حذر خبراء تحكيم عرب من غياب الصافرة السعودية عن الوجود، للمرة الثانية على التوالي، في نهائيات «كأس العالم 2026»، ما لم تجد الثقة محلياً، خصوصاً في مباريات «الدوري السعودي للمحترفين».
وبيَّن الخبراء أن لجنة التحكيم في «فيفا» دائماً ما تشدد على أن منح الثقة لأي حكم حول العالم لا يتعلق بالبلد الذي ينتمي له، أو قوة المنافسات الكروية فيه، بل إن المقياس هو الأداء الفني الشخصي للحكم، والثقة التي ينالها بتحكيم المنافسات الكروية هناك، مشددين على أن الأخطاء التي تحصل من الحكم المحلي يتم تضخيمها من قبل بعض الإعلام. في المقابل يتم تجاهل كثير من الأخطاء من التحكيم الأجنبي، رغم الرقم المالي الكبير المترتب على كل نادٍ دفعه في حال طلب طواقم تحكيم أجنبية.
وقال الحكم الإماراتي علي بوجسيم إن الحكم السعودي (رغم كل ما يلقاه من الاتحاد السعودي لكرة القدم من دعم مالي وتأهيل وإمكانيات مالية) فإن النقطة الأهم في تطويره هي قيادة المباريات التنافسية، أو حتى الأقل منها، في حال وجود طرف من الفرق الجماهيرية، ويعني ذلك أن هناك حلقة أساسية مفقودة في التطور.
وأضاف: «للأسف، الأمر لا يتوقف على الدوري السعودي، بل إن الحكم الإماراتي أيضاً يمر بالأزمة ذاتها، وقد يكون الحكم محمد عبد الله حسن آخر جيل المبدعين الذين نالوا الثقة وكان موجوداً في مباريات مهمة بالسنوات الأخيرة، من بينها مباراة الأردن وكوريا الجنوبية في كأس آسيا الماضية بالدوحة، حيث حقق نجاحات كبيرة في القرارات التحكيمية قياساً بحساسية وقوة المباراة التي كانت في الدور نصف النهائي من البطولة القارية».
وكان الاتحاد الإماراتي لكرة القدم أعلن فتح المجال لطلب طواقم التحكيم الأجنبية دون تحديد الرقم للطلبات، في خطوة سبقه بها الاتحاد السعودي، حيث تم فتح المجال للأندية لطلب الطواقم التحكيم الأجنبية، وإن كان في جميع المباريات؛ سواء كان النادي الراغب في التحكيم الأجنبي يلعب على أرضه أو خارجها.
وبالعودة إلى الحكم المونديالي الأشهر في منطقة الخليج العربي، فقد بيَّن بوجسيم أن الإيطالي كولينا، رئيس لجنة الحكام في الاتحاد الدولي (فيفا)، ذكر في أكثر من مناسبة أن الأساس في الحكم أن ينال الثقة في بلاده، قبل أن يسعى لتعزيزها في الاتحاد القاري أو الدولي وقيادة مباريات، لأن إبعاده عن قيادة المباريات المحلية يعني أنه غير ذي كفاءة؛ فكيف تتم الاستعانة به لقيادة المباريات الدولية؟!
وشدد على أن الأخطاء التحكيمية تحصل؛ سواء مع الحكم المحلي أو الأجنبي، ولكن المشكلة الرئيسية في أن الأندية يمكن أن تتجاهل أخطاء الحكم الأجنبي وتصعِّد في أخطاء الحكم المحلي، وهذا غير عادل، والأمر يتعلق أيضاً بالإعلام وثقته في التحكيم.
وعدّ أن البطولات الكبرى التي تغيب عنها طواقم تحكيم عربية تعني أن هناك تراجعاً في الثقة بالتحكيم العربي على الصعيد الدولي، وأساس التراجع يعود في المقام الأول إلى الاتحادات المحلية في الدول العربية.
وتمنى أن ينال التحكيم العربي ثقة أكبر، أو على الأقل الحفاظ على الأسماء من الحكام الدوليين ليسلكوا مسار نيل الثقة للوجود في «مونديال 2026» بمنحهم ثقة أكبر في قيادة المباريات المحلية الكبيرة حتى تتعزز حظوظهم في الوجود بالمونديال المقبل.
من جانبه، قال جمال الغندور، الحكم المصري المونديالي، إن الحساسية المفرطة في الحكم المحلي في الدول العربية واضح، خصوصاً في الدوريات الكبيرة والمتطورة التي تشهد تنافساً كبيراً وصرفاً عالياً.
وأضاف: «في الدوري السعودي مثلاً هناك أخطاء من الحكم المحلي، وأيضاً من الحكم الأجنبي، وأحياناً من الحكم الأجنبي تكون الأخطاء أكثر فداحة، لكن للأسف التركيز على أخطاء الحكم المحلي وتجاهل كثير من أخطاء الحكم الأجنبي».
وعن تحليلاته المثيرة لبعض الحالات التحكيمية في الدوري السعودي، ومن بينها مباراة النصر ضد الفتح، ومن ثم الهلال ضد الرائد، والإشارة إلى استحقاق الفتح ركلة جزاء ضد النصر، وأيضاً استحقاق الهلال ركلة جزاء ضد الرائد، قال: «أنا واضح؛ أتكلم بالقانون، والحالات التي حصلت من طواقم تحكيمية محلية وفي المباراة الثانية طواقم تحكيم أجنبية، وهذا يعني أنني لا أنظر لجنسية الحكم، بل إلى الأخطاء التي ارتكبها».
وأضاف: «في المقابل، هناك مَن يكون حساساً أكثر من اللازم تجاه الآراء التحكيمية التي أقولها، ويصورها على أنها ضد هذا الفريق ومع هذا الفريق، وفي الحقيقة أنا لا يهمني مَن يفوز ومَن يخسر بقدر ما يهمني المساهمة في نشر الثقافة في الجانب التحكيمي، وما دامت هناك كرة قدم؛ فهناك أخطاء، وإن استُخدمت أحدث وسائل التقنية».
وشدد على أن الحكم المحلي يجب أن ينال ثقة في الدوري السعودي؛ إن كانت هناك جدية في تأهليه للوجود في البطولات الدولية الكبرى، سواء كأس العالم أو الأولمبياد أو البطولات القارية، لأن رئيس «الاتحاد الدولي للتحكيم» قال ذلك بصراحة ووضوح؛ إن الذي لا ينال الثقة من اتحاد الكرة وأندية بلاده لا يمكن أن يكسبها بسهولة من الاتحاد الدولي لقيادة مباريات دولية في المنافسات الكبرى.
ورأى أن حكم كرة القدم يُعد سفيراً لبلاده في البطولات الكبرى، كما الحال للمنتخبات أو الفرق، ولذا يجب دعمه والثقة فيه بشكل أكبر.
أما البحريني جاسم مندي المحاضر التحكيمي الدولي، فقد جدد التأكيد على أن الحكم السعودي يستحق نيل المزيد من الثقة من قبل الأندية السعودية، خصوصاً قيادة المباريات الكبيرة والجماهيرية، لأنه لا يمكنه أن ينال مكانة وثقة على الصعيد الدولي، ما لم ينَل مكانة وثقة على الصعيد المحلي.
وأوضح أن هناك العديد من الأسماء التحكيمية البارزة في السعودية التي نالت فرصاً جيدة في المنافسات الكروية الكبيرة، إلا أن استمرار وجودها مهدَّد، لأن عدم تطورها من خلال الحضور بقوة في الساحة المحلية يعني تراجع الثقة بها دولياً، وهذا شيء طبيعي.
وأشار إلى أن هناك حكاماً من دول متراجعة جداً على الصعيد الدولي، ويوجد بها حكام يقودون مباريات أكثر أهمية من حكام ينتمون إلى دول متقدمة كروياً على الصعيد القاري، وحتى الدولي، وهذا يعكس الصورة بأن الأندية المحلية واتحاد اللعبة في كل دولة هما الأساس الذي يمكن أن يعتمد عليه الحكم المحلي لينال الثقة خارجياً.
ورأى أن أخطاء الحكام الأجانب قد تكون في بعض المباريات التي يقودونها بالمنافسات الكروية السعودية، أكثر تأثيراً، إلا أن هناك مَن يصر على أن التحكيم المحلي أقل قيمة وقدرة رغم التكلفة المالية الكبيرة أيضاً في استقطاب التحكيم الأجنبي.
وكان الحكم الكويتي أحمد العلي قد قاد مباراة قطر وإيران في نصف نهائي كأس آسيا، التي كانت من أقوى المباريات في وقت يُعد الدوري الكويتي متراجعاً جداً، وأيضاً التصنيف القاري للأزرق متراجع، حتى إن المنتخب الكويتي كان الخليجي الوحيد الذي لم يوجد في النسخة الأخيرة من نهائيات كأس آسيا التي أقيمت في الدوحة بمشاركة أكبر عدد من المنتخبات العربية في تاريخ البطولة القارية.
وإثر هذا الوجود المميز للحكم أحمد العلي، تم الإعلان عن اختياره ضمن القائمة الأولية للحكام الآسيويين للمشاركة في إدارة مباريات نهائيات «كأس العالم 2026».
كما أن مَن قاد النهائي القاري الذي جمع بين قطر والأردن هو الصيني مانينغ مِن دولة لا تُعدّ متطورة في كرة القدم.
بقيت الإشارة إلى أن فرهاد عبد الله رئيس دائرة التحكيم في الاتحاد السعودي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عملاً كبيراً لوجود عدد مِن الطواقم التحكيمية السعودية في المونديال المقبل، إلا أن المتابعين يرون استحالة ذلك، في ظل عدم نيل طواقم التحكيم السعودية، ممثلة في حكمَي الساحة خالد الطريس ومحمد الهويش، فرصة الوجود في الأدوار المتقدمة بنهائيات كأس آسيا الأخيرة، رغم أن المنتخب السعودي غادر من الدور ثمن النهائي.
يُذكر أن المميزات المالية التي بات ينالها حكم كرة القدم في السعودية المصنف دولياً تتجاوز المميزات التي ينالها كثير من الحكام في الدوريات العالمية الكبرى حول العالم، في خطوة تهدف إلى التحفيز للتألق، إلا أن عدم نيل الثقة محلياً يجعل هذه المميزات غير مساهمة بشكل فعال في تطور الأداء.