وليد جنبلاط يلعب دوراً أساسياً في الملف الدرزي بسوريا، حيث كان أحد المبادرين لمقابلة الرئيس الشرع. لكن هناك أيضاً شخصيات درزية عدة مؤثرة، مثل الشيخ يوسف الجربوع، وحكمت الهجري، ويحيى الحناوي، وكلهم سيتعاملون مع الشرع باعتباره رئيس الجمهورية السورية، نظراً لما يتمتعون به من تأثير كبير كمشايخ عقل.

ورأى أن هناك عوامل تدفع نحو حل الملف الدرزي وتسرّع المصالحة الكاملة بين جميع الأطراف، مثل وضع خريطة واضحة للانتقال السياسي، ومشاركة الدروز في العملية السياسية، ومنح نوع من اللامركزية المحلية. كما أن بعض المبادرات الإيجابية من الرئيس الشرع قد تساهم في تحسين العلاقة بشكل أسرع.

السياسة ومرجعية المشايخ

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السوري وائل علوان فقال: «العلاقة بين الطرفين لا تتعلق بعدم الثقة، فهناك خصوصية للمجتمع في السويداء، ليست الحكومة فقط من يراعيها، بل كل المجتمع السوري يراعي تلك الخصوصية».

ولفت علوان إلى أنه خلال الأعوام التي تلت اندلاع الثورة في 2011، كان هناك نزاع داخلي في السويداء بين المرجعية الدينية التقليدية التي كانت في بيت الهجري والحناوي وبيت الجربوع، حيث كانوا موالين للسلطة، وبين الثوار في السويداء الذين كانوا ضد النظام السوري. لكن كان الثوار يفتقدون التغطية الدينية من أحد تلك المراجع المذكورة، وبقي المرجع الديني صاحب الكلمة العليا.

اجتماع الزعيم الدرزي السوري الشيخ حكمت الهجري (وسط) مع أفراد من طائفته في السويداء يوم 20 فبراير (رويترز)
اجتماع الزعيم الدرزي السوري الشيخ حكمت الهجري (وسط) مع أفراد من طائفته في السويداء يوم 20 فبراير (رويترز)

ويضيف علوان: «في السنوات الأخيرة، كان حكمت الهجري، رجل الدين الأبرز، معارضاً للنظام، وبذلك أخذ دوراً أكبر بكثير من الحناوي والجربوع، وهما من أبرز المراجع الدينية الأساسية لدى دروز سوريا. ولعب الهجري دوراً كبيراً في السويداء، لكن لم يكن على علاقة جيدة مع البلعوس الذي يمثل التيار المعارض الثوري ضد النظام السوري. حيث كان هناك تنافس وصراع بين المراجع الدينية التقليدية وبين المكونات الجديدة الثورية، أي التي عارضت النظام السوري وخالفت رأي بعض رجال الدين».

معتبراً أن الفترة الأخيرة التي عارض فيها الهجري نظام بشار الأسد، فتحت خطاً مع علاقة مع موفق طريف، وهو أحد الزعماء الدينيين الدروز في إسرائيل. وبقي البلعوس وسليمان عبد الباقي على علاقة مع وليد جنبلاط في لبنان مع مجموعات عسكرية متحالفة مع البلعوس. وهذان خطان متباينان، خط الهجري مع طريف يقابل خط البلعوس وجنبلاط، وهما متباينان تماماً، وكلا الخطين استعان بحليف خارجي.

انقسامات داخلية

يشير علوان إلى أنه بعد سقوط الأسد، أصبح من الواضح أن هناك انقساماً في المشهد، مرجحاً أن تتحالف الحكومة السورية الجديدة مع تيار البلعوس وجماعته، وأن يصبح الهجري أكثر معارضة لها.

ويذهب الباحث إلى أن إسرائيل تخدم دور الهجري وتعدّه حليفاً؛ وهذا ما أثر سلباً على العلاقة بالمجتمع السوري الأوسع، معتبراً أن مطالب أهل السويداء لم تتغير وهي احترام خصوصية المجتمع الدرزي والهرمية الدينية وعدم دخول أحد من خارجهم ليحكمهم.

من المؤكد أن جميع التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية هي ذات أبعاد إقليمية أو دولية، إلى جانب التداعيات المحتملة للأوضاع الداخلية «غير المستقرة» على مستقبل البلاد ووحدة المجتمع. وتمثل إسرائيل وتهديداتها وتعهداتها بالتدخل لحماية الدروز، التحدي الأكبر لقدرة الحكومة على التعاطي مع مثل هذه الملفات.

لكن عاملي التمسك بالمركزية و«انعدام الثقة» ولو جزئياً يجعلان ملف الطائفة الدرزية ومن خلفه ملفات بقية المكونات السورية أبرز التحديات التي تواجه «الشرع» ووحدة المجتمع السوري وسيادة البلد ووحدته الترابية.