ديزل وكوبر وساندرا بولوك يؤكدون نهاية عصر النجوم

بورصة النجوم الأميركية تثير التعجب

فين ديزل في «آخر صياد سحرة»
فين ديزل في «آخر صياد سحرة»
TT

ديزل وكوبر وساندرا بولوك يؤكدون نهاية عصر النجوم

فين ديزل في «آخر صياد سحرة»
فين ديزل في «آخر صياد سحرة»

بينما يعتلي «آخر صياد سحرة» The Last Witch Hunter، بطولة فين ديزل، الرقم الأول في مبيعات التذاكر في روسيا، يتوقف ضخّه التجاري عند حدود المركز السادس في الولايات المتحدة منجزًا 20 مليون دولار في أسبوعين فاترين.
هو ليس الوحيد بين الأفلام الجديدة التي تفتقر إلى شحن بطارياتها الجماهيرية. «محروق»، جديد الممثل برادلي كوبر، احترق فعلاً في «شباك التذاكر» مسجلاً في أسبوعه الأول 6 ملايين دولار في أميركا الشمالية أي نصف ما سجله «المريخي» (بطولة مات دامون) في أسبوعه الرابع الذي حافظ فيه على موقعه الأول.
فيلم ساندرا بولوك الجديد «مهنتنا هي الأزمة» Our Brand is Crisis دخل أزمة فعلية عندما حط متأخرا في قائمة المبيعات في الأسبوع الماضي ثم تدحرج إلى الوراء جامعًا حتى الآن 4 ملايين دولار.
في المحصلة فشل ذريع لثلاثة ممثلين اعتبروا من نجوم هذا الزمن يأتي في أعقاب فشل نجوم آخرين في السنوات القليلة الماضية من بينهم جوني دَب في «ذا لون رانجر» وروبرت داوني جونيور في «القاضي» وجورج كلوني في «تومورولاند» - كلوني هو أحد منتجي «مهنتنا هي الأزمة»، وول سميث في «آني» و«بعد الأرض» والقائمة طويلة.

العامل الثلاثي
في المقابل، فإن الأفلام الثلاثة الأولى الأكثر نجاحًا في الشمال الأميركي (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) هي فيلم الخيال العلمي الجديد لريدلي سكوت «المريخي» (في المركز الأول) والفانتازيا الولادية Goosebumps (في المركز الثاني) وفيلم ستيفن سبيلبرغ «جسر الجواسيس» (في المركز الثالث).
من الوهلة الأولى يعطينا ذلك انطباعًا أن وجود مات دامون في بطولة «المريخي» وتوم هانكس في بطولة «جسر الجواسيس» هو السبب في نجاحهما. لكن إذا ما كان هذا هو السبب فلم لم ينجح فيلم برادلي كوبر «محترق» أو فيلم ساندرا بولوك «مهنتنا هي الأزمة»؟ ثم ماذا عن الفيلم الثاني في القائمة «غوزبامبس»؟ صحيح أن اسم الكوميدي جاك بلاك يعلوه، لكن هذا الممثل ذو الصفحة المتباينة من النجاحات يمثل بصوته بينما تتوزع البطولة الفعلية على شبان وشابات لم يسمع بهم أحد من قبل: ديالان مينيت، أوديا راش، رايان لي، جيليان بل.
احتمال أجدر بالنظر هو أن اسم كل من ريدلي سكوت المعروف بأفلامه الخيال - علمية وستيفن سبيلبرغ، الغني عن التعريف، هو من أول الفيلمين إلى نجاحاتهم الحالية في أميركا. الأول أنجز للآن 186 مليون دولار والثاني 50 مليون دولار في أسبوعيه. لكن هذا العامل ربما جذب ثلاثين في المائة من المشاهدين، ماذا عن الثلثين الآخرين؟
التحليل يصل بنا إلى أن هذين الثلثين اندفعا لمشاهدة الموضوع الماثل.
«المريخي» يقوم على فكرة لا يمكن زعزعتها: ماذا لو وجد ملاح فضاء نفسه وحيدًا فوق كوكب المريخ؟
«جسر الجواسيس» يستعيد حكاية المحامي الذي جهد في سبيل استعادة الطيار الأميركي الذي سقط فوق الاتحاد السوفياتي في الستينات وتم اعتقاله وسجنه هناك بتهمة التجسس.
كلاهما يستفيد طبعًا من وجود هانكس (المحترم جدًا بين فئات مشاهدين مختلفة) في «جسر الجواسيس» ومات دامون (مكانة شعبية ممتازة بدوره) في «المريخي»، لكن هل لو أن برادلي كوبر هو من مثّل دور مات دامون عوض تمثيله «محترق» لحقق الفيلم النجاح ذاته؟ أو لو أن جورج كلوني هو من لعب دور المحامي في «جسر الجواسيس» لكان استعاد بعض نجاحه المندثر هذه الأيام؟

أدوات اللهو
لعل الأكثر صوابًا هو القول إن عصر النجومية انتهى على النحو الذي شهدناه أيام كلينت ايستوود وورن بيتي وجاك نيكولسون وسيدني بواتييه وباربرا سترايسند وميريل ستريب (سقط فيلمها الأخير «ريكي أند ذا فلاش» على نحو ذريع قبل شهرين) وسواهم في السبعينات. لم يتوان الجمهور الكبير عن الزحف للاحتفاء بإيستوود سواء في فيلم بوليسي (سلسلة «ديرتي هاري») أو وسترن («الخارج عن القانون جوزي وَلز» و«غير المسامَح») أو في دراما أخرى («الهروب من الكاتراز» و«برونكو بيلي»). ومع أن باربرا سترايسند لعبت في مزيج معتدل من الأفلام الرديئة (مثل «ينتل» و«طوال الليل») والجيدة («كيف كنا» و«ما الجديد يا دكتور؟»)، أو على الأقل المصنوعة جيدًا ضمن التوليفة التقليدية («فتاة غريبة»، و«مولد نجمة») إلا أن معظم أعمالها (العشرين حتى الآن) نجحت تجاريًا.
الحال ذاته للواردة أسماؤهم وسواهم من نجوم الفترة. فما الذي يمكن أن يكون حدث في ثلاثين أو أربعين سنة؟
الكثير. الجمهور، وقد تعددت أدوات لهوه، أصبح أكثر انتقاء يساعده على ذلك أن هوليوود تفتح علب الأفلام المتشابهة التي تشكل سلاسل لا تنتهي. لا عجب أن النجاح الأكبر لجوني دب، مثلاً، ينتمي إلى سلسلة «قراصنة الكاريبي» والنجاح الوحيد لروبرت داوني جونيور هو سلسلتا «شارلوك هولمز» (بعد تحديثها لتلائم منسوب ذكاء أقل) و«آيرون مان»؟ وهل ترى كرستيان بايل اليوم ينجز ما يوازي نجاحات سلسلة «باتمان» التي لعب بطولتها؟ أما فين ديزل فهو على القمة في مسلسل «سرعة وغضب» وبعيدًا عنها عندما يمثل فيلمًا آخر كما هو ماثل الآن.

بلا ضمانة
ما يحدث في هوليوود الغرب على هذا الصعيد هو ما يحدث في هوليوود الشرق. بينما تؤكد الأخبار الصحافية المتكررة استخدام كلمة «نجم» لوصف هذا الممثل أو ذاك، فإن جميع من يرتدون هذا الوصف يعانون من الهزال التجاري مما يجعل اللباس فضفاضًا. كحال نجوم هوليوود في السبعينات، انكفأ نجوم الفترة وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين من يسرا إلى ليلى علوي ونبيلة عبيد ونادية الجندي إلى محمود ياسين وصولاً إلى حسين فهمي. صحيح أن كل هؤلاء ما عادوا شبابًا، لكن الغائب ليس شبابهم بل وجودهم أساسًا.
لتأكيد ذلك يكفي النظر إلى قائمة الأفلام المعروضة حاليًا في مصر: خمسة أفلام مصرية مقابل خمسة عشر فيلمًا أميركيًا. الأفلام الخمسة («أهواك» و«عيال حريفة» و«الجيل الرابع 4G» و«ولاد رزق» و«4 كوتشينة» جمعت منذ بداية عرضها (بعضها من أيام عيد الأضحى) وإلى اليوم نحو عشرة ملايين دولار. أي ما يوازي مليوني دولار للفيلم الواحد، علمًا أن بعضها بطبيعة الحال، حصد أكثر من بعضه الآخر.
المفاد هنا هو أنه لا يهم من على رأس قائمة «النجوم» هذه الأيام في هوليوود أو في القاهرة أو في سواهما. هناك عصر انتهى وآخر بزغ. ذلك البائد كانت الأمور فيه أكثر وضوحًا: ممثلون يرفعون من القيمة التجارية لأي فيلم يحمل أسماءهم. الجديد عصر ليس فيه ما هو مضمون.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.