«الأونروا»... تاريخ حافل ومشرّف من الإغاثة والتأهيل

إحدى مدارس الوكالة (ألأونروا)
إحدى مدارس الوكالة (ألأونروا)
TT

«الأونروا»... تاريخ حافل ومشرّف من الإغاثة والتأهيل

إحدى مدارس الوكالة (ألأونروا)
إحدى مدارس الوكالة (ألأونروا)

> يوم 18 يوليو (تمّوز) 1948، أي بعد شهرين على إعلان قيام دولة إسرائيل، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (يومذاك) ديفيد بن غوريون في مذكراته: «يجب علينا التأكد من أنهم لن يعودوا».

ذلك «الضمير الغائب» كانوا السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 700 ألف، الذين طردوا من ديارهم أو أجبروا على النزوح خوفاً من المذابح التي ترتكبها الميليشيات الصهيونية.

شعار "الأونروا" على شاحنة إغاثة (رويترز)

وذلك الجرح الجماعي يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأيضاً من تاريخ إنشاء «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» في الشرق الأوسط، المعروفة بـ«الأونروا» نسبة إلى اسمها الإنجليزي المختصر، والتي تقدّم المساعدات الإغاثية والإنسانية من خدمات صحية وتعليمية وفرص عمل إلى اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة ولبنان والأردن وسوريا.

لقد تحوّلت هذه الوكالة - التي لها صفة المؤقتة منذ إنشائها - بأرشيفها البصري وسجلاتها، إلى الجهة الدولية الوديعة لما يشكّل «جواز السفر» الذي من المفرض أن يضمن للفلسطينيين حق العودة الذي اعترفت به الأمم المتحدة عام 1948... بالرجوع إلى الأراضي التي تحتلها اليوم إسرائيل، واستعادة ممتلكاتهم أو الحصول على تعويض ما تضرّر أو اندثر منها، وهو الحق الذي ما زالت الدولة العبرية تصرّ على رفضه.

من أولئك اللاجئين الذين أحصتهم الأمم المتحدة عام 1948 لم يتبقّ سوى قلّة قليلة، لكن الباقين منهم على قيد الحياة والمتحدّرين منهم يبلغ عددهم اليوم قرابة 6 ملايين مسجّلين لدى «الأونروا» في قطاع غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان والأردن.

دافيد بن غوريون (آ ب)

وهنا تقول الباحثة المكسيكية جوليتا أوكامبو، المتخصصة في شؤون اللاجئين والمحاضِرة في الجامعة الأوروبية، إن عودة الفلسطينيين إلى ديارهم من شأنها أن تترك اليهود في موقع الأقلية، وتهدّد طابع «الدولة الأمّة للشعب اليهودي»، أي أنها ستكون خطراً يتهدّد وجود الدولة العبرية.

وبالتالي، تعتقد أوكامبو أن أحد الأسباب الرئيسية وراء الاتهامات التي وجّهتها إسرائيل إلى عدد من موظفي الوكالة بمشاركتهم في عملية «طوفان الأقصى»، هو أن «الأونروا» هي أيضاً الجهة الشرعية الوديعة لحق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

وجاء في تقرير وضعه «مركز الموارد لحقوق اللاجئين الفلسطينيين وإقامتهم» (بديل)، وهو منظمة استشارية لدى الأمم المتحدة مقرّها في رام الله، إن الاتهامات التي توجهها إسرائيل منذ سنوات ضد «الأونروا» تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تفاقمت خلال حرب غزة، أبرزها:

أولاً، قطع المساعدات الإنسانية من أجل دفع الفلسطينيين خارج القطاع من أجل ضمّه لاحقاً إلى إسرائيل التي تهدف إلى فرض ما يسمّى في القانون الدولي «الإطار القهري». وذلك أن قطع الطعام والماء والخدمات الطبية والكهرباء والمأوى يجعل الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: تبقى وتموت... أو ترحل.

وثانياً، القضاء نهائياً على «حق العودة» لما يقرب من ستة ملايين فلسطيني الذي رفض المفاوضون الفلسطينيون دائماً التنازل عنه في جميع المفاوضات.

وتؤكد لبنة شمالي، الباحثة في المركز المذكور، أن «مجرد وجود هذه الوكالة التي أنشأتها الأمم المتحدة لتقديم المساعدات إلى اللاجئين الفلسطينيين، بحد ذاته تهديد لسردية إسرائيل وإصرارها الدائم على أن اللاجئين الفلسطينيين لا وجود لهم، وبالتالي، لا وجود لحق العودة».

هذا، وفي تغريدة على حسابه مطالع الشهر الفائت، قال الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي: «إن حق العودة الذي يطالب به الفلسطينيون هو بمثابة حق مطلق للهجرة يعطى لستة ملايين شخص». مع العلم أن قوانين الدولة العبرية تنصّ على هذا الحق المطلق لجميع اليهود حيثما كانوا وأيّاً كانت الجنسية التي يحملون.

وعلى الرغم من أن ولاية «الأونروا» لا تشمل مساعدة الفلسطينيين على العودة إلى ديارهم، فإن نص القرار 302 الذي أنشئت بموجبه عام 1949 يشير إلى قرار آخر هو القرار 194 الذي يعترف بحق العودة.

وهنا توضح الباحثة أوكامبو، التي وضعت أطروحتها في العلاقات الدولية حول «الأونروا» قائلة: «ينقل عن بن غوريون قوله بعد النكبة: الكبار سيموتون والشباب سينسون»، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي (يومذاك) لم يتنبّه لقوة المشاعر القومية لدى الفلسطينيين وإصرار اللاجئين على العودة. ولم يكن يتوقع أن تساهم «الأونروا» بشكل غير مباشر في الحفاظ على ذاكرة الشعب الفلسطيني وبناء القومية الفلسطينية».



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،