يجنح بعض النقاد والأدباء إلى عد المنجز الإبداعي مادة معنوية بامتياز، وانطلاقًا من ذلك يفصلون أداءهم سواء الأدبي أو الإبداعي عامة عن المدارس النقدية، فيصبح باختلاف أنواعه خاضعًا لقواعد نقد غير موضوعية لا تنسجم حتى مع ما أورده قدماؤنا من نظريات خلال العصور المنصرمة في مجال النقد الشعري، التي قد تنطبق بمجملها على الأنواع الأدبية الأخرى، مما يكرّس حواجزَ تتحكّم في المنجز الإبداعي؛ إذ يتّجه نحو إرضاء أهواء البعض على حساب الجودة الأدبية، مثل الجوائز التي راحت تنمو وتتكاثر مثل الطفيليات دون الإعلان عن قواعد ثابتة لها. وبالتالي تشكّل كل تلك العناصر مجتمعةً جدارًا فاصلاً في الغالب بين المنجزات الأدبية العربية والأجيال الصاعدة التي وُضِع الأدب العالمي في متناولها وبكبسة زر.
انطلاقًا مما تقدَّم، يجد الكاتب والقرّاء على حدٍّ سواء أنفسهم أمام التساؤل الأبرز: أين هو النقد اليوم؟ وما المهام التي يضطلع بها؟ قد تكون الإجابة الأولى التي تتبادر إلى ذهن كثيرين أن النقد الأدبي يتأرجح اليوم بين مطرقة إيجاز أحداث العمل الإبداعي وسندان الاستهزاء، أي المديح الكامل أو الانتقاد المشبع. وكلاهما غير حيادي. إلا أننا وفي إطار البحث نجد توالد نوع جديد من الكتابة عن المنجز الإبداعي، الذي لا يجوز حتى إدراجه في إطار النقد الأدبي، كونه أشبه بمقال إعلاني، لا يجد إحراجًا في إمطار الكاتب بالإطراءات غير المبرّرة، ولا حتى في الكتابة عن المنجز نفسه أكثر من مرة دون مبرر واضح أو منطقي، وبلغة دعائية تعتمد أسلوب وصياغة الجملة التسويقية والترويجية أي ما يُسمّى تقنيًا بالـ«Call to Action» وهي عبارات تدعو المتلقي وبشكل مباشر إلى القراءة، فشتّان بين أن يقول الكاتب «الناقد» عن منجز إبداعي إنه يستحق القراءة، وأن تكون صياغة عبارته، في مقالة كالآتي: «جلّ ما كنت أريد فعله هو دعوتكم إلى قراءتها بإصرار. بإصرار لا بد يوحي بأني أبالغ»، أو ببساطة أكبر أن يختم ما يسمّيه مقالة ثقافية بـ«اقرأوها» على سبيل المثال لا الحصر.
في الحديث عن النقد الأدبي، لا يمكن إغفال عنصر مرتبط ارتباطًا وثيقًا به وهو التخصص. فسواء في الصحف أو المجلات، فإن الناقد الأدبي، وإن اتّسمت مطالعته بالإيجاز، لضيق المساحة المخصصة، لا يحق له أن يحول مقالاً نقديًا إلى وجبة سريعة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الوجبة النقدية السريعة قد تتسلّح بإيجازها مشوبة بالاستسهال لتضلل القارئ وتشرد به عن المحتوى المقصود، إذ غالبًا ما تحاول إرضاء الكاتب في حالة ما أو رجمه بتعليقات غير مبررة بمزاجية، وكلتا الحالتين مرتبطتان لا شك بالعلاقات الشخصية.
وإن كان الناقد يخفق في أداء واجبه من حيث الحكم المنطقي والموضوعي على المنجز الإبداعي، كيف له أن يتعمّق في مشكلات أكثر تعقيدًا تسبر أغوار اللغة ليصدر حكمًا بناءً على معطيات علمية صرفة؟
أين هو النقد اليوم؟
أين هو النقد اليوم؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة