العالم يترقب رواية ماركيز الأخيرة «التي أراد تمزيقها»

بها تكتمل سلسلة أعماله... وترجمتها الإنجليزية تصدر اليوم

ماركيز وابناه
ماركيز وابناه
TT

العالم يترقب رواية ماركيز الأخيرة «التي أراد تمزيقها»

ماركيز وابناه
ماركيز وابناه

مع اقتراب الفصل الأخير من حياته، عندما كانت ذاكرته في حالة متردية، كافح غابرييل غارسيا ماركيز لإنهاء رواية له عن الحياة الجنسية السرية لامرأة متزوجة في منتصف العمر. وفي سبيل ذلك، جرب ما لا يقل عن 5 نسخ، وظل يعدِّل في النص لسنوات، عبر تقطيع الجمل، وكتابة ملحوظات بسرعة في الهوامش، وتغيير الصفات، وإملاء ملاحظات على مساعده. إلا أنه في النهاية استسلم، وأصدر حكماً نهائياً مدمراً: إتلاف الرواية.

عن ذلك، يقول غونزالو غارسيا بارشا، الابن الأصغر للمؤلف: «لقد أخبرني بشكل مباشر بأنه يجب إتلاف الرواية».

عندما توفي غارسيا ماركيز، عام 2014، جرى إخفاء العديد من المسودات والملاحظات وأجزاء من فصول الرواية في أرشيفه داخل مركز هاري رانسوم بجامعة تكساس في أوستن. وظلَّت الرواية قابعة هناك، موزعة على 769 صفحة، غير مقروءة ومنسية إلى حد كبير - حتى قرر ابنا غارسيا ماركيز أخيراً تحدي رغبة والدهما. والآن، بعد عقد من وفاته، من المقرر أن ترى روايته الأخيرة، التي تحمل اسم «حتى أغسطس»، النور، هذا الشهر، مع إصدار عالمي يشمل 30 دولة.

وتدور أحداث الرواية حول امرأة تدعى آنا ماغدالينا باخ، تسافر إلى جزيرة كاريبية في أغسطس من كل عام لزيارة قبر والدتها. وفي رحلات الحج الكئيبة هذه، التي تحررها لفترة وجيزة من زوجها وعائلتها، تجد لنفسها حبيباً جديداً في كل زيارة. وتأتي هذه الرواية بمثابة خاتمة غير متوقعة لحياة وعمل غارسيا ماركيز، العملاق الأدبي الحائز على «جائزة نوبل»، والمرجح أن تثير تساؤلات حول كيف ينبغي للمؤسسات الأدبية والناشرين التعامل مع الإصدارات التي يجري نشرها بعد وفاة كاتبها وقد تتعارض مع توجيهاته.

صورة لتصحيحات ماركيز على النسخة الأصلية

ويعج التاريخ الأدبي بأمثلة لأعمال مشهورة لم تكن لترى النور لو لم يتجاهل القائمون على تنفيذ وصية أصحابها وورثتهم رغبات المؤلفين. مثلاً، أوصى الشاعر فيرجيل، وهو على فراش الموت، بإتلاف مخطوطة قصيدته الملحمية «الإنيادة». وعندما أصيب فرانز كافكا بمرض السل، أمر صديقه المعني بتنفيذ وصيته، ماكس برود، بحرق جميع أعماله. إلا أن برود «خانه»، وقدم لنا روائع سريالية مثل «المحاكمة»، و«القلعة»، و«أميركا». كما أمر فلاديمير نابوكوف عائلته بتدمير روايته الأخيرة «أصل لورا». ومع ذلك، نشر ابنه النص غير المكتمل، الذي صاغه نابوكوف على بطاقات مفهرَسة، بعد مرور أكثر من 30 عاماً على رحيل المؤلف.

في بعض الأعمال التي صدرت بعد وفاة مؤلفيها، تبدو نيات الكاتب للنص غير واضحة؛ ما دفع النقاد والقراء إلى التساؤل عن مدى اكتمال العمل، وإلى أي مدى تدخل المحررون في المخطوطة. في بعض الأحيان، تتعرض مؤسسات أدبية والورثة لانتقادات بأنهم تورطوا في تشويه الإرث الأدبي للكاتب، من خلال نشر أعمال دون المستوى أو غير مكتملة، سعياً وراء انتزاع آخر مكسب مالي ممكن من حقوق الملكية الفكرية المرتبطة باسم العلامة التجارية الأدبية للكاتب.

وبالعودة لابنَيْ غارسيا ماركيز، اتسمت مسألة ما يجب القيام به مع «حتى أغسطس» بالتعقيد، بسبب تقييمات والدهما المتضاربة للعمل. لفترة من الوقت، عمل غارسيا ماركيز بشكل مكثف على المخطوطة، وفي وقت ما أرسل مسودة إلى وكيله الأدبي. فقط عندما كان يعاني من فقدان شديد للذاكرة بسبب الخرف، قرر أن المخطوطة ليست جيدة بما يكفي.

جدير بالذكر أنه بحلول عام 2012، لم يعد بإمكان غارسيا ماركيز التعرف حتى على الأصدقاء المقربين وأفراد أسرته، ومن بين الاستثناءات القليلة هنا كانت زوجته مرسيدس بارشا، حسبما قال ابناه. وجابه غارسيا ماركيز صعوبة بالغة في استكمال محادثة مع شخص آخر. وكان أحياناً يلتقط أحد كتبه ويقرأه، دون أن يعي أن الكتاب من تأليفه.

لقد اعترف لعائلته بأنه شعر بعدم الاتزان كفنان دون ذاكرته، التي كانت له أعظم مصدر للمادة التي يعتمد عليها في الكتابة. وقال لهم إنه من دون الذاكرة، «لا يوجد شيء». وفي ظل تلك الحالة الممزقة، بدأ يشك في جودة روايته.

وقال رودريغو غارسيا، أكبر ولديه: «فقد غابو القدرة على الحكم على الكتاب. ربما لم يعد قادراً حتى على متابعة حبكة الرواية».

وبعد معاودة قراءة النص بعد سنوات من وفاة غارسيا ماركيز، شعر ابناه بأن والدهما كان مفرطاً بقسوته في الحكم على نفسه. وعن ذلك، قال ابنه: «بدت المخطوطة أفضل بكثير مما توقعناه».

ومع ذلك، يعترف ابنا غارسيا ماركيز بأن رواية «حتى أغسطس» لا تُصنف بين روائعه، ولذلك يخشيان أن يرفض البعض نشر الرواية بوصفها مجرد محاولة لكسب المزيد من المال من إرث والدهما.

يقول الابن غارسيا: «بالطبع، ساورنا القلق من أن يجري النظر إلينا بوصفنا مجرد شخصين جشعين».

على النقيض من أعماله الضخمة التي تتسم بالواقعية السحرية (ملاحم مثل «الحب في زمن الكوليرا» و«مائة عام من العزلة» التي بيع منها نحو 50 مليون نسخة) تبدو رواية «حتى أغسطس» متواضعة. وتأتي النسخة الإنجليزية، التي من المقرر أن تصدر اليوم، والتي تولت ترجمتها آن ماكلين، في 107 صفحات فقط.

ويرى الأخوان أن الرواية الجديدة إضافة قيمة إلى مجموعة أعمال غارسيا ماركيز، وذلك لأسباب عدة، منها أنها تكشف جانباً جديداً منه؛ فللمرة الأولى في أعمال ماركيز، يركز السرد على بطلة الرواية، ويروي قصة حميمة عن امرأة في أواخر الأربعينات من عمرها، تبدأ بعد نحو 30 عاماً من الزواج، في البحث عن الحرية، وتحقيق الذات، عبر علاقات الحب غير المشروعة.

بجانب ذلك، حاول الأخوان الحدّ بأقصى قدر ممكن من التدخل في النص بالتغيير، وقررا عدم تصحيحه أو إضافة أي عبارات لم ترد في مسودات غارسيا ماركيز أو ملاحظاته.

غلاف رواية «حتى أغسطس»

ومع ذلك، قد يشكك بعض القراء والنقاد في اختيارهما لإصدار عمل عدّه غارسيا ماركيز نفسه غير مكتمل، ما قد يضيف حاشية مخيبة للآمال إلى إرث أدبي شاهق.

في موطنه (كولومبيا)، حيث يظهر وجه غارسيا ماركيز على العملة، يبدو الجميع مترقبين لصدور الكتاب، ويتوق كثيرون داخل الأوساط الأدبية إلى أي شيء جديد من تأليف غارسيا ماركيز، مهما كان غير مصقول. ومع ذلك، يشعر البعض بالقلق من الطريقة التي يجري بها بيع الرواية.

في هذا الصدد، يقول الكاتب والصحافي الكولومبي خوان موسكيرا: «إنهم لا يقدمونها لك بوصفها مخطوطة، أو عملاً غير مكتمل، وإنما يطرحونها على أنها الرواية الأخيرة لغارسيا ماركيز. من جانبي، لست مقتنعاً بهذا التفخيم الذي نضفيه عليها. أعتقد أن الأمر برمته لا يعدو لحظة تجارية عظيمة للاستفادة من توقيع غارسيا ماركيز وعلامته التجارية».

أما الروائي الكولومبي هيكتور آباد، فقال إنه كان مرتاباً بشأن نشر «حتى أغسطس» في البداية، لكنه غيَّر رأيه عندما قرأ نسخة مسبقة منها.

وقال آباد، الذي سيشارك في فعالية تحتفي بالرواية في برشلونة، عبر رسالة بعث بها بالبريد الإلكتروني: «كنت أخشى أن يكون ذلك عملاً من أعمال الانتهازية التجارية، لكن اتضح لي أن الأمر على العكس تماماً؛ فكل الفضائل التي جعلت من غارسيا ماركيز كاتباً عظيماً موجودة هنا كذلك».

المؤكد أنه كانت هناك لحظة شعر خلالها غارسيا ماركيز بأن عمله الأخير يستحق النشر؛ ففي عام 1999 قرأ مقتطفات من «حتى أغسطس» خلال ظهور علني مع الروائي خوسيه ساراماغو في مدريد. وفي وقت لاحق، جرى نشر مقتطفات من الرواية في الصحيفة الإسبانية الأولى، «إل باييس»، وكذلك مجلة «نيويوركر». إلا أنه نحى مشروع الرواية جانباً لإنهاء مذكراته، ونشر رواية أخرى بعنوان «ذكريات عاهراتي الكئيبة»، التي تباينت الآراء بخصوصها. بعد ذلك، عاود غارسيا ماركيز العمل على «حتى أغسطس» بشكل مكثف عام 2003. وبعد عام أرسل المخطوطة إلى وكيلته الراحلة، كارمن بالسيلز.

في صيف عام 2010، اتصلت بالسيلز بكريستوبال بيرا، محرر سبق له العمل مع غارسيا ماركيز في مذكراته، وقالت إن غارسيا ماركيز، الذي كان آنذاك في الثمانينات من عمره، كان يحاول إنهاء رواية، وطلبت من بيرا مساعدته. كان غارسيا ماركيز حذراً للغاية تجاه أعماله قيد التنفيذ، لكن بعد بضعة أشهر، سمح لبيرا بقراءة بضعة فصول من الرواية، وبدا متحمساً لها، حسبما يتذكر بيرا. وبعد مرور نحو عام، تعثرت ذاكرة غارسيا ماركيز، وجابه مشقة في فهم السرد، لكنه استمر في تدوين الملاحظات على هوامش المخطوطة.

في هذا الصدد، قال بيرا: «كان الأمر علاجياً له، لأنه كان لا يزال قادراً على فعل شيء ما باستخدام القلم والورق».

وعندما عمد بيرا إلى حث غارسيا ماركيز بلطف على نشر الكتاب، عارضه المؤلف بشدة. وقال بيرا: «أخبرني أنه: (في هذه المرحلة من حياتي، لستُ بحاجة إلى نشر أي شيء آخر)».

وبعد وفاته عن 87 عاماً، جرى الاحتفاظ بنسخ مختلفة من «حتى أغسطس»، في أرشيفات مركز «هاري رانسوم».

قبل عامين، قرر نجلا غارسيا ماركيز إلقاء نظرة جديدة على النص. وقالا إن الرواية بدت فوضوية في بعض الأماكن، مع بعض التناقضات والتكرار، لكنها بدت كاملة، إذا لم تكن مصقولة. كما حمل العمل ومضات من قصائده الغنائية، مثل المشهد الذي كانت فيه آنا على وشك الاعتراف بخيانتها أمام قبر والدتها، وتشد قلبها «في قبضة يدها».

وبمجرد أن اتخذ الشقيقان قرار النشر، واجها لغزاً، فقد ترك ماركيز 5 نسخ على الأقل من مراحل مختلفة من الاكتمال. ومع ذلك، ترك إشارة بخصوص أيها أفضل.

عن ذلك، قال الابن الأصغر، غارسيا بارشا: «حمل أحد المجلدات عبارة (نهائي، لا بأس به) في المقدمة».

وأضاف شقيقه: «كان ذلك قبل أن يقرر أن الرواية ليست جيدة على الإطلاق».

العام الماضي، طلب الشقيقان من بيرا تحرير الرواية. وبالفعل، بدأ العمل على النسخة الخامسة، المؤرخة يوليو (تموز) 2004، التي تحمل عبارة «نهائي، لا بأس به».

بجانب ذلك، اعتمد على نسخ أخرى كذلك، ومن وثيقة رقمية جمعتها مونيكا ألونسو، مساعدة غارسيا ماركيز، مع العديد من الملاحظات والتغييرات التي أراد المؤلف إجراؤها. في كثير من الأحيان، كان بيرا يواجه صوراً مختلفة من جملة أو عبارة؛ نسخة مطبوعة وأخرى مكتوبة بخط اليد في الهوامش.

من جهته، حاول بيرا تصحيح التناقضات، مثل عمر البطلة؛ فقد تردد غارسيا ماركيز بشأن ما إذا كانت في منتصف العمر أو أقرب إلى الشيخوخة، ووجود أو عدم وجود شارب بوجه أحد عشاقها.

وفي خضم جهود بناء النسخة الأكثر تماسكاً، وضع بيرا والشقيقان قاعدة: لن يضيفوا كلمة واحدة من خارج ملاحظات غارسيا ماركيز أو مِن النسخ المختلفة التي تركها، على حد قولهم.

أما فيما يتعلق بمصير أي أعمال أخرى غير منشورة لغارسيا ماركيز، قال ابناه إنها ليست مشكلة: لا يوجد شيء آخر. طوال حياته، كان غارسيا ماركيز يدمر بشكل روتيني الإصدارات القديمة من الكتب المنشورة والمخطوطات غير المكتملة، لأنه لم يكن يريد أن يجري التدقيق فيها لاحقاً.

وأضافا أن ذلك كان من بين الأسباب التي دفعتهم إلى نشر رواية «حتى أغسطس».

وقال غارسيا بارشا: «عندما يصدر هذا الكتاب، سنكون بذلك قد نشرنا جميع أعمال غابو. لا يوجد شيء آخر في الدرج».

* خدمة «نيويورك تايمز»



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.